ردود على شبهات وافتراءات حول التاريخ الإسلامي الكُردي
تثار بين الحين والأخر شبهات وافتراءات تخص الفتح الإسلامي للمنطقة الكردية(= كردستان)، وما رافق هذا الفتح من تداعيات ونتائج، حيث تطفو على السطح الأفكار والمعتقدات التي طالما تشدق بها المستشرقون والمنصرون وتلامذتهم من العرب والفرس، وتطاول بعض الكتاب الكرد من الذين استهوتهم الشهرة على عقيدة بني قومهم، وإعادة اجترار هذه الأفكار والمعلومات التي عفا عليها الزمن وشرب كما يقول المثل المعروف، والمخالفة لمنهج البحث العلمي الذي كان أعداء العلم والإسلام من الفئة المذكورة أعلاه آنفاً يرددونها من دون موضوعية وإنصاف خلال اعادة صياغتها أو ترجمتها إلى اللغة الكردية وكأنها من بنات افكارهم، كما فعل الدكتور طه حسين (عميد الأدب العربي) عندما نشر كتابه (حول الشعر الجاهلي) وفيما بعد (الأدب الجاهلي) وكأنها من بنات أفكاره، علماً بأنها مقتبسة من طروحات المستشرقالبريطاني (مرجليوث المتوفى سنة1940م). وكما نشر بعض منكري السنة النبوية المطهرة أمثال المصري( أبو رية) بعض مزاعمهم حول الصحابي الجليل أبو هريرة، وكأنها خلاصة لبنات أفكارهم؛ علماً بأنها ليست سوى إعادة اجترار وصياغة لتخرصات المستشرق اليهودي الهنغاري أجناس كولد زيهر (المتوفى سنة1921م) التي طرحها في كتابه (دراسات محمدية)، وفيما بعد للألماني جوزيف شاخت (المتوفى سنة 1969م) حول حجية السنة النبوية من خلال كتابه أصول الشريعة المحمدية.
إن المصادر الاساسية للتاريخ الاسلامي: كالبلاذري المتوفى سنة279هـ في كتابه:(فتوح البلدان)، والدينوري المتوفى سنة281هـ في كتابه (الاخبار الطوال)، واليعقوبي المتوفى سنة284هـ في كتابه (تاريخ اليعقوبي)، والطبري المتوفى سنة310هـ في كتابه: (تأريخ الرسل والملوك)، والمسعودي المتوفى سنة346هـ في كتابه (مروج الذهب)،وابن الاثير المتوفى سنة 630هـ في كتابه (الكامل في التاريخ) وغيرهم زودتنا بمادة تأريخية على درجة كبيرة من الأهمية ومنها المتعلقة بالفتوحات الإسلامية لكردستان. ولكن ظهر بعض الاختلاف في التوقيت الزمني لهذه الفتوحات، وليس أدل على ذلك من اعتراف الطبري نفسه بهذا الاختلاف قائلاً:((أما الاختلاف في الفتوح التي نسبها بعض الناس إلى أنها كانت في عهد عمر وبعضهم إلى أنها كانت في عهد عثمان، فقد ذكرت قبل فيما مضى من كتابنا هذا ذكر اختلاف المختلفين في تأريخ كل فتح كان من ذلك)).
وعلى أية حال يبدو أن شهري رجب ورمضان سنة (16هـ) اللذَينِ يقابلان شهري أيلول وتشرين الأول سنة (637م) كانتا بداية الفتح الإسلامي لكردستان.
مما تقدم يبدو للباحث جلياً ان بلاد الكرد دخلها الاسلامخلال الفترة من ( 16هـ ) ولغاية ( 25هـ) على أكثر تقدير، وأن عملية أسلمة الشعب الكردي قد استغرقت فترة زمنية أطول بعض الشيء قد استمرت الى بداية تأسيس الدولةالاموية سنة41هـ، لأن كل فكرة جديدة وطارئة على شعبٍ ما لا بد من انتشارها لحقبة حتى يستسيغها ثم يتقبلها، لا سيما أن كانت وحياً الهياً جاء لإنقاذهم من عبادة العباد الى عبادة رب العباد، ومن الظلام والجهل الى نور التوحيد والعلم.
وعلى أية حال فقد أثيرت حول الفتح الإسلامي للمنطقة الكردية شبهات وشكوك عديدة، وهل أنه كان فتحاً أم غزواً واستيلاءاً؟ والفترة الزمنية التي استغرقها الفتح هل كانت طويلة تجاوزت القرن كما يذكرها البعض، أم قصيرة لم تتجاوز العشر سنوات استنادا إلى المصادر التاريخية الموثوقة، فضلاً عن النتائج التي ترتبت على الفتح أو الغزو كقتل الكرد المشركين، وسبي نسائهم، وتدمير بيوتهم وقراهم!؟ أي بعبارة أخرى ما يترتب على محاولات الغزو والاستيلاء التي كانت تقوم بها الإمبراطوريات القديمةوالدول الامبريالية (المستعمَّرة) الحديثة، من عمليات السلب والنهب والتدمير وسبي واستحياء النساء وغيرها؟.
ومن جانب آخر فإن بعض من هؤلاء الكتّاب يحاول إسقاط عمليات ما يسمّى بالأنفال السوداء التي قام بها النظام البعثي الشوفيني في عهد صدام حسين على وقائع التاريخ الإسلامي التي حدثت في بداية الفتح الإسلامي للمنطقة الكردية في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب، ومحاولة الربط بينها وبين مجريات وقائع الفتح الإسلامي لديار الكرد، كذلك إسقاط مساوئ وانتهاكات بعض القيادات والزعامات العربية القومية العلمانيةالعميلة على القيادات الإسلامية من خلفاء راشدين وكبار الصحابة وقادة الفتح؛ رغم معرفتهم بأن هؤلاء كانوا رهبان الليل وفرسان النهار وأنهم تربوا على يد أفضل المربين والموجهين سيد الخلق ورسول رب العالمين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه واله وسلم).
وفيما يلي عرض لبعضٍ من هذه الافتراءات والشبهات والشكوك والرد عليها من خلال الأدلة التاريخية والعلمية والمنطقية:
الشبهة الأولى:
استغراق عملية الفتح الإسلامي إلى حوالي القرن:
ذكر الباحث الكردي التركي الدكتور (كندال نزان) مدير المعهد الكردي في باريس، أن المقاومة الكردية للفتح الإسلامي قد استمرت لفترة تقارب القرن(1).
الرد على هذه الشبهة:
الدكتور كندال نزان مختص بالفيزياء، وليس له الالمام الكافي بالتاريخ الإسلامي، وعلى أية حال، فقد استغرقتعملية الفتح الإسلامي للمنطقة الكردية أقل من عشر سنوات ابتداءاً من سنة 16هـ ولغاية 25هـ، ولاسيما إذا علمنا أن الإمبراطورية الفارسية الساسانية قد سقطت بيد المسلمين بُعَيدَ معارك: القادسية، وجلولاء، ونهاوند (= فتح الفتوح) في سنوات 14 – 15 – 21هـ على التوالي، وأن الجيش الإسلامي بقيادة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص دخل العاصمة الفارسية: (طيسفون – المدائن – سلمان باك الحالية) وهرب ملكهم يزدجرد الثالث وترك بناته الثلاث أسيرات بيد المسلين، وكان الكرد من رعايا هذه الدولة، فليس من المعقول ولا من المنطقي أن تسقط الدولة ويهرب زعيمها وأن مكوناً من مكونات شعبها وهم الكرد لا يدخلون ضمن عملية الفتح أو الاستيلاء، أو أنهم يقاومون الجيوش الإسلامية التي عجزت جيوش الساسانيين الكثيرة العدد والعدة والقوية الشكيمة عن مقاومتهم في معارك عديدة وفاصلة غيرت مجرى التاريخ الانساني.
الشبهة الثانية:
لقد نشرت إحدى المؤسسات الكردية اليسارية كتاباً لباحث كردي يدعى (ملا. ع. كردي)( 2) ، ولمجانبة المعلومات التي وردت فيه مع كل الحقائق العلمية وتناقضها الكلي مع ما ورد في المصادر الإسلامية كافة وغيرها من بيزنطية وسريانية وارمنية، ارتأى الباحث نشر نص الكتاب المذكور المتعلق بفتح كردستان الذي جاء فيه:(( زحف المسلمون الفاتحون على كردستان في العام الرابع عشر الهجريالمصادف عام 636م، في خلافة عمر بن الخطاب (23هـ) فقاومهم الأكراد من جبالهم الحصينة المنيعة الوعرة وردوهم على أعقابهم خاسرين، ثم اعاد المسلمون الكرة في فتح كردستان، وأعاد الأكراد المقاومة، وردوهم على اعقابهم مرة ثانية. والظاهر ان المسلمين الفاتحين استصعبوا فتح جبال كردستان فرأوا تأجيل فتحها. وكان الأكراد حتى هذا التاريخ على دين زرادشت الثنائي، أي الإيمان بوجود إلهين إثنين. وفي هذه الفترة أي فترة محاولة فتح كردستان وعصيانها وامتناعها حدث أمر ذو بال هو أن الأكراد سمعوا عن دستور الدين الجديد الإسلام، الذي ينصر الضعيف ويؤازر البؤساء، ويساوي بين أتباعه بالحق والعدل. وتناقشوا فيما بينهم وقرروا استخدام بعض المسلمين الفاتحين ليشرح لهم هذا الدين الجديد، وتم ذلكم، فأعجب أكثر الأكراد بهذا الدين الجديد، وأسلموا إلا قليلاً منهم، أبى أن يترك دين آبائه وأجداده. وأدى هذا إلى خلاف بين الأكراد الذين أسلموا والذين لم يسلموا، ما لبث أن تحول جدالاً عنيفاً فحرباً داخلية أهلية. وانتصر الأكراد الذين أسلموا وهزموا الذين لم يسلموا، فاضطر المغلوبون أن يتحصنوا بالجبال المنعزلة الشديدة الوعورة. وهؤلاء هم المعروفون بالأكراد اليزيديين أو الطائفة اليزيدية…))( 3).
الرد علی هذه الشبهة:
يبدو أن هذا الكاتب نسي بل تناسى أن الدولة الفارسية الساسانية على الرغم من قوتها وجبروتها لم تستطع أن تقاوم المسلمين الفاتحين القادمين من الجزيرة العربية رغم وقوع العشرات من المعارك الصغيرة والكبيرة (الفاصلة) بين الطرفين كمعارك: البويب، والجسر، وعين التمر، والقادسية، وفتح العاصمة طيسفون، وجلولاء، وماسبذان، ونهاوند (= فتح الفتوح) ما بين سنة 12هـ لغاية 21هـ، أي: في أقل من عقد من السنين، بالإضافة الى فرار زعيمهم (يزدكرد الثالث) لا يلوي على شيء؛ فكيف برعايا الدولة من الكرد وغيرهم أن يقاوموا المسلمين أو أن يجعلوا قيادة المسلمين تفكر في تأجيل عملية فتح المنطقة الكردية على أقل تقدير في المرحلة الأولى؟ وكأنّ بهؤلاء لا يعرفون طوبوغرافية وجغرافية المنطقة الكردية، فكيف يصل المسلمون الفاتحون إلى إقليمي أذربيجان وأرمينيا دون المرور بكردستان الواقعة في طريقهما وفتحها، لذا كان من الأولى للمسلمين أن يفتحوا كردستان الواقعة في طريقهم(= عقدة المواصلات) حتى يكون الطريق سالكاً وآمناً إلى المقاطعات والأقاليم الأخرى كأذربيجان وكيلان وطبرستان وآران وأرمينيا وكرجستان(= جورجيا الحالية).
لقد أوقع الكاتب نفسه في تناقض آخر عندما ذكر بأن الكرد كانوا على الديانة الزرادشتية الثنائية التي تؤمن بإلهين إثنين: آهورامزدا (إله الخير) وأهريمن (إله الشر)، ويستطرد في كلامه قائلاً: عندما حدثت الحرب الأهلية بين الكرد الذين أسلموا وانتصروا على إخوانهم الآخرين من الكرد الذين لم يسلموا وبالتالي انهزموا وتحصنوا بجبالهم المنعزلة وهؤلاء هم المعروفون بالأكراد اليزيديين، فكيف تحول هؤلاء الكرد الزرادشتيين إلى كرد يزيديين حسب تعبير الكاتب، إنها ولعمر الحق مفارقة واشكالية عقيمة خارجة عن نطاق الحيادية والموضوعية والبحث عن الحقيقة!!.
ورغم ذلك فإن بحث هذا الكاتب لا يخلو من فوائد منها: أن الكرد سمعوا عن دستور الدين الجديد الذي ينصر الضعيف ويؤازر البؤساء ويساوي بين أتباعه بالحق والعدل، ويبدو أن هذه الصفات الحميدة وغيرها التي كان يتحلى بها المسلمون الفاتحون جعلت الكرد من رعايا الدولة الفارسية يقبلون طواعيةً على تقبل هذا الديانة والدخول فيها؛ لأن عقائد هذا الدين وأفكاره لامست شغاف قلوبهم، فضلاً عن ذلك أن الظلم الطبقي الصارخ الذي كان سائداً في الدولة الساسانية وكانت له نتائج وخيمة على الطبقات الفقيرة والمضطهَدة من المجتمع، علماً بأن غالبية الكرد من هذه الطبقة، بجانب تعقيدات الديانة المجوسية وطقوسها الكثيرة؛ كل ذلك جعل الكرد ينتظرون فرجاً، وجاءتهم الفرصة سانحة عندما انساحت جيوش الفتح الإسلامي في خلافة الراشد الثاني عمر بن الخطاب عام 16هـ/637م ووصلت إلى التخوم الكردية، فحدث ذلك الاتصال وذلك اللقاء الروحي بين عقيدة الفطرة وبين القلوب والعقول السوية التي كانت تنتظرها على أحر من الجمر، إنه إسلام الكرد وشعور الكردي لأول مرة بكينونته وشخصيته فكان أن تسلق قمم المجد والذرى فحدث ذلك التحول، تحول الكرد إلى حملة مشاعل الحق والعدل وظهر منهم علماء فطاحل، وقادة جهاد ميامين، ورجال دولةمرموقين، كانت لهم صولات وجولات على مديات التاريخ الإسلامي، وبذلك أضافوا لبنات عديدة إلى الحضارة الإسلامية شأنهم في ذلك شأن الأمم الإسلامية الأخرى من عرب وفرس وترك وهنود وغيرهم.
الشبهة الثالثة:
هناك من يرى في الأوساط الثقافية الكردية وجود مقاومة كردية شرسة للفتح الإسلامي لكردستان عامةً ومنطقة شهرزور خاصة، بلغت ذروتها في اكتشاف أبيات من الشعر على قطعة جلد في كهف (هزار ميرد)(4) قرب مدينة السليمانية من جهتها الجنوبية تصف وقائع الفتوحات الإسلامية في منطقة شهرزور وما تمخض عن هذه الهجمات من قتل زعماء الكرد وهـدم معابد النيران وفـرار الرجال إلى المناطق البعيدة وما تلاها من وقوع النساء والفتيات في الأسر(5 ).
وقد تبنى بعض المستشرقين هذا الرأي، ومنهم الفرنسي الدومنيكي توماس بوا (1900 – 1975م)، فذكر قائلاً: ((غير ان هذا الاحتلال (الفتح الإسلامي) كان بعيداً لجعل هذا البلد إسلامياً بالكامل فقد اصطدمت جيوش الخليفة عمر مع أكراد الاهواز ولم يكن ذلك دون إراقة الدماء حيث إستولت على شهريزور (Chahrizor) عام 643م وعلى برود Prud وبالاسجان Balascan عام 645م وإن ذكرى هذا الاعتناق العنيف والشاق مذكورة في نص تمت قراءته قديماً، غير أنه تم التشكيك في صحته مؤخراً ماكانزىMackenzie…))(6) ، ومن ثم يذكر نص بعض هذه الأبيات:
تهدَمت معابدُ هرمز وأُخمدت النيران
واختفى أحد أكبر الزعماء
لقد هزموا الأكراد
وانسحب الأكراد إلى حدود شاهر يزور
ووقع في الأسر النساء والفتيات
قتل الابطال في الكمائن
وظل قانون – ملك – زرادشت لا حول له ولا قوة
ولم يعد لهرمز الشفقة لأي شخص(7).
على السياق نفسه إدعى الباحث الكردي الدكتور عز الدين مصطفى رسول، وجود شاعر كردي اسمه خليل المندليجى المتوفى سنة 20هـ / 640 – 641م ينسب إلى هذه الفترة ولكن مع هذا لم يعثر على شيء من شعره ناهيك عن المصدر الذي استقى منه هذه المعلومة(8).
الرد على هذه الشبهة:
يبدو للباحث أن الذي حدا إلى ظهور هذه المزاعم هو اكتشاف ثلاث وثائق مدونة في منطقة هاورامان التابعة لشهرزور عام 1909م، اثنتان منها كتبتا بالحروف اليونانية الكلاسيكية والثالثة دونت بالخط الآرامي القديم، نشر الوثيقتان الأوليتان في مجلة الدراسات الهيلينية عام 1915م البروفيسور مينس MINS، أما الثالثة فقد نشرها السيد كاوليA. COWLEY في مجلة الجمعية الاسيوية الملكية البريطانية عام 1919م، ويعتقد بان جميع هذه الوثائق ترتقى إلى العصر الفرثي (الأشغاني – ملوك الطوائف)(9)، وهذا العصر الذي وجدت فيه الوثيقة المزعومة يسبق عصر الفتوحات الإسلامية بأكثر من ثمانية قرون، فضلاً أن وثائق هاورامان مدونة باللغتين الآرامية واليونانية، أما الوثيقة المزعومة فهي مدونة باللغة الكردية لهجة منطقة هاورامان، وعند دراسة اللغوي الكردي الدكتور كامل حسن البصير لهذه الابيات الشعرية وجد من خلال النقد الداخلي لها بانها منحولة، ((اصطنعها بعضهم من اللهجات الكردية المعاصرة لغرض ما))( 10).
كما إن أقدم نص شعري كردي وصل إلينا هو ما نسب إلى الشاعر بابا روح الهمداني الذي عاش في القرن التاسع الميلادي/ الثالث الهجري وتوفي سنة 841م(11) . رغـم الشكوك التي تساور هذه المعلومـة على أسـاس أن الباحـثين الإيرانيين يعدونه شاعراً فارسياً أو على أقل تقدير شاعراً لُرياً، وأن العديد من المستشرقين الأوربيين والباحثين الفرس لا يعدون اللور من الكرد، رغم أن البلداني الإسلامي ياقوت الحموي المتوفى سنة626هـ أدخلهم ضمن الجنس الكردي في كتابه (معجم البلدان)، المجلد الخامس.
ومن جانب آخر فإن الباحث قد اطلع على أربعة أبيات شعرية باللغة الكردية – اللهجة الكرمانجية الجنوبية انتحلها الصحفي الكردي (حسين حسني موكرياني) واودعها في مجلته (زار كرمانجي- العدد 21 في 6 نيسان 1930م) وضمنها فيما بعد المؤرخ الكردي الايراني رشيد ياسمي في كتابه: (كرد وثيَوستيَكى نذادى وتاريخى آو- الكرد وروابطهم العرقية والتاريخية) الصفحة 120 ادعى بانها تنسب إلى كهف يقع في جنوب جيشانة في منطقة هاورامان التابعة لمحافظة السليمانية:
هـورمزةكــان رمان ئاتران كـــةذان
ويشان شاردةوة وةطةورةى طةورةكان
زورى كار ئـةرةب كردنـة خـابـــوور
طـةنـــاى ثــالةيى هــةتـا شـــــارةزور
ذةن وكـةنيــشـكان وةديــــل ثشـينـــا
ميرد ئـــــــازادلي ذوروى هـــةوينــــا
رةوشت زةردةشتة مانةوة بىَ كةسى
بزيكانةى كا هورموزد وهيوج كةسى
وترجمتها باللغة العربية:
خـربت المعابـد واطفئت النـيران
وأخفى كبــار الـقوم أنفسهم
هـدم العرب الظـالمون منـازلـنـا
من كه ناو وباله يى إلى شهـرزور(12 )
ســبــوا النـسـاء والعـذارى
وتخبـط الأبـطــال بالدمــاء
عادات وديانة زرادشت بقيت وحيدة
فلن يرحم هرمزد بعد اليـوم أحداً
ويبدو أن الطبيب الكردي الإيراني الدكتور سعيد بن ملا رسول الملقب بـ(سعيد خان كردستاني)(13) من أهالي سنندج والمتوفى سنة 1942م الذي كان قد تنصّر على يد إحدى الإرساليات التنصيرية البروتستانتية(14) كان له دور في انتحال هذه الوثيقة بالتعاون مع الباحث الكردي الإيراني الآخر (البروفيسور رشيد ياسمي)( 15) الذي ينتمي إلى عشيرة الباجلان الكردية ومن أتباع المذهب الشيعي الغالي (العلي إلهية– أهل الحق – اليارسان)، فتعاون هذان الشخصان في انتحال هذه الوثيقة لتشويه سمعة الإسلام كما هي ديدن الحركات التبشيرية (=التنصيرية) التي تحاول جاهدة الاستفادة من شبهات المستشرقين والمنصرين وتوظيفها في خدمة مشروعها القاضي بتنصير المسلمين وخلق فجوة بين الأمم الإسلامية.
بالإضافة الى ذلك فإن (رشيد ياسمي) بحكم عقيدته الباطنية وارتباطه المشبوه بمخطط الشاه الإيراني رضا بهلوي (1925 – 1941م) كان يحاول هو الآخر الدعاية لأفكار الشاه حول توحيد الأمم الآرية تحت رايته، واعتبار المجوسية الدين القديم لهذه الأمم ويجب إحياؤه من جديد، ومحاولة إخماد الحركة الوطنية الكردية في كردستان إيران من خلال ربط تاريخ الكرد بتاريخ الفرس!! فلا عجب أن تلاقت أفكار الرجلين في انتحال هذه الوثيقة، مهمة (سعيدخان) تتجلى في تشويه سمعة الإسلام وكيف أنه انتشر عن طريق السيف التي أدت الى تدمير مقدرات الشعب الكردي!، فيما كانت مهمة (رشيد ياسمي) تذهب إلى الدعاية للديانة المجوسية من ناحية، وتشويه سمعة الإسلام من ناحية ثانية، وتحديداً الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب على أساس أن الفتح الإسلامي للهضبة الإيرانية ولكردستان جرى في عهده، وأودعها في كتابه المؤلف باللغة الفارسية (كرد وبيويستكي نزادى وتاريخىآو – الكرد وروابطهم العرقية والتاريخية). ولما كان المؤرخ والصحفي الكردي الناشئ (حسين حسني الموكرياني) يحاول ملء حلقات مفقودة من تاريخ الشعب الكردي، وكعادته في نشر مثل هذه الروايات دون تمحيص أو دون الإشارة إلى المصدر الذي نقل منها فقد نشر هذه الوثيقة المزورة المنتحلة في مجلته (زاركرمانجي) ولم يدر بخلده بأنها تشوه صورة الإسلام دين غالبية الكرد بني قومه. ومن ثم فإن العديد من الكتاب الكرد والفرس نقلوا هذه الوثيقة في مؤلفاتهم نقلاً عن ياسمي دون التحقيق من مصدرها الأصلي، أو التحقق في مدى وجود هذه الوثيقة أصلاً.
وبعد تفنيد هذه المزاعم يلوح للباحث بان القصد منها مـا هو – إلا النيل من الدين الإسلامي وتشويه صورة الفتوحات الإسلامية للمنطقة الكردية في عهد الخلافة الراشدة- في الوقت الذي كان الكرد يعانون من شتى صنوف الاذى والاضطهاد والظلم على أيدي حكام الامبراطوريتين الساسانية والبيزنطية اللتين كانتا تتقاسمان المنطقة الكردية.
ويسأل الباحث هنا سؤالاً: لماذا غفل هؤلاء عن تلك الحملة العسـكرية الكبيرة التي قادها الامبراطور البيزنطي هِرَّقل( 610-641م) لمطاردة القوات الفارسية الساسانية خلال المنطقة الكردية عام 628م التي بقيت تحت السيطرة البيزنطية إلى سنة 619م؟ وكيف انه قضى على قدس الأقداس المجوسية (معبد بيت النار آذركُشناسب) الواقع في مدينة شيز جنوب شرق مدينة أورميه في كردستان ايران وضربه حيث ثأر بانتزاع الصليب (المقدس) من كنيسة القيامة في مدينة إيليا كابي تولينا(= القدس) من قِبل الجيش الفارسي؟(16)، وكانت منطقة شهر زور قد تعرضت لتخريبات كبيرة من جراء تلك المعارك الطاحنة بين الدولتين الفارسية الساسانية والرومية البيزنطية، وقد قضى الإمبراطور هرقل شهر فبراير/ شباط سنة 628م فيها ولم يترك مدينة أو قرية في هذه المنطقة الكردية إلا وأعمل فيها يد النهب والسلب والتدمير ثم توجه نحو منطقة أردلان في كردستان إيران(17).
وقد تطرقت المصـادر الإسلامية إلى مناعتها ومقاومـة أهلها يقول ياقـوت بهذا الصدد: (( ولأهلها بأس وشدة يمنعون انفسهم ويحمون حوزتهم))(18). وكان المسلمون قد عانوا من لدغ عقاربها الأمرين (19)، فعقاربها قتاله أضر من عقارب نصيبين (20).
وفى إشارة أخرى إلى مقاومة أهلها يقول مسعر بن مهلهل🙁 (ولا دخل اهلها في الاسلام الا بعد اليأس منه))(21)
ويخلص الباحث إلى القول ان مقاومة شهرزور للفاتحين المسلمين لا تعني في أي حال من الاحوال استعمالهم للقسوة والشدة في معاملة اهلها، فقد لاقى المسلمون في مناطق أخرى مقاومة أشد، ومع ذلك فقد عاملوهم بالرفق والاحسان. وهذا يعود إلى العمل بتوجيهات القران الكريم وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام وأوامر الصحابة القادة في معاملة سكان البلاد المفتوحة بالحسنى، وما توجيهات الخليفة الراشد الاول أبي بكر الصديق (رضى الله عنه) في هذا الخصوص عنا ببعيدة.
الشبهة الرابعة:
أما بخصوص حركة بابك الخرمي التي تتفق معظم المصادر التاريخية على أن بدء ظهورها كان في سنة 201هـ/816م في خلافة المأمون العباسي(22 )، وأن إقليم أذربيجان والمناطق المجاورة له كانت موطناً لحركته، وقد جعل من قرية البذ الحصينة مركزاً لانطلاقه، حيث يقول ابن خلدون بهذا الصدد: ((واتخذ مدينة البذ لامتناعه))( 23)، ويقول المسعودي: ((بلاد بابك هي البذ في أرض أذربيجان والران والبيلقان))(24).
ومما لاشك فيه أن مبادئ حركة بابك كانت ذات أصول مجوسية تستقي أفكارها من المزدكية، حيث يقول الديلمي في تعريفه للخرمية: ((هذه لفظة عجمية وهي عبارة عما يستلذ ويشتهي وترتاح به الأنفس فلقبوا به لأن في حاصل مذهبهم الراجع إلى دفع التكليف، وتسليط الناس على اتباع الشهوات من المباحات والمحرمات، وقد كان هذا أيضاً للمزدكية، وهم أهل الإباحة من المجوس الذين ظهروا في أيام قباذ(= الملك الساساني والد خسرو أنوشيروان)وأباحوا النساء وأحلوا كل محظور في الشرائع))( 25).
وعن مدى مشاركة الكرد في هذه الحركة يقول المستشرقبندلي جوزي(26): ((أما اشتراك الكرد في هذه الحروب فقد كان يكون عاماً كما يظهر من أقوال المؤرخين الذين ذكروا أن عصمة أمير مرند(27 ) ورؤساء القبائل الكردية في همذان وكرمنشاه وغيرهما من المقاطعات الشرقية قد انضموا إلى دعوة بابك غير مكرهين ولا نادمين)).
الرد على هذه الشبهة:
أما قول المستشرق الروسي الفلسطيني الأصل بندلي جوزي المار ذكره عن عصمة أمير مرند فهو صحيح حيث أورده اليعقوبي بقوله (28): ((واشتدت شوكة بابك وكان محمد بن البعيث قد شايعه وعصمة الكردي صاحب مرند(29) في طاعته)). فيما تتعارض بقية أقواله عن انضمام رؤساء القبائل الكردية في همذان وكرمنشاه إلى حركة بابك الخرمي عما ورد في المصادر التاريخية بل وتخالفها، وينقل بندلي عن عبد القاهر البغدادي قوله: ((إن الأكراد كانوا يدخلون في دين بابك أفواجاً))( 30)، ولما راجع الباحث المصدر المذكور وجد أن البغدادي كان في معرض الإشارة إلى الحركة الباطنية التي أسسها ميمون بن ديصان المعروف بالقداح وكان مولى (جعفر بن محمد الصادق المتوفى سنة148هـ)، والتي تسبق هذه الحركة بعدة عقود؟، وبخصوص علاقة الكرد بهؤلاء الباطنية يذكر: ((فدخل في دينه جماعة من أكراد الجبل من أهل الجبل المعروف بالبدين))(31) ؛ ويظهر للباحث أن هذا تدليس، فالبغدادي يشير إلى ميمون بن ديصان الملقب بالقداح، ولا يشير البتة إلى حركة بابك الخرمي وإن كانت الحركتان باطنيتين وتلتقيان في غاياتهما للقضاء على الإسلام والخلافة(32). وعلى السياق نفسه يطرح أحد الباحثين الكرد المُحدثين صاحب فكرة الكازيك (مؤسس الحزب الاشتراكي الكردي) والمختص بالفيزياء، تحليلاًماركسياً لحركة بابك وكيف أنها جاءت للقضاء على الفروق الطبقية التي كان المجتمع الإسلامي يرزح تحت نيرها قائلاً: ((لقد أدى الفساد المتفشي في الدولة العباسية إلى اندلاع نيران سلسلة من الثورات والانتفاضات في كردستان وبقيادة زعماء من أمثال: بابك الخرمي، وقد أبدى بابك وأنصاره مقاومة بطولية في جبال جنوب كردستان سنيناً طوالاً يطلبون تأسيس دولة تختفي فيها الفروق الطبقية ونظام الرق ويزول فيها اضطهاد الرجال للنساء))(33).
ومن خلال قراءة النص السالف الذكر يلاحظ الباحث احتواءه على أخطاء منهجية و جغرافية فالمنطقة التي انطلقت منها حركة بابك كانت إقليم أذربيجان(34)، وليس جنوب كردستان، لأن إقليم أذربيجان يقع شمال وشرق كردستان، كما أن مصطلح كردستان لم يكن معروفاً في تلك الفترة، لأنه ظهر بعد هذه الحقبة بحوالي أربعمائة سنة(35).
وإذا كان قصد الكاتب من قبوله زوال اضطهاد الرجال للنساء، و إباحة النساء للرجال وفق مبادئ المزدكية الشيوعية كما يحلو للمستشرق الروسي (بندلي جوزي)أن يسميها فقد أصاب الهدف(36).
ومهما يكن من أمر فإن هذه الحركة الكبيرة التي استنزفت قوى الخلافة العباسية لمدة طويلة، لا يستطيع أحد من هؤلاء المؤرخين أو الباحثين إنكار مساهمة الكرد فيها فضلاً عن الفرس والعرب القريبين من ساحة الأحداث، عندما تتلاءم مصالحهم الخاصة مع توجهات هذه الحركة ضد دولة الخلافة، ولكن مع هذا فعندما هرب بابك من وجه الأفشين قاصداً الروم البيزنطيين حلفاءه(37)، كتب الأفشين ((إلى أصحاب تلك النواحي، وإلى الأكراد بأرمينية، والبطارقة بأخذ الطرق عليه))(38)، وفي هذا دلالة كبيرة على أن أكثرية الكُرد كانوا في صف الخلافة ضد حركة بابك.
وفي عهد الخليفة العباسي المعتـصم بالله (218-227هـ/833-841م)، ثار الكرد بقيادة زعيمهم جعفر بن ميرخوش(39) حسن الكردي في المناطق الجبلية الواقعة شمال شرق الموصل، حيث أقام بمنطقة ماتغيس(40)، يجمع الموال ويجبـي الخراج لنفسه، فسار إليه والي الموصل (عبد الله بن السيد أنس) لإخماد حركته، وتمكن من إخراجه من منطقة ماتغيس، حيث هرب جعفر وأتباعه الأكراد غرباً باتجاه جبل داسن(41) الواقع شمال مدينة الموصل والمشهور بوعورته، فتبعهم عبد الله بن أنس، ولكن الكرد تمكنوا من إلحاق الهزيمة به وقتل عدد كبير من رجاله نظراً لأنهم كانوا متحصنين في أعالي الجبل، وكان رجال الوالي يحاولون صعود الجبل بغية إخراجهم ومن ثم إخماد حركتهم، ولما وصلت أخبار هذه الهزيمة إلى المعتصم أمر أحد قواده المشهورين وهو( إيتاخ التركي)بالمسير إلى المنطقة الكردية لإخماد حركة جعفر وأتباعه الكرد(42)، فتجهز وسار في سنة 225هـ/839م قاصداً جبل داسن، فجرت بينه وبين الاكراد معركة شديدة، كانت نتيجتها هزيمة الأكراد ومقتل قائدهم جعفر(43)، وقد بالغ إيتاخ(44) في استعمال الشدة مع الأكراد فقتل منهم عدداً كبيراً واستباح أموالهم ونساءهم وتم نقلهم إلى مدينة تكريت(45) الواقعة بين الموصل وبغداد.
وكان لعمل المعتصم هذا تأثيره في تأخر ظهور كيان كردي مستقل استقلالاً ذاتياً أو منفصلاً عن الخلافة العباسية، بعكس أخيه المأمون الذي سمح للفرس بتكوين أول إمارة لهم في خراسان وهي الإمارة الطاهرية، وعلى أثرها بدأ الفرس في تكوين إمارات مستقلة خاصة بهم: كالصفارية والزيارية والسامانية وغيرهما.
الشبهة الخامسة:
إدعى أحد الباحثين من كردستان تركيا(46) في بعض محاضراته التي كان ألقاها حول الفتح الإسلامي لمنطقة بهدينان، أن هذا الفتح جرى وفق التصور الاتي:
عندما وصل الصحابة الفاتحين إلى المنطقة الواقعة شمال الموصل وتحديداً منطقة جبل كارة المكتظة بالأشجاروالثمار والينابيع والنهيرات، تصوروا بأنهم الآن في الجنة التي وعدوا بها في القران الكريم حيث كان الإجهاد وطول الطريق قد بلغ منهم كل مأخذ، ولم يدر بخلدهم بأنها قطعة من أرض كردستان الجميلة، لذلك انقطعتاتصالاتهم مع الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب. لذلك أرسل الخليفة عمر قوة استطلاعية للنظر في الامر واستطلاع المنطقة موضوعة البحث، وعندما التقتالقوتان تبين أن الامر ليس كما كان يعتقد الصحابة الفاتحون، حيث أسرتهم أرض كردستان بجمالها وكثرة خيراتها وتبين لهم بأنهم لازالوا على قيد الحياة وأن مهاماً كثيرة تنتظرهم في قادم الأيام.
الرد على هذه الشبهة:
في اعتقاد الباحث أن ما ذكره الباحث الآنف الذكر وغيره من المحسوبين على اتجاهات عقائدية دوغماتية معينة،من تصورات واستنتاجات بخصوص الفتح الإسلامي لكردستان لم يستند على أسلوب البحث العلمي الحيادي من ناحية اعتماده على المصادر التاريخية الإسلامية العربية والفارسية والتركية والكردية وغير الإسلامية من بيزنطية وارمنية واوربية، وإنما جاءت هذه التصورات على خلفيات أيديولوجية وآراء دوغماتية ونتائج مسبقة اعتمدها الكاتب في خلق هذه التصورات التي أشبهها بالحقائق العلمية وبنى عليها افتراضه المزعوم الذي لم يذكره أحد من المؤرخين لا في القديم ولا في الحديث.
الشبهة السادسة:
هناك أسطورة شرقية تشرح لنا بطريقتها الخاصة الإخفاق الكردي في إنشاء كيان سياسي موحد. عندما بدأ الرسول (محمد صلى الله عليه وسلم) يبشر بدعوته تقدم إليه جميع قادة العالم مسرعين في تقديم فروض الطاعة والولاء له، وقد كلّف (أوغوز خان) الذي كان يحكم تركستان أميراً كردياً من بغداد إسمه (زمين) ليقوم عنه بهذه المهمة. وعندما رأى الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذا الجبار ذا النظرة الثاقبة واللون الداكن (الاسمر) استفسر منه عن قوميته، وعندما علم أنه كردي تضرع إلى الله راجياً أن لايسمح لعدو مخيف كهذا أن يتحول في يوم من الأيام إلى شعب موحد؟!! هكذا(47).
الرد على هذه الشبهة:
لقد نقل المستشرق الفرنسي الجنسية الروسي الأصل (باسيل نيكيتين المتوفى سنة1960م)هذه الأسطورة من المستشرق الروسي الآخر (البروفيسور نيكولاي مارالمتوفى سنة1934م)، وعن نيكيتين انتشرت هذه الأسطورة إلى بقية الناس، وأصبحت لدى البعض حقيقة مُسلَمة بها على الرغم من أن الأسطورة تحوي في ثناياها علىمعلومات متناقضة وكاذبة، مثل أن مدينة بغداد بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور في سنوات (145-149هـ) وأن الرسول محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) توفي سنة 11هـ، بالإضافة الى ذلك أن الرسول لم يلتقِ بأي تركي أو مغولي، فكيف به يكلف حاكم تركستان بترشيح وتكليف حاكم كردي من بغداد بلقاء الرسول (صلى الله عليه وسلم).
الشبهة السابعة:
الشبهة السابعة: لماذا لم يؤسس صلاح الدين الايوبي دولة كردية؟
الرد على الشبهة: ومن التهم المفبركة التي توجه لصلاح الدين من النخبة العلمانية الكردية بشقيها الماركسي والليبرالي، أنه لم يفعل شيئًا لبني قومه الكرد، أي لم يكون لهم كيانًا سياسيًا (دولة بالمفهوم المعاصر)، ولو قرأ هؤلاء التاريخ لوجدوا أن جميع الإمبراطوريات والدول من مختلف الأديان والملل (القوميات) التي قامت في العصور الإسلامية والوسطى، التي كانت معاصرة لصلاح الدين، كانت مبنية على أسس دينية بحتة، فالإمبراطورية الرومانية المقدسة كانت دولة مسيحية، والخلافة العباسية والفاطمية والدولة الأيوبية والمملوكية كلها كانت إسلامية، والدولة الصينية كانت كونفوشيوسية، وهكذا بقية دول العالم. الدولة القومية التي ينشدها القوميون، ظهرت في أوروبا بعد الثورة الفرنسية عام 1789م، وتحديدًا بعد الحركات القومية في عام 1848م، التي سادت أوروبا، حيث ظهرت للوجود دول قومية مثل: إيطاليا وألمانيا بعد هذا التاريخ.
الشبهة الثامنة:
محاولات العَلمانيين اسقاط أفكار ومناهج التاريخ الاوروبي على التاريخ الاسلامي الكردي.
الرد على هذه الشبهة:
إن منظري التيار العلماني بشتى أطيافه الماركسيواليساري والليبرالي يحاولون إسقاط أفكار ومناهج التاريخ الأوروبي الحديث على التاريخ الإسلامي قبل أكثر من ألف عام، أي بعبارة أخرى أرادوا فرض الحتمية التاريخية (المادية الجدلية)، ومركزية أوروبا على تاريخنا ومجتمعنا، رغم البعد الزمني الشاسع، ومراحل التاريخ المختلفة، والاختلاف الديني والفكري والاجتماعي والاقتصادي بين الشعوب الأوروبية وغيرها من الشعوبالمسلمة والشرقية، وبالذات (الشعب الكردي)، ولو عاد هؤلاء إلى مرجعياتهم الأوروبية لوجدوا أن لصلاح الدينالايوبي منزلة عندهم لا تساويها منزلة قائد مسلم آخر سوى رسول الإسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، وفق منظور الأوروبيين.
مما تقدم يبدو أن هذه الأساطير والشبهات والشكوك والافتراضات وغيرها لا تخدم بأي حال من الاحوال المسيرة التاريخية لشعبنا ولأمتنا، وإنما علينا أن نبني تاريخنا على أسس ومرتكزات صلبة تعتمد على المصادر التاريخية الأصيلة لجميع الامم التي كانت تجاورنا من عرب وفرس وبيزنطيين وترك وسريان وأرمن، وما لدينا من آثار وحفريات وتراث محفور في ذاكرة الشعب للخروج بمحصلة جيدة من الحقائق العلمية، لكي يتبوأ الجيل الكردي القادم مكانته الصحيحة بين الأمم، على اعتبار أن تاريخ الكرد وحضارتهم في الاسلام لا تقل عراقةً عن حضارة غيرهم من الأمم العريقة المجاورة.
المصادر والمراجع والهوامش
1– لمحة عن تاريخ الأكراد، مجلة دراسات كردية، المعهد الكردي، باريس، العدد 4، السنة التاسعة 1993، ص.22.
2- ملا. ع. كردى: كردستان والأكراد، المكتبة التقدمية الكردية (13)، دار الكاتب، رابطة كاوه للثقافة الكردية، الطبعة الاولى بيروت 1990.
3– ملا. ع. كردي: كردستان والأكراد، ص 74 – 75، وقارن بماورد في كتاب الأكراد في بهدينان الذي يذكر: ((يظهر من التحقيقات التي قمنا بها أن الأكراد لم يعتنقوا الاسلام اول الامر، وقد عاملهم ولاة المسلمين معاملة اهل الكتاب… ولكن قبل أن يمضي قرن اعتنقه اغلبهم طوعاً ورغبة وذلك لملائمته لأفكارهم وفطرتهم. أنور الماني: الأكراد في بهدينان، ص 79، وللإجابة على هذا التساؤل ينبغي مراجعة ما كتبه محمد امين زكى في كتابه خلاصة تاريخ الكرد وكردستان، ص 122 – 125، وبله ج شيركوه في كتابه (القضية الكردية ماضي الكرد وحاضرهم) إذ يقول فيه: ((وقد انتشر الاسلام في كردستان على يد خالد بن الوليد وعياض بن غنم الصحابيين الشهيرين))، ص 15. (الباحث).
4- هزار ميرد: كهف كبير يقع على بعد عدة كيلومترات في سفح الجبل الواقع جنوب غرب مدينة السليمانية.
5- كامل حسن البصير: من مشكلات اللغة الكردية وادبها، مجلة المجمع العلمي العراقي، الجزء الثاني المجلد الرابع والثلاثون، نيسان 1983، ص 99.
6- هو المستشرق الفرنسي الدومنيكي توماس بوا المتوفى سنة1975م في كتابه معرفة الأكراد؛ ترجمة: بافي آرام، ص46.
7- توماس بوا: معرفة الأكراد، ص 96.
8- عزالدين مصطفي رسول: الواقعية في الآدب الكردي،صيدا المكتبة العصرية 1966، ص 56.
9- جمال رشيد: دراسات كردية في بلاد ىسوبارتو، ص 62.
10- عزالدين مصطفي رسول: الواقعية في الآدب الكردي، ص 57.
11- كامل حسن البصير: من مشكلات اللغة الكردية، ص 99، ومعلوم أن الهمداني من اللُور وهم كرد بنظر المؤرخين العرب والكرد، وقومية مستقلة بنظر العديد من المستشرقين الاوروبيين، وفرس بنظر المؤرخين الفرس.
12- أسماء قصبات ومواقع في كردستان العراق، بالقرب من الحدود الإيرانية.
13- جاي م. رسولي وكاوي هـ. ألين: طبيب من كردستان سيرة وحياة الدكتور سعيد، دار السلام للنشر – مطبعة الحياة في دهوك، ص9، 24، 61.
14- فتحت الإرساليات التنصيرية البروتستانتية أول مركز لها في إيران في مدينة أورميه سنة 1835م، ومن هذه المدينة بدأت هذه الإرساليات القيام بحملاتها التبشيرية(=التنصيرية)، فكان أن وصلت إحدى هذه المجموعات إلى مدينة (سنة– سنندج) وتمكنت من تنصير سعيد ابن الملا رسول إمام إحدى مساجد مدينة (سنة).
15- حسام الدين النقشبندي: مجلة ههزار مێرد، وزارة الثقافة السليمانية، العدد 19، آذار 2002، ص131-132.
16- أ. ج. اربرى: تراث فارس، نقله الى العربية من أساتذة كلية الآداب جامعة القاهرة: محمد كفافي وزملائه(القاهرة: دار إحياء الكتب العربية،1959م)، ص 500؛ فتحي عثمان: الحدود الاسلامية البيزنطية بين الاحتكاك الحربي والاتصال الحضاري، ص 118؛ يقول المسعودي ان ملوك الفرس كانوا يذهبون الى هذه النار عند التتويج وبعبارة اخرى هي كعبة المجوس. ينظر بهذا الصدد: المسعودي: التنبيه والاشراف (بيروت: دار مكتبة الهلال، د.ت)، ص 83.
17- محمد امين زكي: خلاصة تاريخية، ص 120 نقلاً عن دائرة المعارف الاسلامية.
18- ياقوت الحموي: معجم البلدان، 5/375.
19- البلاذري: فتوح البلدان، ص 329.
20- ياقوت: 5/376.
21- المصدر نفسه، 5/376، ويأسف الباحث لما اورده ياقوت من مزايا سيئة اعتبرها من شيم الكرد بقوله: ((… إلا أن الأكراد في جبال تلك النواحي على عادتهم في إخافة أبناء السبيل وأخذ الأموال والسرقة ولا ينهاهم عن ذلك زجر ولا يصدهم عنه قتل ولا أسر، وهى طبيعة للأكراد معلومة وسجية جباههم بها موسومة، وفي ملح الاخبار التي تكسع بالاستغفار: ان بعض المتطرفين قرأ قوله تعالى: الأكراد اشد كفراً ونفاقا فقيل له: ان الآية الاعراب اشد كفراً ونفاقاً، فقال: ان الله عز وجل لم يسافر الى شهرزور فينظر الى ما هنالك من البلايا المخبأة في الزوايا، وانا استغفر الله العظيم في ذلك وعلى ذلك…)) ياقوت الحموي، 5/376.
22- الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 8/619؛ ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 5/487؛ ابن كثير: البداية والنهاية، مج5، ج10، ص295.
23- ابن خلدون: العبر، 3/258؛ ويعرف القزويني البذ بأنها كورة بين أذربيجان وأران كثيرة الضباب قلما تصحو السماء بها، منها كان مخرج بابك الخرمي أيام المعتصم بالله. .[القزويني، زكريا بن محمد بن محمود: آثار البلاد وأخبار العباد ( بيروت: دار صادر، د. ت)، ص511].
24- المسعودي: مروج الذهب، 3/442.
25- الديلمي، محمد بن الحسن: بيان مذهب الباطنية وبطلانه ( استانبول: مطبعة الدولة، 1938م)، ص24.
26- جوزي، بندلي: من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام( الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين: الطبعة الثالثة، 1981م)، ص83.
27- عصمة: لم أعثر على ترجمة له في كتب التراجم، ولعله أحد رؤساء القبائل الكردية المغمورين الذين لم يشر إليهم المؤرخون ما عدا اليعقوبي في تاريخه.
28- تاريخ اليعقوبي، 2/ 577.
29- مَرَند: بِفتح أوله وثانيه ونون ساكنة ودال مبهمة غير معجمة، تبعد عن تبريز مسيرة يومين، قال البلاذري: كانت مرند قرية صغيرة فنـزلها جليس أبو البعيث ثم ابنه محمد البعيث بنى بها محمد قصراً .ينظر: (ياقوت: معجم البلدان، 5/110).
30- بندلي جوزي: في تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام، 83.
31- عبد القاهر البغدادي: الفرق بين الفرق، 282.
32- العمرو، علي عبد الرحمن: أثر الفرس السياسي في العصر العباسي الأول، الطبعة الأولى 1399هـ/1979م، ص405.
33- جمال نبز: المستضعفون الكرد وإخوانهم المسلمين، 20-21.
34- المسعودي: مروج الذهب، 3/422؛ القزويني: آثار البلاد، 511.
35- لسترنج: بلدان الخلاقة، 227-228.
36- يطلق بندلي جوزي على إقليمي أذربيجان وأران مصدر الحركة المزدكية وعش الشيوعية، وكانت الحركات الاشتراكية التي ظهرت في إيران من يوم عرفها التاريخ، ويضيف بان جاويدان بن سهل أستاذ بابك الروحي وصديقه الأعز قد سلمه قبل وفاته زعامة الحزب الشيوعي في أذربيجان. جوزي: من تاريخ الحركات الفكرية، 93، 94)؛ وحول إباحة النساء للرجال. أنظـر (البغدادي: الفَرْقُ بين الفِرَق، 269)؛ (الديلمي: بيان مذاهب الباطنية، 24).
37- فازيليف: العرب والروم، ترجمة: محمد عبد الهادي شعيرة، راجعه: فؤاد حسنين علي(بيروت: دار الفكر العربي، د. ت)، ص113، 114.
38- الدينوري: الأخبار الطوال، 405.
39- يذكر المؤرخ الكردي محمد أمين زكي بأن المقصود بلفظة مهر هي مير في اللغة الكردية ومعناها الأمير في اللغة العربية، أنظر خلاصة تاريخية، 129، هامش 2، ولفظة مهر جاءت محرّفة والصحيح انها (ميرخوش)، انظر: الازدي، يزيد بن محمد بن أبا يزيد القاسم: تاريخ الموصل، تحقيق: علي حبيبة، (القاهرة: د،م، 1378هـ – 1967م) ، ص430.
40- ماتغيس: ذكر ياقوت بأنها: ((ناحية من أذربيجان وأردبيل يمر بها الزاب الأعلى)). معجم البلدان، 1/308؛ ويعتقد الباحث أن لفظة أردبيل ربما كانت خاطئة والصحيح أربل- أربيل؛ كما ان أحد الباحثين النصارى غير اسمها من بابغيس إلى بيث بغاش بالإملاء السرياني وحدد موقعها بالمنطقة الواقعة شمال شرقي قضاء شقلاوة في أعالي الزاب الكبير (منطقة بارزان وأطرافها) انظر: (أبونا، البير: شهداء المشرق، بغداد 1985، ج1، ص202، هامش 2)؛ وهو بهذا أقترب من تحديد ياقوتالحموي من ناحية التعريف ولفظ الاسم. كما أن المؤرخ الكردي محمد أمين زكي أدرجها في كتابه بلفظ باباكيس. وهذا خطأ. زكي: خلاصة تاريخية، 129.
41- داسن: اسم جبل عظيم يقع في شمالي الموصل من الجانب الشرقي لنهر دجلة، فيه خلق كثير من طوائف الأكراد ويقال لهم الداسنية. ياقوت: معجم البلدان، 2/432؛ ويعتقد الباحث أن جبل داسن يشكل منطقة بري كارهوالمناطق القريبة منها الواقعة جنوب قضاء العمادية التابعة لمحافظة دهوك في كردستان العراق – حالياً.
42- المؤرخ محمد أمين زكي: خلاصة تاريخية، 13.
43– يشير المؤرخ محمد أمين زكي إلى أن جعفر بن ميرخوش حسن الكردي لم يقتل وإنما شرب السم ومات ميتة الأبطال حسب تعبيره. خلاصة تاريخية، ص13، ولا يعرف الباحث من أين استقى محمد أمين زكي هذه المعلومة؛ ويبدو أنها من محض خياله كاستنتاج، ينظر: المرجع السابق، ص 44، وكان القائد التركي إيتاخ مشهوراً بالظلم وسفك الدماء، وقد غضب عليه في الأخير الخليفة العباسي المتوكل (227-247هـ/841-681م)، حيث ألقاه في السجن ومنع عنه الماء فمات عطشاً. ينظر: اليعقوبي: تاريخه، 2/593.
45- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 6/57-58؛ ومما يجدر ذكره هنا أن الدينوري في مدحه للمعتصم وكثرة فتوحاته ذكر ما يلي: ((وكانت في خلافته فتوحات لم تكن لأحد من الخلفاء الذين مضوا مثلها قبله، فمنها فتح بابك، وأسره وقتله إياه، وصلبه، ومنها مازيار صاحب قلعة طبرستان… ومنها جعفر الكردي، وقد كان أخرب البلاد وسبى الذراري فوجه الخيول في طلبه، ولم يزل به حتى أخذه وقتله، وصلبه إلى جانب بابك ومازيار…). (الدينوري: الأخبار الطوال، 402)؛ (ابن الفقيه: مختصر كتاب البلدان، 53)؛ومن جانب آخر أشار ابن العبري إلى حادثة أخرى من هذا القبيل بقوله: ((وفي تلك الأثناء انتفض موسى زعيم الأكراد في كردستان فسار إليه العجم في الشتاء فأهلك الأكراد منهم خمسة عشر ألفاً، وكان الأكراد متقلبين في خيامهم متعافين أما العجم فكانت أجسامهم تتقبض لشدة البرد وتنتشر أصابعهم)). (ابن العبري: تاريخ الزمان، 35).
46– الباحث الكردي ميرئال زيلاني.
47- باسيل نيكيتين: الكرد دراسة سوسيولوجية وتاريخية، نقله من الفرنسية إلى العربية وعلق عليه :نوري الطالباني، تقديم: لويس ما سنيون(أربيل: دار ئاراس، 2004م) ، ص212-213.
|