البحوث

النوروز بين الخلفاء والفقهاء

دراسة تحليلية مقارنة

أ.د. فَرسَت مَرعي

المقدمة
   هناك خاصية متميزة في الإسلام وهو أنه دين ديناميكي واقعي يفي بمتطلبات الدنيا والآخرة معاً، ولكنه في الوقت نفسه لا يسمح بالمؤثرات والفلسفات الأخرى أن تكون جزءاً من بنيته أو نسيجه، أي بعبارة أخرى أنه دين يبني مرتكزاته العقدية على الأصالة فحسب، ويبني متغيراته على الأصالة والمعاصرة معاً.
فالعقيدة والأحكام والأخلاق فيه ثابتة ثبات الجبال الشامخات، والفقه والمعاملات فيه متغيرة بتغيير الزمان والمكان. ومع ذلك فإنه يرافض رفضاً قاطعاً إجراء عمليات تغيير جذرية أو راديكالية تمس جوهره كما حدث لأديان أخرى سماوية وأرضية، هذه الميزة أو الخاصية أكسبته مرونة طيلة تاريخه الذي يمتد لأكثر من ألف وأربعمائة عام. فلا عجب أن تنادت أصوات نشاز من بين أتباعه بإحداث تغيير في هذا السياق ليشمل تغيير القاعدة الكلية الآنفة الذكر، ولكنه كان على الدوام يلاقي معارضة صلبة، لأنه لو حدث تغيير بنيوي فيه على غرار بعض الأديان الأخرى السماوية وغير السماوية التي أصبحت إلى حد ما توقيفية، لأصبح ديناً بالأسم فقط جوهره يحوي شذرات من الوحي ممزوج بالفلسفة والأفكار الأخرى على غرار اليهودية والنصرانية.
ولما كان نوروز عيداً شرقياً شمل أمماً وطوائف كثيرة تمتد جغرافياً من هضبة البامير والتبت شرقاً مروراً بالهضبة الإيرانية و كوردستان وإنتهاءاً بمصر النيل غرباً، لذا لا يستطيع الباحث أن يحدد أمة أو عرقاً بعينه صاحب هذا العيد، ولكن الفرس بما لهم من حضارة عريقة قبل الإسلام: العهد الأخميني (529-331 ق.م) والعهد الفرثي – الأشكاني- ملوك الطوائف (250-226 ق.م) والعهد الساساني (226ق.م – 650م) استطاعوا استغلال هذا العيد وهذه المناسبة وجعلها حكراً على جنسهم، لأن غالبية الأمم الأخرى من: كٌورد، و بلوش، وبشتون، وصغد، وطاجيك، كانوا يعتبرون من رعاياهم، لذا عدوا النوروزرأس السنة الفارسية.

موقف الاسلام من النوروز
  وبخصوص موقف الإسلام من النوروز فهناك اختلاف بين نظرة الصحابة ومن بعدهم الفقهاء وموقف الحكام منالخلفاء الامويين والعباسيين منها، فهذا الموقف نابع من الزاوية الدينية والفكرية التي كان الصحابة وتلامذتهم من التابعين وتابعي التابعين وكبار الفقهاء ينظرون بها الى هذه الظاهرة، فيما كانت نظرة الخلفاء نظرة عملية تعتمد على زيادة دخل الدولة الاقتصادي من ناحية الخراج والهدايا، وزيادة الترابط الاجتماعي الخاصة بسكان إيران ، فهذا يبدو حتى في موقف بعض ولاة الخليفتين الراشدين الثالث والرابع عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ( رضي الله عنهما)، فيما كان موقف عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه) واضحاً كل الوضوح في منع الاحتفال بهذه المناسبة أو أخذ الهدايا، أو استيفاء الخراج من الرعية.

وبشأن موقف النبي محمد( صلى الله عليه وسلم) من النوروز والمهرجان، فعن أنسرضي الله عنهقال: قدمالنبيصلى الله عليه وسلمالمدينة، ولهم يومان يلعبونفيهما، فقال: (ما هذان اليومان) ؟ قالوا: كنا نلعب فيهمافي الجاهلية. فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلمقدأبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر(رواه أبو داود في سننه).

واليومان اللذان يلعبون فيهما: وهما: يوم النيروز، ويومالمهرجان. كذا قاله الشراح. وفي القاموس المحيط للفيروزآبادي: النيروز: أول يوم السنة معرب نوروز.والنوروز مشهور، وهو أول يوم تتحول الشمس فيه إلى برجالحمل، وهو أول السنة الشمسية، كما أن غرة شهر المحرمأول السنة القمرية.

وأما المهرجان، فالظاهر بحكم مقابلته بالنيروز أن يكونأول يوم الميزان، وهما يومان معتدلان في الهواء، لا حر ولابرد، ويستوي فيهما) الليل والنهار،

فكان الحكماء المتقدمين المتعلقين بالهيئة اختاروهما للعيدفي أيامهم، وقلدهم أهل زمانهم ; لاعتقادهم بكمال عقولحكمائهم، فجاء الأنبياء، وأبطلوا ما بنى عليه الحكماء.فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما) أي: فياليومين. (في الجاهلية) أي: في زمن الجاهلية قبل أيامالإسلام.

(فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلمقد) للتحقيق. (أبدلكم الله بهما خيرا): الباء هنا داخلة على المتروك، وهوالأفصح أي: جعل لكم بدلا عنهما خيرا (منهما) أي: فيالدنيا والأخرى، وخيرا ليست أفعل تفضيل; إذ لا خيريةفي يوميهما. (يوم الأضحى ويوم الفطر) : وقدم الأضحى ; فإنه العيد الأكبر قاله الطيبي. نهي عن اللعب والسرورفيهما أي: في النيروز والمهرجان، وفيه نهاية من اللطف،وأمر بالعبادة ; لأن السرور الحقيقي فيها. قال الله تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}، [يونس: 58]

أما الاثار التي ترجع الى عهد الخلفاء الراشدين والصحابة حولها وفحواها: “ وبالإستناد إلى أبي أسامة، عن حماد بن زيد، عن هشام عن محمد بن سيرين قال:أتي علي (رضي الله عنه) بهدية النيروز. فقال: ما هذه؟ قالوا يا أمير المؤمنين هذا يوم النيروز. قال فاصنعوا كل يوم نيروزاً. قال أبو أسامة: كره رضي الله عنه أن يقول: نيروزاً” . (ابن تيمية: إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق وتعليق: ناصر بن عبد الكريم العقل، مكتبة الرشد الرياض، الطبعة الثانية، 1411 هـ-1991م، ج1، ص458).
وأما قول شيخ الاسلام ابن تيمية (المتوفى سنة 728هـ/1328م) بخصوص كره الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) لموافقتهم في لفظ عيد النيروز الذي ينفردون به، فكيف يوافقهم في العمل. يبدو أن محقق الكتاب أشار إلى هذه النقطة في الهامش في معرض التعليق بقوله: لقد ذكر المحدث البيهقي( المتوفى سنة458هـ/1066م) في سننه الكبرى تحت لفظ فيروز، ربما كره الإمام علي أن يقول نيروزاً – حسب تعليل أبي أسامة – فقال: فيروزاً.
ومن المعلوم أن لفظة فيروز ترد في اللغتين الكورديةوالفارسية بمعني مبارك، أي أنت عندما تبارك لشيء ما تقول له باللغة الكوردية (بيروزبت – مبارك عليك)، فضلاً ان بعض الملوك الفرس وبعض الشخصيات الكورديةوالفارسية جاء إسمها بلفظة (پيروز)، وعندما يحاول النحاة العرب تعريب كلمة (پيروز) فإنهم يغيرون الپاء الكورديةوالفارسية المثلثة إلى الفاء. فتتحول كلمة پيروز إلى فيروز.
ورغم ذلك قال البيهقي في شرحه لهذا الأثر وفي هذا: “الكراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصاً به” ، أما شيخ الإسلام ابن تيمية فعلق على ذلك قائلاً: ” وأما علي رضي الله عنه، فكره موافقتهم في إسم يوم العيد الذي ينفردون به، بكيف بموافقتهم في هذا العمل”. يبدو أن هناك تصحيفاً في كلمة الفيروز؛ ولولا ذلك لما علّق عليها شيخ الإسلام ابن تيمية التعليق الآنف الذكر.
ومن جانب آخر فقد روي بإسناد صحيح عن أبي أسامة، حدثنا عوف، عن أبي المغيرة، عن عبد الله بن عمرو (ابن العاص) قال: “من بنى ببلاد الأعاجم، فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه فيهم حتى يموت وهو كذلك، حشر معهم يوم القيامة”( ابن تيمية: إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، ج1، ص457).
وأما عبد الله بن عمر بن الخطاب فصرّح قائلاً: “من بنى ببلادهم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم”( ابن تيمية: إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، ج1، ص459).

حَدَّثَنَا عَبَّادٌ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ؛ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَوْمِالنَّيْرُوزِ ؟ فَكَرِهَهُ، وَقَالَ : تُعَظِّمُونَهُ.  (مصنف ابن ابيشيبة).حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَامٌ ، قَالَ : سُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّيْرُوزِ ؟ فَقَالَ : مَا لَكُمْ وَلِلنَّيْرُوزُ؟ لاَ تَلْتَفِتُوا إلَيْهِ ، فَإِنَّمَا هُوَ لِلْعَجَمِ. (مصنف ابن ابيشيبة).

وعن أبان بن أبي عياش قال :” لقيت طلحة بن عبيد الله بنكريز الخزاعي، فقلت له : قوم من إخوانك من أهل السنةوالجماعة، لا يطعنون على أحد من المسلمين، يجتمعون فيبيت هذا يوما، وفي بيت هذا يوما، ويجتمعون يوم النيروزوالمهرجان ويصومونهما، فقال طلحة : بدعة من أشدالبدع، والله لهم أشد تعظيما للنيروز والمهرجان من غيرهم،ثم استيقظ أنس بن مالك فوثبت إليه فسألته كما سألتطلحة، فرد علي مثل قول طلحة كأنما كانوا على ميعاد“.(كتاب البدع لابن وضاح).

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري: وفي قوله لكل قوم أي من الطوائفوقوله عيد أي كالنيروز والمهرجان وفي النسائي وابن حبانبإسناد صحيح عن أنس قدم النبي صلى الله عليه و سلمالمدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال قد أبدلكم الله تعالىبهما خيرا منهما يوم الفطر والأضحى واستنبط منه كراهةالفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم“.(فتح الباري شرحصحيح البخاري).

وقد تشدد بعض الفقهاء وبالغوا في هذه المسألة، فقد قالأبو حفص الحنفي النسفي البخاري الملقب بالكبير (ت 172هـ) : من أهدى فيه بيضة لمشرك تعظيما لليوم كفر“.وكان السلف يكثرون فيه الاعتكاف بالمسجد وكان علقمةيقول:” اللهم إن هؤلاء اعتكفوا على كفرهم ونحن علىإيماننا فاغفر لنا“. وقال المجد ابن تيمية : الحديث يفيدحرمة التشبه بهم في أعيادهم لأنه لم يقرهما على العيدينالجاهليين ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، وقال:أبدلكم والإبدال يقتضي ترك المبدل منه إذ لا يجتمع بينالبدل أو المبدل منه ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا فيترك اجتماعهما. (فیض القدیر شرح الجامع الصغیر).

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لماذا قبل الإمام علي هذه الهدية وقالوا اصنعوا كل يوما نيروزاً أو فيروزاً إذا صح قول التصحيف، لأنه لو أراد المنع أو حرّمه لكان قد قال قولاً يفي المطلوب بصورة لا لبس فيه.
وهذا ما حاول الباحث والاكاديمي السعودي (سفر الحوالي) في كتابه جاهداً التأكيد على حرمة الإحتفال بالنيروز والمهرجان واعتبار ذلك من الكبائر المحرمة، وكل واحدة من هذه الأمور منكر بعينه. (حكم الإحتفال بأعياد الكفار، ص13).

وفي السياق نفسه يعلق العالم الشيعي العراقي ” محمد مهدي الخالصي” (1888 1963م) على قول الامام علي بهذا الخصوص، ينفي أن يكون الامام علي بن أبي طالب قد احتفل بالنوروز حيث يقول ما نصه:” وأول من تظاهر فيه بعد الاسلام ( زوطي) جد الامام أبي حنيفة (رض) فإنه كان عبداً مملوكاً لامير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) فأعتقه ولما كان يوم النيروز قدم له حلوى، فقال له: ما هذا؟ قال: ان اليوم يوم النيروز. فقال (ع) : نيروزما كل يوم”. (الخالصي، النيروز، التأليف والنشر لجامعةالعلمالكاظمية، بغداد، مطبعة المعارف، د، ت، ص8). ثم يعلق الخالصي على هذا النص بقوله:” وهذا انكار من أمير المؤمنين (ع) لمدعى ( زوطي) إذ أن زوطيا زعم أن ذلك اليوم يوم جديد، وهو ترجمة نوروز، فقال (ع) كل يوم جديد. فإذا كان  يجب تقديم الحلوى في اليوم الجديد فلتقدم كل يوم، فأبطل بذلك ما يدعيه المجوس، من أن يوم النوروز أول يوم ظهرت فيه الشمس للارض وانارتها، وهو رأس السنة فيجب تقديم الحلوى فيه. ( الخالصي، المرجع السابق، ص 8 9). علماً أن نجل الامام أبو حنيفة يقول بأنهم كانوا من الفرس الاحرار وأن ال

ويذكر أبن خلكان في ترجمة الامام أبو حنيفة :” … قالإسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة أنا إسماعيل بن حمادبن النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان من أبناءفارس من الأحرار والله ما وقع علينا رق قط ولد جدي سنةثمانين وذهب ثابت إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنهوهو صغير فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته ونحن نرجو أنيكون الله تعالى قد استجاب ذلك لعلي فينا والنعمان بنالمرزبان أبو ثابت هو الذي أهدى لعلي بن أبي طالبرضي الله عنه الفالوذج في يوم المهرجان النيروز فقال: مهرجونا كل يوم هكذا قال الخطيب في تاريخه والله أعلم“. ( وفيات الاعيان أنباء أبناء الزمان، ج5، ص405 406).

موقف الخلفاء من النوروز
   ومن جانب آخر كانت هناك عادة دفع الضريبة من قبل الشعوب الخاضعة للدولة الفارسية الساسانية في عيدي النوروز والمهرجان، ولما جاء الإسلام ألغى هذه الضريبة باعتبارها غير شرعية، ولم يتم أخذها في خلافة الراشد الثاني عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) الذي حطم الإمبراطورية الفارسية الساسانية وحدث أول احتكاك مباشر في عهده بين المسلمين الفاتحين والفرس السسانيين. ولكن يبدو أن بعض الولاة المسلمين في عهد الراشد الثالث عثمان بن عفان أخذ هدايا النوروز والمهرجان وهم كل من: الوليد بن عقبة بن معيط، وسعيد بن العاص، فلما تناه الخبر إلى الخليفة عثمان بن عفان كتب إليهما ينهاهما عن ذلك.( الصولي: أدب الكتابة، القاهرة 1922، ص220).
أما في عصر الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب فقد أخذ واليه على أصفهان (عمرو بن سلمة) هدايا النوروز مع الخراج. (الأصفهاني، أبو فتح: كتاب ذكر أخبار أصفهان، بيروت، 1970، ج1 ص72).
وفي العصر الاموي لما تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة في سنة 41هـ/661 م جعل هدايا النوروز والمهرجان ضريبة إلزامية وطلب من أهل سواد الكوفة دفعها، فبلغت قيمة الهدايا خمسين ألف درهم، كما كتب معاوية إلى عامله على البصرة (عبد الرحمن بن أبي بكرة)أن يحمل إليه هدايا النوروز والمهرجان، فبلغت عشرة آلاف درهم.( اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي، بيروت، 1995، ج2 ص218).

كما أن معاوية كان يرسل الهدايا الى ولاته، فقد أرسل ملابس غالية الثمن وأوانٍ فضية الى واليه سعيد بان لعاص. الذي وزع قسماً منها على معارفه. ( الزمخشري، ربيع الابرار ونصوص الاخبار، ج5، ص325 326).
وأثناء ثورة الصحابي عبدالله بن الزبير بن العوام ضد الدولة الأٌموية، فقد بلغت هدايا النوروز والمهرجان حوالي عشرين ألف درهم، ويرجع السبب في قلتها إلى الإضطرابات والفوضى التي عمّت منطقة الكوفة بسبب الفتنة الثانية (64 73هـ).( الصولي: أدب الكتابة، ص219).
وفي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أظهر الحجاج بن يوسف الثقفي حرصاً شديداً على جباية الأموال للدولة الأموية لمكافحة الحركات المعارضة، فأعاد استلام هدايا النوروز والمهرجان مع الضرائب وبلغت قيمتها حوالي أربعين ألف درهم.( المصدر نفسه، ص219).
وعندما تولى الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (99-101هـ) مقاليد الحكم أبطل رسوم وهدايا النوروز والمهرجان.

أما يزيد بن عبد الملك فقد أعاد هدايا النوروز، وأعاد الخراج الى سابق عهده وطلب من واليه على العراق (عمر بن هبيرة) مسح أراضي العراق تمهيداً لأ خذ الخراج سنة 105هـ/720م. ( اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2/ ص313).
وفي العصر العباسي أعيدت هدايا ورسوم النوروز والمهرجان من جديد، سيما وأن أغلب وزراء العباسيين كانوا من الفرس، لذا فلا عجب أن حاولوا إحياء مظاهر أسلافهم القدماء.

وهذا ينطبق على الامارات الفارسية والديلمية والتركية التي تأسست في العصور العباسية تباعاً والذين كانوا يحتفلون بهذه المناسبة ويأخذون الهدايا من رعاياهم، وكان شعرائهم يشيدون بهذه المناسبة وهم: الطاهريون (205 259هـ)، والزيديون (250 316هـ)، والصفاريون(254 -298هـ) والسامانيون(261 389هـ)، والبويهيون ( 334 447هـ)، والغزنزيون (366 579هـ)،  والزياريون (316 434هـ).

وفي العصر العباسي مثلما كان الخلفاء ينظرون الى المناسبات والاعياد الاسلامية، وكانت مواقفهم لا تختلف البتة مع كل من النوروز والمهرجان، حتى أن الشعراء كانوا يقارنون بين الأعياد الاسلامية و بين كل من عيدي النوروز والمهرجان، على سبيل المثال الشعراء: أبو نواس(ت196هـ/812م)،  وابن الرومي (ت283هـ/897م)،  ومهيار الديلمي(ت428هـ/1037م).

ففي عهد المهدي(158 -169هـ/ 775 785م) وعن طريق شعر الشاعر أبو العتاهية تم تقديم هدايا غالية الثمن الى الخليفة بمنسبة النوروز والمهرجان، حيث اهدي له اناء كبير من الزجاج، مع ملابس ناعمة وذات روائح فواحة. ( المبرد، ج ص223).
وبخصوص موقف الخليفة العباسي هارون الرشيد(170 193هـ/ 786 -809م) من النوروز، يقول أبو ريحان البيروني: ” في عهد هارون الرشيد تجمع مُلاّك الأراضي مرة أخرى، وطلبوا من يحيى بن خالد بن برمك أن يؤخر عيد النيروز ما يقرب من الشهرين.(كان التقليد القديم يقضي بأن تحتسب الأيام الكبيسة، فلما أبطل هذا التقليد بصورة تجعل القوم يحتفلون بعيد النيروز قبل جني المحصول. وكان هذا يضر بالمزارعين إذ كان لزاماً عليهم عند ذاك أن يدفعوا الضرائب المفروضة عليهم…”. ينظر: (إدوارد براون: تاريخ الأدب في إيران، ترجمه إلى الفارسية: علي باشا صالح، ترجمه إلى العربية: أحمد كمال الدين حلمي، تقديم: محمد علاء الدين منصور، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، البابان الثالث والرابع، ج1، ص59 هامش 5).
وأراد يحيى أن ينفذ ما أرادوا، لكن خصومه تناقلوا الأقاويل حول هذا الأمر، وقالوا إن يحيى موالٍ للدين الزرادشتي، ونتيجة لهذا كف خالد عن هذا العمل ولم يعقب، وبقي الحال على ما كان عليه. (البيروني، الآثار الباقية عن القرون الخالية، ص37).
ويذكر شيخ المؤرخين محمد بن جرير الطبري (المتوفى سنة 310هـ/922م) في كتابه تاريخ الرسل والملوك أن” الخليفة العباسي المتوكل في يوم نوروز والسماجة (= التمثيل الهزلي) بين يديه وهم يقلدون الناس ويظهرون في أصوات مضحكة“.

أما الخليفة المأمون (198 218هـ/813 833م)  ففي عهده تم العمل بالزيج المأموني من قبل أفضل فلكيي عصره وتم العمل بهذا الزيج الى أيام المتوكل، وعلى ذلك تم الاقرار بأن النوروز يقع  في برج الحمل (الخيام، ص59 ، 108).

كما اهديت للخليفة المعتصم (218 227هـ/833 842م) هدايا عبارة عن جارية (شمائل) وقدح من حجر العقيق، ووضع على فوهته منديل معطر بروائح عطرة وهدايا أخرى.

لم يقتصر الامر على الخليفة في الاحتفال بعيد النوروزواخذ الهدايا وتبادلها مع الناس، بل شارك فيها الامراءوالوزراء والولاة وعامة الناس.

فذكر الشاعر سلم بن عمرو الخاسر)ت 186هـ/802م) بأنه دخل على الفضل بن يحيى البرمكي في يوم النوروزفرأى الهدايا بين يديه، ونظم (علي بن جبلة) قصيدة فيمدح حميد الطوسي بمناسية عيد نوروز، فسر بها وأهدىله ما أهدي اليه في النوروز فبلغت قيمته مائتي الف درهم.

أما عامة الناس فاحتفلوا بعيد النوروز إذ كانوا يلبسونأفخر الملابس ويتبادلون الزيارات ويقدمون لبعضهمالحلوى والبيض الملون، فضلاً عن ايقاد النيران ورش الماءوممارسة الالعاب الشعبية. أما أصحاب المجون فكانوايصطحبون معهم الجواري والفتيات الحسان الى البساتينويقضون وقتاً سعيداً على أنغام الموسيقى.

وتقام في نوروز مجالس الادب حيث يقوم الشعراء بتنظيمقصائدهم بهذه المناسبة ثم يلقونها امام الخليفة ويهنئونهبالعيد ووجدوا في النوروز فرصة لعرض مطاليبهم وبثشكواهم الى الخليفة. فقدم البحتري” (ت 280هـ/ 897م) قصيدة اظهر فيها تذمره من دفع الخراج ودعاالخليفة الى اعفائه من هذه الضريبة اذ ورد في قصيدته :

لا تخل من عيش بكر سروره

​​ابداً ونيروز عليك معاد

لم يقتصر الاحتفال بالنوروز على مركز الخلافة فحسبوانما احتفل به العديد من الامراء المسلمين في المشرق. فاحتفل به امراء الدولة الطاهرية (255 – 259هـ/821 873م) في خراسان اذ ورد في كتاب التاج المنسوبللجاحظ بأن عبدالله بن طاهر بن الحسين (213 230/ 828-844م) احتفل بعيد نوروز ووزع الكسوة على الناسولم يترك في خزائنه ثوباً واحداً. ( الجاحظ، التاج في أخبار الملوك).

وكان عبدالله بن طاهر ذي اليمينين قائد المأمون الشهير،من أصل فارسي ولاه المأمون على خراسان في205هـ/820م، واستطاع بعد ذلك أن يستقل بحكمخراسان ويؤسس الدولة الطاهرية التي حكمت من 205هـلغاية 259هـ، الى أن سقطت على يد الصفاريين.( الجاحظ، التاج).

وفي مدينة بخارى عاصمة السامانيين (261 389هـ/ 874 999م) دأب امراؤها على احياء التراث الفارسي،وكانوا يكرمون قادة الجيش ومسؤولي الدولة ويخلعونعليهم الخلع الربيعية بمناسبة النوروز.

واشار البيروني الى احتفال عضد الدولة البويهي (338- 372هـ/949 983م) بالنوروز وكيف تم ايقاد الشموعوالقناديل على باب كلواذي في بغداد وايقاد النيران علىنهر دجلة. وكان يتم اضاءة قصور بغداد واحياؤها بضياءالشموع وتعلق الاعلام في الاسواق وتقام القباب الخاصةبالاحتفالات وتضرب الطبول على باب الامير وقت الصلواتالخمسة ويمدح الشعراء الامير البويهي. فهذا الشاعر ابواسحاق يمدح عضد الدولة في نوروز قائلاً :  

تهن بهذا اليوم واحظ بخيره

                                       وكن ابداً بالعود منه علىوعد

ارى الناس يهدون هدايا نفيسة

                                       اليك لوم يترك لي الدهرما اهدي

أما الامارة الزيارية ففي سنة 323هـ/934م احتفل(مرداويج بن زيار) احتفالاً عظيماً بهذا العيد، فأوقدالنيران ليلة النوروز على قمم الجبال، وأطلق الطيور فيالجو وقد علق بأرجلها النفط، وكان النفط يشتعل وهيتطير. وامتلأت السماء ليلتها بالنار المتطايرة في كل مكانحتى بدد ضوء النيران ظلمة الليل. وفي يوم النوروز أقاموليمة في الصحراء. ومن جملة ما قدم في تلك الوليمةمائتين من البقر مشوية صحاحاً، وأما الغنم فبلغ ما شوىمنها ثلاثة آلاف رأس، هذا عدا المطبوخ، وقد زاد عددالدجاج وغيره من أنواع الطير التي قدمت في تلك الوليمةعلى عشرة آلاف. أما ألوان الحلوى فقد جاوزت العدوالحصر.

ومرداويج بن زيارهو مؤسس الدولة الزيارية في طبرستانوجرجان (= كركان). استولى أيضاً على أصفهان وهمدان. وكانت آماله كبيرة في إحياء مجد الفرس وتحطيم الخلافةالعباسية. وعندما ثار النزاع بينه وبين البويهيين، أراد أنيتخلص منهم ثم يتجه بعد ذلك الى بغداد للاستيلاء عليها. ولكنه قتل في اصفهان سنة323هـ/934م وهو سيتعدلملاقاة آل بويه. استمرت دولته من 316-434هـ/928-1042م.

ويقدم لنا المافروخي الاصفهاني من علماء القرن الخامسالهجري وصفاً للاحتفال بالنوروز في مدينة جي منضواحي اصفهان، فيذكر أن اهالي اصفهان كانوايخرجون كل سنة وقت النوروز الى سوق تلك المدينة التيتسمى سوق جرين للتجارة واللعب واللهو لا فرق في ذلكبين كبيرهم وصغيرهم حتى كانت تغص بجموعهم المدينة. وكان فناخسرو عضد الدولة البويهي، يعجب في صغرهبتلك السوق وما يجري فيها من ألوان اللهو المرح. فلماتولى الملك واستولى على فارس أمر أن يتخذوا خارجشيراز سوقاً على نمط سوق جرين عرفت باسم سوقالامير. وقد جذبت هذه السوق أهل شيراز، وما حولها منالبلدان، واجتمع فيها خلق كثير من أهل اللهو والمجون. وكان الناس يفدون اليها للبيع واللهو. وكان الامير لرغبتهفي الاستمتاع بما يجري في تلك السوق قد اتخذ لنفسهقصراً يشرف عليها، فكان يجلس في قصره مع ندمائهيشربون ويطربون ويستمتعون بما يشاهدونه من أحوالالناس في تلك السوق.

النوروز المعتضدي

  كانت السنة الفارسية تتكون من اثني عشر شهرا وكلشهر يتكون من ثلاثين يوما ويضيف الفرس خمسة ايامالى السنة فيصبح مجموع ايامها (265) يوما ويضيفونشهرا كبيسا بعد مرور 120 سنة لضبط مواسم الزراعةوجمع الضرائب. وفي العهود الاسلامية كان يباشر بجمعالخراج مع بداية السنة الفارسية عيد نوروز وكان الوقتملائما، ولكن بمرور الزمن اهمل الفرس كبس سنتهمفاصبح موسم جمع الخراج مبكرا قبل نضوج الزرع مماادى الى ارهاق كاهل دافعي الخراج. وحاول وزير هارونالرشيد (170/786-193هـ/809م) يحيى البرمكي تأخيرافتتاح الخراج الى ما بعد نوروز الا انه لم ينفذ الامر لاناعداءه اتهموه بانه يحاول احياء المجوسية. قام المتوكلايضا بمحاولته سنة 245هـ كما اشير الى ذلك سابقا.

وتأخرهذا الامر حتى جاء الخليفة المعتصد (279-289هـ/892-902م) فاتخذ اجراء اقتصاديا في مصلحةدافعي الخراج، اذ جعل جباية الخراخ في يوم معلوم وهوالحادي عشر من حزيران، موسم حصاد المحاصيلالشتوية وتسويقها، وارادوا تأخير الاحتفال بعيد نوروزحتى ذلك اليوم ولذلك سمي بالنوروز المعتصدي. فاوردالطبري بان المعتضد كتب سنة 282هـ/895م الى جميعالعمال في الامصار بترك افتتاح الخراج في نوروز العجموتأخير الامر الى الحادي عشر من حزيران ويستدل ممااورده الطبري وابن الجوزي بأن المعتضد حاول اجبارالناس على الاحتفال بالنوروز، فذكر بان المعتصد حاولمنع ايقاد النيران او صب الماء بعيد النوروز.(الطبري، تاريخ الرسل والملوك؛ ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الامم والملوك).

واستنادا الى رواية الطبري، يمكن ان نستنتج الاتي: انالمعتضد كان يحتفل بعيد نوروز حتـــى سنة282هـ/895م ثم اراد ان يفرض على الناس أن الاحتفالبه في 11 حزيران، إلا أنه فشل في إقناع الناس، ولذلكحاول منعهم الاحتفال بالعيد، اذ ثمة ما يشير بانه احتفلبالعيد، وقدمت له زوجته (قطر الندى) ثلاثين وصيفة معهدايا ذهبية فاخرة بهذه المناسبة.(الطبري، تاريخ الرسل والملوك).

ومما يؤكد كون المعتضد حاول تغيير موسم الاحتفالبالنوروز ما أورده التنوخي من أن زوجة المعتضد السيدةشغب (ام المقتدر) احتفلت بالنوروز المعتضدي احتفالاكبيرا في قصر الخلافة وبذلت الاموال واستخدمت الاقمشةالنفيسة وجعلتها مثل حب القطن واشبعتها بدهن البيلسانواوقدت النيران على جدران القصر واضيء نهر دجلةبنيران النوروز.( التنوخي، نشوار المحاضرة).

وفيها أحدث المعتضد النيروز الذي يقع فى اليوم الحاديعشر من حزيران و أنشأت الكتب إلى جميع العمّال فىالنواحي والأمصار بترك افتتاح الخراج فى النيروز الذيكان للعجم... و أخّر افتتاح الخراج الى النيروز المعتضدي. (مسكويه، تجارب الامم وتعاقب الهمم).

الاحتفال بعيد النوروز في مصر

  لم يشر القلقشندي الى الاحتفال بعيد النوروز في مصرواكتفى بذكر جذور العيد ومراسيمه. ولكن المقريزي اوردالاحتفال بالعيد في العهد الفاطمي (358 – 567هـ/369 1171م)، فذكر ان الخليفة المعتز لدين الله (341 – 365هـ/953 – 975م) منع الناس سنة 363هـ/974م منايقاد النيران في الطريق العامة أو رش الماء مما يدل علىوصول الاحتفال بهذا العيد الى الذروة. (القلقشندي، صبح الاعشى في صناعة الإنشا).

وفي سنة 374هـ/984م تم ايقاد النيران وزاد اللعب بالماءوطاف اهل الاسواق وخرج الناس في القاهرة بلعبهمفلعبوا ثلاث ايام وكان فرصة لاهل السماجات لممارسةاللهو بما فيه شرب الخمر او طلطة بالماء ورش الناس به،فامر الخليفة منادياً ان يأمر الناس بالكف عن ذلك وعدمايقاد النيران او رش الماء وتم حبس بعض الناس.

اما عامة الشعب في مصر فكانوا يختارون شخصاًوينصبونه اميراً للنوروز ويركبونه على دابة يطوفون به فيالطرق والمحلات ويطلبون من الناس اعطاءهم هدية اميرالنوروز من امتنع عن تلبية طلبهم رشوه بالقاذورات ولهذاكان الكثير من الاغنياء يبقون في بيوتهم خوفاً من اميرالنوروز وموكبه، وهذا يعني ان المصريين حوروا النوروزبشكل ينسجم مع تراثهم.

موقف فقهاء الشيعة من النوروز

  أما بخصوص موقف فقهاء الشيعة من النوروز، فقد جاءفي كتابالبحارلمحمد باقر المجلسي: قال معلى بنخنيس: دخلت على الصادق جعفربن محمد عليه‏ السلاميوم النيروز فقال عليهالسلام اتعرف هذا اليوم؟ قلت: جعلت فداك، هذا يوم تعظمه العجم وتتهادى فيه، فقالابوعبدالله الصادق عليهالسلام…..فقال: يا معلى! ان يومالنيروز هو اليوم الذي اخذ الله فيه مواثيق العباد ان يعبدوهولايشركوا به شيئا وان يؤمنوا برسله وحججه، وان يؤمنوابالائمة عليهم السلاموهو اليوم الذي حمل فيه رسولالله صلىالله‏ عليهوآله امير المؤمنين علي عليهالسلاممنكبهوهو اليوم الذي امر النبي صلىالله‏ عليهوآلهاصحابه ان يبايعوا علياً عليه السلام بامرة المؤمنين، وهوالذي وجه النبي صلى الله‏ عليه وآله علياً الى وادي الجنيأخذ عليهم بالبيعة له، وهو اليوم الذي بويع لاميرالمؤمنينعليهالسلام فيه البيعة الثانية، وهو اليوم الذي ظفر فيهباهل النهروان(= 38هـ) وقتل ذا الثدية وهو اليوم الذييظهر فيه قائمنا وولاة الامر وهو اليوم الذي يظفر فيهقائمنا بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة، وما من يومنيروز الا ونحن نتوقع فيه الفرج، لانه من ايامنا وايامشيعتنا، حفظته العجم وضيعتموه. (الشيخ الصدوق، من‌لایحضره‌ الفقیه، كتاب الشيعة).

غير أن العالم الشيعي العراقي البارز، محمد مهديالخالصي الاسدي، كذّب رواية معلى بن خنيس، وردّ علىكافة الرواياتالمجوسية المتسربة إلى صفحات علماءالإسلام، واعتبر أن حديث النيروز مكذوب وصل إلينا من كتاب المجوس ( الاوستا) بصورةٍ أو بأخرى.( الخالصي، النيروز، التأليف والنشر لجامعة العلم الكاظمية، ص18 19).

ومهما يكن من أمر فهناك بون واسع بين اتجاهات الصحابة والفقهاء الدينية والفكرية وبين اتجاهات الخلفاء العملية، فقد عمل بعض الخلفاء الامويين كمعاوية بن أبي سفيان في استغلال هذه المناسبة لزيادة مدخولات الدولة عن طريق تقديم الهدايا في عيدي النوروز والمهرجان،وكذلك الخليفة عبد الملك بن مروان وابنه يزيد في تقديم الهدايا ومسح الاراضي تمهيداً لاستيفاء الخراج من العامة، سيما وان الدولة كانت بحاجة ماسة اليه نظير حوادث الفتنة الداخلية وعمليات الفتوح الواسعة في المشرق والمغرب على حدٍ سواء. في حين أن موقف الخليفة عمر بن عبد العزيز كان موقفه مبدئياً موافقاً لفكرة الصحابة والتابعين والفقهاء، وعلى نهج الخلفاء الراشدين.

أما بخصوص إحياء الخلفاء العباسيين ووزرائهم من البرامكة وآل سهل للنوروز فيعلق عليهم أحد كبار علماء الشيعة العراقيين المعاصر بقوله:”  وعلى أية حال إن بدعة النيروز المجوسية أماتها الاسلام، ولما أراد إحيائها ( زوطي) قضى عليها علي (عليه السلام) تماماً وبقيت في الاموات الى ظهور دولة بني العباس التي كانت قائمة بجيوش المجوس، وكان أكثر وزرائها منهم كالبرامكة وبني سهل الذين كانوا سدمة النار لمعابد النيران في (سرخس) وفارس  وكانوا من (الهيربذان) و(الموبذان) علماء المجوس الذين يسمون اليوم (دستور)”. الخالصي،النيروز، التأليف والنشر لجامعة العلمالكاظمية، مطبعة المعارف، بغداد، د، ت، ص10).

كما أن بعض الولاة العباسيين على الاقاليم الشرقية: فارس، خراسان، طبرستان، أذربيجان وغيرها حاولوا استمالة الناس الذين كانوا قد بقوا على معتقداتهم السابقة المجوسية بكافة تفرعاتها من الزرادشتيةوالمزدكية والمانوية لذلك حاولوا احياء أعياد أسلافهم، عن طريق تقديم الهدايا الى الخلفاء العباسيين، أو أخذ الهدايا من رعاياهم الانفي الذكر، سيما وأن الكثير من الجند العباسي كانوا من أهالي خراسان شرق إيران التي لا زالت تحوي الكثير من العقائد المجوسية القديمة. فضلاً عن ذلك قد يكون العامل الاقتصادى هو احد العوامل مثلما فعل الامويين وهذا ما يبدو في محاولة تغيير موعد العيد وظهور التقويم المعتضدي ( = الخليفة المعتضد)، وفيما بعد السلطاني (= السلطان السلجوقي ملكشاه)، حتى تنضج الزروع والثمار، ولكن هناك عوامل أخرى تقل عنها شأناً، وهي العوامل الاجتماعية والثقافية والادارية.

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً