البحوث

لماذا نشأت الماسونية في بريطانيا؟

أ.د. فرست مرعي

مقدمة

الماسونية” احدى أخطر الجمعيات السرية في العالم وأقدمها وأبعدها أثراً في مجرى أحداث التاريخ. ويطلق عليها أحياناً شيعة الفرماسون (Frddmason) أو البناؤن الاحرار، وهي حركة سرية عالمية؛ عرفت بغموض النشأة والأهداف وسعة الانتشار والنفوذ، وبينما يرى كثيرون أنها يهودية أو ذات ارتباط وثيق بالصهيونية العالمية وتهدف للسيطرة على العالم بالتدريج والسعي لإعادة بناء ما تعتقد أنه “هيكل سليمان”؛ ينفي زعماؤها ذلك ويؤكدون أنها “جمعية خيرية تسعى لتآخي البشرية ورفاهيتها””.

وتُعرّف الموسوعة البريطانية الحركة الماسونية بأنها “تعاليم وممارسات النظام الأخوي السري، للرجال فقط من الماسونيين الأحرار والمقبولين. وهي أكبر جمعية سريّة في جميع أنحاء العالم. وانتشرت بفضل تقدم الإمبراطورية البريطانية، وظلت أكثر الجمعيات شعبية في الجزر البريطانية، وفي البلدان الأخرى التي كانت موجودة أصلاً داخل الإمبراطورية”.

كما يُعرّف قاموس Toupie الفرنسي الماسونية أنها: ” في الأصل، كانت الماسونية أخوية دينية للبنائين الإنكليز في القرن  الثاني عشر الميلادي ورد اسمها وبعض استخداماتها إلى نقابات البنائين في العصور الوسطى. وأتت الأشكال الأخرى من طقوسها لاحقاً، من طقوس عبادة زرادشت. وظهرت الماسونية الحديثة في القرن السابع عشر في بريطانيا العظمى، في اسكتلندا تحديداً، قبل أن تنتشر في أوروبا خلال القرن الثامن عشر”.

ونظرا لطبيعة حركة الماسونية الموغلة في السرية والغموض فإنه لا يوجد اتفاق على شيء من أمورها وبالذات ظروف نشأتها وطبيعة أهدافها ونوعية خططها؛ فهذه الحركة التي تسمي نفسها “أخوّة البنائين الأحرار”  تقول إن نشأتها الرمزية تزامنت مع ما تدعوه “هيكل سليمان” الذي تعتبره أول عمل عظيم نفذته، ومن “إنشائه” استلهمت اسمها “البناؤون الأحرار” وأخذت تقديس “حرفة البناء”.

ويقول المؤرخون الماسونيون إن “أسرار المهنة” وصلت إلى إنكلترا عام 926م على أيدي البنائين والصناع الحرفيين الأوائل الذين عملوا في تشييد الكنائس وغيرها من البنايات الدينية، فشكل هؤلاء الحرفيون نواة الحركة الماسونية الأولى وعلاقتها بالدين.

ويفتخر الماسونيون بمن يُسموْن “فرسان الهيكل” الذين يعتبرونهم من العناصر المؤسسة للماسونية. و”فرسان الهيكل” تشكيل عسكري تأسس على أساس ديني في حقبة الحروب الصليبية، وشارك مع الصليبيين في محاربة المسلمين لانتزاع المسجد الأقصى منهم، إذ يعتقدون أنه بُني تماما فوق ما يسمى “هيكل سليمان”.

وبشأن ارتباط الماسونية بـ”هيكل سليمان” المزعوم؛ قال جون هاميل المتحدث باسم المحفل الماسوني الأكبر بلندن في لقاء مع قناة الجزيرة عام 1999م إن ” هيكل سليمان هو البناء الوحيد الذي وُصف تفصيلاً في التوراة، وعندما كانت الماسونية تنظم نفسها في أواخر القرن السادس عشر وبدايات القرن السابع عشر كانت التوراة مصدراً عظيماً للمحاكاةِ والتميز، ولهذا تناولوا فكرة البناء واستخدموا بناءً موصوفاً في التوراة”[1].

ومن الناحية التاريخية المؤسسية يُعتبر “المحفل الكبير” في لندن الذي أنشئ في 24يونيو/ حزيران عام 1717م من اتحاد أربعة محافل من بين المحافل التي كانت نشطة في الجزر البريطانية؛ لتؤلف أول محفل أكبر سمي “محفل أورشليم”، ثم عدل اسمه إلى “محفل إنكلترا الأكبر “Grand Lodge of England    أو “المحفل الحديث”، وهو أقدم محفل أكبر في العالم، وانبثقت على نسقه فيما بعد كثير من المحافل الكبرى الأخرى. وكان انتشارها الأوسع في البلاد التي تعتنق البروتستانتية والمذاهب المتفرعة عنها، ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية حيث ظهرت فيها أعظم المحافل الماسونية الرسمية العالمية وأكثرها سلطة، وأعطى لنفسه صلاحية العمل على توحيد الحركة الماسونية العالمية تحت وصاية “أستاذه الأكبر”.

ومن بريطانيا تمددت الماسونية إلى فرنسا، لتظهر فيها أقدم سلطة ماسونية في البر الأوربي تدعى “الشرق الأكبر الفرنسي Grand Orient de France ”  الذي تأسس عام 1728م، وتبنى أفكاراً تحررية وعلمانية استوحت منها الثورة الفرنسية عام1789م فيما بعد شعاراتها (حرية، إخاء، مساواة)، وتفرعت عن هذا الشرق الأكبر معظم شروق البلاد اللاتينية وآسيا وإفريقيا وشروق كثيرة من البلاد العربية، إلا أن المحافل الفرنسية استقلت بذاتها منذ 1877م؛ لتؤلف “المحفل الأكبر الوطني الفرنسي Grande Loge Nationale Française (GLNF) ” وهو الوحيد في فرنسا اليوم؛ ومتآخٍ نظامياً مع المحفل الأكبر الإنكليزي الموحد.

ففي عشرينيات القرن الثامن عشر الميلادي الذي كان قرن الرواج الكبير للأفكار الماسونية، وتوسعت موجتها بعد ذلك في البلدان الأوروبية وأميركا حيث أثر رجالها في قيام الثورتين الفرنسية 1789م والأميركية 1776م، ثم انتقلت الى الدول الاخرى عبر جحافل الحركة الاستعمارية في العقود اللاحقة.

وعلى مستوى طبيعة أهداف الماسونية؛ فقد كثرت بشأنها الأقوال والتقديرات التي يذهب بعضها إلى اعتبار هدفها الأكبر هو أن تكون حركة تتجاوز الحدود والدول والأشخاص، وتتحكم من خلالها قلة من الناس في مقدرات العالم وخيراته، وأن ما تقوم الماسونية من أنشطة خيرية لصالح الفقراء والمحتاجين مجرد غطاء للأهداف الخفية للحركة.

ويرى آخرون أن رموز الحركة التوراتية مثل “نجمة داود” التي ترمز عندهم للحياة وما يسمونه “هيكل سليمان”  تشير إلى صلتها باليهودية، مما يدل على أنها أداة من أدواتها السرية للسيطرة على العالم وتحقيق مصالحها فيه.

ويعد المحفل الماسوني الأعظم في قلب لندن أعرق محافل الحركة الماسونية العالمية، ويضم عشرات الغرف والقاعات التي يعقد فيها الماسونيون جلساتهم الخاصة، وينظمون فيه حفلاتهم، وفيه غرف تنظم فيها جلسات قبول الأعضاء الجدد أو ترقية آخرين إلى مراتب أعلى. وأكثر ما يُلاحظ في هذه القاعات هو الحضور القوي للرموز الدينية اليهودية  رغم أن الحركة تصر على أنها لا تناقش الدين أو السياسة.

ويحتوي المتحف على سجل حافل بالوثائق والقطع الأثرية والأدوات التي تؤرخ لأكثر من ثلاثة قرونٍ من تاريخ الماسونية، وفيه وثائق عن المحافل الماسونية في مختلف أنحاء العالم حسب الفترات التاريخية التي شيِّدت خلالها، وتحفظ في جناح منه صور ووثائق تتعلق بالشخصيات العالمية التي انضوت داخل الماسونية من أدباء وموسيقيين وملوك وأمراء ورؤساء دول وغيرهم.

وعن علاقة هذا المحفل ببعض المحافل الماسونية الأوروبية؛ يقول المتحدث باسمه (جون هاميل) في عام 1999م: “محفل الشرق في إيطاليا لا نعترف به حاليا لأنهم قبل سنوات قليلة كانوا متورطين في السياسة، أما محفل الشرق في فرنسا فلا نعترف به لأكثر من 120 عاما لأنهم قبل نهاية القرن التاسع عشر سحبوا اعترافهم بالرب في طقوسهم، ولهذا سحبنا اعترافنا بهم ولا نتزاور معهم”[2].

ويعتبر “ترسيم” الأعضاء الجدد -الذين يجلبون بالإراء والابتزاز للانضمام إلى الحركة الماسونية و”الخروج من الظلمات إلى النور” أحد أهم الطقوس الخاصة التي تعقدها الحركة عدة مراتٍ في السنة، ويتولى ترتيباته رؤساؤها وأحبارها في محافلها المنتشرة عبر العالم.

ولدى انضمام عضو جديد يقول “الرئيس الأعظم” للمحفل في بداية جلسة ترسيمه في “حجرة التأمل”- ما نصه: “اللهم يا مهندس الكون الأعظم نسألك أن تهب جزيل رحمتك لعبدك هذا الذي يطلب الآن الإشراك معنا في أسرار الأساتذة البنائين الأحرار، وأعنه على الجواب وقت السؤال، وثبته عند الامتحان.. آمين”.

ويؤدي العضو الجديد قسم الولاء للماسونية متعهدا “تعهدا ناشئا عن شرف نفسه بأن يستمر بعد انضمامه إلى هذه العشيرة في القيام بالعوائد الماسونية القديمة، والحضور إلى الاجتماعات ومشاركة الإخوان”. وعليه أن يعرف “أن الماسوني الحر يربأ بنفسه عن الدخول في مناقشة تيارات الدين أو موضوعات السياسة”.

ثم يسأله “الرئيس الأعظم” قائلا: “هل أنت راغبٌ باختيارك ومحض إرادتك في التعهد تعهدا وثيقا مبنيا على المبادئ المتقدم ذكرها بأن تحفظ أسرار هذه العشيرة وتصونها؟ فلتقم الآن بتقبيل الكتاب المقدس، أيها المستنير أنت الآن على وشك الاطلاع على أسرار الدرجة الأولى للبنائين الأحرار”.

وفي ختام الجلسة يخاطبه “الرئيس الأعظم” محذرا: “إذا حاولت الهرب فإن عقابك سيكون إما بالطعن أو بالشنق. العقوبة البدنية التقليدية التي تقع عليك -كما هو معروف من تاريخ الماسونية- هي قطع رقبتك من جذورها، إذا أفشيت سراً من أسرار البنائين الأحرار”.

ورغم الانفتاح الإعلامي الذي صار الماسونيون يبدونه -خاصة في بريطانيا وأميركا- في إطار مراجعة جذرية أجراها زعماء الماسونية قرروا فيها التخلي عن الغموض الذي يحيط بهم والتركيز على أنشطتهم “الخيرية”؛ فإنهم لم يسمحوا لأعضائهم بالحديث عن طريقة المصافحة أو كلمة السر المطلوبة لدخولهم المراكز الماسونية، كما بقيت اجتماعاتهم الخاصة قاصرة عليهم.

ففي بريطانيا التي تستضيف أقدم المحافل الماسونية ويقدر عدد الماسونيين فيها بأكثر من 300 ألف عضو، وكان للأسرة المالكة تاريخ طويل مع الماسونية كما توضح ذلك شجرة العائلة، وقد شغل منصب “الأستاذ الأعظم” في محفلها ابن عم الملكة الأمير” إدوارد جورج” (دوق كِنت وستراثرن). وتقول الماسونية إن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل كان من أعضائها.

على مدى السنوات القليلة الماضية، حاولت الحكومة البريطانية ولم تنجح فى تحديد العلاقة بين فساد الشرطة ودوائر القضاء من ناحية وازدياد نفوذ الماسونية من ناحية أخرى. وضعنا نحن أيدينا على رجل كانت له قدم هنا وقدم هناك. كان جون سايمونز شرطياً لكنه كان أيضاً ماسونياً، وهو الآن يعترف:”اشتركت فى عرقلة مسار العدالة وقبلت رشوة وقمت بتعذيب المتهمين كى يرى ضباط قسم التحقيقات الجنائية أننى كفء لمزاملتهم، وهو ما حققته بعد وقت قصير. لكننى ارتكبت بعد ذلك أسوأ جريمة على الإطلاق، وهى أننى فضحت كل شىء أمام أعلى ضابط فى قسم التحقيقات الجنائية، وكنت أظنه سيفعل شيئاً، لكنه حوّلنى إلى ضابط صغير كان ماسونياً نافذاً، ومن وقتها صارت حياتى بؤساً”.

لو كان جون سايمونز توجه مباشرةً إلى المحكمة لربما كانت تلك نهايتهم جميعاً، لكنه اضطر إلى مغادرة البلاد. قاموا هم بتحمل نفقاته وساعدوه على شراء سيارة، وإن لم يكن وافق على ذلك لكانوا قتلوه. وضع الرجل أمامى دليلاً دامغاً لا أستطيع الكشف عنه.

لم يقتصر الأمر على شرطة التحقيقات الجنائية، بل أيضاً أثناء مداولات قضية ما عُرف بشرطة الآداب كانت هناك إشارات كثيرة إلى الماسونية، ليس من أفواه الضباط أنفسهم لكنّ الأدلة المادية أثبتت أنهم جميعاً كانوا ماسونيين، وأنهم كانوا يلتقون بتجار الدعارة فى محافلهم الآمنة من الرقابة، بل إن ضابطاً ماسونياً رشح أحد تجار الدعارة للانضمام إلى محفله، وقد كان. وامتدت هذه الظاهرة كذلك إلى شرطة المخدرات وشرطة السطو والشرطة الطائرة وغيرها من فروع الشرطة البريطانية. أما الذى يجعل من الانضمام إلى الماسونية، ولو ظاهرياً، مسألة جذابة فهو حقيقة أنك تضمن من طقوسهم أن بعضهم يساعد البعض الآخر، حتى على الباطل، وإذا لم يستطع، أو لم يُرد أن يساعده، فإن القَسَم الصارم يمنعه من إفشاء الأسرار.

والتفت انتباه المحقق الصحفى (مارتن شورت)، إلى حالة واحد من أخطر المجرمين البريطانيين، لينى غيبسون، الذى قاد عصابة سرقت ما قيمته ثلاثة ملايين جنيه إسترلينى من الفضة. وكنت( والكلام للصحفي مارتن شورت) فى زيارة له فى منزله فى شمال لندن عندما تناول من خزانته عدداً من الملفات وضعها أمامى على الطاولة. تحتوى هذه الملفات على الأدلة التى تثبت ما هو أكثر من انتماء غيبسون للماسونية، «لقد كان فى العام نفسه الذى قام فيه بهذه السرقة الكبرى الرئيس الأعظم لمحفله، وكان هذا المحفل يضم ثمانية ضباط شرطة كان أحدهم محققاً فى الشرطة الطائرة.

وأثناء ذلك العام اعتمد المحفل أوراق ضابط واحد على الأقل، ورغم ذلك لا يشعر أى من هؤلاء الرجال بأى مشكلة فى التعامل مع حقيقة أن السيد غيبسون كان مجرماً ولا يزال يمارس الإجرام.

وفى شارع سان جيمس بالقرب من مجلس العموم البريطانى فى لندن أنشأ ضباط الشرطة البريطانيون الماسونيون عام 1986م محفلاً خاصاً بهم، يلتقون فيه، كما يقولون، لممارسة طقوسهم والتعارف بعيداً عن أجواء العمل. من بينهم عدد من كبار قادة اسكوتلانديارد.

وفي السياق تفسه ينمو فى الوقت نفسه شعور عام بالشك والقلق بين الدوائر الشعبية والصحفية والحكومية. يمتد هذا الشك كى يمس المجالس المحلية ودوائر القضاء. يروى لى ضابط الشرطة الماسونى التائب مثالاً نمطياً على فساد الشرطة والقضاء:”يمكنك أن تقطع الطريق كلها، تأخذ بريئاً وتتهمه بحفنة من الأكاذيب وتقدم كل الأدلة المزيفة ومن ثم تبدأ المحاكمة. ومن خلال علاقاتك مع موظف المحكمة تتأكد من وضعه بين يدى قاضٍ بعينه، قد يكون ماسونياً وقد يكون معروفاً بتشدده إزاء نوع التهمة الموجهة لذلك الإنسان البرىء. ثم تمضى القضية ويصدر الحكم بالإدانة طبعاً. وقد يكتشف محامى الدفاع أن القاضى أخطأ فنياً فى تلخيص جوانب القضية مما قد يمنح المتهم فرصة للاستئناف، فماذا تفعل؟ ..تتصل بصديقك الماسونى فى مكتب الطباعة داخل المحكمة كى يقوم بتغيير نص جلسة المحاكمة المدون فى الدفاتر!!! … أنت تستغرب؟! .. أستطيع أن أريك نص محاكمة به ما يزيد على 2000 تعديل قام بها سراً ضباط اسكوتلانديارد. لقد كانت هذه محاكمتى أنا”.

فى عام 1996م دعت الحكومة البريطانية أعضاء الشرطة والقضاء والمجالس المحلية إلى التطوع بالإعلان عما إذا كانت لهم علاقة بالماسونية. حتى الآن لم يعترف سوى حوالى 5 % فى إطار دعوة غير ملزمة. فى خطابه الخاص إلى برنامج «سرى للغاية».

يقول وزير الداخلية البريطانى في منتصف تسعينات القرن العشرين، جاك استرو(1946م – ؟)[3]، إن هذه السياسة قد تتحول إلى قانون يلزم هؤلاء بالكشف عن انتمائهم للماسونية. وإذا كان وزير الداخلية البريطانى يعنى حقاً ما يقوله لنا، فلماذا يضع نفسه تحت رحمة الآخرين ويلقى بالكرة فى ملعب الماسونيين وهو يعلم أنهم أكثر المتلاعبين حنكة فى العالم؟

وعام 1996م دعت الحكومة البريطانية أعضاء الشرطة والقضاء والمجالس المحلية إلى التطوع بالإعلان عما إذا كانت لهم علاقة بالماسونية، لكن لم يفصح عن عضويته فيها سوى حوالي 5% نظرا لكون الدعوة غير ملزمة. وهو ما جعل الحكومة تهدد بأنها قد تتحول إلى قانون يُلزم هؤلاء بالكشف عن انتمائهم إلى هذه الحركة.

وكان المحفل الماسوني في بريطانيا قد نشر إعلانا على صفحة كاملة في عدة صحف بريطانية رئيسية تطالب فيها بإنهاء ما وصفته بـ”التمييز” ضد أعضائها. وقال المحفل الكبير إنه يرحب بجميع الأفراد من مختلف الاتجاهات لكن أعضاءه “يوصمون بدون وجه حق”.

وأضاف أنه بعث برسالة إلى لجنة المساواة وحقوق الإنسان تتعلق بهذه الشكوى. وكانت أخبار قد نشرت في الفترة الأخيرة تتعلق بمدى تأثير الماسونية بين أفراد الشرطة وأعضاء البرلمان في بريطانيا. واشتكى المحفل في الإعلان الذي ظهر في صحف “التايمز”، و”ديلي تلغراف”، والـ”غارديان”، مما وصفه بـ”سوء تمثيل كبير” لأعضائه”.

وقال الدكتور( ديفيد ستيبلز) الرئيس التنفيذي للمحفل، في المنشور الذي جاء تحت عنوان “طفح الكيل”، إن المنظمة جمعت أكثر من 33 مليون جنيه استرليني من أجل قضايا الخير، العام الماضي(2017م). وأضاف أن المحفل يرحب بكل الناس، من أي جنس أو عقيدة أو طبقة أو اتجاه سياسي للانضمام إلى المنظمة التي يبلغ عمرها الآن 300 عام. ويقتصر المحفل الماسوني الكبير في انكلترا على الرجال، غير أن هناك محافل أخرى موجودة للنساء. ويوجد في بريطانيا وويلز حوالي 200 ألف ماسوني من الرجال، و4700 من النساء، يلتقون في أكثر من سبعة آلاف محفل.

وكانت صحيفة الـ”غارديان” قد نشرت في 2/2‏/٢٠١٨ موضوعا قالت فيه إن هناك محفلين ماسونيين يعملان في ويستمنيستر، مقر البرلمان البريطاني، وقالت إنهما مخصصان لأعضاء البرلمان والصحفيين المختصين في الشؤون السياسية.

الماسونية تعرف نفسها بأنها “حركة أخوية عالمية أهدافها المساعدة المتبادلة والصداقة وخير الناس”. ولطالما كانت الماسونية محط عداء الكنيسة، ولا سيما الكاثوليكية، وحتى النازية، ونظر إليها الناس بعين الارتياب والخوف. وما زال العداء لها ماثلا بين المسيحيين المتزمتين رغم أن البابا الراحل “يوحنا بولس الثاني” (1920 – 2005م) رفع في 27 أكتوبر/تشرين الثاني 1983م الحرم الكنسي المفروض على جميع الماسونيين منذ عهد البابا “كليمنت الثاني عشر  ( 1620 – 1740م) عام 1738م.

وكثيرا ما اتهمها أعداؤها بأنها تعمل على نشر الليبرالية والعلمانية، مرورا بالتعاليم الشيطانية، بل وحتى التمهيد لظهور المسيح الدجال والقضاء على الأديان، بطرق سرية وخبيثة تعتمد التضليل والخداع بهدف السيطرة المزعومة على العالم، كما يورد الباحث “نيك هاردينغ” في كتابه “الجمعيات السرية”، والكاتب الماسوني “جون مايكل غرير” في كتابه:”الموسوعة الأساسية للجمعيات السرية والتاريخ الخفي”.

وتقول بعض المصادر الماسونية، مثل كتاب “الماسونيون الأحرار”: الكتاب المصور لأخوة قديمة” لمؤلفه “مايكل جونستون”، إن هناك أساطير ماسونية ترجع نشأة الحركة إلى ما قبل طوفان نوح بل حتى ترجعها إلى عهد النبي ابراهيم والنبي سليمان(= عليهما السلام). لكن السائد كما عند معظم الباحثين أن أصول الماسونية ترجع إلى القرون الوسطى مع ازدهار حقبة الطلب على البنائين لبناء القلاع والكاتدرائيات الكبرى.

ومن الروايات الشائعة عن نشأة الماسونية، كما يورد الكاتب الماسوني “بات مورغان” في كتابه “أسرار الماسونيين الأحرار”، والكاتبان الماسونيان “جون هاميل” و”روبرت غيلبرت” في كتابهما الموسوعي “الحركة الماسونية: احتفال بالصنعة”، وغيرهم، أنها امتداد لتنظيم عسكري “منقرض” كان يعرف باسم (فرسان الهيكل)[4] ظهر في نهاية الحملة الصليبية الأولى (1095 – 1199م) على المشرق الاسلامي(= بلاد الشام).

وتقول مصادر مطلعة إن الماسونية أساسا لها ثلاث أفرع أساسية أولها يسمى (المحفل الأزرق)، وهو مكون من ثلاث درجات، وتبدأ بدرجة (تلميذ الصنعة- المستجد)، ثم تليها (زميل الصنعة)، ثم تليها (البناء المعلم).

أما الفرع الثاني، وهو الأعلى، فهو (الطقس اليوركي) نسبة الى مقاطعة يورك البريطانية وهو مكون من 10 درجات، ثم (الطقس الاسكتلندي) الذي يصل حتى الدرجة 32. أما أعلى درجات الماسونية (معروفة للعلن) فهي الدرجة 33. والانضمام للماسونية ليس حكرا على أبناء دين معين، بل يمكن أن ينضم إليها أي شخص ومن أي دين.

ولطالما ارتبطت الماسونية بالرموز، والإشارات، وهي كثيرة، مثل الفرجار والزاوية اللذان يمثلان “الطبيعة الأخوية” للماسونية. وغالبا ما يشاهد داخل الفرجار والزاوية رمز آخر هو النجمة أو القمر أو الشمس(تمثل الحقيقة والمعرفة) أو العين أو الحرف اللاتيني G.

أما الحرف G فيقال إنه يمثل أول حرف من كلمة God أي الله، فالماسونيون “ملزمون” بالإيمان بوجود كائن أسمى يسمونه “مهندس الكون الأعظم” وإن كانوا لا يطلقون عليه اسم الله. أما العين داخل الفرجار والزاوية فتسمى “العين التي ترى كل شيء”، ويقول الماسونيون إنها تشير إلى الاعتقاد بـ” أن الله يستطيع أن يسبر ببصره أغوار قلوب وأنفس الناس”. لكن بالمقابل يقول أعداء الماسونية إن ” العين  ليست عين الله ” ( أو المهندس الأعظم الماسوني)، بل هي في الواقع ليست إلا “عين الشيطان” التي يسعون من خلال نشاطاتهم للسيطرة على العالم جعلها” ترى كل شيء تحت سيطرتهم”.

فحسب كتاب( شرح الرموز الماسونية) لمؤلفته ( الدكتورة. كاثي بيرنز) تقول ” إن الحرف G يمثل كوكب الزهرة( = كوكب الصباح)، وكوكب الزهرة يمثل العضو الذكري عند الرجل، وهو أيضا أحد أسماء الشيطان”، وهو يمثل عند الماسونيين الإله(بافوميت- الإله الشيطاني الذي اتهم فرسان الهيكل بعبادته في السر، وهو يجسد الابليس لوسيفير)”.

ويضيف أعداء الماسونية، كما يقول الكاتب (مايكل بينسون) في كتابه (داخل الجمعيات السرية) ” أن رمز العين التي تظهر في قمة مثلث على الختم الأعظم للولايات المتحدة وعلى فئة الدولار الواحد الورقي، والكلمات المكتوبة تدلل على سيطرة الماسونيين على الولايات المتحدة وعلى رغبتهم في السيطرة على العالم باعتبار أن من صمم الختم  ووضع الرسم والكلمات له خلفية ماسونية”.

بيد أن الماسونيين ينفون أن يكونوا هم وراء وضع الختم الأعظم للولايات المتحدة وصورة الدولار، ويقولون إن الشبه بين التصميم رموزهم ليس سوى “صدفة”، وإن مصممه لم يكن ماسونيا.

ويجاهر أعداء الماسونية باتهامها بأن شعاراتها مثل: Novus Ordo Seclorum) New Secular Order) وتعني: ( النظام العلماني الجديد)، و(Odru ab Cha) وتعني: )النظام من داخل الفوضى)، وهو (نفس الشعار الذي يتبناه “المحافظون الجدد الذين بات لهم نفوذ سياسي متعاظم في الولايات المتحدة حاليا) لها مدلولاتها، كما يقول: (مايكل بينسون) في كتابه ” داخل الجمعيات السرية”، حيث يمكن تفسير الشعار الأخير مثلا على أن الماسونيين ” يغتنمون الفرص من الفوضى لأنه من السهل استغلال حاجة البشر للنظام”.

ومما يلفت الانتباه لما تعلنه الحركة الماسونية (على الأقل في بريطانيا) أن الماسونيين يحظرون على أنفسهم الحديث عن السياسة والدين.

وهناك العديد من الشخصيات السياسية والدينية في التاريخ البريطاني مثلا كانت في صفوف الماسونية، وأبرزها: رئيس الوزراء البريطاني في سنوات الحرب العالنية الثانية (ونستون تشرشل)، ورئيس الكنيسة الأنكليكانية البروتستانتية الراحل (جيفري فيشر) الذي توج ملكة بريطانيا الراحلة (إليزابيث الثانية).

ومن جهته فقد حذر رئيس اتحاد الشرطة في إنكلترا (ووالاس ستيف وايت) من أن أعمال الإصلاح الشرطية تتم إعاقتها من قبل أعضاء الماسونية، مضيفاً أن نفوذهم في الخدمة يحبط تقدم النساء والأفراد من الأقليات العرقية وذوي البشرة السوداء داخل الشرطة، وتابع وايت، في تصريحات لصحيفة “الغارديان” في شهر يناير/ كانون الثاني 2018م، أنه يشعر بالقلق إزاء استمرار نفوذ الماسونية داخل الجهاز الشرطي. وقال وايت، موجهاً خطابه للحكومة، إن ذلك يهدد بتولي الاتحاد الشرطي زمام الأمور إذا لم تتولَ الإصلاح عقب سلسلة من الفضائح والخلافات.

ويتهم نقاد الماسونية المنظمة أن لها أعمالاً سرية تخدم مصالح أعضائها على مصالح الجمهور، في الوقت الذي ينكر فيه الماسونيون ذلك، قائلين إنهم يؤيدون القيم التي تتماشى مع المصالح العامة والأخلاق العالية.

وتابع وايت:”إن ما يفعله الناس في حياتهم الخاصة هو شأنهم، لكن الأمر يصبح قضية حين يؤثر على عملهم، لكن كان هناك عدة مناسبات عندما اشتبه زملائي في أن الماسونية عقبة أمام الإصلاح”. وأضاف: “إننا بحاجة إلى التأكد من أن الناس يأخذون القرارات للأسباب الصحيحة، وأن هناك حاجة لاستمرار تواصل الشرطة من أجل الإصلاح في عملها”.

ونفى المتحدث باسم المحفل الماسوني الكبير مايك بيكر التضارب بين التنظيم والشرطة، قائلاً :” إنه لا يرى سبباً للتضارب، وإن ذلك «كمن يقول إن تضارباً سيحدث بين أي شخص ينتمي إلى منظمة ما والعمل في الخدمة العامة”.

وكان قائد شرطة اسكوتلنديارد الراحل (السير كينيث نيومان) عارض وجود الماسونيين في الشرطة. وامتنع وايت عن ذكر أسماء، لكنه اعترف بأن بعض المسؤولين الكبار في أقسام الشرطة المحلية ماسونيون. وأضاف أن من الغريب أن تكون هناك “جيوب” من أجهزة الشرطة يعمل فيها عدد كبير من الماسونيين.

وأصدر اتحاد الشرطة قواعد جديدة تهدف إلى إنكار أن كبار المسؤولين في الشرطة كلهم من البيض وغالبيتهم من الرجال. وقال وايت إنه يأمل بأن تؤدي القواعد الجديدة إلى إنهاء هيمنة الرجال البيض وأن تحد من احتمالات ظهور شبكات ماسونية في قوات الشرطة تعمل لمصلحة أعضائها فقط في المستقبل.

أسباب ظهور الماسونية في بريطانيا

رغم الخلاف حول تاريخ ظهور أو تأسيس الماسونية كحركة عالمية في القرون الخالية، وارجاع البعض تاريخ نشأتها إلى الكهانة المصرية والهندية وغيرها. وبالَغ آخرون في أن مؤسسها َّ آدم (عليه السلام)، والأَّمر من ذلك قول بعضهم إن الله سبحانه وتعالى أسسها في جنة عدن، وإن الجنة كانت أول محفل ماسوني، وميخائيل(= ميكائيل) رئيس الملائكة كان أول أستاذ أعظم فيه. إلى غير ذلك من الأقوال المبنية على مجرد الوهم. وفئة أوصلوها الى عهد نبي الله سليمان بن داود (عليهما السلام) حوالي 3000ق.م، وآخرون تتبعوها إلى اليونانيين في القرن الثامن قبل الميلاد ومنهم من سار بها إلى ما وراء ذلك، فقال َ إنها نشأت من جمعية الصليب الوردي التي تأسست سنة ١٦١٦م ومنهم من أوصلها إلى حقبة الحروب الصليبية(1095 – 1199م) وتحديداً فرسان الهيكل؛ ولذا فإن أرجح الآراء بهذا الشأن ترجعها الى سنة 1717م عندما ظهرت في لندن عاصمة بريطانيا، وأفضل من كشف الغطاء عن هذا التاريخ هو الماسوني الشهير “شاهين مكاريوس” (1863 – 1910م)[5].

 

لمحة عن تاريخ الماسونية في بريطانيا

في سنة 43م أرسل الإمبراطور الروماني كلوديوس قيصر[6] عددا كبيرا من البنائين إلى بريطانيا العظمى ليقيموا الأسوار، ويحصنوا التحصينات اللازمة، ويجعلوا ٍ بريطانيا وهي من الولايات الرومانية حينئذ حصينةً تحاول التصدي لهجمات أعدائها الاسكوتيين[7]، وكانت بريطانيا قبل مجيء هؤلاء عمال البناء خاوية خالية لا مدينة فيها ولا قرى ولا سبب آخر من أسباب الحضارة الرومانية العظيمة، فجاءها البنَّاءُون العاملون ونشطوا وأبدعوا في انشاء المدن والقرى وإقامة الأسوار والحصون اللازمة، فأنشأوا في المدن التي أقاموها الحمامات الجميلة والهياكل العظيمة الجسيمة بما جعلها بعد مدة وجيزة من إنشائها تضاهي مدينة روما نفسها. وأول بلدة أنشأوها مدينة يورك التي كانت تدعى (أيبوكاريوم- إيبوراكوم)[8]، وهي شهيرة جدا في تاريخ الماسونية فتأنقوا في بنائها جدا وجعلوها حصينة للغاية فاكتسبت شهرة عظيمة في مدة قليلة، وأصبحت على قرب عهدها تنازع رومية الرئاسة.  ورأى سكان المنطقة ما كان عليه الرومان من المهارة والحذق في الهندسة والبناء فسروا لعملهم وحفظوا لهم امتنانا جزيلا، وزاد امتنانَهم رغبتُهم في تعلم تلك الصناعة التي كانوا مقصرين فيها فانتظموا في سلك البنَّائين[9].

وكان الأغنياءُ ينظرون إلى هذه الأعمال الفخمة بعين الرضا فصاروا يبذلون ما في وسعهم في بناء القصور الأنيقة وجعل مبانيهم شائقة وجعلوا يتباهون ويتنافسون في عظمتها، وكانت البلاد تزهو وتتقدم يوما بعد يوم،ُ وكانت الجزر البريطانية عرضة لغارات سكان الشمال وهم الاسكوتسيون[10]، فاضطر الأهالي إلى بناء القلاع والحصون في جهات مختلفة، ولم يكن عدد البنائَين يكفي لمثل هذه الأعمال الجسيمة فصار البريتيون[11] الذين انتظموا في سلكهم وتلقَّنوا أسرارهم وأحرزوا كل الامتيازات التي يحرزها كل ماسوني حر عرف بإخلاصه للجمعية يساعدونهم كثيراً  في أعمالهم.  فنشأ عن مخالطة هذين القومين بعضهما لبعض وارتباطهما بعهود المحبة الأخوية ً ائني، فكان علمهم وعملهم واحدا وأسرارهم واحدة وتعاليمهم قوة عظيمة لطائفة البنائينَّ مشتركة فسموا مجتمع الأخوة والرؤساء العاملين من الرئيس الأكبر حتى العامل الأصغر محفلا، وكانوا يقيمون احتفالاتهم الدينية ومآدبهم الرسمية في خيام مضروبة قرب المكان المنوي إنشاؤه[12].43

فلهذه الاسباب ولشدة عُرى المحبة الوثيقة بين الاخوة وعظم تألبهم لادراك غايات طالما صبوا إليها وكثرة اجتهادهم ليجعلوا علم البناء والهندسة رفيعاً فلا يناله المتطفلون؛ أحرزوا شهرةً قصَّر عم إدراك شأوها غيرهم من البنَّائين في الممالك الرومانية، وكانت تُضرب الامثال بعظمتهم الى القرن الثالث الميلادي فيقال: أنشط من بنَّاء بريطاني.

وفي تلك الحقبة ظهرت الديانة المسيحية وامتدت نحو بريطانيا امتدادا ًسريعا، وهي التي خولت المحافل الماسونيَّة ما لها من عجائب العظمة التي أحرزتها، خلافًا لغيرها من الجمعيات السرية، وصارت تلك المباني الهائلة التي كان يفتخر بها الحكم الروماني ويرسل إليها الأسرى مكبلين بالقيود يذوقون فيها مُرَّ العذاب ملجأً أمينًا للمضطهدين ومحلات فرح وسرور لغالبية أبناء الشعب.

وفي سنة ٢٨٧م خرج كارسيس عن طاعة الدولة الرومانية وإدعى نفسه إمبراطورا، ولكنه خشي نكبات الزمان، وأن يحشد القيصر “مكسيميانوس”[13] شريك الإمبراطور ” دقلديانوس” جيشاً جرارا فيبيده ومملكته الجديدة، فأراد أن يتخذ لنفسه حصنًا حصينًا من الرجال الذين اشتُهرت  شجاعتهم وعًرف إقدامهم يقي به نفسه وبلاده من الهلاكَ فلجأ الى جماعة البنائين الذين كان عددهم غفيرا، وكانوا ذوي سطوة لا تنازع، وكان البناءُون مَؤلَّفين من يونان ورومان ومعظمهم من الاهالي الذين عرفوا ُ هذه الجمعية وما لها من الأيادي البيضاءِ فهرعوا إليها متداعنين، فأصدر أمرا في عاصمته سانت ألبان التي تدعى قديماً فيرولام إلى أحد قواده َّ المدعو “ألبانوس” خول الماسون فيه كل الحقوق والامتيازات التي كانوا قد أحرزوها في عهد “نوما بومبيليوس”، وزاد على ذلك أن منحهم لقب أحرار، فصاروا منذ ذلك العهد يدعون فري ماسون masons Free؛ أي البنَّائين الأحرار ليمتازوا عن الآخرين الذين لا علاقة لهم ولا ارتباط بهذه الجمعية.

ولما رأى  الملك “كارسيس” نفسه مستقلا، وأنه لم يبق ِ عليه خوف ولا ِ خطر على سلطنته من الحكام الرومانيين فتح خزائن الأموال وبذل النفس والنفيس ليجعل بلاده عظيمة ورعاياه سعداءَ فشيَّد المباني، وأقام المعالم وحصن القلاع ومهد البلاد حتى جعلها في مدة وجيزة تضاهي أعظم الممالك إن لم نقل أنها تفوقها، ولكن أعوان كارزيس ثاروا عليه وقتلوه عندما اقترب الأسطول الروماني من بريطانيا وكان يقل قسطنطنيوس كلوديوس الذي انتخبه الإمبراطور “مكسيميانوس” نائبًا عنه في كل من بلاد غاليا وبريطانيا سنة ٢٩٥م، فاتخذ مدينة أيبوكاريوم — وهي الآن يورك— مقراً لحكمه، وكانت هذه المدينة من أشهر المدن البريطانية في حسن بنائها وزخارفها ًوكثرة محافلها القديمة والحديثة، فأصبحت هذه المدينة مهدا للمحافل الماسونية منذ ذلك العهد.[14]

وفي سنة 306م توفي “كارسيس” في مدينة يورك فخلفه في الحكم ابنه “قسطنطنين” بأمرٍ من قيصر روما، ورفع الاضطهادات التي كان يثيرها الأباطرة الرومان على المسيحيين، واتعتبر نفسه المدافع الحقيقي عنهم لذا اعتنق النصرانية، وأمر بأن تكون الديانة الرسمية في بلاده.[15]

وزادت قوات المحافل والجمعيات منعةً وامتدت النصرانية في عهد قسطنطنين هذا فأنشئت العديد من الكنائس، وكان البناءُون يشتغلون ليل نهار بهمة لا تعرف الملل ولا يعزوها الكلل. وقطن قسطنطنين مدينة يورك ِ في أول حكمه أسوةً  بابيه فتعرف فيها برؤساءِ المحافل ونخبة أعضائها، ولما سافر الى الشرق سافر معه كثيرون.

وكانت هجمات الفايكينك على الأملاك الرومانية تزداد يوما بعد يوم فلم يعودوا يعودوا يكتفون بما كانوا يأتونه من المظالم يوم كانوا ينهبون البلاد ويعيثون فيها فسادا ثم يتركونها وشأنها في بؤس وشقاءٍ، بل أصبحوا إذا سيطروا على مدينة أو بلدة يقومون فيها بأنواع المنكرات والقبائح غير مبالين بالعواقب؛ إذ لا شريعة تردعهم ولا مانع يمنعهم عن مثل هذه ً الفظائع. وهكذا أخذت بريطانيا تنسلخ عن حكم قياصرة روما يوماً بعد يوم.

وكان الامبراطورية تحارب القبائل اسكوتسيا(= الاسكتلندية) المتوحشة  ابتداءً من القرن الثالث الميلادي حربًا لا هوادة فيها، ولكن بعد ازدياد خطورة القبائل الاخرى لهم من جهات أخرى، وأن الخطر يتهددهم من كل الجهات عزموا على غزو القبائل القوطية في بلادهم نفسها، فكان يلزمهم لذلك قوات عظيمة؛ لأن جيشهم كان موزعا الى فرق عديدة في كل الاطراف، فعزموا على ترك بريطانيا وشأنها وبدءوأ يسحبون قواتهم منها شيئًا فشيئًا حتى تخلوا عنها تماما سنة 446م. لذلك جاءت الفرصة السنحة للبريتيون (= البريطانيون) فدعوا جيرانهم من القبائل لنصرتهم وتوددوا إلى الساكسون والإنكلز، فسارع هؤلاء إلى نجدتهم وشنوا الغارة على أهالي اسكتلنده فانتصروا عليهم تمام ًالانتصار. ولكن انتصارهم كان وبالا عليهم، وكانوا كالمستجيرين من الرمضاءِ بالنار؛ لأن هؤلاء الأنصار لم يسارعوا إلى نجدتهم إلا ليقضوا لباناتهم من بلاد طالما صبوا إليها ُفاحتلوا بريطانيا وصاروا سبعة ممالك دعيت أنكلوساكسون، وكان هؤلاء البرابرة بما يأتونه من المظالم وأنواع العداءِ سببًا لشقاءٍ تام حل على الأهالي المنكوبين؛ فدمروا البلاد وخربوا المباني الكبيرة والحصون، فعادت البلاد البريطانية تذبل كزهرة قصمت يانعة، وصارت تسري القهقرى دون أمل بالترقي والنجاح.[16]

وفي أواخر القرن السادس الميلادي أرسل البابا “كريكوري الأول” [17]رجالا ُعرفوا بالفضل واشتهروا بالنبل وبحسن صفاتهم الأدبية والمادية (وهم رهبان ماري مبارك)؛ لينشروا النصرانية بين القبائل الساكسونيَّة، وكان يرأس هؤلاءِ الرهبان “أوستينوس َّ، ولم يطل زمن بعثتهم حتى قُرن ملوك الساكسونيين السبعة مع شعوبهم ورعاياهم العديدة. ولكنهم حاولوا إقناع هؤلاء المتنصرين الجدد بسلطة الحبر الروماني وبعصمته عن الزلل فخاب سعيهم، ولم يلقوا آذاناً صاغية، ولبث هؤلاء على اعتقادهم الوثني الأول[18].

ولكي يطيلوا زمن سلطتهم ونفوذهم باشروا درس البناء وصناعة الحفر ودرسوا على أشهر أساتذتها حتى نبغوا فيها وساروا يبثونها في كافة أرجاء المعمورة، وكان الأب “أوستينوس “(الذي صار فيما بعد أسقف كانتربري) هو الذي حرك في قلوب رعيته حب ًهذه الجمعية وأعاد لها نوعا من عظمتها الأولى بعد أن أمسى عدد طلابها قليلا لا يعتد ِبه47.

وارتبطت المحافل والأديرة في إنكلترا وفي غريها من البلدان برابطة الحب العظيمة، وكان يشتد نفوذ البعض حسب الأحوال، فإن كان الرئيس كاهنًا فالرئاسة للأديرة وإلا فللمحافل، ولكنهم في الحالين يعترفون برئاسة الرئيس المنتخب بأغلبية الأصوات ويدعونه عند الاقتضاءِ الأب المحترم أو الأخ المحترم، ومنهم نشأ هذا اللقب المحفوظ إلى الآن في المحافل الماسونية.

وفي أواخر القرن السابع الميلادي ذهب كثير من الأساقفة والكهنة البريطانيون إلى روما، بدعوى أن يجلبوا منها التماثيل البديعة الصنع والصور الجميلة التي صنعتها أيدي البنائين الحاذقين ُّ المصورين البارعين، ولكن القصد الحقيقي من زيارتهم كان ليحثوا البنائين الحاذقينَّ في صناعتهم أن يأتوا ويستقروا في إنكلترا، فسار معهم كثير من المهرة الذين أقر بفضلهم ً العالم فأنشئوا في إنكلترا آثارا جميلة للغاية وشيَّدوا القصور للأغنياء والأشراف وأقاموا ً الكنائس والأديرة للرهبان والحصون والقلاع للحكومة، وكان إكرامهم عظيما وشهرتهم كبيرة. فتزلف إليهم عظماءُ البلاد وأعيانها ليتحدوا يدا واحدة ويتألبوا معا على جمع شتات الآثار الثمينة التي لعبت بها أيدي سبا، ولكن علم البناء لا يزال على رونقه القديم في بلاد اسكوتسيا وبلاد الغال أكثر مما هو في أماكن أخرى.

ولهذه الأسباب تقدمت المحافل الماسونية َّفي معارج الحضارة وتغير أسلوبها الأول، فلم يعد أعضاؤها كذي قبل بنائين خاملي الذكر قليلي العدد، بل زاد مركزهم منعة ُّوانتظم الأشراف والسراة في سلكهم وسموا أنفسهم بنائين أحرارا مقبولين.

وعاد محفل يورك إلى عظمته الأولى وأحرز الرئاسة على سائر المحافل البريطانية كالأولى، ولم تكن المحافل تقبل في عدادها غير الأحرار فسموا فري ماسو Free Masons ،أي: البنَّائين الأحرار بالحق، وأصبحوا ذوي سطوة وعظمة، فلم يعد ينازعهم ً أحد في رئاسة أو يقدر أن يمنع اجتماعاتهم فتمتعوا طويلا بالامتيازات التي نالوها بلا معارض ولا منازع.

ِ وكان على طالب الرئاسةَ أن يسافر ثلاثًا ِ إلى بلاد بعيدة وبعد إيابه من كل سفر كان عليه أن يبرهن للجمعية وأعضائها أنه أحرز تقدما بيِّنًا في صناعة النقش التي بلغت في القرن الثامن أعلى درجات الكمال في بريطانيا، فتقدمت المحافل تقدما بيِّنًا لهذه الشروط التي لم يكن أحد يتعداها وأحرزت شهرة عظيمة حتى دانت لها بقيَّة الجمعيات. فبينما كان الإخوة يجتمعون ويتذاكرون في أحوال النقش عموما وترقيته ِ في البلاد الاسكوتسية وتأخره ً في بلادهم كانت المحافل عموما تعقد جلسات خصوصية ِ وترسل من قبَلها مندوبين إلى البلاد الاسكوتسيَّة لدرس تلك الرسوم والآثار وتقليدها إذا أمكن.

وكان البناؤون كثيراً ما يضطرون إلى تعيين محلات يجتمعون فيها ليتذاكروا في أعمالهم ويبدوا آراءهم فيما ارتأوه من الأعمال العائد نفعها على البلاد والعباد فاختاروا لهذا الأمر وادي كلانبسي Glenbcy في شمال اسكوتسيا الشرقي المقابل لجزيرة سكاي Skey ، وكان هناك قصران قديمان يخال الرائي لأول وهلة أنهما بُنيا ليقيا سكان تلك الضواحي من هجمات الأعداء، ويكونا لهم حصنًا حصينًا فاتخذهما البناءون مكانًا لاجتماعهم وصار الرؤساءُ منذ ذلك العهد يُدعون أساتذة الوادي أو الأساتذة الاسكوتسيين.

وذاقت البلاد كل أنواع الظلم في حصار الدانيين (= الدانماركيين) لبريطانيا الذي استمر من سنة 835م إلى سنة ٨٧٠م،  فنُهبت الكنائس ودمرت الأديرة ودمر الكثير من المحافل الماسونية ُوأحرقت أوراقها وتقاليدها التي أخذها الماسون عن أسلافهم الأقدمين، وتقهقرت الماسونية تقهقرا عظيما.

وفي سنة ٨٧٥م في أيام ألفريد الأكبر(871 – 901م) أشهر ملوك السكسونيين أزدهرت الصناعة، ولا سيما البنيان، فإنها بلغت شأناً عظيما، فتآلَف البناءون على إقامة البنايات التي تقادم عهدها والتي دمرتها يد العدو. وفي سنة ٩٠٠م أوصى “إدوار الاكبر” (901 – 924م) ملك السكسونيين – انكلترا بعد (ألفريد) أن يكون الملك بعده لأخيه ” اثلوارد- أثلستان” (925 – 941م) وصهره (اثرد)، وكانا عارفين بصناعة البناء، وهما من الإخوة البنائين الأحرار، بل من رؤسائهم. فلم تأت سنة ٩٢٥م حتى إنه لم يَعد هناك مدينة واحدة من المدن التي تستحق الذكر في إنكلترا لم تقم فيها مدرسة بنائية حرة. إلا أن الحظ لم يتم لما كان يحصل من الانقسامات المتواصلة؛ مما أوجب الخصام وإشهار السلاح وإقامة الحروب الأهليَّة. ومما قاسته الماسونية وخسرته إلى ذلك العهد أوراقها الكثيرة التي كانت محفوظة في مكاتبها، مدونة في لغات شتى من لغات العالم، فإنها فقدتها جميعها حرقًا أثناء الحروب مع الدانمركيين. وكان في جملة أعضاء الماسونية أولستون حفيد ألفريد الأكبر، ولما تولى هذا زمام الملك تعمق في أسرارها وارتقى في درجاتها، وقد فعل مثل ذلك بابنه إدون، فإنه رقَّاه في أسرارها حتى انتخب أخيرا أستاذًا أعظم لها. ولهذا الرجل “إدون” شأن عظيم في تاريخ الماسونية؛ لأنه جمع إليه في يورك جميع الأوراق التي كانت باقية إلى ذلك العهد مما يتعلق بالماسونية، وجمع إليه رؤساء المحافل من أنحاء العالم بالنيابة عن محافلهم، لكي يستخلصوا مما لديهم من الأوراق المعلومات للماسونية يجمع شتاتها ويوحد كلمتها.

فاجتمع ذلك المؤتمر سنة ٩٢٦م تحت رئاسة إدون هذا، وكتبوا لائحة مبنيَّة على ما كان لديهم من الأوراق الماسونية، وأصبحت مدينة “يورك” في “إنكلترا” من ذلك الحين مركزً العالم الماسوني الحر ومرجع المحافل عموماً. وقد دِعيت اللائحة التي وضعها ذلك المؤتمر َعرف إلى الآن بهذا الاسم.”لائحة يورك”، وثبتها بعد ذلك الملك هنري السادس(1442 – 1471م) ملك انكلترا، ولا تزال تُعرف الى الآن بهذا الاسم.

وفي السياق نفسه فقد احتفلت الحركة الماسونية على مستوى العالم هذا العام بمناسبة مرور 300 عام على إصدار أول دستور ماسوني رسمي سنة 1723م، والمعروف بـ “دساتير 1723″، الذي أصبح فيما بعد المرجع الأساسي لدستور الولايات المتحدة وفرنسا والتشريعات والقوانين البريطانية، وغيرها من الدول الغربية، إضافة إلى كونه المرجع الأساسي للمحافل الماسونية في العالم. وفي نهاية يناير/ كانون الثاني 2023م، شارك أكثر من 1600 شخصية ماسونية كبيرة في الاجتماع الخاص الذي أقامه المحفل الماسوني الكبير في لندن بهذه المناسبة، من بينهم ممثلون عن المحافل الماسونية الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة. وقد جاء برنامج الحفل تحت عنوان “عنوان دساتير 1723: ابتكار المستقبل”، واشتمل على محاضرات للدكتور الماسوني “ريك بيرمان”، مؤلف كتاب “ابتكار المستقبل”، وأكرم إلياس المدير العام السابق للمحفل الماسوني الكبير في العاصمة واشنطن.

وقد ورد في وثائق تنظيم هذه الفعالية أن دساتير 1723م الماسونية “أعطت للعالم إعلانا جريئا للقيم بشكل مذهل، وشبه ثوري. فبعد إصدارها، أصبحت الماسونية ناقلا مهما لمبادئ التنوير، ونشرت بثقة مفاهيم التسامح الديني، والجدارة، وتحسين الذات من خلال التعليم وحتى الانتخابات الديمقراطية. وبمرور الوقت، انتشرت هذه الأفكار وتم تبنيها في جميع أنحاء أوروبا وأميركا، لتشكيل نماذج الحكم”. وتستمر الفعاليات الماسونية الاحتفالية بهذه المناسبة على مستوى العالم، حتى نهاية عام 2023م، في مقراتها وفي منصاتها الرقمية بصورة منقطعة النظير. وتحت عنوان “ابتكار المستقبل” نظم المحفل الماسوني الكبير في لندن أواخر سبتمبر أيلول 2023م، مؤتمرا على مدى 3 أيام في كلية الملكة بجامعة كامبريدج البريطانية، شارك فيه نخبة واسعة من المتحدثين الماسونيين والأكاديميين[19].

كما نظم المحفل معرضا مفتوحا حتى نهاية عام2023م، للتعريف بنشأة الماسونية وتطورها وانتشارها، ومساعدة الباحثين والمؤلفين والأكاديميين والصحفيين من جميع أنحاء العالم، للحصول على المواد التي تلزمهم لاستكمال أبحاثهم ودراساتهم وتلبية اهتماماتهم. ويعبر ذلك عن التوجه الجديد الذي اتخذته الحركة الماسونية في السنوات الأخيرة، لكشف أسرارها، وإزالة الغموض الذي يحيط بها، والدفاع عن الاتهامات الموجهة إليها كونها أقدم منظمة سرية عرفها التاريخ، ما زالت تعمل وبقوة حتى الآن. وقد أدت هذه الاتهامات إلى انخفاض عدد المنتمين إلى الماسونية في العقود الأخيرة من 4.1 ملايين عضو عام 1960م إلى 1.3 مليون عضو عام 2012م في الولايات المتحدة على سبيل المثال. وتعتبر العضوية مصدرا ماليا أساسيا للمحافل الماسونية على مستوى العالم، حيث يلتزم الأعضاء بتقديم اشتراكات شهرية ثابتة، بالإضافة إلى التبرعات الطوعية، التي تزيد على مليوني دولار يوميا يتبرع بها أكثر من مليوني عضو ماسوني في الولايات المتحدة على سبيل المثال. وقد أنفقت المؤسسة الماسونية الخيرية البريطانية وحدها في السنة المالية 2021-2022م حوالي 20 مليون جنيه إسترليني على مشروعاتها.[20]

 

وفي الاتجاه نفسه، تعمل الحركة الماسونية حاليا على تحميل وثائقها التاريخية على الإنترنت لتكون متاحة مجانا للجمهور بمختلف أطيافه. وتصنفها تحت مجموعة واسعة من الموضوعات تشمل السير الذاتية والسود والآسيويين والمنظمات الخيرية والاستعمار والموضة والترفيه والرياضة والمسرح والمجوهرات والشبكات الاجتماعية والعلوم والتكنولوجيا والسيراميك والبروسيلين والتاريخ والفلسفة والدين والنشر، وغير ذلك.

فقبل 7 سنوات أي عام2017م قامت الحركة الماسونية باحتفال مماثل على مستوى العالم، بمناسبة الذكرى المئوية الثالثة لتأسيس المحفل الماسوني الكبير المتحد في لندن عام 1717، حيث نظم المحفل احتفالا كبيرا حضره أكثر من 300 شخصية ماسونية قيادية. صاحبتها احتفالات مماثلة شارك فيها أكثر من 4 آلاف ماسوني في 136 محفل كبير حول العالم. وقد تم بث الاحتفال الرئيسي على الهواء مباشرة ليصل إلى جميع الأعضاء المنتسبين إلى الحركة الماسونية والبالغ عددهم وقتها أكثر من 6 ملايين عضو، منهم حوالي 200 ألف عضو في بريطانيا. ويضم المحفل الماسوني الكبير المتحد في لندن حوالي 20 ألف عضو لهم عضوية عالمية في القارات الخمس. ويصل عدد المحافل الماسونية في العالم إلى حوالي 9 آلاف محفل، معظمها يخضع لسلطة المحفل الماسوني الكبير المتحد في لندن، ويصل عدد المحافل في بريطانيا إلى أكثر من 8 آلاف محفل.

ولئن اتخذت بريطانيا اليهود حُجَّة للتدخل في الشؤون العثمانية في الأقطار العربية، فإنه لا يمكن التغاضي عن الأسباب الروحية والدينية التي جعلت كبار الساسة البريطانيين إبان الحرب العالمية الأولى وما بعدها يدعمون الحركة الصهيونية بحماسة منقطعة النظير، وهو أمر أقرَّه حاييم وايزمان حين قال في مذكراته: “لم يخطر على بال بعضهم أن رجالات من أمثال بلفور وتشرشل ولويد جورج كانوا متدينين في أعماق قلوبهم، ومؤمنين بالتوراة، ويعتقدون أن عودة اليهود إلى فلسطين واقعية وحقيقية، لذلك فإنهم جعلوا ينظرون إلينا نحن الصهاينة ممثلين لفكرة يحترمونها احتراما عظيما”[21].

وبشأن العلاقة ما بين الماسونية والصهيونية  اللذان يعدان وجهان لعملة واحدة، فقد كان للبعد الديني  في السياسة البريطانية آثره في احتلال بريطانيا للقدس في أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول عام 1917م، وقبل هذا الموعد أعلن وزير الخارجية البريطانية اللورد بلفور وعده الشهير بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين في الثاني من شه نوفمبر/ تشرين الثاني عام1917م. ولما نجحت بريطانيا في إعلان احتلالها الذي استمر 31 عاما حتى مايو/أيار 1948، فقد عملت طوال هذه الفترة بكل قوتها، ورغم المقاومة العربية الشرسة في فلسطين وانتفاضاتها المتوالية، من أجل تنفيذ وعدها، وذلك عبر فتح باب الهجرة لليهود ودعمهم وإنشاء المستوطنات لهم، وإمدادهم بالسلاح والتغاضي عن ممارساتهم العنيفة ضد الفلسطينيين العرب وبالتالي انشاء الكيان الاسرائيلي عام1948م كحاجز بين مصر وبلاد الشام.  يبدو ذلك واضحاً في لقاء مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل برئيس الوزراء البريطاني “جوزيف تشمبرلين” سنة 1902م حين  قال له هرتزل: “إن قاعدتنا يجب أن تكون في فلسطين التي يمكن أن تكون دولة حاجزة بحيث تُؤمِّن المصالح البريطانية”.

 

 

 

 

المصادر والمراجع والهوامش

[1]– في لقاء مع قناة الجزيرة عام 1999م

[2] – المحفل الفرنسي حارب الاديان بصورة علنية وهاجم الكنيسة الكاثوليكية.

[3] – أصبح وزيرا للخارجية من سنة 2001 لغاية 2006م.

[4] -فرسان الهيكل، أو فرسان المعبد الملقبون بـالجنود الفقراء للمسيح ومعبد سليمان، كانوا أحد أقوى التنظيمات العسكرية التي تعتنق الفكر المسيحي الغربي، وأكثرها ثراءً ونفوذًا وأحد أبرز ممثلي الاقتصاد المسيحي. ودام نشاطهم قرابة قرنين من الزمان في العصور الوسطى. ذاع صيت التنظيم في العالم المسيحي بعد أن صادقت عليه الكنيسة الكاثوليكية رسميًّا حوالي سنة 1129، وأخذ يزداد نفوذا وقوة وعددا بخطى متسارعة. ثبت إقدام فرسان المعبد في حلتهم البيضاء المميزة بالصليب الأحمر كإحدى أمهر وأخطر الوحدات العسكرية المشاركة في الحملات الصليبية  كما أدار أعضاء التنظيم المدنيون بنية تحتية اقتصادية واسعة النطاق في كافة أنحاء العالم المسيحي، حيث يعزى إليهم الفضل في ابتكار بعض الطرق المالية التي تعتبر بمثابة اللبنات الأولية لنظام المصارف والبنوك الحديث، كما أنهم شيدوا الحصون وأقاموها في كل مكان في أوروبا وفي الأرض المقدسة. ارتبط مصير فرسان الهيكل بشدة بالحملات الصليبية وعندما لحقت الهزيمة بالحملات الصليبية في القدس، خسر التنظيم كثيرا من الدعم وشاعت الأقاويل حول الاجتماعات والاحتفالات السرية التي يعقدونها، الأمر الذي أثار الريبة تجاههم. انتهز فيليب الرابع ملك فرنسا هذه الفرصة حيث أثقلته ديونه المالية للتنظيم. على إثر ذلك، اُعتقل الكثير من أعضاء التنظيم في فرنسا في 13 أكتوب/ تشرين الاول سنة 1307م وأُكرهوا تحت وطأة التعذيب على تقديم اعترافات مختلقة لينتهي مصيرهم بالإعدام على المحرقة، وقيام البابا كليمنت الخامس تحت ضغط الملك فيليب بحل التنظيم عام 1312م. أدى كل ذلك إلى الاختفاء المفاجئ لشريحة واسعة من المجتمع الأوروبي مؤديا بذلك إلى انتشار الأقاويل والأساطير حول ماهية وكينونة التنظيم والتي أدت بدورها إلى بقاء اسم فرسان الهيكل حياً حتى اليوم.

[5] – شاهين بن مَكَارْيُوس : هو مؤرخ وصحافي وشاعر لبناني. ولد في بلدة إبل السقي (مرجعيون – جنوبي لبنان) سنة1863م، ومات في مدينة حلوان سنة1910م و دفن في القاهرة . كان إلى جانب يعقوب صروف وفارس نمر ، من مؤسسي جريدة المقطم. من أثاره: تاريخ إيران عام1890، الحقائق الاصلية في تاريخ الماسونية 1895م، تاريخ الاسرائيليين 1904 وغيرها. ينظر: عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج4 ص292.

[6] – كلاوديوس: ولد تيبيريوس كلاوديوس قيصر أوغسطس جيرمانيكوس – المعروف باسم كلاوديوس – في 1 أغسطس ، 10 قبل الميلاد في بلاد الغال. من الواضح أن العائلة الإمبراطورية كانت تعتبره إحراجاً ، غير جذابة وغير أخلاقية. ومع ذلك ، في وقت لاحق شرح سلوكه بأنه كان عملا لفائدة شقيقه كاليجولا. شجعه المؤرخ ليفي على دراسة التاريخ. كتب العديد من كتب التاريخ ، بما في ذلك العديد من تاريخ الأتروس. بعد مقتل أخيه ، جاء كلوديوس إلى السلطة فجأة في عام 41 م. لم يكن المفضل لدى مجلس الشيوخ ، لكنه أثبت أنه إمبراطور فعال. كان أول عمل يقوم به هو تنفيذ قتلة أخيه وقائدهم. واتخذ تدابير لتبرير سلطته بما في ذلك اعتماد اسم “قيصر” ، وكذلك “أوغسطس””. كان كلوديوس على دراية وفاعلية في الإدارة المدنية. وقد نجح في إحلال السلام في روما واستعادة حكم القانون. قام بتوسيع الإمبراطورية الرومانية في البلقان والشرق الأوسط. زاد كلوديوس السيطرة التي يمتلكها الأباطرة على الخزانة ، وكذلك الإدارة الإقليمية. وشكل مجلس وزراء من المحررين وأعطاهم شرفا وسلطة لإدارة الفروع الإدارية. كان كلاوديوس أيضًا مصابًا بجنون العظمة ، ولكن ليس بلا سبب. أيد العديد من أعضاء مجلس الشيوخ تمردًا ، وأجرى العديد من المحاولات من قبل الفرسان وأعضاء مجلس الشيوخ لاغتيال كلوديوس ، على الرغم من عودته مقدونيا و Achaea إلى مجلس الشيوخ وتوفير فرص جديدة للفرسان. يخبرنا كاسيوس ديو أنه قد بحث عن كل شخص خشية أن يحمل خنجرًا. كتب ديو أيضا أن شعبيته كانت أكثر علاقة بالمتحررين الذين ربطهم مع النساء المتزوجات من ضعفه. بغض النظر ، حقق كلوديوس الكثير كإمبراطور. فقد أعاد تنظيم إمدادات الحبوب في روما ، وأنشأ ميناء جديدًا في أوستيا ، وأسس خدمة مدنية إمبراطورية ، واستصل الأراضي عن طريق تجفيف بحيرة فوسين في وسط إيطاليا. بالإضافة إلى ذلك ، أدار أعمال شغب في الطعام عن طريق استيراد الذرة لإطعام المواطنين ، وإلغاء محاكمات الخيانة في كاليجولا ، وغزو بريطانيا. كان توسعه في الإمبراطورية هو أول توسع كبير منذ عهد أوغسطس.

[7] – في حقيقة الامر لا يفرق شاهين مكاريوس بين سكان اسكتلنده وبين الفايكنك، فالاسكتلنديون كانوا يعيشون في شمال الجزيرة البريطانية التي يطلق عليها حالياً لسكتلنده.

[8] – إيبوراكوم – يورك: أسس الرومان مدينة يورك في عام 71م على الحدود الشمالية الشرقية لإنكلترا ضمن مقاطعة يوركشلير. وعبر ألفي عام هما تاريخ المدينة، اكتسبت يورك العديد من الأسماء من “إيبوراكوم”، إلى “جورفيك” وحتى يورك. احتلها الفايكنغ في عام 866، ثم استعادها النورمانديون بعد ذلك بمائتي عام. واستقر اسم يورك الحالي منذ القرن الثالث عشر. ومنذ بداية تأسيسها، يحيط بالمدينة سور روماني ما زالت أجزاء منه باقية حتى الآن. وهي تقع على ملتقى نهرين هما “أوس” و”فوس” من أحداث تاريخها وفاة القيصر الروماني كونستنتينوس فيها عام 306 ميلادية، وتنصيب ابنه كونستنتين الأكبر إمبراطورا من داخل المعسكر الروماني في وسط المدينة. بعد فترات وجيزة من الحكم المحلي، سقطت يورك أمام غزوات الفايكنغ في عام 866. ولم تعد إلى الحكم المحلي سوى بعد الغزو النورماندي لإنكلترا في عام 1066. وبعدها انطلقت يورك نحو الازدهار بوصفها معبرا تجاريا مهمّا. ولكن تاريخها لا يخلو من المذابح أيضا، حيث جرى ذبح سكانها من اليهود عام 1190 في موقع يعرف اليوم باسم قلعة يورك أو “يورك كاسل”. وفي العصور الوسطى كانت يورك تمثل مركز قيادة حروب إنكلترا على أسكوتلندا. من أشهر أبناء يورك التاريخيين غاي فوكس الذي حاول تفجير مبنى البرلمان البريطاني في لندن، وهي محاولة لم تنجح، ولكن البريطانيين يحتفلون بها كل عام بإطلاق الألعاب النارية. حاولت يورك مرارا عبر التاريخ الاستقلال عن إنجلترا، وتطلب الأمر أحيانا إرسال جيوش لمحاصرة المدينة وإخضاعها للتاج البريطاني. وكانت المرة الأخيرة التي استسلمت فيها المدينة في عام 1660. ينظر صحيفة الشرق الاوسط، العدد: 16669- الخميس 18/7/2024

[9] – شاهين مكاريوس، الحقائق الأصلية في تاريخ الماسونية العملية، ص43.

[10] – الاسكوتسيون؛ يقصد شاهين مكاريوس بهؤلاء الاقوام الاسكتلنديون أو الفايكنك، أو الاسكيثيون الذين ظهروا في جنوب روسيا حوالي البحر الاسود في القرن الثامن قبل الميلاد، ووعاشوا جنباً الى جنب مع أبناء عمومتهم من الميديين وجيرانهم من الاورارتيين والمانيين،  ويبدو أنهم انتقلوا فيما بعد الى شمال اوروبا (= البلاد الاسكندنافية) وعرفوا في العصور الوسطى بالنورمان أو الشماليين، وكانوا مصدر قلق لسكان اروروبا الجنوبية وللمسلمين في الاندلس وجزيرة صقلية.

[11]– البريتيون:  ينحدر البريطانيون المعاصرون في الأصل من المجموعات العرقية المتنوعة التي استقرت في بريطانيا العظمى في القرن الحادي عشر وقبله وهي: شعوب ما قبل التاريخ، وهم:  البريطونيون، الرومان، الأنكلو سكسونيون، الشماليون والنورمان، سهّل التوحيد السياسي التقدمي للجزر البريطانية الهجرة والتبادل الثقافي واللغوي والتزاوج بين شعوب إنكلترا وإسكتلندا وويلز خلال أواخر العصور الوسطى وأوائل العصر الحديث وما بعده، ومنذ عام 1922م وفيما مضى، كانت هناك هجرة إلى المملكة المتحدة من قبل سكان ما يعرف الآن باسم جزيرة أيرلندا والكومنولث وقارة أوروبا وأماكن أخرى؛ الذين يعتبرون بالإضافة إلى أحفادهم مواطنين بريطانيين غالباً.

[12] – شاهين مكاريوس، الحقائق الأصلية في تاريخ الماسونية العملية، المرجع السابق، ص43.

[13] – مكسيميانوس: مكسيميانوس (250 –  يوليو/ تموز 310 تقريبًا) كان إمبراطورًا رومانيًا حكم في الفترة الممتدة بين عامي 286 و305. كان القيصر منذ عام 285 وحتى عام 286، ثم الأغسطس منذ عام 286 وحتى عام 305م. شارك لقب الأغسطس مع شريكه في الحكم الإمبراطوري والمسؤول عنه، ديوكلتيانوس(= دقلديانوس)، الذي كان فكره السياسي يتوافق وقوة مكسيميانوس العسكرية. اتخذ مكسيميانوس من ترير مقر إقامة له إلا أنه قضى معظم وقته في القيام بالحملات. في أواخر عام 285م، قمع المتمردين المعروفين باسم الباكادي في بلاد الغال. منذ عام 285 وحتى عام 288، قاتل ضد القبائل الجرمانية على طول حدود نهر الراين. شنَّ وديوكلتيانوس حملة الأرض المحروقة على الألامانيون في عام 288، مزيلًا بصورة مؤقتة خطر الغزو الألماني على مقاطعات الراين. تمرد كارسيس الذي عينه مكسيميانوس في جهاز شرطة شواطئ بحر المانش في عام 286م، الأمر الذي أدى إلى انفصال بريطانيا وشمال غرب بلاد الغال. فشل مكسيميانوس بالإطاحة بكارسيس، ودمرت العواصف أسطول الغزو خاصته في عام 289 أو 290. شنّ قسطنطيوس، التابع لمكسيميانوس، حملة ضد خليفة كارسيس، أليكتوس، بينما كان مكسيميان مسيطرًا على الحصون الجرمانية في الراين. أُطيح بزعيم المتمردين في عام 296، وتوجه مكسيميانوس جنوبًا لمكافحة القرصنة بالقرب من هسبانيا(= أسبانيا). وفي سنة 313م شنق مكسيميانوس نفسه.

[14] – شاهين مكاريوس، المرجع السابق، ص45

[15]– شاهين مكاريوس، المرجع السابق، ص45.

[16]– المرجع السابق، ص46.

[17]– البابا غريغوري الاول: البابا غريغوري الأول أو غريغوري العظيم (540 – 12 مارس 604) كان البابا في الفترة منذ 3 سبتمبر/ ايلول عام 590م حتى وفاته. ولد لعائلة رومانية أرستقراطية. كان من أول البابوات ذوي الخلفية الرهبانية. في عام 573م، عين غريغوري الأول حاكماً لمدينة روما. بعد عامين أسس دير القديس أندرو. في عام 578 عينه البابا بندكت الأول كأحد الشمامسة السبع لروما، وبعد عام أرسله البابا بلاجيوس الثاني كسفير سكني للمحكمة الإمبراطورية في القسطنطينية. عاد غريغوري الأول إلى روما في عام 586 ليصبح رئيس دير القديس أندرو. في 3 سبتمبر/ ايلول عام 590 م أصبح غريغوري البابا الكاثوليكي، وفي عام 593م قام بكاتبة كتب “الحوارات الأربع”. في عام 596م أرسل البابا غريغوري أوغسطين ورهبان آخرين لتبشير الإنكليز. وتوفي في 12 مارس/ آذار من العام 604م.

[18] -شاهين مكاريوس، المرجع السابق، ص46.

[19] – www.aljazeera.net/blogs – محمود عبدالهادي، صراع الاخلاق.. من يحكم العالم؟ (24).

[20]www.aljazeera.net/blogs- محمود عبدالهادي، صراع الاخلاق.. من يحكم العالم؟ (24).

[21]–  شكري عزيز، البعد الدولي للقضية الفلسطينية، الموسوعة الفلسطينية، ص5.

 

 

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً