المقالات

الصراع بين الكنائس المسيحية التقليدية والإنجيلية في كردستان العراق

دراسة وثائقية تحليلة

أ.د. فرست مرعي


    بعد وصول البعثات التبشيرية الامريكية والاوروبية الى كردستان العراق بعد حرب الخليج الثانية في عام 1991م، صدرت ردود فعل غاضبة من الكنيسة الكلدانية في اربيل بسبب محاولة هؤلاء الانجيليين البروتستانت إدخال شباب وشابات من الطائفة الكلدانية الى المذهب الانجيلي، ومعلوم ان الكلدان هم الطائفة المسيحية الاكثر عدداً في العراق وكردستان، وتشكل ضاحية عينكاوة الواقعة حالياً شمال غرب مدينة اربيل إحدى مناطق تمركزهم الرئيسية في كردستان العراق، وقد إستغلت المنظمات التبشيرية الغربية هذه الضاحية مقراً لتمركزها، لانها منطقة مسيحية خالصة، لا يواحهون فيها مشاكل اجتماعية أو ثقافية ، فيما لو تواجدوا في منطقة كردية خالصة (اسلامية)، بسبب الاختلاف الديني والثقافي والاجتماعي.
وأدناه وثيقة من رئيس اساقفة الكلدان وتوابعها (إيضاح) الى المسلمين، بأن الكنيسة الكلدانية غير مسؤولة عن النشرات والنشاطات التي تقوم بها جهات اخرى(البعثات الانجيلية)، ويعقبها جواب أو رد من مركز إحدى هذه الارساليات في الولايات المتحدة الامريكية الى رؤوساء الكنائس المسيحية الكلدانية والنسطورية(الآشورية) في اربيل والسليمانية ودهوك، والى أشخاص معينين يعملون في الارساليات التبشيرية، حول الدفاع عن اثنين من اتباعهما وهما كل من :
1- القس يوسف متى.
2- أندريه نوريو.


لأن اساقفة المدن الكردية الثلاث، قد وجهوا إتهامات وكلمات سيئة وحقائق محرفة بحق هؤلاء حسب الوثيقة، والوثيقتان منشورتان في مجلة البيان التي كانت تصدر في لندن، العدد 206، الصادر في شهر تشرين الثاني عام 2004م، بقلم الكاتب الكردي (جابان الكردي)، وتاريخ الوثيقتان ترجعان الى سنة 1995م من القرن العشرين.



الوثيقة الاولى:
رئاسة أسقفية أربيل الكلدانية
أربيل ـ عنكاوة
التاريخ: 5/12/1995م الثلاثاء
إيضاح
سلام أخوي من الرب
منذ مئات السنين ونحن نعيش في هذه المنطقة جنباً إلى جنب مع إخوتنا المسلمين الأعزاء، ولم تحدث بيننا مشكلات أو نزاعات دينية أو طائفية بل كنا ولا نزال وسنستمر نعيش كإخوة في منطقة واحدة لكي تزدهر إيمانياً وثقافياً واجتماعياً رغم كل المحاولات التي تريد زرع المشاكل بيننا. إننا جميعاً أبناء إبراهيم أبي المؤمنين، نؤمن بإله واحد القادر على كل شيء، نؤمن بحياة أبدية وبقيامة الموتى. لذا نؤكد لإخوتنا المسلمين الأعزاء بأن الكنائس المحلية لا علاقة لها مطلقاً بتوزيع النشرات الدينية في الشوارع والمحلات والدوائر الرسمية؛ إذ إننا لم ولن نقوم بمثل تلك الأعمال، ونريد أن نعلن لإخوتنا المسلمين بأننا في مؤتمراتنا الكنسية ندعو دائماً إلى الحوار الأخوي بين النصارى والمسلمين، وإلى التعاون للعمل ضد الإلحاد والتفرقة الدينية.
عاشت الأخوة الإسلامية ـ النصارى في كل مكان. والله هو الموفق، وعليه اتكالنا دائماً. وبعد هذا الإيضاح القصير الذي كان لا بد منه في هذه الظروف، تقبلوا فائق تقديرنا واحترامنا راجين منه ـ تعالى ـ أن يكون في عون كل المخلصين والعاملين من أجل التآخي والمحبة والسلام. أدامكم الرب.
أخوكم ومحبكم
حنا مرخو
رئيس أساقفة أربيل وتوابعها عن الكلدان.

وفيما يلي الوثيقة الثانية الجوابية من مدير منظمة رعاية وإغاثة الاكراد السيد لويس فيلي:

الوثيقة الثانية:

مدير منظمة رعاية وإغاثة الأكراد
الكنيسة الأسقفية
لويس فيلي/ كينتاكي الولايات المتحدة الأمريكية
رحمة واسعة من الكنيسة الأسقفية
إلى/ المطران عبد الأحد يعقوب (السليمانية)
المطران حنا قلو (دهوك)
المطران حنا مرخو (أربيل)
الخوري فيليب (دهوك)

الأخ غالب بطرس C.F.T.K. دهوك
الأخ إيليا يعقوب C.F.T.K .دهوك
أصدقائي الأعزاء المحترمون
سلام ونعمة من الله أبينا وربنا يسوع المسيح ـ السليمانية.
يرجى الإصغاء إليّ بانتباه الآن. أنا أسمع وبصورة مستمرة كلاماً فيه نميمة وافتراء وأنصاف حقائق محرفة و … إلخ من الكلدان والآشوريين في شمال العراق(= كردستان العراق) ضد الأخ يوسف(يوسف متى) رئيس كنيسة النعمة الالهية في دهوك، والأخ أندريه نوريو.

إن القس يوسف متى، وأنا لا نعمل معاً، ولكنه صديقي، وأنا أبدي احتراماً لعمله بالرغم من وجود اختلاف كبير بين عمله وعملي. أما الأخ أندريه نوريو فيعمل معي لكنه لديه الحرية الكاملة للقيام بعمله في دهوك كما يأمره الروح القدس.
يقول (ربنا يسوع المسيح)!: (أوصيكم بأن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أحبوا أنتم أيضاً بعضكم بعضاً بهذا يعرف الناس أنكم تلاميذي إذا أحببتم بعضكم بعضاً: (يوحنا 13/34 ـ 35). وقال المسيح أيضا: (هذه وصيتي: أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم. ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل نفسه عن أحبائه، فإن عملتم بما أوصيكم به كنتم أحبائي: (يوحنا: 15/ 13-14).
إني أسمع دائماً عن تقارير مطران الكلدان حنا قلو (دهوك – متوفي) والمطران حنا مرخو (أربيل – متوفي)، والخوري الآشوري فيليب (دهوك) تتضمن كلمات سيئة أو انصاف حقائق محرفة ضد القس يوسف متى، والأخ أندريه نوريو وكذلك ضد كل المسيحيين الأجانب الذين يعملون في شمال العراق(= كردستان العراق).
إني التزمت الصمت لمدة ثلاث سنوات ونصف، ولكن إذا استمر المطارنة والقسس من الكلدان والآشوريين في مضايقة المسيحيين الآخرين العاملين هنا، عندئذ سوف أقوم بكتابة تقرير واضح إلى البابا يوحنا بولص الثاني في الفاتيكان، وإلى البطريك مار دنخا الرابع(= بطريرك كنيسة المشرق) في شيكاغو، وكذلك إلى الرئيس الأمريكي بيل كلنتون وإلى النائب ايل كور، وإلى وزير الخارجية وارن كريستوفر، وإلى سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مادلين أولبرايت. أقدم شكوى ضد الكلدان والآشوريين عن أحاديثهم وافتراءاتهم وعن عدائهم الذي يحدث هنا. وكذلك أوصي بإيقاف كافة المساعدات الغذائية والكتب والتجهيزات الأخرى عن الكلدان والآشوريين العراقيين.
أرجو أن تعلموا بأنC.F.T.K) = منظمة رعاية وإغاثة الاكراد) لا ترغب بجعل أي من الكلدان والآشوريين بروتستانتياً، نحن نأمل ونريد أن يبقى جميع الآشوريين والكلدان في الكنيسة الآشورية والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، وأن يحبوا المسيح من كل قلبهم وذهنهم وروحهم، ويزداد إيمانهم بقوة روح القدس الإله بالمسيح ربنا: (مرقس 11/29 ـ 31، لوقا 11/9 ـ 13، يوحنا 3/1 ـ 21). آمين.
على كل حال فإنه إذا رغب أي نصراني عراقي، على سبيل المثال، أن يترك الكنيسة الآشورية أو الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية كما يرشدهم الروح القدس للانضمام إلى الكنيسة الأرثوذكسية أو الإنجيلية أو البروتستنتية… إلخ فهذا اختيارهم الحر وحقهم الممنوح من الله، ولا يحق لأحد أن يقوم بمضايقتهم أو التميز بينهم.
لكن الافتراء والنميمة أو أنصاف الحقائية، فلا تهلك أبداً، ولا يختطفها أحد من يدي (يوحنا: 10/27 ـ 28). وهكذا فالمشكلة ليست إلى أية طائفة كنسية ينتمي شخص ما أو يعمل، لكن هل الأشخاص (المسيحيين) يتبعون السيد المسيح حقاً وينفذون كلامه بقوة روح القدس، آمين.
قدمت بفائق الاحترام مع المحبة بالمسيح.


أخوكم الأصغر وليم براون
مدير منظمة رعاية وإغاثة الأكراد
الكنيسة الأسقفية ـ الولايات المتحدة الأمريكية
نسخة إلى:
ملف C.F.T.K.
الأخ أندريه نوريو ـ دهوك.
القس يوسف متى ـ دهوك

وبعد زيادة عدد الكنائس المسيحية الانجيلية في كردستان بعد عام 1991 لغاية 2010م تم تشكيل الرابطة الانجيلية الكردية برئاسة الكردي المرتد (القس المطرلن حالياً) بهزاد ابراهيم خوركي المزوري.

و بعد وصول المبشر الكبير نيكولاس رئيس الرابطة الانجيلية الاوروبية الى كردستان العراق واجراء انتخابات. ولكن تدخل القس يوسف متى ” ( ضابط عراقي سابق وخريج كلية العلوم جامعة الموصل) رئيس كنيسة النعمة الانجيلية (الاسقفية سابقا والقس (غسان يلد)، والقس (غسان لويس) مسؤل كنيسة الاتحاد المسيحي الكردي الامريكي. حاول نيكولاس اجراء انتخابات أخرى بغية اجراء توازن بين الكنائس الكُردية والآشورية والعربية، التي تتبع جميعها الانجيليين، انفرط عقدها نظرا لان (نيكولاس) انحاز الى جانب القسس العرب والاشوريين، أي ان العوامل القومية والعنصرية والعاطفية والمالية تدخلت في الانتخابات

التبشيرالمسيحي في كردستان العراق بعد عام 2000م

لقد تركت عملية قتل المبشر الامريكي (المشيخي) كامبرلند في مدينة دهوك على يد سليم مصطفى آغا البيسفكي الدوسكي في 12/6/1938م،  آثاراً بعيدة في التراث والوجدان الشعبي الكردي من جهة، وأدت في الوفت نفسه الى وقف نشاط الإرساليات التبشيرية في منطقة دهوك إلى ما بعد إنتفاضة 1991، حين سيطرت الأحزاب الكردية العلمانية على مقاليد الأمور في كردستان العراق وإنسحبت الادارة الحكومية العراقية من كردستان، حيث عادت الإرساليات الانجيلية الغربية الأمريكية والأوربية إلى كردستان العراق مرة أخرى، حينها بدأت تقوم بعمليات الاغاثة والدعم التي كان الشعب الكردي بأمس الحاجة اليها نظراً للحصارين الدولي والعراقي عليهم، فضلا عن قيامها بنشاطات تبشيرية تعيد الى الاذهان ما قام به كامبرلاند وزملائه المنصرين من مشاريع – تؤتي ثمارها ولو بعد حين – حين بدأت أعداد لا بأس بها من الكرد تعتنق المسيحية دون خوف أو وجل، رغم بعض الاعتراضات من قبل الاحزاب الاسلامية الكردية وإتحاد علماء الدين الاسلامي وبعض الشخصيات الاجتماعية، فضلاً عن الجانب المسيحي المتمثل في الحركة الديمقراطية الاشورية، وبعض أساقفة وكهنة الكنائس الكلدانية والآشورية.

وعلى السياق نقسه فقد تم تأسيس كنائس أجنبية بتسميات إنجيلية بروتستانتية مختلفة تبعاً لمرجعياتها الأمريكية والأوربية من معمدانية ومشيخية ومصلحة وميثودية واسقفية في كردستان العراق لاول مرة، فضلاً عن كنائس ناطقة باللغة الكردية في أربيل والسليمانية ودهوك في ظل الإنفتاح والعولمة والديمقراطية وحقوق الانسان! التي بشرت بها الولايات المتحدة الأمريكية، وتم الدعاية لها في وسائل الاعلام المختلفة،

ولازالت ذكرى قتل (سليم مصطفى آغا بيسفكي) للمبشر الأمريكي (كامبرلاند) باقية في أذهان المسلمين الكرد، لذلك عندما جاء المبشرون الجدد الى كردستان العراق في أعقاب حرب الخليج الثانية 1992، كانوا على حذر شديد خوفاً من تصفيتهم، ولكنهم لم يدروا بأن المجتمع قد تغير وأن السنوات التي تلت مقتل كمبرلاند حدثت فيها تغييرات سياسية وثقافية واجتماعية عديدة، فالأفكار العلمانية والحداثية قد غزت المجتمع الكردي مثله في ذلك مثل بقية المجتمعات الإسلامية المحيطة به، فضلاً عن ذلك أن الأحزاب الكردية بشتى تياراتها من قومية وليبرالية وإشتراكية وماركسية كان لها دور كبير في تعزيز القيم المناوئة للإسلام كدين وكنظام حياة، خاصة بعد سيطرتها على مقاليد الأمور في كردستان العراق إعتباراً من سنة 1992.

كنيسة كورد زمان الكنيسة الناطقة بالكردية

بناءاً على ما تقدم، فقد تم لأول مرة تأسيس كنيسة كردية إنجيلية خاصة تدعى (الكنيسة الناطقة باللغة الكردية) في مدينة أربيلسنة2000م يشرف عليها قساوسة كرد(= شيوخ بالمفهوم البروتستانتي)، ترتبط هذه الكنيسة بالرابطة الانجيلية الاوروبية.

وكانت هذه الكنيسة قد أنشأت فروعاً لها في المدن الكردية الرئيسية الأخرى، وهذا ما حدث في مدينتي دهوك والسليمانية. والغريب أن اختيار الشيوخ والقساوسة الخاصين بهذه الكنيسة يتم بمواصفات خاصة: أن لا يكون الشخص المرشح يشرب الخمر، أو يدخن السكاير، وهذا ما خلق لهم اشكاليات عديدة، فهذه المواصفات من الصعوبة بمكان الحصول عليها من الكرد الذين انحرفوا عن دينهم الأصلي الإسلام، لأنهم أساساً كانوا يشربون الخمر ويرتكبون الموبقات، لهذا دخلوا في المسيحية لا لشيء آخر، فجاءت المذاهب الإنجيلية لتحاول بطريقة مكيافيلية ساذجة تربيتهم من جديد!.

  فضلا عن ذلك تم تأسيس رابطة للكنائس الإنجيلية في المدن الرئيسية الثلاثة، بحضور السيد (نيكولاس) رئيس الرابطة الانجيلية الاوربية، حيث ظهر خلاف في من يتولى رئاسة هذه الروابط من الكرد الذين تنصروا وأصبحوا إنجيليين، أو من العرب أو المسيحيين الأصليين الذين تحولوا من مذاهبهم الكاثوليكية والنسطورية والأرثوذكسية غير الخلقدونية إلى الإنجيلية البروتستانتية. حيث كانت نية المنظمة تعيين شخص غير كردي في الرئاسة لتحقيق التوازن المطلوب بين الكنائس الكردية والاشورية والعربية، رغم إحتجاج الاكراد المشاركين في الانتخابات، بأن ممثلهم قد فاز في الجولة الاولى، وهذا إن دل على شيء فانما يدل على أن العلاقات الشخصية والعاطفة القومية، وأمور اخرى تلعب دوراً كبيراً في هذه الممارسات رغم الغطاء الديني والروحي!.

 ويشرف على هذه الكنائس الإنجيلية مبشرون أمريكيون وأوربيون من الكنائس الانجيلية مثل: رابطة الكنائس الانجيلية الاوربية، منظمة انترست الامريكية لدراسة الكتاب المقدس، وورد مشن آلاينس الامريكية (World Missin Alliance)، منظمة الاتحاد الامريكية ، منظمة هلينكتري الامريكية (Healingtree International)، منظمة سولت فاونديشن الهولندية (Salt foundation) يعملون في منظمات ظاهرها انساني وباطنها العمل على زعزعة القيم الاسلامية بواسطة شبهات المستشرقين وتلامذتهم ومحاولة إجترارها من جديد، ومن ثم زرع مفردات التبشير المختلفة كالمخلص، والفادي، وحمل الله، والذبيح  في تلك القلوب الخاوية. والإيحاء لمثقفي الكرد بأن الإسلام كان السبب في تأخر الكرد! وانهم ظلموا من قبل العرب والفرس والترك على حد سواء، ومحاولة المجيء بأساطير وخرافات حول ظلم العرب المسلمين للكرد الزرادشتيين في بداية فتح المنطقة الكردية في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد تولى ذلك احد الكرد الايرانيين وهو المدعو (الدكتور سعيد كردستاني بن ملا رسول) من اهالي مدينة سنندج (سنه) الايرانية وابن امام الجامع الكبير فيها، وكان قد إعتنق النصرانية على المذهب الانجيلي في نهاية القرن التاسع عشر، حيث كان الإنجيليون قد افتتحوا لهم مركزاً في مدينة أورمية الإيرانية الواقعة شمال غرب ايران عام  1835م في العصر القاجاري.

وقد أصبح سعيد طبيباً فيما بعد بجهود المنصرين، وقد حاول الاخير بشتى السبل دعم طروحات المنصرين الامريكان والاوربيين حول حيثيات الفتح الاسلامي لديار الكرد في فجر الاسلام وإعتباره غزواً، وقد مات هذا المرتد عن الاسلام عام 1942م ودفن في مقبرة المسيحيين في مدينة همدان، وعد من جانب الارساليات التبشيرية البروتستانتية كأنه المسيح ، وقد ساعده في ذلك الباحث الكردي الإيراني البروفيسور (رشيد ياسمي) الاستاذ في جامعة طهران الذي يتبع لعشيرة الكوران الكردية المنتمية لطائفة أهل الحق (= العلي الهية- اليارسان)، و كان في الوقت نفسه أحد منظري الشاه الإيراني رضا بهلوي(1925- 1941م) حول  إعتبار الكرد جزءاً من المنظومة الفارسية عرقياً ولغويا، وفي الوقت نفسه دعم وإحياء الاديان الايرانية القديمة من الميثرائية والزرادشتية وغيرها، واعتبار الشاه (آريامهر) أي شمس الاريين في اشارة الى الشعوب:الفارسية والكردية والبلوشية والمازندرانية والطاليشية والديلمية التي تعيش ضمن خارطة ايران والمناطق المحيطة بها.

وهكذا كانت لكتابات هؤلاء الإثنين وغيرهم من الكتاب الايرانيين الشيعة من العلمانيين وغيرهم تأثير كبير على الرواد الكرد الاوائل من كتاب وصحفيين، حيث لا يزال العديد منهم من العلمانيين الليبراليين والماركسيين يرددون أفكارهما في كل من ايران والعراق لاسباب مذهبية وعرقية، الاول نكاية بالاسلام والمسلمين، والثاني نكاية بالمسلمين من أهل السنة والجماعة.

ومما تجدر الاشارة اليه ان أحد المبشرين الامريكان من الذين عملوا في المنطقة الكردية من العراق وقدم من الاردن بعيد حرب الخليج الاولى عام 1919م (بيل سكوت)، ألف كتاباً باللغات الثلاث الانكليزية والكردية والعربية تحت عنوان براق (الكرد في التوراة والانجيل)، رغم عدم وجود لفظة الكرد بتاتاً في التوراة والانجيل لا تلميحاً ولا تصريحاً، ولكنه ربما يقصد ذكر الانجيل للفظة الماد ( الميديين)، ولكنها لدغدغة العواطف، ومحاولة دق أسفين بين الكرد من جهة وبين بقية الشعوب الاسلامية وتحديداً العرب حملة رسالة الاسلام الاوائل، في اشارة ضمنية أن القرآن الكريم لم يتطرق البتة الى لفظة الكرد.

وفي السياق نفسه فان الحكومة المحلية تمنح قطع أراضي لهؤلاء المبشرين لبناء كنائسهم عليها، وتمنح مؤسساتهم الموافقات الاصولية لفتح المعاهد والمدارس والمكتبات، وطبع الكتب باللغات العربية والكردية بلهجتيها الرئيسيتين(الكرمانجية الشمالية والجنوبية)، وان غالبية أبناء المسؤولين يتعلمون في هذه المدارس التبشيرية بحجة تعلم اللغة الانكليزية، حتى صل الامر بأحد المسؤولين الكبار في حكومة الاقليم الى القول:” انه يريد أن يرى كرداً دخلوا في المسيحية على أن يراهم مسلمين متشددين “.

ومن جهة اخرى فان الهيئات التبشيرية تحاول بشتى السبل الضغط على المؤسسات التشريعية والتنفيذية ومنظمات المجتمع المدني في اقليم كردستان العراق؛ بقصد تغيير قانون الاحوال الشخصية المبني على الشريعة الاسلامية، للسماح للكرد المرتدين عن الاسلام (المتنصرين) لتغيير هويتهم الاسلامية الى الهوية المسيحية، وكذلك الامر بالنسبة لعوائلهم التي تنصرت، ومن ثم جعله قانوناً ساري المفعول في – اشارة الى حرية المعتقد والضمير- وعدم اعتبارهم مرتدين وفقاً لاصول العقيدة الاسلامية التي لا تزال سارية المفعول في جميع انحاء العراق.

 ومن الجديربالذكر فقد امر الرئيس العراقي الاسبق جلال الطالباني بتأسيس كنيسة خاصة بالاقباط الارثوذكس في مدينة السليمانية بسبب تواجد بعض العمال والفنيين المصريين العاملين في معمل اسمنت السليمانية من الاقباط ، رغم عدم وجود طائفة الاقباط اصلاً في العراق، ويبدو ان الرئيس الطالباني إقتدى في ذلك ببعض الدول العربية الخليجية التي لها عمالة مصرية ، فسمحوا بتأسيس كنائس للاقباط الارثوذكس.

وفي السياق نقسه فقد تم تأسيس كنائس أجنبية بتسميات إنجيلية بروتستانتية مختلفة تبعاً لمرجعياتها الأمريكية والأوربية من معمدانية ومشيخية ومصلحة وميثودية واسقفية في كردستان العراق لاول مرة، فضلاً عن كنائس ناطقة باللغة الكردية في أربيل والسليمانية ودهوك في ظل الإنفتاح والعولمة والديمقراطية وحقوق الانسان! التي بشرت بها الولايات المتحدة الأمريكية، وتم الدعاية لها في وسائل الاعلام المختلفة.

أما بشأن وجود نشاط للإنجيليين في كردستان العراق, فلهم تواجد في المحافظات الكردية الثلاث دهوك وأربيل والسليمانية, من خلال وجود كنائس إنجيلية مرتبطة بها وهي :

1- كنيسة النعمة الالهية.
2- كنيسة الانتقال.
3- كنيسة الناصري.
4- كنيسة نهضة القداسة.

  5-    الكنيسة المعمدانية (كنيسة العهد الجديد).

6- كنيسة الرسل
7- كنيسة خيمة المسيح
8- كنيسة الاتحاد المسيحي الامريكي الكردي، وتذكر مصادر المبشرين بأن هذه الكنيسة لها نفوذ كبير على الكنائس الانجيلية الاخرى في كردستان، وقوية  بسبب الدعم المالي من المصدر الامريكي ، فعلى سبيل المثال ، إستطاعت شراء بيت بمبلغ نصف مليون دولار امريكي في مدينة دهوك باسم القس (س- ت)، وتحويله في الحال الى كنيسة بموافقة شفوية من مسؤول مسيحي في المحافظة قبل ان تصدر الموافقة من الوزارة، وهذا ما فتح الباب أمام الكنائس الانجيلية الاخرى لتقديم طلباتهم الى رئيس (رابطة الكنائس الانجيلية) لمساعدتهم في الحصول على موافقات لتأسيس كنائس اخرى عن طريق شراء البيوت وتحويلها الى كنائس ، أو عن طريق تخصيص قطع اراضي من المحافظة لبناء الكنائس حصراً، كما حصل مع كنيسة نهضة القداسة التي حصلت على قطعة ارض في منطقة دهوك الغربية (ماسيكى) في الشارع المؤدي الى كنيسة الارمن الجديدة.

وتجدر الاشارة الى ان كنيسة الاتحاد المسيحي الامريكي الكردي تتلقى الدعم من أشخاص امريكيين مخضرمين في الحركة الانجيلية العالمية : كالمنصر الامريكي (فرانكلين غراهام) والذي يلتقي برؤساء العالم وكان من الداعمين والمؤيدين الاقوياء للرئيس الامريكي السابق (جورج بوش)، ووالده (بيل غراهام) يملك اكبر مؤسسة انجيلية تبشيرية في العالم.

9- كنيسة كورد زمان (الكنيسة الناطقة باللغة الكردية)، وتعد هذه من أحدث الكنائس التي تم تأسيسها في المدن الكردية الرئيسية الثلاث: اربيل والسليمانية ودهوك، ومسؤول هذه الكنيسة في دهوك ، هو نفسه رئيس الرابطة الانجيلية في كردستان.
10- كنيسة السبتيين.

فضلاً عن وجود مكتبات متخصصة في المحافظات الثلاث لبيع الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) وغيرها من كتب التبشير التي تعود في معظمها إلى مؤلفين أمريكيين مترجمة بواسطة إنجيليين عرب من المصريين واللبنانيين, فضلا عن وجود كتب إنجيلية مترجمة باللغة الكردية باللهجتين الكرمانجية الشمالية (البهدينانية) والكرمانجية الجنوبي (السورانية)، والعديد من هؤلاء الكتابات تتحدث عن تبشير مزعوم لعدد من المسلمين يتبعون جنسيات خليجية كالمملكة العربية السعودية باعتبارها قلعة الاسلام، فضلاً عن كتابات بعنوان (نبي وقس) مؤلفها المدعو رفيق الحريري (= جوزيف قزي من اهالي منطقة حماه في سوريا)، وكتب اخرى تخص الجانب الروحي، علاوة على كتب تخص لاهوت وتجسيد السيد المسيح من وجهة نظر الانجيليين.

وبعد زيادة عدد الكنائس المسيحية الانجيلية في كردستان بعد عام 1991 لغاية 2010م تم تشكيل الرابطة الانجيلية الكردية برئاسة القس الكردي (بهزاد ابراهيم خوركي المزوري).

وبعد وصول المبشر الكبير نيكولاس رئيس الرابطة الانجيلية الاوروبية الى كردستان واجراء انتخابات، تدخل القس (يوسف متي) رئيس كنيسة النعمة الانجيلية الاسقفية سابقا والذي كانضابطاً في الجيش العراقي وخريج كلية العلوم جامعة الموصل،والقس (غسان يلد)، والقس (غسان لويس) مسؤل كنيسة الاتحاد المسيحي الكردي الامريكي. حاول نيكولاس اجراء انتخابات أخرى بغية اجراء توازن بين الكنائس الكردية والاشورية والعربية، التي تتبع جميعها الانجيليين، التي انفرط عقدها نظراً لان (نيكولاس) انحاز الى جانب القسس العرب والاشوريين، أي ان العوامل القومية والعنصرية والعاطفية والمالية تدخلت في الانتخابات.

كما توجد مدارس أمريكية ثلاث في كل محافظة كردية ملحقة بهذه الكنائس مهمتها: إنشاء جيل كردي جديد مبني على أسس الليبرالية والانفتاح والحداثة وحوار الأديان وتقبل الرأي الآخر، بجانب وجود دروس في الكتاب المقدس ودراسة تاريخ الكرد من وجهة نظر الكنيسة، أي بعبارة أخرى إن نشاط الكنائس الإنجيلية في كردستان العراق يشبه إلى حدٍ ما نشاطهم في منتصف القرن التاسع عشر في بلاد الشام في إنشاء الجامعة الأمريكية ببيروت التي سبقتها الكلية الإنجيلية السورية، حتى يتخرج جيل كردي جديد يبني قيمه على ركائز الحضارة الغربية الحديثة التي تتقاطع في كثير من بديهياتها مع أسس ومرتكزات العقيدة والشريعةالإسلامية، فضلاً عن إثارة الشبهات التي كان أسلافهم المستشرقين قد اثاروها من قبل، لذا يحاولون من جديد إجترارها عن طريق بثها بين الناشئة الكرد بلغتهم ولهجاتهم العديدة كأنها افكار جديدة بقصد إبعادهم عن الفضائين الإسلامي والعربي.

كما تم في الاونة الاخيرة انشاء جامعة امريكية في مدينة السليمانية، وتم جمع التبرعات اللازمة لانشاء بنايات الجامعة ومختبراتها بواسطة الدعم السخي من قبل الرئيس العراقي الاسبقجلال الطالباني، وتبرعات بملايين الدولارات من عدد من اغنياء مدينة السليمانية، ولذا يرى الداخل الى المدينة من جهة الغرب على الجانب الايسر من الشارع العام الرئيسي بنايات وعمارات جميلة تحيط بها الحدائق والساحات في اشارة الى الجامعة الامريكية في السليمانية.

وفي السياق نفسه تم إنشاء جامعة أمريكية في مدينة دهوك باسم جامعة كردستان سنة2014م من قبل السيد مسرور البارزاني رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان العراق، تقع في مدخل قضاء سميل على الشارع الدولي الذي يربط بين مدينتي دهوك وزاخو والحدود التركية.

ومما تجدر الإشارة إليه أن الكثير من المطبوعات الإنجيلية تصل إلى كردستان قادمة من مراكز الإنجيليين الرئيسية في القاهرة وبيروت وعمان، أي أن الكثير من مراجعهم وكتابهم من أصول عربية وتحديداً من مصر ولبنان والاردن، حيث للانجيليين نشاط واسع فيهما في مجال التأليف والترجمة والقاء المحاضرات في النوادي والمحافل والفضائيات التي تستقر قسم من محطاتها في قبرص.

أما قبل سقوط بغداد بيد الامريكان عام 2003م فان غالبية المؤلفات كانت تأتي الى كردستان العراق قادمة من المانيا وتركيا وبالتحديد مدينة استنبول.

ومهما يكن من أمر فإن الإنجيليون يدعمون إسرائيل بكل قوتهم، ولا غرابة في ذلك فغالبية الإنجيليين ينتمون إلى الصهيونية المسيحية التي سبقت الصهيونية اليهودية في محاولتها إنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وقد اتهمت بعض الشخصيات العائدة للحركة الديمقراطية الآشورية وبعض أساقفة الكنائس العراقية المتعددة الإنجيليون بأنهم جواسيس لإسرائيل، وقد جاءوا إلى المنطقة بقصد زرع الشقاق بين المسلمين والمسيحيين الذين تعايشوا لمئات السنين.

كما أن كنيسة الدوبارة المصرية وهي كنيسة إنجيلية بروتستانتية تدعم الإنجيليين في كردستان العراق، عن طريق إقامة الدورات والمحاضرات في كل من أربيل والسليمانية ومنتجع دوكان السياحي الواقع غرب السليمانية.

نعم اعترفت الصحافة الكردية بان عدة مئات من الكرد قد تنصروا على يد الكنيسة الإنجيلية في كردستان ولكن يبدو أن الأمر مبالغ فيه ، وإذا ما دخل بعض الكرد في المسيحية – إن وجدوا – فهذا يرجع في حقيقة الأمر إلى أنهم كانوا أصلاً لا يفهمون شيئاً عن الإسلام ، أو أن بعض هؤلاء كان يدخل لغرض مادي بحت نظراً للعوز الذي كان الشعب الكردي يعانيه من جراء الحصارين الدولي والعراقي، وحتى أن البعض من هؤلاء كان يريد عن طريق الدخول في المسيحية السفر عن طريق المنظمات الانجيلية إلى امريكا وأوروبا والاستفرار فيهما، أو أنهم أصلاً كانوا لايؤمنون بالاسلام. كما لا يمكن نسيان الانتهاكات والجرائم التي اقترفتها الانظمة الايرانية والتركية والعربية بحق الكرد في العقود السابقة، رغم ان الاسلام يجمعهم مع الكرد، وقد استفاد المبشرون من هذه الزاوية كثيراً في دق اسفين بين الكرد وبين غيرهم من الشعوب الاسلامية المحيطة بالكرد، وفي الترويج لبضاعتهم.

ففي يومي 6-7/4/2006 عقدت الكنيسة الكردية الحديثة المنشأ مؤتمرها الثالث في مدينة اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق، بمشاركة أكثر من ألف كردي مسيحي! لم يمر على تنصرهم سنة واحدة، حيث كانوا في العام المنصرم أربعمائة شخص فقط حسب تقديرات المنصرين، ونجم عن إنعقاد هذا المؤتمر ردود أفعال متباينة من حيث التشجيع من البعض والإدانة من الحركات الإسلامية والشحصيات الاجتماعية، وهم يتزايدون باستمرار بحيث وصل هذا الأمر- حسب مصادر المبشرين- إلى أن تنصر حتى احد المرافقين لزعيم إسلامي سياسي في احدى المناطق المجاورة لحلبجة المعروفة بالتزامها الديني؛ على حد زعم بعض مصادر المبشرين !.ومؤتمرات الانجيليين مستمرة الانعقاد عدة مرات في السنة بصورة دورية في مدن: دهوك، واربيل – ضاحية عينكاوه، السليمانية، ومنتجع (مصيف) دوكان على التوالي.

منذ أكثر من ثمانون سنة انتشرت الأفكار الماركسية في العراق عامة وفي كردستان خاصة، ولم تتمكن الحركات الماركسية من التأثير على إيمان هؤلاء، حتى المنتسبين لهذه الأحزاب يشاهدون وهم يصلون ويصومون وهم أعضاء في الحزب الشيوعي وغيرهم من الحركات الماركسية، في كل قرية كردية كان يبنى المسجد قبل البدء ببناء أول بيت، وكان التشكيك بالإسلام من الخطوط الحمراء عند الكرد، وعدم القيام بالصلاة والصوم خلق مشاكل كثيرة بين أفراد العائلة الواحدة، وحرم الكثير من الأبناء من حق الوراثة لهذه الأسباب، أذن من الذي يجبرهم أن يتحولوا إلى المسيحية ويتركوا دينهم دين الاباء والاجداد ؟

من الغريب والعجيب أن جل هؤلاء من مدينة أربيل “هولير” المعروفة بالالتزام الديني، وهي مدينة المساجد بحيث وصل عدد المساجد فيها إلى أكثر من 300 مسجد، وهذا العدد نظائره قليلة قياساً بالمدن الاخرى في العالم الاسلامي، ومن نافلة القول أن السلطان (مظفر الدين كوكبري) صهر الناصر صلاح الدين الايوبي، ينحدر من هذه المدينة، وهو أول من احتفل بالمولد النبوي في العالم الاسلامي بالصيغة المعروفة ، وقد برر بعض العلمانيين الكرد هذا التحول بالقول: “ان استغلال الشعوب الفارسية والعربية والتركية للكرد، وانتهازية علماء المسلمين! والكيل بمئات المكاييل، وعدم إظهار موقف مشرف لمساندة الشعب الكردي المظلوم، وهجوم المثقفين والنخب الإعلامية العربية يومياً على الكرد، يدفعهم ليس بالابتعاد عن كل ما هو عربي، بل بهجر الإسلام والتحول إلى دين أخر”!.

حملة تنديد بتبشير الكرد العراقيين

وكانت الحركة الديمقراطية الاشورية “المسيحية” في العراق قد عبرت عن مخاوفها من الاثار السلبية المترتبة على حملة تجري في اقليم كردستان العراق لتبشير اكرادها المسلمين. وأكدت الحركة الديمقراطية الاشورية في بيان مشترك مع الاتحاد الاسلامي الكردستاني ادانتها و استنكارها “لاية محاولة تبشيرية استفزازية في كردستان” .

وقال البيان ان للتعايش السلمي الديني والقومي بين المسلمين والمسيحيين والكلد والاشوريين والكرد؛ ” جذور تاريخية راسخة على اساس احترام الاديان والعقائد والتآخي والوطن المشترك و التعاون والتنسيق من أجل تحقيق الاهداف والمصالح المشتركة، وقال انه ظهرت في الفترة الاخيرة حركة غريبة جاءت من خارج البلاد باسم تبشير الكورد المسلمين وحتى اعادة تبشير المسيحيين” . . وشدد على ان هذه الممارسات – تستفز المسيحيين والمسلمين في اقليم كردستان – وتتسبب في خلق التوتر، وتسيء الى التعايش والوئام بين الجانبين “ولا يستبعد ان تستغل من قبل الجماعات الارهابية واعداء بناء العراق الجديد في هذه المرحلة الحساسة”. وطالبت الحركة الديمقراطية الاشورية والاتحاد الاسلامي الكردستاني في الختام السلطات والمؤسسات ذات العلاقة بمنع هذه الممارسات اللامسؤولة “بهدف الحفاظ على وحدة صفوف شعبنا” .. وفيما يلي نص بيانهما المشترك :

من المعروف ان التعايش المشترك الديني والقومي بين المسلمين والمسيحيين، الكورد والكلدوآشوريين والسريان، له تاريخ طويل مبني على الاحترام المتبادل والاخوة والمشاركة في الوطن الواحد، والتعاون لتحقيق الاهداف والمصالح المشتركة. وهذا موضع فخر للجميع ومثال جميل للتعايش المشترك في المجتمع. ولكن وفي السنوات القليلة الماضية بدأت حركة مشبوهة جاءت من خارج البلاد تعمل بالضد من مبادئ وقيم جميع الاطراف وتهدف الى تشويه حالة الانسجام والتآخي الديني في كردستان باسم تبشير المسلمين والمسيحيين ايضاً من اتباع الكنائس العريقة الموجودة في البلاد. حتى وصلت الى عقد مؤتمر قبل ايام مؤدية الى ضجة اعلامية، مستغلين الوضع الحالي في العراق. وفي الوقت الذي تؤدي هذه الاعمال الى استفزاز الجميع مسلمين ومسيحيين في اقليم كردستان، فانها تؤدي ايضاً الى تشويه حالة الانسجام والتعايش المشترك وتتسبب في اشاعة الفوضى في المجتمع، واستغلالها من قبل المتشددين المتربصين بالعراق الجديد في توجهاتهم المعادية للسلم والاستقرار .

لذا فاننا في (الحركة الديمقراطية الآشورية) و(الاتحاد الاسلامي الكردستاني)، ومن منطلق حرصنا ومسؤولياتنا امام جماهيرنا نعلن قلقنا من هذه التصرفات، وندعو كافة الاطراف ذات العلاقة لسد الطريق امام هذه الاعمال والقيام بدور ايجابي ومسؤول من اجل الحفاظ على وحدة الصف في كردستان والتعايش بين مكوناته .

منظمات حقوق الانسان والنشاط الانجيلي في كردستان العراق

  ومن جانب آخر فقد نشطت منظات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسن في العراق وأشارت الى أن نصوص الدستور العراقيوفسحة الحرية بعد عام 2003م أي بعد احتلال أمريكا للعراق، غيركافية لحماية الأقليات، حيث أكد بعض أتباع الكنيسة الإنجيلية تعرضهم الى اضطهاد مجتمعي بسبب الأعراف والتقاليد وصل إلى حد التهديد بالقتل، في حين أشار آخرون إلى تفهم البعض وتقبلهم لفكرة اعتناق الفرد دينا آخر.

ضمن الدستور العراقي الحقوق والحريات، ومنها حرية الدين والمعتقد. كما نصت العديد من مواده على إن العراق بلد متعدد القوميات، والأديان، والمذاهب، وضمنت تلك المواد كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد، في حرية العقيدة والممارسة الدينية، وان تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري، والسياسي، والديني. فالمادة 42 من الدستور تنص [[لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة]]، أما المادة 43 فأكدت ان [[أتباع كل دينٍ او مذهبٍ أحرار في ممارسة الشعائر الدينية، وان تكفل الدولة حرية العبادة وحماية أماكنها]].

  ورغم تأكيد البعض إن عراق ما بعد 2003م شهد العديد من الخطوات نحو تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، والحريات، وصيانتها، ومراقبة الانتهاكات، التي تحدث والحد منها، إلا ان منظمات دولية ومحلية أشارت إلى حدوث خروقات لحقوق الإنسان، الى الحد الذي دفع بعض تلك المنظمات الى ادراج العراق ضمن أكثر الدول التي تفرض قيودا على الأديان، وتأكيدها تعرض معتنقي بعض الديانات الى مضايقات مستمرة ومن جهات مختلفة.

ونشطت الحركة الإنجيلية في إقليم كردستان في تسعينيات القرن العشرين بعد انفصال الإقليم عن ادارة النظام السابق، وحدوث تطورات كثيرة بعد 2003م منها الاستقرار الامني النسبي، ووجود فسحة من الحريات. ويشير البعض الى ان عددا من اتباع الكنيسة الانجيلية تخلو عن ديانتهم الأصلية، وبينهم مسلمون، تحولوا الى المسيحية سراً في السابق، لكن فسحة الحرية هذه شجعتهم على عدم الخوف، والبوح بانتمائهم الديني، مما ساعد على ازدياد اتباع الكنيسة الانجيلية وعدد كنائس هذه الطائفة في الاقليم.

لكن البعض يؤكد ان حرية الدين والمعتقد التي ضمنها الدستور غير كافية لوقف الاضطهاد والحد من الانتهاكات والضغوط التي يتعرض لها اتباع الكنيسية الإنجيلية من قبل المجتمع والعشيرة والعائلة ورجال الدين، لعدم تقبلهم فكرة تخلي المسلم عن دينه، وإدانته بالارتداد. واختلفت مستويات الانتهاك والاضطهاد ابتداء من نبذ المجتمع لهم، وارغام التقاليد السائدة الكثيرين منهم على اخفاء انتمائهم الديني، الى التهديد بالقتل.

وكان مراسل إذاعة الحرة في دهوك الاستاذ (عبد الخالق سلطان)ألتقى عدداً من اتباع الكنيسة الإنجيلية الذين اجمعوا على تعرض أتباع كنيستهم لهذه الضغوطات، واشار (شامل بيده ي المزوري)إلى أن العائلة والمجتمع نبذته وتصفه بالمرتد.

أما عبد القادر بامرني الموظف في مديرية كهرباء دهوك، فقال إن من بين المشاكل التي تواجه اتباع الكنيسة نفور العائلة منهم ونبذها لهم، وان العشيرة أجبرت البعض على طلاق زوجته، وهجر العائلة الى حد التهديد بقتلهم. وأكد ان هناك العديد ممن اعتنقوا المسيحية سرا خوفا على حياتهم.
ويرى القس كريم كوريال (أحد أتباع كنيسة المشرق الآشورية سابقاً) وراعي كنيسة العهد الجديد، وأحد مؤسسي الكنيسة الانجيلية في محافظة دهوك، أن الحكومة منحتهم مطلق الحرية، لكن الضغوط التي يتعرضون لها هي من قبل المجتمع، القسكوريال أكد ان اتباع الكنيسة الانجيلية كثر، وهناك رغبة لدى آخرين في الانتماء لها، لكن الخوف من البوح بالانتماء الديني يمنع العديد من الحضور إلى الكنيسة.
في حين يرى القس (بهزاد إبراهيم مصطفى المزوري) راعي كنيسة كوردزمان الإنجيلية، وهو رئيس رابطة الكنائس الأنجيلية في دهوك، ان هناك تفهما لدى البعض وتقبلا لفكرة اعتناق الفرد دينا آخر، معتبرين كل الأديان سماوية وصاحبة رسالة، إضافة إلى اختلاف العرف الاجتماعي والديني والعشائري بين منطقة واخرى، الامر الذي يؤثر على مدى تقبل العائلة وتعاملها مع أي شخص يتحول عن دينه الأصلي.
السيد عبد المجيد لم يقتنع بفكرة اعتناق البعض ديانة أخرى، ووصفهم بعدم الوفاء، والاستعداد لتغيير دينهم الجديد ان سنحت لهم الفرصة، ويضيف انه اضطر الى انهاء علاقة الصداقة التي كانت تربطه مع احد الاشخاص لانه تحول عن دينه ودين آبائه.
ورغم تشديد الأمم المتحدة، والعديد من المنظمات الدولية على مبدأ الحرية الدينية، تشير تقارير ودراسات تقدمها منظمات وجماعات مهتمة بحقوق الانسان الى تعرض الأقليات الدينية الى الإضطهاد، وانتشار ظاهرة العنف الطائفي، والضغوط الأخرى التي تمارس على الأفراد والجماعات الدينية في العديد من البلدان.


وفي دراسة عن الدين والحياة العامة قدمها المنتدى التابع لمركز(PEW) الأميركي للأبحاث في كانون الأول 2009م بعنوان “القيود العالمية المفروضة على الدين” أظهرت أن (64) دولة، أي قرابة ثلث بلدان العالم تضع قيوداً عالية، أو عالية جدا على الدين، وان ما يقرب من (70%) من سكان العالم، أو ما يزيد على 6 مليارات شخص يعيشون في بلدان تفرض قيودا كبيرة على أساس الدين، غالباً ما تقع على الأقليات الدينية.


ووجدت الدراسة ان أعلى المستويات العامة للقيود سجلت في بلدان مثل المملكة العربية السعودية، وباكستان، وإيران، حيث تفرض الحكومات والمجتمع قيودا على العديد من المعتقدات والممارسات الدينية، فيما تربع العراق على رأس قائمة البلدان التي تمارس مستويات وصفت بـ “عالية جداً” من الجهة المجتمعية التي أخذت بالتصاعد من قياس (8.7) في عام 2001 الى (10) في عام 2007، في وقت انخفضت نسبة فرض القيود من الجهة الحكومية من (7.8) الى (6.7) للفترة نفسها.

وقد ظهرت دراسات عديدة في الآونة الاخيرة تشير الى أن الانجيليون ينتشرون بسرعة في أعقاب أي غزو أو احتلال أو تدخل أمريكي في أي منطقة من مناطق العالم، فعلى سبيل المثال نشطت المنظمات الانجيلية بشتى فروعها وانتماءاتها في البرازيل لمحاولة نشر نفوذها .

وكانت البرازيل التي تُعتبر خزان الكنيسة الكاثوليكية في العالم – إلى جانب المكسيك – تشهد انتشاراً واسعاً لنشاط الكنيسة الإنجيلية البروتستانتية المتشددة منذ أواخر القرن العشرين، مدعوماً بسخاء من نظيرتها الأميركية… الناشطة هي أيضا في كل أنحاء أميركا اللاتينية. واليوم يُقارب عدد الأتباع البروتستانت في البرازيل ما يعادل 28 في المائة من مجموع السكان بعد أن كانت هذه النسبة دون الـ10 في المائة في العقد الأخير من القرن العشرين.
وتملك الطائفة الإنجيلية في البرازيل حالياً أكثر من 14 ألف كنيسة موزّعة على كل الولايات البرازيلية، ويرأسها الأسقف أدير ماسيدو، الذي يدير ثروة تقدّر بنصف مليار دولار ويملك ثاني أهم محطة للتلفزيون في البرازيل. وهذه المحطة كرّست معظم أنشطتها لتغطية حملة بولسونارو.
كذلك يرأس بلدية ساو باولو (كبرى مدن البرازيل) حاليّا أسقف إنجيلي سابق(أسيدو) فاز بنسبة 60 في المائة في الجولة الأولى على منافسه اليساري (فرناندو حداد) المرشح الحالي عن حزب العمّال لرئاسة الجمهورية، ولقد بنت الكنيسة الإنجيلية في المدينة أخيراً معبدا مستوحى من هيكل سليمان، يتسع لعشرة آلاف شخص ادّعى أسيدو أنه جاء بحجارته من القدس.

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً