العلاقـات العربيــة الكـُــرديـة وإنعكاسها على مواقـف القوميين والإسـلاميــين الكُــــرد
أ.د. فرست مرعي
عضو الهيئة العامة لمركز الزهاوي
كثيرة هي العلاقات والوشائج التي تشد العرب والكرد بعضهم إلى بعض ، فالدين الأســلامي والجيرة والترابط المشترك والثقافة كلها عوامل تصب في هذا الإتجاه . ولا حاجة لبيان الدور الذي قام به علماء الكرد في خدمة الثقافة الإسلامية والذود عن حياض الأمة ضد الغزاة من اللاتين والجرمان الصلييين، والدفاع عن ثغورها ضد الروم البيزنطيين وحلفائهم من الكرج (الجورجيين ) والأرمن والروس وغيرها . وهكذا بمرور الزمن إختلط الدم العربي والكردي في ساحات الوغي، وحدثت عمليات مصاهرة بين الشعبيين، فوالدة الخليفة الأموي مروان بن محمد كانت كردية، وكان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور متزوجاً هو الآخر من كردية ، كما إمتزج مداد علماء الكرد و العرب في سبيل الترقي بالعلوم الاسلامية، ولا أجدني أخرج عن الحقيقة اذا قلت ان علماء الكرد خدموااللغة العربية من نحوٍ وصرفٍ وبلاغةٍ أكثر مما خدمها العرب أنفسهم ، وهذا ما أدى إلى حدوث عملية خلل وعدم توازن في دراسة العلوم الشرعية عند الطلاب الكرد، حيث كان للكرد القدح المعلي في مضمار علوم الآ لة(النحو والصرف والبيان) على حساب العلوم الأخرى من فقة وتفسير وحديث ، ولكن هذا لايقلل من جهود علماء الكرد الذين عالجوا هذا الخلل كإبن الصلاح الشهرزوري، والحافظ العراقي في مجال السنة النبوية، وأبو السعود العمادي شيخ الإسلام في الدولة العثمانية في مجال التفسير والأمثلة كثيرة في هذا المجال.
وكانت الإمارات الإسلامية الكردية من الهزبانية والحسنوية والعنازيةوالدوستكية والمروانية والروادية والشدادية والشبانكارية وغيرها التي ظهرت إلى عالم الوجود في العصر العباسي الثاني لظروف لامجال لبحثها هنا، تعد الخلافة العباسية المرحع الشرعي الوحيد للأمة الإسلامية بعكس بعض الأمارات الفارسية التي كانت لاتعترف أصلاً بمرجعية الخليفة العباسي وتتحين الفرص للإنقضاض عليها كالصفاربين وملوك طبرستان والمرداويجيين والبويهيين؛ فلذلك ولحسن الحظ لم يطلق المؤرخون على أي كردي صفة (الشعوبية)، حيث تبرأ الكرد من هذا المصطلح الذي كان يراد به الموالي وتحديداً الفرس آنذاك .
ولا يفوتنا في هذا المقام الحديث عن الناصر صلاح الدين الايوبي وماقام به من جهود لتوحيد صفوف الأمة الإسلامية وقدراتها سواءً في القضاء على الدولة الباطنية العبيدية (الفاطمية) وإرجاع مصر إلى حضيرة الدولة العباسية عام 567هـ/1171م، أو التصدي لجحافل الصليبيين وإسترجاع القدس منهم عقب معركة حطين الفاصلة عام 583هـ / 1187م.
وإستمرت الأمور تجري على هذا المنوال طيلة العصور الإسلامية وإلى حد ما إلى نهاية الدولة العثمانية 1924م، إلى أن هبت عليها الأعاصير الاوروبية الحبلي بأفكار الثورة الفرنسية من حرية وإخاء ومساواة وأفكار الثورات الاوربية الأخرى التي تنادي بالدولة القومية، حيث بدأ التململ يسـري في صفوف المثقفيين في كلا الشعبين خاصةً بعد أن بدأت جمعية الأتحاد والترقي المشهورة بميولها الطورانية (التتريك) بإستلام مقاليد الحكم في الدولة العثمانية بعد ثورة 1908م وخلع السلطان عبدالحميد الثاني 1909م حيث عانى منها العرب والكرد الأمَّرين، وهذا ماسمح إلى حد بعيد بتسريب الأفكار القومية في صفوف بعض مثقفي الشعبين، ومما عزز هذا الامر نشاط البعثات التبشيرية (التنصيرية) في بلاد الشام وجهود نصارى بلاد الشام في الترويج للفكر القومي العربي وإنشاء الجمعيات الثقافية بعد سماح إبراهم باشا بن محمد علي باشا لهم بالنشاط والتحرك في ثلاثينيات القرن التاسع عشر(1831 – 1840م)، كما كان لبعض القوى الأجنبية دور في ظهور جمعيات كردية، وهكذا ظهرت إلى الوجود جمعيات وأحزاب عربية وكردية تنادي بحقوق الشعبين ضمن الدولة العثمانية التي دخلت الحرب العالمية الأولى إلى جانب دول المحور ضد دول الحلفاء، وهذا مما عزز من فرص نجاح هذه الجمعيات والأحزاب العربية والكردية في الترويج لمبادئها وتطبيقها في عالم الواقع، خاصة بعد قيام الحسين بن علي شريف مكة بإعلان الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية بدعم من بريطانيا في 16 حزيران/يونيو عام 1916م. ولكن الرياح لم تجري بما تشتهي السفن، ففي غمرة الحرب إتفق الحلفاء على تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية في الأتفاقية التي سميت ( سايكس بيكو)، وهكذا وقع العرب والكرد ضحية هذه الإتفاقية الجائرة حيث قسمت أراضيهم وأوطانهم حسب مايريده صانعو السياسة في الغرب وفق مصالحهم دون النظر إلى مصالح العرب والكرد قيد أنملة.
وللأمانة التأريخية فبينما وافق الحلفاء على إنشاء كيانات سياسية عربية في العراق وسوريا ولبنان وشرق الأردن، فإنهم لم يوافقوا البتة على إنشاء أي كيان سياسي كردي بسبب تشابك المصالح الروسية والبريطانية والفرنسية، وظهور مايسمى بالمسألة الارمنية وطرحها على بساط البحث، لاسيما وأن الأخيرين تعاونوا مع الحلفاء ضد الدولة العثمانية الذين هم من رعاياها، أصلا فضلاً عن كونهم يدينون بنفس ديانة الأوروبيين (النصرانية)، كما أن التراكم التاريخي عند الأنكليز لم ينساهم صلاح الدين الكردي ووقوفه في وجة الملك الإنكليزي ريتشارد (قلب الأسد) في فترة الحروب الصليبية، فضلاً أن الكرد إحتضنوا النصارى من الطائفة النسطورية(= أتباع كنيسة المشرق) التي إعتبرت مهرطقة عند كنيسة القسطنطينية وهذا مازاد الطين بلة، فلذلك حاولوا تقسيم موطن الشعب الكردي، ولكن جزءاً كبيراً من كردستان كان يقع ضمن إيران، وكانت إستراتيجية الحلفاء تؤكد إبقاء الحدود الإيرانية كما هي عليه دون المساس بها، وهذا ماإنعكس سلبا على طموحات القوميين الكرد بانشاء وطن قومي للكرد على أرض كردستان العثمانية و القاجارية الإيرانية.
وبعد إنشاء الدولة العراقية عام 1920م، وتنصيب الشريف فيصل بن الحسين ملكاً على العراق في 23 آب/ اغسطس عام1921م فإن المسألة الكردية العثمانية أصبحت إحدى القضايا التي تناقش ضمن المشكلة العالقة بين بريطانيا المنتدبة على العراق والدولة التركية القائمة على أنقاض الدولة العثمانية والتي سميت (بمشكلة الموصل)، ولكن قرار عصبة الأمم بإلحاق ولاية الموصل (جنوب كردستان) بالعراق في أوسط كانون الاول 1925م نقلت السألة الكردية العثمانية برمتها إلى الجانب العراقي في ضوء قرار عصبة الأمم بالطلب من المملكة العراقية الإعتراف بالحقوق السياسية والثقافية للكرد، وهذا ماحاول الملك فيصل الاول جاهداً العمل على جعله إحدى أولويات حكومته طيلة عقد العشرينات، ولكن الظروف الصعبة التي مربها نظام الحكم الملكي في العراق من التدخل البريطاني السافر في شؤون الدولة ومطالبة القوى الوطنية العراقية بإنهاء الإنتداب ومجئ وزارات كثيرة، فوتت الفرصة على السياسيين العراقيين على تحقيق مطالب الشعب الكردي على الأقل إن لم يكن بعض الساسة من أصحاب الإتجاة القومي العربي حاولوا بطريقة أو بأخرى الإلتفاف عليها، ويستفاد من الرسالة التي وجهها الوزير العراقي الكردي محمد أمين زكي بك إلى الملك فيصل الأول في سنــة 1930م إن بعض المطالب الكردية لم تنفذ رغم أنها لاتتجاوز الدراسة باللغة الكردية وتعيين موظفين كرد في المناطق الكردية والتي كان يطلق عليها آنذاك الألوية الشمالية: أربيل، كركوك، السليمانية والاقضية الكردية في لواء الموصل ( محافظة دهوك الحالية).
ويستطيع الباحث أن يجزم بأن بداية التردي في العلاقات بين الحكومة العراقية وبعض القيادات الكردية إبتدأت في تلك السنة خاصة مع قيام حركةبارزان الأولى 1931ـ 1932م بقيادة الشيخ أحمد البارزاني(1896 – 1969م)الأخ الأكبر لزعيم الحركة الكردية ملا مصطفى البارزاني(1903 – 1979م)، أما بخصوص ثورات الشيخ محمود الحفيد الـبرزنجي(1878 – 1956م) في منطقة السليمانية في الاعوام 1919 – 1923 – 1926م على التوالي، فإن الإنكليز قد تكفلوا وحدهم بالقضاء عليها ولم يكن للعراقيين العرب كبير دخل فيها.
ومهما يكن من أمر فإن للساسة الكرد دوراً كبيراً في الحياة السياسية العراقية سواء عن طريق الإشتراك في مجلس الوزراء أو الدخول في البرلمان بشقيه مجلس الأعيان أومجلس النواب. أما على الصعيد الشعبي والجماهيري فإن الوشائج كانت من القوة والمتانة بمكان، فعلاقات العمل والتجارة والدراسةوالمصاهرة كلها كانت تؤدي إلى بلورة هذه الوشائج والوصول بها إلى نوع من التكامل لا الأندماج، ناهيك عن حلقات العلم والدراسة في المساجد والمدارس، فكان كثير من علماء بغداد والموصل من الكرد حتى وصل الأمر في حقب عديدةبأن يكون رئيس علماء العراق أو ما يطلق عليه (مفتى العراق) كردياً كالشيخ أمجد الزهاوي(1882 -1967م)، وفيما بعد، العلامة الشيخ عبد الكريم المدرس(1905 –2005م).
فالمراقب الأجنبي لايستطيع تمييز العربي عن الكردي في العراق إلا إذ ذهب إلى مناطق الكرد الخاصة بهم ، أوعن طريق الزي الخاص بالكرد ، فلذا كان الكردي مرفوع الرأس في كل الحواضر العربية ولا زال لم يهتز للصراعات والمشاكل التي كانت تحدث بين القيادات الكردية والحكومات العربية صاحبة الشأن، وليس أدل على ذلك من وجود حارات في بغداد تسمى بإسم (عكد الأكراد)، وحيث ينتشر الكرد في الأحياء الرئيسية في معظم مناطق بغداد، ناهيك عن وسط العراق وجنوبه، وهذه نقطة مهمة يجب التركيز عليها في معرض العلاقات العربية الكردية، وهذا لا ينطبق إلى حدٍ كبير على الكرد الذين يقطنون البلدان الأخرى مثل إيران، حيث لا يجد الكردي مجالاً للتعبير عن أبسط حقوقه الإجتماعية والثقافية بل والسياسية.
وفي إعتقاد الباحث أن المشاكل والصعاب التي كانت تنشأ بين الكرد أوجماعات كردية والنظام العراقي الملكي أو الجمهوري سواء في حركات بارزان المتعاقبة في العهد الملكي(1931 – 1932م) و(1943 – 1945م) أو في ثورةأيلول عام 1961– 1975م في العهد الجمهوري لم تكن تؤثر على نسيج العلاقات العميقة بين الشعبين في شتى المجالات، رغم وقوع ضحيا كثيرة من الطرفين فكانت تعد في أغلب الأحوال مجرد أزمة نشأت بين الدولة و قيادة الحركة الكردية سرعان ما تنجلي الغمة ليكون الصفاء والأخوة هو سيد الموقف.
ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير هي مجئ الفكر الماركسى اللينينى و تبنى مجموعات عراقية كثيرة له كنهج لحياتهم ومحاولتهم بناء جمعيات وأحزاب ثورية تكون من مهامها نشر الفكر البلشفي الماركسي بين أبناء الشعب العراقي بكافة طوائفه وأعراقه؛ عسى أن يستطيعوا في نهاية المطاف تبني نظام يحقق مطالب الفئة الكادحة حسب وجهة نظرهم بدلا من سيطرة فئة الإقطاع وأصحاب رؤوس الأموال على مجريات السياسة والإقتصاد في العراق، ولم يكن يدور في خلد هؤلاء الشباب المتحمسين أن المجتمع العراق ليس هو المجتمع الروسي،وهكذا بدأت تلوح في الأفق بوادر خطر يحيق بالمجتمع العراقي لاسيما وأن غالبية رموز النظام الملكي العراقي كانوا ليبراليين يتبنون المنهج الغربي في السياسة والإقتصاد، إن لم يكونوا قد إرتموا كليا في أحضان الفكر الغربي حتى النهاية.
وفي الجانب الآخر فإن أكثرية القيادات الدينية في العراق (الإسلامية) كانت تقليدية قد ورثت العلم الشرعي في المساجد والحلقات العلمية، ولم تكن تبالي بما يحدث في الخارج نظراً لان نظام الحكم الملكي كان علمانياً وكان يحاول جاهداً عدم إدخال المؤسسة الدينية في بوتقة الصراع الذي كان يلف المحتمع العراقي آنذاك بين قيم الأصالة والمعاصرة، وإنما جعلها خارج حلبة الصراع، فلذلك لم تظهر في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين إلا جمعيات صغيرة غايتها الدعوة إلى مكارم الأخلاق ونبذ الفحشاء والمنكر كجمعية الميتم الإسلامي( 1921 – 1958م)، وجمعية الشبان المسلمين ( 1929 – 1954م)، وجمعية الهداية الإسلامية (1930 – 1954م)، وجمعية المؤتمر الإسلامي العام (1933 –1954م)، وجمعية الناشئة الإسلامية (1933 – 1954م)، وآخرها جمعية الاخوة الاسلامية التي تأسست بصورة رسمية في عام 1949م وتألفت هيأتها الادارية الاولى من الشيخ امجد الزهاوي رئيساً ومحمد عاصم النقيب نائباً للرئيس والشيخ محمد محمود الصراف سكرتيراً وابراهيم مصطفى الايوبي أميناً للصندوق، كان هدفها الاساس نشر العقيدة الدينية بين المسلمين، وقد وسعت نشاطاتها الثقافية والاجتماعية من خلال مجلتها ( الاخوة الإسلامية ) واستمرتفي الصدور حتى عام 1954م، ثم زاولت نشاطها بشكل سري حتى عام 1958.
ويبدو أن الجمعية الاخيرة كانت واجهة جماعة الاخوان المسلمين العراقيين ، ومعلوم أن الحركة الاخيرة ظهرت في مصر عام 1928م على يد الاستاذ حسن البنا (1906 – 1949م) خريج كلية دار العلوم في القاهرة. وقد حرص الإخوان على توصيل الدعوة إلى معظم البلاد، فأوكل الأستاذ حسن البنا إلى الأستاذ محمد عبدالحميد أحمد بالسفر للعراق وهو ما تم بالفعل حيث كان النواة الأولى لدعوة الإخوان بها قبل أن يلحق به الدكتور حسين الدين كمال الاستاذ في كلية الهندسة – جامعة بغداد ويقوم بالعمل المنظم للدعوة ونشرها وسط الجميع ومنهم الأكراد الموجودين بالعراق، وصلت الدعوة للأكراد من خلال الإخوة العراقيين الذين انضووا تحت لواء الإخوان في وقت مبكر، يقول الدكتور محسن عبدالحميدالقيادي الإسلامي الكردي ذلك على لسان أحد مؤسسي الدعوة بين الأكراد بقوله: “لقد توطدت علاقتنا الإيمانية مع عدد من طلاب دار العلوم في الأعظمية من إخواننا الأكراد، حيث كانوا خير سند لنا في دعوتنا الإسلامية وخير مشجع لنا على المضي في نشر الوعي الإسلامي وجهاد الملحدين وأخص بالذكر منهم الأخ نظام الدين عبد الحميد(= شقيق محسن عبدالحميد) والأخ عبد الله الحاج سليم والأخ عادل شاكر“، ويضيف قائلا:“ وكانت اتصالاتنا تجري في جامع الإمام الأعظم من بعد صلاة العشاء من كل خميس وربما كان يستضيفنا بعض الإخوة من الطلاب الأكراد في القسم الداخلي لدار العلوم كما كنا ننتهز فرص الاحتفالات الدينية التي كانت تقيمها الجمعيات الدينية كالهداية الإسلامية أو الشبان المسلمين فنهرع للانضمام إلى تلك الاحتفالات بغية تكثير الشباب المسلم ومن ثم جلبهم إلى جماعة الإخوان المسلمين“.ينظر: محسن عبدالحميد: الإخوان المسلمون في العراق 1945م – 2003م، طـ1، دار المأمون للترجمة والنشر، بغداد، 2011م، ص65.
وفي أثر صدور قانون الأحزاب السياسية في زمن رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم قام الإخوان المسلمون في العراق بإنشاء حزب سياسي باسم (الحزب الإسلامي العراقي) برئاسة الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي كواجهة سياسية لهم وقدم أوراقه إلى وزارة الداخلية آنذاك، وتم رفض الطلب المقدم من الهيئة التأسيسية التي بدورها رفعت أوراقها إلى محكمة التمييز العراقية التي قضت بالسماح بتأسيس الحزب الإسلامي العراقي عام 1960م، ولو راجعنا أسماء الأعضاء الموقعين على طلب تأسيس الحزب لوجدناهم من العرب والكردوالتركمان والسنة والشيعة معا.
ومن جانب آخر يتطرق السيد محسن عبدالحميد الى تاريخ دخول دعوة الإخوان المسلون لمنطقة كردستان العراق فيقول بهذا الصدد ما نصه:“ذكرنا أن حركة الإخوان المسلمين دخلت أربيل منذ عام 1945م وكركوك منذ عام 1947م،وفي الأقضية الكردية التابعة لمحافظة الموصل منذ نهاية الأربعينات، أما في مدينة السليمانية فأول احتكاك بدعوة الإخوان المسلمين كان في عام 1946م عندما عين الأستاذ نظام الدين عبد الحميد مأموراً للإحصاء في السليمانية.
ومما يؤكد هذا الكلام ما ذكره السيد سامان محي الدين بهذا الخصوص:“وصلت دعوة الإخوان المسلمين إلى كوردستان العراق في خمسينيات القرن العشرين، وبدأت تنتشر بشكل تدريجي على يد شخصيات مثل: ملا صالح عبدالكريم، والشيخ عثمان عبدالعزيز، والأستاذ عمر ريشاوي – الذي أصبح في ما بعد مسؤول الحركة الأول داخل مدينة حلبجة، وبعد ثلاثة عقود أصبحت مدينة حلبجة مركزا للصحوة الإسلامية في كوردستان“.
ويذكر العديد من الباحثين بأن ظهور التيار الاسلامي ومن ثَّم الاحزاب الإسلامية بصورة جلية في كردستان مرتبطا بانتصار الثورة الإيرانية واندلاع الحرب العراقية الإيرانية 1980م، حيث تم تأسيس عدد من الحركات والأحزاب الكردية على التوالي أبرزها: الحركة الإسلامية في كردستان العراق بقيادة الشيخ عثمان بن عبدالعزيز عام1987م، والاتحاد الإسلامي الكردستاني عام 1994.
ومن جانب آخر يرى بعض المراقبين للشأن الإسلامي أن البدايات الأولى لجماعة “الإخوان” في إقليم كردستان كانت في مطلع خمسينيات القرن الماضي، وأعلنت منذ تأسيسها تبني توجّه دعوي تربوي، وكان بقيادة عائلة الشيخعثمان بن عبدالعزيز، وتحديداً في مدينة حلبجة الواقعة على الحدود العراقيّة –الإيرانيّة.
وعلى أية حال فقد انتقل هذا الفكر إلى العراق عن طريق أحد تلامذة الاستاذ حسن البنا الذين درسوا في جامعة الأزهر بداية الأربعينات وهو (الشيخ محمد محمود الصواف الموصلي) سكرتير جمعية الاخوة الاسلامية والاستاذ في كلية الشريعة – جامعة بغداد، وكان الإستثناء الوحيد في هذه القاعدة، فقد إستطاع هذا الشاب الممتليء حيويةً وديناميكيةً أن يقلب رأسا على عقب تلك المفاهيم التي كانت سائدة عند علماء الدين الإسلامي في المجتمع العراقي، فقام بجولات دعوية سريعة في مناطق العراق المختلفة، وكانت لخطبه الحماسية والجماهيرية ذات البلاغة الواضحة التي كانت تلامس شغاف القلوب أثر كبير في إنبعاث جذور الصحوة الإسلامية الحديثة لاول مرة في العراق، فظهرت إلى السطح لأول مرة مصطلحات: الدين والدولة، والمصحف والسيف والجهاد حيث كان لها صدى كبير في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، وقد حاول الشيخ جاهداً الترقي بهذه الأفكار وبلورتها من خلال نهج سياسي وثقافي معين، فكان كما أسلفنا أن ظهور جمعية الإخوة الإسلامية (جناح الإخوان المسلمين العراقي) في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين وترأس الشيخ أمجد الزهاوي لها الأثر الفعال في إنضمام الكثير من طلبة الجامعات والموظفين والكسبة والعمال وغيرهم من فئات الشعب العراقي إليها، حتى أصبحت تياراً قوياً ينافس التيار الشيوعي في ذلك العهد. وكان لمدينة حلبجة الكردية الواقعة جنوب شرق السليمانية على الحدود الإيرانية قصب السبق في تبني هذا الفكر وهذا المنهج فظهرت فيها خلاياوأُسر كثيرة من الأخوان المسلمين إبتداءً من مطلع خمسينيات القرن العشرين.
أما بخصوص الفكر القومي الكردي فلا يمكن نسيان دور الحزب الشيوعي العراقي(= تأسس عام 1934م) وفرعه الكردي(= شورش- الثورة) الذي انشق عنه عام1944م، وفيما بعد تأسس على أنقاضه الحزب الشيوعي لكردستان العراق عام1945م، في الترويج للفكر الماركسي- اللينيني(= اللادينية)، ومعاداة الاسلام كدين ونظام معاً، عن طريق التهجم على علماء الاسلام (= علماء الاسلام وشيوخ الطرق الصوفية) واعتبارهم سند الرجعية، في حين أن الاحزاب الليبرالية تعادي الاسلام كنظام حياة، وتنادي بفصل الدين عن الحياة.
أما بخصوص حزب هيوا ( الامل ) ذو النزعة الليبرالية اليمينية الذي تأسس ما بين عامي 1938م و1939م على يد السيد رفيق حلمي، فلم يستمر طويلاً في النضال لحدوث خلافات فكرية بين قياداته، وبعد عدة سنوات اندمج في الاخيرمع حزب شورش ( الثورة ) اليساري في حزب جديد اطلق عليه حزب (رزكاري –التحرر) اليساري هو الآخر عام 1945م.
ورغم نهج الحزبين الكرديين اليساريين شورش عام1944م ورزكاري عام1945م من خلال الإستناد إلى النظرية الماركسية اللينينية ومحاولة إستقطاب الشباب الكردي الحائر آنذاك، إلا أن قوة تنظيم الحزب الشيوعي العراقي وصرامته دعت الكثير من مثقفي الكرد الماركسيين المنتمين إلى الحركتين الآنفتي الذكر( شورش ورزكاري) إلى تركهما بحجة إتهام الشيوعين لهم بأنهم ليسوا إلا شرذمة من البرجوارية الصغيرة والإنضمام إلى الحزب الشيوعي نفسه، وهذا ما أفسح المجال للكوادر القومية الكردية من الاحزاب الثلاثة المارة الذكر إلى تأسيسحزب قومي له منطلقات نظرية خاصة بالكرد بعيداً عن هيمنة الحزب الشيوعي العراقي وفرعه الكردستاني، ألا وهو الحزب الديمقراطي الكردي في 16 آب/ اغسطس عام 1946م بزعامة ملا مصطفى البارزاني، خاصة وأن ذكرى حركةبارزان الأخيرة (1943 – 1945م) بقيادة البارزاني شخصياً، والتطورات الإيجابية الحاصلة في الساحة الكردية الإيرانية بولادة جمهورية كردستان (مهاباد) التي أسسها القاضي محمد في 22 كانون الثاني/ يناير عام1946م لاتزال عالقة في الذاكرة.
وهكذا أصبحت الساحة الكردية مسرحا لتنافس ثلاثة قوى رئيسية ثلاثة هي: الشيوعية، والقومية الكردية، والإسلامية المتمثلين في الإخوان المسلمين، ولكن وجود نوع من التقارب الفكري والتحالف بين الإتجاهين الأوليين، إضافة إلى وجود تراكم تأريخي يتمثل في ثورات الشيخ محمود الحفيد وثورات بارزان المتعاقبة بقيادة الشيخ أحمد بارزاني وملا مصطفى البارزاني، أضفى على البعد القومي هالة واسعة من الإنتشار والدعاية لأنها في نظر الجماهير الكردية أكثر ملاءمة لتحقيق مطالبها من الإتجاة الأسلامي الذي لم يكن يدفع في تلك الآونة لتحقيق مطاليب الشعب الكردي القومية بقدر مايحاول تعزيز قيم الدين والأخلاق والفضيلة ورفع الظلم عن الطبقة الكادحة ومطالبة النظام بتطبيق الشريعة الإسلامية، أي بعبارة أخرى أن مطالب الإسلاميين كانت عامة وشاملة لكل الشعب العراقي على أساس أن الإسلام لايفرق بين العربي والكردي والتركماني. ولم يحاول الإسلاميون أوبالأحرى (الأخوان المسلمون) الذين كانوا سادة الساحة الإسلامية آنذاك القيام بعمل تنظيرات سياسية بخصوص القومية الكردية تحديداً مثلما فعل الشيوعيون عندما دعوا في كونفرانسانتهم ومؤتمراتهم إلى منح الحقوق القومية للشعب الكردي وإعطائه حق تقرير المصير في المراحل اللاحقة،وهذا ما أدى إلى حدوث نوع من الإلتباس في صفوف المثقفين الكرد حيث رأوا في الحزب الشيوعي نصيراً لحقوقهم التي كان النظام الملكي قد أهدرها، فيما كان الإسلاميون بعيدين عن إبداء مثل تلك الأفكار والتصورات حيث كانت منطلقاتهم شاملة لكل المسلمين بإعتبارهم جماعة إسلامية ولئلا يتهموا بالتعصب والعنصرية، فضلا أن الكثيرين من قادة الفكر الإسلامي من العرب العراقيين لم يعايشوا مجريات الأحداث في المنطقة الكردية ولم يمتلكوا معطيات كاملة عن حقيقة الأوضاع الإجتماعية والثقافية والسياسية الكردية ومايعانونه من مشاكل وأعمال تعسفية في ظل العهد الملكي، وهذا ما بدا واضحاً في مجلة المنهاج التي كان الاخوان المسلمون العراقيون يصدرونها، حيث جاء في عدد شعبان 1385هـ الموافق لكانون الأول/ ديسمبر 1965م ما نصه:” أن إخوان العراق خففوا لهجتهم في معالجة القضية الكردية ويقتربون أكثر من الموضوعية ويتركون إطلاق الاتهامات على الملا مصطفي البارزاني بعد أن احتج كثير من الإخوان الكرد والعرب والتركمان على المنشور الذي صدر في 14 ربيع الثاني 1381هـ/ في 25 أيلول 1961م والتي كانت صيغتها بعيدة عن الحوار الأخوي والجدال بالمعروف والمعالجة الجذرية مخالفين في ذلك منهج الإمام حسن البنا في معالجة قضية الأكراد بالذات في عام 1944م، حيث وجه الإمام حسن البنا في أحد أعداد مجلة (الإخوان المسلمين) الصادرة في القاهرة نداء موجها إلى الحكومة العراقية يومئذ بحل القضية البارزانية (حركة بارزان الثانية 1943 – 1945م بقيادة الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني) حلا منصفا سليما في ظل الإخوة الإسلامية مذكرا أن الأكراد كانوا من أخلص الشعوب الإسلامية إلى الإسلام.ينظر: محسن عبدالحميد: الإخوان المسلمون في العراق 1945م – 2003م، ص200.
ولكن هذا لا يلغي الزيارات الكثيرة التي كان يقوم بها قادة الإخوان المسلمين إلى كردستان والعمل على إقامة شبكة من التنظيمات فيها إبتداءً من مدينة حلبجة على الحدود الإيرانية العراقية (شرق كردستان العراق) ومروراً بمدن السليمانية وكركوك وأربيل ودهوك وإنتهاءً بمدينة زاخو على الحدود العراقية التركية (غرب كردستان العراق)، ورفد مسؤوليهم في القيادة في بغداد بمختلف التصورات حول كيفية المضي في العمل الإسلامي نحو المستقبل المنشود، فضلا عن قيام الإخوان المسلمين بإقامة مخيمات في بعض المناطق الكردية لتعزيز علاقات الأخوة بين الشعبين المسلمين الشقيقين الكرد والعرب والتعرف عن كثب على أحوال الكرد ومايعانونه من مشاكل، كما في مخيم قصبة بامرني الواقعة في شمال مدينة دهوك في شهر تموز سنة 1955م وسنة 1956م حيث إختلط العشرات من الشباب العربي القادمين من محافظة نينوى وبغداد والرماديوديالى والبصرة وبقية المحافظات مع أشقائهم من الشباب الكردي وهذا ما أدى إلى تلاقح الأفكار والتعرف عن قرب على مايدور في مخيلة الشباب الكردي عن طموحاتهم المستقبلية وصراعاتهم الفكرية والسياسية مع أقرانهم من القوميين والماركسيين.
وعلى أية حال فقد إعتنق الكثير من مثقفي الكرد من مدرسين ومعلمين وموظفين وطلبة جامعات وثانويات وتجار صغار وكسبة وعمال فكرة العمل الإسلامي المنظم، وقاموا بنشاط مكثف بقصد إحياء تعاليم الإسلام الشامل في مختلف مجالات الحياة من سياسة واقتصاد وغيرها التي كانت غائبة عن أذهان الغالبية العظمى، حيث شوهد الشباب وبعض الموظفين لأول مرة يرتادون المساجد بجانب كبار السن، بعد أن كانت الصلوات وإرتياد المساجد حكراً على الأخيرين، وقد تبوأ هذا الجيل من الشباب فيما بعد في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين قيادة الصحوة الإسلامية التي عمت كردستان العراق متمثلة في الحركة الاسلامية في كردستان العراق(1987م)، والاتحاد الإسلامي الكردستاني (1994م)، والجماعة الاسلامية في كردستان العراق(2001م).
غير ان الظروف الصعبة التى مر بها العراق بعيد ثورة 14 تموز عام1958م ومحاولة الشيوعيين الامساك بتلابيب الحكم في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم ووقوف القوى الاسلامية والقومية بوجه مدهم الكاسح المدعوم من مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية؛ أدى إلى حدوث نكبات ونكسات لازال الشعب العراق يئن منها، فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن حركة الشواف في الموصل في آذار 1959م وقيام الشيوعيين المدعومين من نظام عبدالكريم قاسم بعمل مجازر في شوارع مدينة الموصل ووقوف الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى جانب عبد الكريم قاسم بعد مناشدة رئيس الوزراء عبدالكريم قاسم الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني الطلب من أنصاره ومؤيديه عمل اللازم لاخماد حركة الشوافالتي تشكل خطراً مشتركاً على النظام العراقي وعلى الحقوق الكردية التي أقرها دستور تموز عام1958م؛ لذا دخل المئات من المسلحين الكرد من الاقضية الكردية:دهوك وعقرة والعمادية وزاخو والشيخان وغيرها من القصبات الكردية إلى مدينة الموصل للسيطرة على الوضع، مما أدى إلى حدوث تصدع في العلاقات العربية الكردية لأول مرة في التأريخ العراقي، وهذا ما ألقى بظلاله على الحوادث التي ستأتي تباعا خاصة بعد إعلان الكرد لحركتهم القومية في 11 ايلول/ سبتمبر عام1961م ضد نظام الزعيم عبدالكريم قاسم بعد ان كانوا حلفاء له مع الشيوعيين في وجه الاتجاهات القومية والإسلامية العراقية، ووقوف الشيوعيين مع نظام الحكم العراقي ضد تطلعات الكرد القومية على أقل تقدير في المرحلة الاولى 1961 – 1963م.
ولكن الأمور لم تصل إلى حد القطيعة بين الجانبين في عقود الستينيات والسبعنيات من القرن العشرين رغم اشتداد حملة الجيش العراقي على الكرد في فترتي حكم البعث الأولى سنة 1963م و الثانية 1968م ـ حيث قام النظام البعثي الاول في عام 1963م بارتكاب مجزرة بحق أهالي مدينة السلمانية، ففي ليلة 9ـ 10حزيران/ يونيو عام 1963م قام الزعيم (العميد) صديق مصطفى آمر لواء العشرين بالقاء القبض على خمسة آلاف شخص في المدينة وتم دفن حوالي 86شخص منهم بدون وجه حق في اخدود حفر لهم وتم ردمه بالتراب.
أما المجزره الثانية التي ارتكبها النظام البعثي الثاني في سنة 1969م فقد جرت في قرية دهكان التابعة لقضاء عين سفني في محافظة نينوى، حيث قامت قطعات الفرقة الرابعة مشاة بقيادة العميد الركن “عبد الجبار الاسدي” بالتعاون مع مجموعة من المرتزقة الكرد بالهجوم على منطقة شمكان( الواقعة ضمن قضاء الشيخان شرق الموصل)، ونتيجة قصف الطائرات المقاتلة وغيرها من صنوف المدفعية والدبابات التجأ سكان قرية دهكان الى احد المغارات القريبة من القرية خوفا من القصف واعتداء الجنود والمرتزقة الكرد عليهم، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان عندما سد افراد الجيش والمرتزقة باب المغارة امام هؤلاء البائسين من سكان القرية من الشيوخ والنساء والاطفال حيث قضى الجميع نحبهم نتيجة الاختناق.
وفي نفس العام ارتكب الجيش العراقي بقيادة الملازم (=العقيد) “عبد الكريم الجحيشي” مجزرة اخرى بحق قرية مسيحية كردية تدعى (صوريا) تقع جنوب مدينة زاخو في سهل السليفاني، وملخص الحدث يتضمن ان السرية التي كان يقودها الجحيشي تعرضت الى لغم ارضي زرعه البيشمركة في طريق الجيش مما ادى الى قتل وجرح بعض الجنود، فما كان منه إلا أن جمع افراد القرية جميعا بما فيهم كاهن “القس” القرية وكان عددهم يتجاوز الستين شخصا ما بين طفل وامراة وشاب وشيخ، وأمر جنوده باطلاق النار عليهم حيث قتل (38) شخصاً وجرح (22) آخرين في مجزرة لم ينسها التاريخ.
وبخصوص جرائم الابادة الجماعية التي ارتكبها النظام العراقي في عقد الثمانينات من القرن العشرين من خلال قتل آلاف البارزانيين عام 1983م،وقصف مدينة حلبجة بالاسلحة الكيمياوية في 16 آذار/ مارس عام1987م،وحملات الانفال الثمانية السيئة الصيت التي ابتدأت من من 22 شباط/ فبرايرواستمرت لغاية 6 ايلول/ سبتمبر عام 1988م وغيرها، حيث تم سوق أكثر من مائة ألف كردي وبصورة قسرية على يد جلاوزة الأمن العراقي إلى صحارى جنوبالعراق في عمليات ما يسمى «بالأنفال» ، حيث تم فصل الرجال عن النساء، ثمقاموا بحشر الرجال والفتيان في سيارات خاصة محكمة الإغلاق أشبه بحاوياتالشحن، حيث بقوا أياماً طويلة بدون غذاء وماء، وتم نقلهم على جناح السرعة إلىصحارى المناطق الجنوبية والغربية في العراق، ويقال إنه تم حفر أخاديد عميقةفي الأرض بواسطة البلدوزرات، وتم إلقاء هؤلاء الكرد الأبرياء والبائسين فيها تحت وابل من النيران التي أطلقها عليهم زبانية الأمن و المخابرات والاستخبارات العراقية، دون شفقة أو رحمة، ومن ثم تم ردمهم بالتراب في حين كان بعضهم لا يزال على قيد الحياة.
هذه الحادثة البشعة لن تنمحي من الذاكرة الكردية بل من الذاكرة الانسانية جمعاء لبشاعتها ودمويتها، لا تقل دموية عن حادثة قتل الاف اليهود على يد هتلرأثناء سنوات الحرب العالمية الثانية، وقصف الامريكان لمدينة هيروشيما وناكازاكي اليابانية بالقنابل الذرية في سنة1945م وغيرهم من الطغاة، وتعيد الى الاذهان ما فعله (ذا النواس الحميري اليهودي) بنصارى نجران في اليمن عام525م، عندما دفن أكثر من اثني عشر الفاً منهم، والتي خلدها القرآن الكريم في سورة البروج، فكيف يكون موقف القرآن الكريم من حادثة أنفال الكرد التي كان ضحاياها الابرياء أكثر من ضحايا نصارى نجران؟؟؟.