المقالات

«الرَّبيع الأوَّل»: قراءة السيرة النبويّة وفق المعطيات الجيوسياسية

عن موقع عربي بوست

بدأت علاقتي بالسيرة النبويّة -كحال أغلب المسلمين- في وقتٍ مبكّر، فمنذ نعومة أظفاري وأنا أحفظ “طلع البدر علينا”، ومع تقدّمي في العمر رويداً رويداً كنت أعرف قصّة فتح مكّة، ومن قبلها الحديبية، وقصة كسرى الذي دعا عليه الرسول: “مزّق الله ملكه” فتمزّق بعدها بشهور، لكني لم أعلم حقيقةً كيف مزّق الله ملكه؟ وما سياق سقوطه؟ علاوة على الكثير من القصص والروايات التي أحفظها عن ظهر قلب، وتروي لنا قصّة الإسلام ورسوله الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وأيّده بنصرٍ من عنده.

مع مرور الوقت وتعدد قراءاتي في السيرة أدركتُ أنّ المعلومات وحدها قد تتحوّل لأكاذيبَ دقيقة؛ لأنّ “المعلومات المنقطعة عن الدوافع والمسببات لا تفيدُ في فهم الواقع”، وهي إحدى القواعد المنهجيّة التي وضعها الأستاذ وضّاح خنفر في كتابه “الرّبيع الأوّل.. قراءة سياسية واستراتيجيّة في السيرة النبويّة”، الذي نُشر منذ أيّام قليلة عن “دار جسور للترجمة والنشر”، وأتناوله في هذا المقال. فبعد قراءتي للكتاب تغيّرَتْ -أو للدقّة تطوّرت- علاقتي بالسيرة ونظرتي لها.

ولأعود إلى الوراء قليلاً في قراءاتي للسيرة. فقد تعرَّفتُ على الدكتور طه العلواني رحمه الله في عام 2014، وعملتُ معهُ مساعداً في أحد كتبه. وكان طوال الوقت يراوده حلمٌ قديم: كتابة سيرة النبيّ الكريم من خلال القرآن. فإذا كان رسول الله “قرآناً يمشي على الأرض” كما ذكرت السيدة عائشة، فبالتالي يمكننا الاستعاضة عن أغلب روايات الإخباريين العرب المليئة بالتهويل أحياناً بالاعتماد على رواية القرآن لتلك الأحداث، ومن هنا بدأ المشروع الذي استغرق قرابة ثلاث سنوات.

كان المشروع على طرف الاكتمال حينما وافت الدكتور منيّته في مارس (آذار) 2016. توقّف المشروع وغاب في أدراج المكاتب المنسيّة، ولم يُنشر حتّى الآن. كانت هذه المحاولة جريئةً للغاية، أُسمّيها “محاولة للقفز”، لكنّها لم تكتمل، وربّما افتقرت أيضاً إلى عدّة عناصر منهجيّة أخرى.

ومن هذه التجربة تعرّفت على مجهودٍ سابق مميّز وثري للأستاذ محمّد عزة دروزة النابلسي، الذي ألّف كتابه: “سيرة الرسول- صور مقتبسة من القرآن الكريم”. وقد نحا فيه هذا المنحى الذي حاول أن يطوّره الدكتور طه، رحمهما الله.

ومع هذه التجربة وتلك كانت قراءتي للسيرة النبويّة تتطوّر وتتغيّر. إلى أن وقع أمامي كتاب “الربيع الأوّل”، وهو في رأيي أحد أهمّ الكتب التي تناولت السيرة النبويّة بالتحليل والشرح؛ فمنهجه مختلف وتطبيقاته متوازنة على الأحداث النبويّة.

*****

اعتبر الروائي العالمي جابرييل جارسيا ماركيز أنّ الصحافة “أجمل مهنةٍ في العالم”، وبغضّ النظر عن تلك المبالغة الأدبيّة من رجلٍ كانت أغلب رواياته مبنيةً على تحقيقاته الصحفية الميدانيّة؛ فإنّ الصحافة الحقيقيّة تُكسِبُ صاحبها عدّة مهارات، من ضمنها التشكُّك في الروايات، وبالتالي التحقُّق منها وفق مقارنة ومقاربة زوايا الروايات المختلفة، ووضعها في سياقها، وبالتالي معرفة أسبابها ونتائجها على بصيرة.

إنّ مصادر السيرة النبويّة المعتادة هي رواياتٌ وإخباريّات بعضها مُرسَل، وبعضها ربما خضع لعوامل “التعرية الزمنيّة” التي تأتي على كلّ شيء، في ظلّ ضعف التدوين والتأريخ عند العرب في تلك الفترة المبكرة. لكنّ المثير في هذا الكتاب أنّه لا يَعِدُنا بمداعبة مشاعرنا وعواطفنا الدينيّة بقدر ما يعطينا درساً تاريخياً في فهم الواقع والبناء عليه وفق سياسةٍ واستراتيجيةٍ محكمة.

فأحد محددات المنهج الذي اعتمده المؤلف في تعامله مع نصوص السيرة ينبني على “القرآن الكريم مصدر أولي” لا يتسرَّبُ إليه الشكّ، وثانياً: “الروايات العربية” عن السيرة ومقارنتها بما ورد في المصادر التاريخية الأخرى عند الفُرس، والحبشة، والحِميريين، وخصوصاً عند البيزنطيين الذين اهتموا اهتماماً خاصاً بالتأريخ، وعلى هذا عاد المؤلف ليقارن الروايات العربيّة بغيرها عند الرومان والفرس، بل لقد عاد لبعض النصوص المكتوبة بـ”خطّ المُسنَد”، وهو الخط اليمنيّ القديم. وارتباطاً وبناءً على هاتين القاعدتين، نصلُ إلى القاعدة المنهجيّة الثالثة وهي: “قراءة الأحداث المنفردة في سياقٍ عام”.

إنّ هذا المجهود في الكتاب يشكِّل ذروة التحقيقِ الصحفيّ في الأحداث التاريخيّة المنفردة والمتباعدة. قراءةً للصورة الكاملة والكليّة للعالم في تلك الفترة، ومقارنةً بين الروايات المتعدِّدة للحضارات المختلفة عن نفس الحدث، بل قراءة لتلك الروايات المتعددة في سياقٍ سياسيٍّ واستراتيجيٍّ عام ومتكامل.

*****

لا تموتُ الإمبراطوريات الكبرى فجأةً. قاعدةٌ تصلح لذلك الزمان القديم كما تصلح لزماننا المتسارع والمتغيّر بوتيرةٍ مخيفة. ولهذا أمثلةٌ كثيرة، ليس آخرها أفول الإمبراطورية العثمانية الواسعة التي انهارت على مدار قرنين كاملين من الزمان، فقد بقيت عبر “قوّة الدولة المختزنة” وفق تعبير المؤرخ اللبناني محمد سهيل طقوشِ. إنّ هذه القوّة المختزنة للدولة (أو الإمبراطورية) تمدُّها بأسباب التماسك حِيناً والنهوض حيناً في أثناء شيخوختها، إلى أن تأتي اللحظة التي يمكن أن نسمّيها “حركة التاريخ” التي تأتي على كلِّ شيءٍ أمامها، وتقضي عليه.

يطوّف بنا الكتاب في هذا العالم القديم، ويعطينا نظرةً شاملةً على الإمبراطوريتين الكبيرتين المتصارعتين منذ سبعةِ قرون، وعلى الدول الأخرى المتحالفة و”الذيول” التابعة لهاتين الإمبراطوريتين الشائختين، من المناذرة، والغساسنة، والحميريين، ومملكة أكسوم (الحبشة).

كما يُطلعنا على الحرب العالميّة التي قامت قبل قرنٍ تقريباً من بعثة النبي الكريم، وكيف أنّ هذا الصراع العسكريّ المتعاظِم أدّى في نهاية المطاف إلى تهشيم قوّة هاتين الإمبراطوريتين، ليصبحا بعد سنواتٍ قليلة من بعثة النبيّ ميراثاً بائداً وأثراً بعد عين، كما يقول الشعراء.

لكنَّ الكتاب يتلمَّس طريقه بحذرٍ وهو يقارنُ بين هذه الروايات وتلك؛ حتّى يَخرج لنا بالصورة المتكاملة للوضع الجيو-سياسي في تلك الفترة التي تحملُ بذور تغيير العالم، وستخرج بالعرب والمسلمين باعتبارهم الإمبراطورية الأقوى على الكرة الأرضية. لكي تَرِث الحضارة الإسلاميّة الحضارتين السابقتين منتجةً حضارةً هي نفسها التي انبنتْ عليها الحضارة الحديثة.

بهذه الطريقة التحقيقيّة لن تظلّ غزوة مؤتة -في تصورنا العاطفيّ البسيط النابع من روايات الإخباريين- تلك الغزوة التي تَوَاجَهَ فيها جيش المسلمين الصغير البالغ 3 آلاف مقاتل بجيش الروم العرمرم، البالغ 100 ألف، وفي بعض الروايات 200 ألف، ولم يستشهد من المسلمين في المعركة سوى 13 فقط!

فيعود الكتاب بنا إلى السياقات التاريخية الأكبر، والروايات البيزنطيّة التي دوّنت أنّ هرقل قد وقّع معاهدة انسحابٍ تام مع الفرس في يوليو (تمّوز) عام 629، في مدينة كابادوكيا (في تركيا الحالية)، وعلى إثر الاتفاق لم تعد هناك قوّاتٌ بيزنطيةٌ ضخمة في منطقة مؤتة، وإنّما حاميةٌ عسكريّة بسيطة لا تتجاوز 5 آلاف مقاتل، إلى جانب قبائل العرب الموالية لهم (قضاعة، ولخم، وجذام، وغيرهم)، وكان يطلق عليهم “قوات حراسة الصحراء”. وقائد العرب منهم هو شرحبيل بن عمرو الغسّاني -وهو والٍ عربي من ذيول الروم- كان قد قَتل رسولَ النبيِّ الكريم إليه.

وغنيٌّ عن الذكر أنّ تحقيق الروايات بخصوص غزوة مؤتة ليس المثال الوحيد في الكتاب. فهناك الكثير من النماذج، مثل التحقيق في روايات نُعيم بن مسعود، الذي اعتبره أغلب رواة السيرة أنّه الرجل الذي رفع عن المسلمين حصار قريش وحلفائها للمدينة في غزوة الخندق، لكنّ التحقيق التأريخي في الكتاب يعطينا رأياً آخر في شخص نُعيم بن مسعود ودوره الحقيقي، فلم تكن هزيمة قريش وبني قريظة من تدبيره قطّ، وإنما كانت ثمرة جهدٍ سياسيٍّ ودبلوماسيٍّ وعسكريٍّ متشابك من النبي والمسلمين طيلة فترة الحصار. إلى غير ذلك من النماذج الأخرى.

إنّنا حين نقرأ هذه الأحداث في سياقها العام يكون إدراكنا للحقائق إدراكاً واقعياً لا عاطفياً، وهو ما نلمسه خلال صفحات الكتاب.

*****

غير أنّ هذا السياق الإقليميّ والدوليّ ليس هو السياق الوحيد الذي يضعنا أمامه الكتاب. إنّ تراتبيّة بناء الحاضر على الماضي والمستقبل على الحاضر تُحتِّمُ علينا أن نفهم وضع قريشٍ في جزيرة العرب، وكيف تكوّنت؟ وهي أيضاً مساحةُ بحثٍ أخذت حيّزها المناسب في الكتاب.

كان المثير بالنسبة لي، والذي لم أعرفه مسبقاً، أنَّ قريشاً لم تكن أضخم القبائل العربيّة، ولا أكثرها قوّة وعتاداً، وإن كانت أكثرها تأثيراً بحكم موقعها الديني- الاقتصاديّ. وقد كان لها منافسون أشدّاء من القبائل العربية على هذه الزعامة التي أسّسها وثبتها جدّ النبيّ الرابع: قصي بن كلاب. ومن هنا جاءت قريش. إنّ هذه النقطة خاصّةً تشرح لنا موقف عتبة بن ربيعة من النبيّ، كما تضيء لنا مساحاتٍ تحليلية كبيرة في صراع المدينة ومكّة الممتدّ عبر عقدٍ من الزمان.

يأخذنا الكتاب في جولةٍ جميلة عبر عالم ما قبل الإسلام في جزيرة العرب، المليء بالأساطير والحكايات وروايات الإخباريين، عندما قرّر قصيّ بن كلاب أن يسيطر على منطقة الحرم، ووقفت له قبيلته الكبرى “كنانة” خائفةً من أن تثير سيطرته تلك حرباً مع قبائل العرب، لكنّ قصي ثبت على موقفه مؤسساً داره: “دار الندوة”. والتي أصبحت لاحقاً بمثابة برلمانٍ تتّخذُ فيه قريشُ قراراتها كلها.

لا يتوقّف التحقيقُ التاريخيّ هنا، فالبداية التي بدأها قصيّ أكملها هاشم بن عبد مناف، جدّ النبيّ الثاني، عندما لاحظ في إحدى رحلاته أنّ البضاعة في الشام أرخص منها في اليمن، ومن هنا بدأ “إيلافُ قريش”، وبهذا حاز بنو هاشم هذا السؤدد والرفعة في قريش، لذلك فعندما يخرج رسول الله إلى قريش يدعوها ومَن حولها إلى الإسلام فإنه سيواجهه أباطرة قريش؛ خوفاً من أن يستعيد بنو هاشم صدارتهم السياسية والدينية.

تناول الكتاب امتداد طريق الحرير القديم عبر ثلاثة طُرقٍ رئيسة (الشمالي، والأوسط، والجنوبي) وانعكاسات هذا الطريق التجاريّ على الواقع الدولي حينها. تأثَّر الطريق الأوسط بالحروب المتتالية بين الفُرس والروم في حربهم العالميّة الممتدة عبر قرنٍ كامل. فاستطاع هاشم تأسيس الإيلاف القرشيّ، الذي حوّل مكّة من بلدةٍ نائيةٍ في الصحراء إلى مركزٍ تجاريٍّ واقتصاديٍّ تتحرَّكُ قوافله في خمسة اتجاهاتٍ، عبر اتفاقاتٍ على مستويين: المستوى الأوّل: اتفاقات هاشم مع ملوكِ تلك الاتجاهات. والمستوى الثاني: اتفاقات هاشم مع القبائل العربية في شبة الجزيرة لكي تؤمِّن هذه القوافل نظير أجرةٍ يأخذونها من قريش، وهذا ما سُمِّي “الإيلاف”.

بهذه الصيغة المدقِّقَة نفهم سياقاتٍ مهمة في السيرة النبوية. فنفهم الوضع السياديّ الذي كان لبني هاشم سابقاً، وتدهوره نسبياً بعد وفاة عبدالمطّلب، بل ونفهم شكل العلاقات والصراعات التي فجّرها هذا الدين الجديد، فقد ظنّ منافسو بني هاشم أنّ هذا الدين ما هو إلا أداةٌ هاشميّة لاستعادةِ دورهم الدينيّ والسياسيّ في مكّة، غير عابئين بجوهر الرسالة المحمدية التي تترفَّعُ عن هذه الصراعات الضيقة الأفق ناظرةً للبعيد، لهذا العالم الواسع.

المثير أنّ هذا النبيّ الأميّ الكريم كان مدركاً -باجتهادٍ بشريّ منه- شكل العلاقات الدولية ووضع الإقليم، وقد كانت له استخباراته الخاصة، وحلفاؤه في مناطق أعدائه. فهو حين يرسل رسوله لكسرى الفرس يعرفُ أنّ الروم قد هزموه هزيمةً قاصمة في معركةٍ فاصلة في نينوى عام 627، وأنّ الصراع المدمِّر بين القوتين العظميين قد فُتَّت قواهما. وفي نفس الوقت كان قد أمّن جبهته الغربية من ناحية ساحل البحر الأحمر والجنوبيّة من ناحية قريش بصلح الحديبية.

يعرفُ المهتمّون بالسياسة أنّ هناك جبهتين يصارعُ عليهما القائد السياسي، تؤثُّر إحداهما على الأخرى. فالجبهةُ الداخليّة يجبُ أن تكون متماسكةٌ تماماً أمام الجبهة الخارجيّة التي تكونُ المغامرة فيها أكبر والخسائرُ أضخم. وأيُّ متابعٍ بسيطٍ للشأن العام سيفهم هذه المعادلة الأزلية بين الجبهتين، وفي هذا الكتاب ندركُ جانباً آخر من جوانب العبقرية الاستراتيجية النبوية، وكيفية موازنته بين هاتين الجبهتين بدرجةٍ منقطعة النظير في أحداث متعددة ومتكررة. فـ”حتّى لا يقولُ الناس إنّ محمداً يقتل أصحابه” تنطوي على حساسيةٍ عاليةٍ بفهم تعقيدات الموقف السياسيّ وتشابكاته في تلك اللحظة، وفهم تفاعلات القوى الداخلية وانعكاساتها على الخارجية.

كذلك كان موقف الحديبية المُربك لعموم المسلمين حينما رضي رسول الله بشروطِ الصلح المُجحفة للقوة المسلمةِ الناشئة، كان “فتحاً مبيناً” لم يتوقّعه أحدٌ لا من المسلمين ولا من قريش. إنّ هذا الإدراك العالي للجغرافية السياسية في جزيرة العرب وما بعدها (الفرس والروم)، هو الذي جعل المؤلف يرفق ستّ خرائط في الكتاب، كي يفهم القارئ هذه التشابكات داخل جزيرة العرب وخارجها، بل داخل المدينة المنورة نفسها في الفترة الأولى من الهجرة.

يمرّ بنا الكتاب بشكلٍ مفصّل على جبهة قريش الداخليّة، فقد أصبحت قيادةً مفكّكة ومتداعية في مرحلةٍ ما من مراحل الصراع مع المسلمين، بل لقد حدث انقلابٌ على القيادة السياسية في قريش بعد هزيمتها، وتذبذب أبو سفيان في اتخاذ موقفٍ حاسم ضد المسلمين، وقد استغلّ النبيّ هذا الانقلاب داخل قريش أفضل استغلالٍ سياسيّ.

وفي الحقيقة لم تكن القيادة في قريش يوماً موحدة بشكلٍ كامل. ففي دار الندوة يتناقش الزعماء، ويفوز الرأي الأكثر إجماعاً، وهذا يؤجج التنافس على الزعامة. وقد زادت حِدَّة انقسام قيادة قريش مع بزوغ الإسلام وتغييره القواعد السياسية والاقتصادية في جزيرة العرب، وزادت أكثر بعد مقتل قادة قريش الصقور في معركة بدر.

إنّ أحد مفاتيح السيرة الأساسية هو “فهم جبهة هذا العدوّ”؛ فالنبي لم يُغفِل أبداً فَهمَ ومعرفة جبهة عدوّه، يصحّ هذا المبدأ على جبهة قريش، كما يصح على جبهة أعدائه اليهود، كما يصح بشكلٍ كامل على جبهة القبائل العربيّة المعادية الأخرى، سواء في الساحل الذي أخضعه فوراً، وأدخله فيما سمّاه الكاتب “إيلافُ المدينة”، وسواءٌ أيضاً في معاركهِ الكبرى التي بدأت في أخريات مسيرته السياسية في المناوشات على أطراف الإمبراطورية البيزنطية.

*****

هذا المقال غيضٌ من فيض؛ فالكتابُ كبير والتفاصيل والتحليلات والتطبيقات المنهجية كثيرة. لكنِّي وجدتُ لزاماً عليّ وقد خرج هذا الكتاب المهمّ إلى النور، أن أكتب عنه وأرشّحه للقراءة، خصوصاً للمهتمين بالشأن العام، والمهتمّين بـ”حركة التاريخ” والجغرافية السياسية.

وعندما أنهيتُ آخر فقرةٍ في الكتاب تذكّرت الإهداء، وعدتُ أقرأه متوقفاً أمام آخرِ جملةٍ فيه: إلى كل الساعين لربيعٍ جديد.

سەنتەری زەھاوی

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً