الٲخبار

أصل الكرد وأسلافهم التاريخيين

تعتبر المناطق المرتفعة الشمالية والشرقية لبلاد ما بين النهرين ( كردستان الموطن الحقيقي للكرد)، وتقع أرض الكرد هذه في منطقة تتميز بطابعها الجبلي اشتهرت مقاطعاتها في التاريخ القديم بأسماء عديدة: سوبير، سوبارتو، كوتيوم، زاموا، عالياتم، كوهستان، بلاد الجبال. لكنها عرفت باسم كردستان منذ القرن الثاني عشر الميلادي ودونت بهذا الاسم في كتاب (نزهة القلوب) للبلداني الإيراني حمد لله المستوفى القزويني(1281 – 1349م) وكانت تتألف حسب قوله من 16 ولاية ومركزها قلعة بهار شمال همدان المدينة الحالية في كردستان إيران وكانت تتاخم ولايات العراق العربي وخوزستان والعراق الفارسي وأذربيجان ودياربكر( المنطقة الكردية – بلاد كوردويني- التي لم تدخل ضمن ادارة كردستان في العصر السلجوقي). وشاع باسم كردستان في وقت متأخر عندما اخذ الرحالة العثماني أوليا جلبي(1611 –  1682م) في كتابه ( سياحتنامه – الجزء الرابع) بتوسيع مفهوم كردستان بعد تجواله خلال القرن السابع عشر في جميع أنحائها، وقال: إن ولايات أرضروم، ووان، وحكاري، ودياربكر، والجزيرة (= جزيرة بوتان)، والعمادية، والموصل، وشهرزور، وأردلان تؤلف بمجموعها كردستان التي يستغرق قطعها 17 يوماً. ولعل كانت أقوال هذا الرحالة النشط في زمن قد تغير خلاله مفهوم كردستان من مجرد مدلول سياسي اداري الى مفهوم قومي، لذا نرى على هذا الاساس يستعمل الناس هذا الاسم حتى خارج هذه المناطق وبعيداً عن موطن الكرد الاساسي، ويطلق على المناطق التي تسكنها مجموعات كردية في خراسان – شرق إيران أيضاً وبالاخص مناطق قوجان، شيروان، سبزوار، بيرجند، بوجنورد) ومناطق حوالي مدينة مشهد (= طوس القديمة)، وكانت جميع هذه المناطق في إيران وأفغانستان وأواسط آسيا تعرف في عهد السلطان نادر شاه(1736 – 1747م).

ومن جهته فإن الشعوب لم تظهر فجأة على الأرض وهي تمتلك كل مقاومتها مثلما لم يظهر الأنسان وهو يتمتع بالقوة التقنية المعقدة ومسيطراً على موارد وقوانين الطبيعة مباشرة، وانما ظهر هذا الانسان وهو يعيش بمفرده ثم انضم فيها بعد ضمن منظمة قبلية كأول شكل للمجتمع الذي جاء في أعقاب القطيع البدائي تجمعهم صلة القربى من ناحية الأم ويلتفون حول بعضهم بواسطة العمل الجماعي والدفاع المشترك عن المصالح العامة.

لقد رافقت تطورات البشر في البداية تحولات عميقة عن أشكال اجتماع الناس الى أن ظهرت الأقوام ، ونشوء هذه الأقوام لم يكن نتيجة للزيادة البسيطة لعدد نفوس القبائل بل كان لظهور مجتمع جديد بنوعيته وهو ليس تكوين حكومي أو إقتصادي وانما هو اجتماعية بين الناس تكونت تاريخيا واتحدت بواسطة التسمية العامة والارض والثقافة واللغة والتكوين النفسي والعادات والتقاليد المعينة وغيرها.

ففي كردستان، ومع بداية العصور التاريخية، ظهرت أسماء تعبر عن أقوام واتحادات قبلية لعبت دوراً أساسياً وحضارياً في مناطق تواجدها أو خارجها، وصلتنا الاخبار عن طريق المدونات السومرية والاكدية والآشورية والاورارتية.

وتجدر الاشارة الى أن من الحقائق الخاصة في تاريخ منطقة كردستان القديمة، هو أن أقدم الاقوام التي ذكرتها النصوص المسمارية على أنهم مستوطني المنطقة المذكورة يرجعون في الاصل الى المنطقة الواقعة غرب وجنوب غرب بحيرة  وان )، وهذه الحقيقة تكون قد حددت لنا بشكل لالبس فيه الموطن الاصلي للأقوام التي سكنت منطقة كردستان ومنهم الكرد . وهذا الموطن كما تشير المعلومات كان يحتوي على منطقتين رئيسيتين، منطقة (( سو)) والثانية هي منطقة (( كردا )) ، وقد تأكدت لنا صحة هذه المعلومات من خلال الكتابات المسمارية التي خلفها لنا الملك ” شوسين ” (٢٠٣٦ – ٢٠٢٨ ق . م) رابع ملوك سلالة اور الثالثة (۲۱۱۱ – ۲۰۰۳ ق . م)، حيث ورد ضمنها النص المسماري التالي:

“إيرننا حاكم سكان منطقة سو وأراضي منطقة كردا”.

والـ KA الاخيرة هي اداة الاضافة السومرية، لان كلمة مادا MA – DA التي تعني (( بلاد- اراضي )) مضافة الى مدينة كردا . والباحث المسماري الفرنسي ” تورو – دانجن THUREAU  ” الذي أورد هذا النص المسماري لاول مرة ونشره في REVUED –  قد وقع في خطأ  بسيط، حيث اعتبر أداة الاضافة (KA) من صلب اسم مدينة DA/KAR، ولذلك قرأ اسم المدينة على هيئة KAR.DAKA

وهذا الخطأ الذي وقع فيه ” تورو دانجن” قد اقتبسه من دون تغيير المستشرق الروسي ” فلاديمير مينورسكي”(1877 – 1966م) وغيره، ومن الادلة الاخرى على أن أن رسم المنطقة الصحيح هو KAR.DA، وهي القراءة التي تقدم بها الباحث المسماري “ايدزرد  EDZARD ” حيث قرأ نفس الاسم في نص آخر على هيئة GAR.TA) ) علما ان العلامة المسمارية الخاصة بالمقطع GAR تقرأ كذلك KAR والعلامة الخاصة بالمقطع TA تقرأ كذلك DA  فالاسم GAR.TA إذن يمكننا ان نقرأه KAR.DA من دون ان نكون قد حرفنا في حقيقة هذا الاسم، وعلاوة على ذلك فان موقع منطقة GAR.TA هو نفس موقع منطقة KAR.DA .

مما تقدم يبدو الآن واضحاً ان أصل الاقوام التي سكنت منطقة كردستان عبر التاريخ القديم يتمثل في المنطقتين (سو ) و(كردا)، مثلما أن شبه الجزيرة العربية تعتبر الموطن الاصل للأقوام الاكدية والبابلية والاشورية والامورية والكنعانية والعربية وغيرهم من اقوام الجزيرة العربية، وفيما يلي نستعرض الأقوام التي سكنت منطقة كردستان وفقاً لتسلسلها الزمني ومهتدين في ذلك على الاشارات التي وردت في النصوص المسمارية .

  • السوئيين- الآسويين

من خلال الاشارات التاريخية المتوفرة يبدو أن السوئيين، أي سكان منطقة (سو) التي مر ذكرها يمثلون أقدم السكان في منطقة كردستان، والدليل الذي يؤكد هذه الحقيقة هو اسم المنطقة (سوبار SUBAR)، الذي ورد لأول مرة في كتابات الملك ” إيناتم ” حوالي 2470 – 2430ق.م وهو ثالث ملوك سلالة لكش الاولى حوالي 2520 – 2355ق.م، حيث أن هذا الاسم مركب بالتأكيد من ( سو – SU) أي اسم القوم الساكن في منطقة (سو) الواقعة جنوب غرب بحيرة وان، ومن الكلمة ( بار – BAR) التي تعني في اللغة السومرية (خارج)، ومنها الكلمة العربية العامية (بره) والتي تعني (الخارج) أيضاً؛ وبذلك يكون معنى الاسم “سوبار” “السوئيون الذين يعيشون خارج (الحدود)”.

  • السوباريين

والتسمية “سوبار” قد ظهرت في النصوص المسمارية أيضاً على شكل (سوبارتو)، لأن (تو) كانت تضاف من قبل السومريين كنهاية الى كلمات الجهات الجغرافية مثل: أورارتو، مارتو وسوبارتو.

وفيما يخص حدود منطقة سوبارتو، فلا يمكننا أن نضع لها حدود بشكل أكيد، ولكنها في كل الاحوال كانت محصورة بين جبال زاكروس من جهة الشرق ونهر الخابور من جهة الغرب (أحد روافد نهر الفرات في شمال سوريا)، ولذلك كانت التسمية سوبارتو تطلق على المنطقة الاشورية، وخير شاهد على ذلك ما ذكره الثائر على السيادة الاشورية في بابل، “مردوك بلادان” (۷۲۱ – ۷۱۰ق . م) ، حيث وصف خصمه الملك الاشوري سرجون الثاني(722 – 705ق.م) بأنه ملك بلاد سوبارتو.

هذا وان النصوص المسمارية قد اكدت على أن منطقة سوبارتو قد تعرضت خلال الالف الثالث قبل الميلاد الى احتلالين، الأول كان زمن الملك إيناتم حاكم لكش، والثاني زمن الملك سرجون الاكدي (٢٣٤٠ – ٢٢٨٤ق . م ). وفيما يخص هجماتهم على العراق، فيبدو أنهم قد اتحدوا في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد مع العيلاميين من اجل اسقاط مدينة اور، وقد تأكدت لنا هذه الحقيقة من خلال الرثاء المعروف باسم (( رثاء مدينة اور ))، حيث ذكر كاتبه الاشارة التالية:

“السوئيون والعيلاميون، الاعداء        ( الى مدينة أور) قد وصلوا”

ان هذه الاشارة الخاصة باحتلال السوئيين والعيلاميين لمدينة أور في أواخر الالف الثالث قبل الميلاد، أي في أواخر حكم سلالة أور الثالثة، تؤكد على أنهم ما كانوا مكتفين بمنطقة سوبارتو التي شغلوها بل كانوا يتطلعون الى احتلال المناطق التي شغلتها الدويلات السومرية والاكدية، ولكن قوة الدويلات المذكورة هي التي منعتهم من تحقيق ما كانوا يتطلعون إليه، فعندما توفرت الفرصة لهم للهجوم على مدينة أور لم يترددوا في ذلك اطلاقاً، وعدم اكتفاء السوئيين بالمناطق التي شغلوها يعود الى انها كانت مناطق ذات موارد غذائية محدودة لا تساعد على الاطلاق على بناء دولة تنافس الدول السومرية والاكدية والبابلية وفي ختام حديثنا عن السوئيين يجدر بنا ان نشير الى ان منطقة سوبارتو قد وردت في النصوص المسمارية المختلفة بالصيغ التالية : سوبارتو ، سوبار ، سوبير، وشوبور، ولذلك ليس هناك اي فرق بين تسميتي سو، وسوبار ، حيث تدل كلتاهما على القوم الذي سكن منطقة سوبارتو.

 

  • الحوريون

يرجح أن يكون مهد الحوريين الأصلي في المنطقة الجبلية التي تكون نصف دائرة تمتد من جبال طوروس بالقرب من كركميش (جرابلس) الآن إلى بحيرة وان تقريباً، ويحتمل أنهم امتدوا جنوباً حتى نهر الزاب الأعلى حيث كان يجاورهم “اللولوبيون” من الشرق (في منطقة شهرزور)، وقد ظهروا في التاريخ منذ متصف الألف الثالث ق.م واتصل بهم ملوك الدولة الآكدية، حيث كانت لهم دويلة في أعالي وادي دجلة والفرات ولكن لم يبرز لهم شأن سياسي مهم ! م إلا في القرن الخامس عشر ق . م .

وقبل أن يقف الباحثون على ذكرهم في إحدى رسائل “العمارنة الشهيرة” (القرن الرابع عشر ق . م) اقتصر ذكرهم على ما جاء في التوراة (سفر التكوين، الإصحاح 20:36 -30 ):

 

20 – هؤُلاَءِ بَنُو سَعِيرَ الْحُورِيِّ سُكَّانُ الأَرْضِ: لُوطَانُ وَشُوبَالُ وَصِبْعُونُ وَعَنَى
21– وَدِيشُونُ وَإِيصَرُ وَدِيشَانُ. هؤُلاَءِ أُمَرَاءُ الْحُورِيِّينَ بَنُو سَعِيرَ فِي أَرْضِ أَدُومَ.
22– وَكَانَ ابْنَا لُوطَانَ: حُورِيَ وَهَيْمَامَ. وَكَانَتْ تِمْنَاعُ أُخْتَ لُوطَانَ.
23– وَهؤُلاَءِ بَنُو شُوبَالَ: عَلْوَانُ وَمَنَاحَةُ وَعَيْبَالُ وَشَفْوٌ وَأُونَامُ.
24– وَهذَانِ ابْنَا صِبْعُونَ: أَيَّةُ وَعَنَى. هذَا هُوَ عَنَى الَّذِي وَجَدَ الْحَمَائِمَ فِي الْبَرِّيَّةِ إِذْ كَانَ يَرْعَى حَمِيرَ صِبْعُونَ أَبِيهِ.
25 – وَهذَا ابْنُ عَنَى: دِيشُونُ. وَأُهُولِيبَامَةُ هِيَ بِنْتُ عَنَى.
26– وَهؤُلاَءِ بَنُو دِيشَانَ: حَمْدَانُ وَأَشْبَانُ وَيِثْرَانُ وَكَرَانُ.
27– هؤُلاَءِ بَنُو إِيصَرَ: بِلْهَانُ وَزَعْوَانُ وَعَقَانُ.
28– هذَانِ ابْنَا دِيشَانَ: عُوصٌ وَأَرَانُ.
29– هؤُلاَءِ أُمَرَاءُ الْحُورِيِّينَ: أَمِيرُ لُوطَانَ وَأَمِيرُ شُوبَالَ وَأَمِيرُ صِبْعُونَ وَأَمِيرُ عَنَى
30– َأَمِيرُ دِيشُونَ وَأَمِيرُ إِيصَرَ وَأَمِيرُ دِيشَانَ. هؤُلاَءِ أُمَرَاءُ الْحُورِيِّينَ بِأُمَرَائِهِمْ فِي أَرْضِ سَعِيرَ.

ثم كثرت عنهم الإشارات التأريخية في نصوص حضارة وادي الرافدين منذ العهد الآكدي (2370 – 2160ق.م)، ومن ذلك أسماء أعلام حورية وردت في الألواح الإدارية والاقتصادية من زمن سلالة  أور الثالثة (2112 – 2004ق.م).

ويبدو من لغتهم أي اللغة السوبارية أو الحورية – الخورية التي دونت بالخط المسماري أنهم لم يكونوا من الناحية اللغوية من الساميين ولا من الاقوام ” الهندو – الاوربية”، فلم يستطع الباحثون أن يرجعوهم الى أحد الاقوام التاريخية المعروفة سوى اطلاق المصطلح الغامض ” آسويين” ( Asianic) عليهم.

وتجدر الاشارة الى أن اللغة الاورارتية ( أي لغة أرميينية القديمة) أقرب اللغات المعروفة الى لغتهم. وعبدوا إلهاً قومياً اسمه “تيشوب” (Teshup) وهو من آلهة الجو والرعود مثل الإلهين “أنليل” و”أدد” في حضارة وادي الرافدين، كما عبدوا الآلهة “خيفا” أو “حيفا”  (Khepa) وجعلوها زوج الإله تشوب السالف الذكر وطويق إلههم هذا بإله مملكة “اشنونا” المسمى “تشباك” (Tishpak).طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ص78 – 79.

وقد انتشر الحوريون في الربع الأول من الألف الثاني ق . م إلى عدة جهات من الهلال الخصيب ففي سورية الشمالية كونوا في حدود 1800 ق.م أكثرية السكان في منطقة المدينة القديمة المسماة “ألالاخ” (تل العطشانة ما بین حلب وإنطاكية ) . وبعد فترة تقدر بنحو قرن واحد نجد الحوريين في شمالي العراق( كردستان)، ومركزهم في المدينة القديمة “نوزى” (يورغان تبه على مسافة 10 كم غرب كركوك) وقد بدلوا اسم المدينة القديم كاسر (Gasur) إلى “نوزى” أو “نوزو”، ووجدت آثارهم أيضاً في مواضع أخرى مثل “تبه كورا” و”تل بلا” (بالقرب من الموصل). وظهر في القرن السادس عشر ق . م نوع جديد من الفخار يمتاز بجماله ودقة صنعه أطلق عليه اسم الفخار الحوري.

وفي حدود القرن الخامس عشر ق . م ظهرت في شمالي ما بين النهرين مملكة كان أغلب سكانها من الحوريين ولكن الطبقات الحاكمة فيها كانت من الأرستقراطيين الآريين، وكان مركزها في وادي نهري الخابور والبليخ ( كردستان سوريا). وقد سماها الآشوريون «خانیگلبات (Khanigalbat) وأطلق عليها اسم “نهارين” أو نهارينا، كما عرفت أيضاً في النصوص المعاصرة باسم مملكة (ميتاني).

ومع أن أثر هؤلاء الحوريين في حضارة وادي الرافدين لم يكن على مقياس كبير ولكن أثرهم في بلاد الشام كان أكبر، وعند الكلام على تأريخ العصر الآشوري الوسيط فإن دولتهم الميتانية ستصطدم بالآشوريين، حتى أن أحد ملوكهم المسمى (سوشتار) غزا بلاد آشور في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، ولكن الملك الآشوري “آآشورأوبالط” (1362 – 1337ق.م) قضى على دولتهم.

 

4-اللولوبيون

ليس لدينا اي دليل تاريخي يؤكد على ان اللولوبين قد جاءوا الى منطقة كردستان في زمن معين قبل السوئيين (= السويين) أو بعدهم، ويبدوا أن المجموعتين كانتا متعاصرين وتمثلان مجموعة واحدة انقسمت فيها بعد الى قسمين، الاول سكن المناطق الشمالية لبلاد مابين النهرين وكانت تسمى سوبارتو . والقسم الثاني سكن بشكل عام في سهول زهاو وشهرزور وخاصة في المناطق المحيطة بالسليمانية التي اشتهرت في العصر الاشوري ببلاد زاموا او مازاموا .

وعلى رأي البعض فان مناطق سكناهم كانت أوسع مما ذكر فشملت المناطق الواقعة بين نهر سيروان وحتى بحيرة اورمية، وكانت بلادهم تتوسع وتتقلص بتأثير الحملات الاكدية والاشورية وكذلك الاورارتية . وقد حدد الملك سرجون الاكدي في كتاباته بلاد اللولوبيين بالاراضي الواقعة بين منطقتي: “اورونا” (صينيو؟) وبالنظر لعدم معرفتنا مواقع المنطقتين المذكورتين فاننا نجهل بشكل اكيد حدود المنطقة التي سيطر عليها اللولوبيونض، ولكننا متأكدون بأن منطقة السليمانية كانت تمثل قلب المنطقة التي سكنها القوم المذكور، وكانت في الوقت نفسه تمثل عاصمة مملكة عرفت باسم خمازي خلال الالف الثالث قبل الميلاد، ولذلك يمكننا القول بأن اللولوبيين هم الذين أنشأوا المملكة المذكورة.

ومن خلال احدى الرسائل المدونة بالخط المسماري المكتشفة في موقع “ايبلا” ( تل مارديخ ۷۰ كم جنوب حلب) تعرفنا على وجود علاقات دبلوماسية بين مملكتي ايبلا وخمازي، ومضمون الرسالة عكس لنا رغبة ملك مملكة ايبلا المدعو ( اركب – دمو) في أن يحصل من مملكة خمازي على جنود أقوياء مدربين، ولكنه لم يبين لنا السبب الذي إحتاج من اجله الجنود الأقوياء والمدربين، ومقابل ذلك بعث بعشر قطع من الاثاث الخشبية مع حليتين بيد سفير مملكة خمازي الى ملكها المدعو (زيزي) ومضمون هذه الرسالة ولاشك يوحي على أن مملكتي ايبلا وخمازي كانتا في منتصف الالف الثالث قبل الميلاد مستقلتين ولكل منها الحرية في اتخاذ الخطوات التي تتناسب ومصلحتيها، حيث لا يوجد في مضمون الرسالة ما يوحي إلى تبيعيتها لاية سلطة سياسية اخرى . ولكن مايثير التساؤل كثيراً، هو السبب الذي دعى هاتين المملكتين الى التحالف بالرغم من بعد المسافة بينهما، والتي تقدر بحوالي ١٠٠٠ كم ، علاوة على علمنا بأن الدول قديماً وحديثاً لا تتحالف فيما بينها الا لصد خطر مشترك يهدد كيان تلك الدولة المتحالفة … والمعلومات التاريخية المتوفرة تؤكد على ان مملكة كیش كانت تعمل في بعض الاحيان على ابراز قوتها اتجاه الممالك المجاورة لها . ومما يؤيد ذلك هو احد النصوص المسمارية المكتشفة في مدينة كيش ، حيث ذكر لنا معركة دارت رحاها ما بين كيش وخمازي (١) ونص اخر من بين النصوص المكتشفة في ايبلا قد اشار الى ان ملك كيش المدعو ( ميسالم) كان ينوي السيطرة على ايبلا،  وبناء على ذلك فقد أصبح أمر التحالف بين مملكتي ايبلا وخمازي واضحاً، حيث لابد وانه من أجل منع سلالة كيش من فرض سيطرتها عليهما .

ومن خلال الجداول المسمارية المعروفة باسم جداول اثبات الملوك، يبدو ان كيش قد تمكنت فعلاً من فرض سيطرتها على خمازي، بحيث ان خمازي لم تنل استقلالها الا بعد سقوط كيش وانتقال زعامة القسم الجنوبي من العراق الى يد سلالة الوركاء، ولكن الاحتمال كبير جداً في ان سقوط كيش كان على اثر هجوم خاطف قام به اللولوبيون، وهذا ما يبدو من جداول اثبات الملوك، ولكن المخلفات الاثرية تتحدث عن شيء من هذا القبيل .

وبعد ان ثبتت سلالة الوركاء اقدامها توجهت الى خمازي واعادتها إلى سيطرتها،

وفيما يلي قراءة النص الخاص بهذه الحقائق من جداول اثبات الملوك  KISI KI GIS TUKUL BA.AN.SIG

کیش ، ضربت بالسلاح ملوكيتها،

الى خمازي(= منطقة السليمانية) قد انتقلت،

في خمازي، ختانيش،

إنه الملك (أي صار ملكاً)،

وحكم 360 سنة.

خمازي، ضربت بالسلاح،

وملوكيتها الى الوركاء قد انتقلت.

هذا وان مملكة خمازي لم تنل استقلالها ثانية، إلا بعد ظهور الملك سرجون الاكدي (2334 – 2284ق.م) وفرض سيطرته على دويلات المدن السومرية وقيامه بتوحيد البلاد، حيث فسح انشغاله بتوحيد البلاد المجال امام مملكة خمازي لنيل استقلالها، وفي زمن حفيده، اي في زمن الملك ” نرام سين” (٢٢٦٠ – ٢٢٢٣ق . م)، اتحد اللولوبيون زمن حاكمهم (ساتوني  SATUNI ) مع بلاد سيدورى ضد الملك الاكدي نرام سين، مما دفع ذلك الملك المذكور إلى شن حملة ناجحة ضد هذا الاتحاد، وخلد انتصاره عليهم في منحوتة جبلية عند دربندي كاور( جنوب غرب دربنديخان). ويبدو ان اللولوبيين قد تحرروا من بعد موت الملك نرام سين، لأن خليفته المدعو “شاركلي شری”( ۲۲۲۳- ۲۱۹۸ق. م)، قد قام بشن حملة اخرى على بلاد اللولويين.

لقد توسعت رقعة موطن اللولوبين نحو الجنوب الشرقي الى منطقة هالمان ( زهاو الحالية ) وهذا ما تؤكده اللوحة التي اقامها ملكهم (انوبانيني) في تلك الجهات، ورغم الصيغة السومرية – الاكدية لاسم الملك لكن من المحتمل ان له علاقة مع اسم الاله العيلامي (هانوباني هومبان). وليس من البعيد ان انوبانيني قد استغل غزو الكوتيين لبلاد (سومر وأكد)  في استعادتهم للسيطرة على هذه المناطق .

لا نسمع عن اللولوبين بعد حملة (نرام سين) الا نادراً . وفي العصر الاشوري، وبالاخص في زمن الملك اشور ناصر بال الثاني(883 – 855ق.م)، أي بعد ما يقارب من الفي عام نسمع عن هؤلاء وقد ارتبط اسمهم ببلاد (زاموا ) التي دخلت مراراً ضمن الامبراطورية الاشورية، ويحتمل ان بعض من زعماء اللولوبين لعبوا دوراً سياسياً هاماً في ظهور الدولة الاشورية وكان بعض الملوك في هذه الدولة خلال القرن الثاني عشر قبل الميلاد من اصل لولوبي كما يرى ذلك رئيس قسم الدراسات الشرقية في جامعة بنسلفانيا، و المدير السابق للمدرسة الأمريكية للدراسات الشرقية في بغداد أفرايم سبايز (1902 – 1965م)، الذي جاء الى العراق لدراسة حضارة ميتاني والحوريين في شمالي اللعراق (= كردستان العراق)، ففي عام 1927م اكتشف مستوطنة تبة غاورا ( التل الكبير) في شمال العراق، حيث أشرف على الحفريات في ثلاثينات القرن العشرين، كما قام بترجمة النصوص القانونية الحورية التي عثر عليها خلال فترة وجوده في العراق.

وفيها يخص نوعية حياة اللولوبين الاقتصادية خلال الالف الثالث قبل الميلاد فان النصوص الاقتصادية التي جاءتنا من مدينة كاسور ( تحول الاسم فيما بعد الى نوزي ) قد بينت لنا على انهم كانوا يعيشون على تربية الحيوانات والمتاجرة بها، اي انهم كانوا مهتمين بالحياة الرعوية أكثر من اهتمامهم بالحياة الزراعية، لان التجار أنذاك كانوا يعتبرون منطقة اللولوبيين خير سوق لبيع الحبوب  .

وعندما فرض الكوتيون سيطرتهم على معظم الدويلات العراقية القديمة تحرر اللولوبيون من السيطرة الاكدية، ولكننا مع ذلك لم نعد تسمع شيئاً واضحاً عن مملكتهم، أي عن مملكة خمازي. وهذا ما يشير الى ان الملكين الاكديين، نرام سين وشار كلي شرى قد أزالا الى حد ما اركان مملكتهم، ومضافاً اليها مجي الكوتيين، الذي ضيق المساحة التي كان يشغلها اللولوبيون، ولذلك بدأ اللولوبيون منذ أواخر الفترة الاكدية يعيشون على شكل جماعات متفرقة، تحولت بمرور الزمن الى عدة عشائر، بحيث كان لكل عشيرة الهها وحاكمها الخاص بها.

وبعد زوال الحكم الكوتي، عادت الجماعات اللولوبية لتقع تحت سيادة الدول التي ظهرت من بعد الحكم، فنصوص سلالة لكش الثانية (٢١٦٤ – ٢١٠٩ق . م) قد اشارت الى ان الحاكم “نمخاني” (۲۱۱۳ – ۲۱۰۹ ق . م) قد عين ابنه ( لو – ننا ) حاكماً  على خمازي.

وكتابات سلالة اور الثالثة (۲۱۱۱ – ۲۰۰۳ق . م)، وبالاخص كتابات الملك “شوسين” (٢٠٣٦ – ٢٠٢٨ق . م) ، رابع ملوك السلالة المذكور قد اشارت الى انه قد عين مستشاره المدعو ( ايرننا ) حاكماً على اربيل واميراً على خمازي وعلى سكان مدينة (سو) وعلى اراضي مدينة ( كردا) .

وكتابات الملك شوسين (1972 – 1964ق.م) رابع ملوك سلالة أور الثالثة، قد قدمت لنا معلومات هامة جداً عن علاقة اللغة التي تكلم بها السوئيون ( = السوبارتيون ) واللولوبيون ، حيث ذكر لنا أحد نصوص الملك المذكور ان لغة السوئيين واللولوبيين كانت متشابهة، وفيما يلي ترجمة الجزء الخاص بهذه الحقيقة من النص المسماري.

(( في ذلك الوقت” تكلم سكان” بلاد شوبر ومنطقة خمازي لغة متشابهة)).

لان الكلمة السومرية (خامون HA-MUN) يقابلها بالاكدية (مينخر تو) وهذه كلمة تعني (ملتقي ، منسجم) أى متشابه)، هذا وان ذكر اللولوبين قد وصل الى مصر كذلك ، حيث ورد على لسان السلالتين ۱۸ و ۱۹، كما ان سادس فراعنة الاسرة الثامنة عشر “تحوتمس الثالث”(1481 –  1425ق.م) قد تطرق الى ذكرهم من خلال حديثه عن الخوريين والميتانيين في شمال سوريا،  بالاضافة الى ذلك فقد استمر ذكرهم في المصادر المسمارية الى ما قبل سقوط العاصمة الاشورية نينوى عام ٦١٢ق،م حيث ان كتابات الملك الاشوري “تجلات بليزر الثالث”( ٧٤٥ – ٧٢٧ق.م) ؛ قد جاء فيها ذكر اللولوبيين.

اما الاشارات التي اكدت لنا على أن اللولوبيين قد انقسموا الى مجموعات عديدة بعد زوال الحكم الكوتي، فمنها الاشارة المذكورة في احدى الرسائل التي كانت موجهة الى ملك الخوريين (كواري  KUWARI ) في شوشرا (حالياً شمشارة – تقع على نهر الزاب الاسفل في سهل بتوين في منطقة رانية)، حيث يذكر فيها المرسل ( شيراتو  SEPRATU ) بأن (ملوك اللولوبيين) وليس ملك واحد يعانون نقصاً في الحبوب؛ ولذلك هم يتقدمون بطلب السلام مع ملك شوشرا ، والاشارة الاخرى التي تؤيد انقسامهم الى عشائر كثيرة وردت على لسان الملك الاشوري “تجلات بليزر الأول “(١١١٤ – ١٠٧٦ق . م) ، حيث جاء فيها بأنه قد اخذ(25) إلاهاً لولوبياً ووزعها على المعابد الأشورية.

لقد عرف هؤلاء في مدونات آرابخا (كركوك الحالية ) باسم ( لوللو ) أو حتى (نوللو) وكان يعنى الجبليون او سكان الجبال الذين يجلب منهم  العبيد، اما في وقت متأخر فكان هذا الاسم يعني في اللغة الخلدية (الاورارتية ) مفهوم الغريب او الاجنبي وكذلك العدو.

اما الصيغة الاكدية القديمة للاسم ( لوللوبوم (Lullupum) التي تحولت في الاشورية الى صيغة ( لوللومي) بدون استعمال اداة الملكية السومرية المفرد والجمع ب/  Pباللغات المحلية والعيلامية تشير في الاصل أنها كانت ذا صلة بالعيلامية والسومرية وما شابهتها من لهجات. وهذه الحقيقة لا تنفي العلاقة القوية التي كانت تربط اللولوبين بالسكان القدماء الآخرين لكردستان كالكوتيين أو الخوريين لغويا كانت ام حضاريا ، وخاصة لو عرفنا بان مركز هؤلاء كانت في مناطق قريبة بعضها عن البعض الآخر، كمستوطنات نوزي الخورية وآرابخا الكوتية وبابيت اللولوبية، وجميعها تقع حوالي كركوك الحالية. هذا بالاضافة الى انتشارهم في مختلف مناطق کردستان بما تؤكده الادلة التاريخية التي ترجع الى زمن احتلال العيلامين لبعض هذه المناطق في عهد الملك الاكدي شاركلي شاري في نهاية الألف الثالث ق.م.

وقبل ان ننتقل إلى الأصل في تسمية اللولوبين، علينا ان نذكر بانهم قد تأثروا كثيراً بالديانة والثقافة واللغة الاكدية ، بحيث ان انتاجاتهم الكتابية كانت باللغة الاكدية وحتى أسماء بعض ملوكهم كانت أسماء أكدية وخير شاهد على ذلك المسلة التي خلفها لنا الملك اللولوي ( انوبايني) في سربيل زهاب حيث ذلك لغتها هي لغة اكدية () وانوبانيني نفسه اسم اكدي معناه الآله انو (اله السماء ) خالقي .

أصل تسمية اللولويين

لو نظرنا إلى النصوص المسمارية التي ذكرت اللولوبين، نجد ان اسمهم قد ورد بصيغتين اثنتين لا أكثر، الأولى هي LU..LUB وكذلك LULU Bum والثانية Lu.lu  وهذان النوعان من الأسماء قد نسب الى لغة مجهولة اطلق عليها الباحث المسماري الامريكي كيلب GELB اسم BANANALANGUAGE) والدليل الآخر على ان الاسماء المنسوبة الى لغة الـ ( بنانا ) هي أسماء لولوبية يتوضح من خلال ترجمة النصوص المسمارية الاكدية ، التي ظهرت فيها تلك الاسماء، لان الاكديين هم اول من سيطر على بلاد اللولوبين، ولذلك جلبوا الكثير من الاسرى معهم، ولهذا وجدنا ان اغلب اسماء الافراد المبينة على لغة ( بنانا ) هم اما اماء أو عبيد، لان اسرى الحروب قديماً هم الذين يوضعون في العبودية . وعلى كل حال فهناك اسماء علم لولوبية تستطيع ان تساعدنا في التحكم على قرار انتهاء هذه اللغة ، كما وان الاصوات والمصطلحات في هذه الآثار اللغوية اللولوبية تكفينا لتميزها وتوضيحها.

من الممكن القول أن اللاحقات التي تتواجد في اواخر هذه الاسماء تشاهد كذلك في اللغة العيلامية مثل – ك ، – ر ، – س وحتى نصالتي تستعمل مع حروف العلة والمعلقة او بدونها وثم مع الحروف الصامتة ) الصحيحة ) كـ ( پ ، ٢ ) التي تشير الى الجمع كما ذكر . مثال ذلك سلسلة جبال (سيم – اكى ) في بلاد زاموا ، ثم سلسلة ( آز – يرو) والتي تسمى الان بـ ( أزمر ) قرب السليمانية.

ومن جهة اخرى يسود الحرف ( ر ) في نهاية بعض الاسماء كأسم سلسلة من الجبال يتكرر غالبا في السجلات الاشورية وهو ( كولك – ار ) كأعلى جبل في بلاد (لولومو) التي وردت كذلك بصيغة بلاد ( زاموا ) وان لوحة أنوبانيني اقيمت على جبل بات – ير) كما دونت على اللوحة نفسها. وهناك نهر ( ايد – ير ) ومدن ( زام – ري ) و ( با – ري ( بجانب منطقة ( لا – رة ) وجبال ( لا – لار ) ومضيق ( هاشم – ار ) وغيرها .

في الواقع ان هذا النوع من الاسماء تشاهد ايضاً في مناطق ( باراهس ) الواقعة جنوب بلاد اللولوبيين وشمال عيلام ( مناطق خرم آباد وكرمنشاء الحالية) ،ومع ذلك نجد اسماء لولوبية من صنف آخر كـ : أوزي ، قلعة بابيت – بازيان الحالية – وبوناسي، مدينة هودون، جبل سوانی، نهر راد – انو، بلاد هالما ـ ن أو آرام ان أو حتى ألم – ان ايالم – ان ( حلوان العصر الاسلامي ) . وعلى هذا الاساس يرى سبايزر المتخصص الأمريكي ان اسم نهري الزاب ( زابا) أو مضافا باضافة لاحقة من هذه اللغة ( زا – بان) له مدلول لغوي لولوبي كاسم الجبل المشهور (كيني – با) ذلك الجبل الذي اشتهر عند الاشوريين باسم( نيسير) وهو بيره مكرون الحالي على أغلب الاحتمال هذا والمعلومات تؤكد على وجود منطقة اسمها ( لو – لو) ولكن مع ذلك نعتقد ان قائد اللولويين كان اسمه ( لولو) ومنطقة ( لولو ) هي نسبة الى اسمه، لان لو لو – بيLu Lu Bi –   تعني باللغة السومرية العائدين او التابعين الى ( لو –لو) ، لأن ( بي – B) هو ضمير الملكية للشخص الثالث المفرد.

أما التسمية ( لو – لو بوم LULU BUM) فهي صيغة أكدية ناتجة عن اضافة اداة التعريف( UM= التميم) الى نهاية الكلمة، فاسم اللولويين اذن هو أما نسبة الى قائدهم او نسبة الى المنطقة التي انتشروا حولها ، مثلما هو الحال مع السوئيين (= السوبارتيين) والكوتيين كذلك.

كذلك أبقى اللولوبيون في بلادهم مجموعة من الآثار والاعمال الفنية التي تدل على المستوى الحضاري لهم. ثم اشتهر هؤلاء في الفن المعماري أيام الاشوريين، لذا جلب أشور ناصر بال الثاني(۸۸۲ – ٨٥۹ ق . م ) عدداً كبيراً من اللولوبيين الى بلاده عرفوا هناك كبنائين ونحاتين جيدين، وبنوا في هذه البلاد عدداً من الابنية والتماثيل، وهناك في دربندي رامكان قرب منابع نهر الزاب الصغير جنوبي شرقي رانية وكذلك في هورين شيخان ومناطق اخرى في كردستان آثار تشهد على الاعمال الفنية لهؤلاء .

لا تتعرض الوثائق والسجلات الاشورية القديمة الى اللولوبيين غالبا الا مع الكوتيين والكاسيين(= الكاشيين) والسوباريين، لكن بعد فترة طويلة من ذلك العصر، نرى ان ملوك آشور امثال: تيجلات بلسر، وحدد نيراري، وتوكولتي نينورتا دخلوا في حروب مع اللولوبيين لوحدهم عدة مرات، كما ان اشور ناصر بال الثاني زحف اربع مرات على بلاد ( لوللو ) خلال اعوام ۸۸٤ – ۸۸۰ ق. م، و في المرة الأولى كان احد زعماء اللولوبين المدعو ( نور حدد ) قد تمرد ضد الحكم الاشوري، وقد دخل الجيش لاخماد هذا التمرد في بلاد اللوللو قرب مضيق دربند بازيان الحالي الذي سمی آنئذٍ باسم “بابيت”(المكان الذي سطر فيه ملك كردستان محمود الحفيد ملحمة رائعة ضد الانكليز). وكان هذا المضيق مسيجا ًبسور فاقتحم الاشوريون الجبال المحيطة بالسور ونزلوا الى ما وراء المضيق حيث استولوا على تلك المناطق بتضحيات عظيمة ومنها المدن الشهيرة امثال بابيت ودغارا وكاكري ومدن اخرى كثيرة.

وفي مدينة ( زيمرى ) مركز مملكة اللولويين، وعند استيلاء الاشوريين عليها كان ملك اللولو المدعو ( أميخا ) قد السحب الى الجبال، وعلى رأي العالم (اولمستيد) كان الزعماء والجنود اللولوبيين قد اتخذوا من جبل كينيا ( نيسير الاشوري ) ملجاً لهم . واخيراً قام الجيش الاشوري بقيادة ولي العهد شلمانصر بالاغارة على هؤلاء المعتصمين في الجبل الشاهق هذا المعروف الان بـ (بيره مكرون )، غير انه اخفق في تحقيق غرضه لاول مرة وقضى عليه قضاء مبرما. لذا يظهر ان الاشوريين صالحوا هؤلاء المدافعين ورغم ذلك فقد سجل اشور ناصر بال اخبار هذه الوقائع واقام نصبا خاصا لها بجانب نصبي الملكين الآشوريين (تيجلات بلاصر) و(توكولتي نينورتا)، ثم اغار الملك (شلمانصر الثاني) ايضاً عام ٨٥٩ ق . م على بلاد زاموا واستولى عليها حتى جبال تيكديم ونيكديارا .

وفي عام ٨٤٤ ق . م قام هذا الملك مرة اخرى بالاغارة على مقاطعة ( نامرى ) مروراً بیلاد زاموا، وقد اضطر ملك مقاطة نامرى الذي كان يدعي (مردوك مودامق) الى الاعتصام بالجبال، كذلك اغار شلمانصر الثاني هذا عام ٨٢٩ ق . م على منطقة كرخي وجعلها خرابا بلقعاً، وبعد سنة من هذه الاغارة تأتينا اخبار زاموا ( بلاد اللولوبيين ) كمقاطعة من مقاطعات الامبراطورية الاشورية .

وهكذا كانت بلاد اللولويين مسرحاً للانتفاضات المحلية والحملات العسكرية الاشورية عليها الى نهاية الحكم الاشوري عام 612ق.م، ثم دخلتها القبائل الميدية وقد مر بها الملك الميدي (كي أكسار) اثناء حملته على نينوى وظلت بعض الآثار الميدية تشاهد في أنحائها ومنها لوحة كهف قزقبان .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السوباريون من وجهة نظر الباحث العراقي الكبير (طه باقر)

 

منذ ظهور أخبار الحكام والملوك الأوائل في عصر فجر السلالات الثالث (منتصف الألف الثالث ق.م) بدأ فيها ذكر أقوام غريبة وبعيدة عن بلاد سومر، ومنم السوباريون الذين ذكرهم لأول مرة على ما يرجح في أخبار حاكم مدينة لجش المسمى (أياناتم)، وفي أخبار فتوح سرجون الأكدي، وكثر ذكرهم من بعد ذلك في النصوص التاريخية، وكثيراً ما يرد اسم قوم آخرين معهم وهم “الحوريون” أو ” الخوريون”.

أما أصل السوباريين ولغتهم فغير معروفين وكل ما قيل في لغتهم إنها عائلة اللغات الهندية – الأوروبية، وإنهم كانوا من الأقوام الجبلية ليست من في الجهات الشرقية مثل الكوتيين واللولبيين، وكانوا يقطنون في شمالي ما بين النهرين في منطقة الجزيرة العليا وشرقي دجلة، وكان يقع ضمن موطنهم المنطقة الشمالية من العراق(= كردستان الحالية) التي عرفت كذلك باسم بلاد آشور، وذلك قبل هجرة الآشوريين الساميين في الألف الثالث ق.م، حيث أزاحو القسم الأكبر من السوباريين إلى المناطق الجبلية شرقي دجلة، ولكن مما لا شك فيه دخلت عناصر كثيرة منهم في التركيب القومي للآشوريين، كما دخلت تأثيرات لغوية وحضارية في الثقافة الآشورية، من بينها آلهة وطائفة من الشعائر الدينية وأسماء بعض المدن والمواضع. منهم

فعلى سبيل المثال نجد الثائر البابلي المشهور “مردوخ – بلان”(721 – 710 ق.م) يذكر خصمه الملك الآشوري سرجون بأنه ملك ” بلاد سوبارتو” وليس بلاد آشور، ومثل هذا الاستعمال  ورد في كتابات ملوك الدولة البابلية الاخيرة – الكلدانية (626 – 539ق.م). أما الآشوريون فقد تحاشوا استعمال كلمة “سوبارتو” لاطلاقها على بلادهم باستثناء بعض النصوص الخاصة بالفأل والتنبوء، نستشهد منها بتلك النبوءة الطريفة التي قدمها منجم آشوري الى أحد الملوك الآشوريين بأن” السوباريين” سيقضون على الأخلامو (إحدى القبائل الامورية)، ويضيف ذلك المنجم موضحاً للملك:” نحن السوباريين”، أما السبب في تحاشي الآشوريين اطلاق اسم” سوبارتو” على بلادهم فناشىء من استهجانهم لهذا التعبير الذي كان يطلق على العبيد، بالنظر الى شهرة العبيد الذي كان البابليون يجلبونهم من بلاد السوباريين بحيث أصبحت كلمة “سوبارم ” (Subarm) و”سبرم” (Subram) مرادفة في اللغة الآشورية القديمة لكلمة عبد مثل أصل كلمة (Slave) في بعض اللغات الاوربية من أقوام الصقلب (الصقالبة) أي السلافيين.

 

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً