جـامـع طـوكيـو…منـارة الإسلام التي تضيء اليـابـان
كانت معرفة اليابانيين عن الإسلام في الماضي فقيرة جداً، فقد اقتصرت معلوماتهم على الترجمات القادمة من الكتب الصينية وغيرها من الكتب الأوروبية. ولم يحدث أي اتصال مباشر بين اليابان والبلاد الإسلامية حتى عام ١٨٩٠ حينما رست إحدى السفن التركية على أحد شواطئ اليابان بغاية أداء تحية عسكرية للأمير أكيهيتو الذي قام بزيارة الأستانة (إستنبول حاليا) في وقت سابق، ولكن السفينة تحطمت في طريق العودة على مقربة من محافظة واكاياما، ومات معظم من طاقمها، فأرسلت اليابان إحدى سفنها التي حملت الناجين من الباخرة التركية إلى الأستانة وكان هذا أول اتصال رسمي بين الإسلام واليابان. وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى، افتتح اليابانيون مفوضية بالأستانة وبدأ اتصالهم بالعالم الإسلامي، كما أرسلوا مبعوثاً لهم إلى مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر لتوثيق العلاقات بالعالم العربي الإسلامي. وبعد اندلاع الحرب اليابانية الروسية في مستهل القرن العشرين زاد احتكاك اليابان بالعالم الإسلامي، حيث لجأ إلى اليابان العديد من المسلمين المُبعدين من روسيا وقد قام هؤلاء بعد ذلك بنشر تعاليم الإسلام في موطنهم الجديد حيث أسلم على أيديهم العديد من اليابانيين.
وفي عام ١٩٢١ شهدت اليابان وصول نحو ٦٠٠ لاجئ من مسلمي تركستان وقد كان هذا أول وصول جماعي للمسلمين حيث ساهموا في تأسيس أول مسجد وجامع في طوكيو عام ١٩٣٥. وقد ازدهر انتشار الإسلام بين اليابانيين في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث اعتنق الإسلام بعض الجنود اليابانيين قبل عودتهم من البلاد الإسلامية في جنوب شرقي آسيا. وقام هؤلاء ببذل جهود فردية لنشر تعاليم الديان الإسلامي الحنيف في بقاع مختلفة من اليابان، كما تضافرت جهودهم وأسسوا الجمعية الإسلامية عام ١٩٦٠. وحالياً يتواجد في اليابان ما يقرب من ٥٠ ألف مسلم، وهذا عدد قليل جدا مقارنة مع عدد السكان الإجمالي الذي يتجاوز ١٢٧ مليون نسمة. ويقول البعض أن هذا العدد تقديري حيث لا تقوم الحكومة اليابانية بإدخال الديانات في الإحصاءات السكانية كما أن هناك العديد من المسلمين اليابانيين غير المسجلين في الجمعيات الإسلامية اليابانية.
جامع طوكيو
يقع جامع طوكيو في وسط منطقة سكنية هادئة بالقرب من محطة يويوغي أُو-إهارا بالعاصمة اليابانية طوكيو. ويتميز هذا الجامع بطرازه المعماري الضخم ومنارته الشاهقة مما يميزه عن باقي الأبنية والأشكال المعمارية الأخرى بالمدينة. وقد أقيم الجامع على الطراز العثماني القديم حيث يتشابه في التصميم مع الجامع الأزرق (جامع السلطان أحمد) في اسطنبول وكذلك جامع محمد علي بمصر، وقد تحول هذا الجامع إلى تحفة فنية يزوره الكثير من اليابانيين للاطلاع على الطراز المعماري العثماني والتعرف عن قرب على الإسلام والمسلمين. وقد تم تناول جامع طوكيو في العديد من وسائل الإعلام كالمجلات والصحف في السنوات الأخيرة، ومؤخرا أصبح هذا الوقف الإسلامي معلماً شهيراً للعديد من المسلمين في آسيا الوسطى. وجدير بالذكر بانه شارك في بناء المسجد الحرفيون والمهنيون الأتراك الذي تجاوز عددهم المئة والذين تم إرسالهم خصيصاً من تركيا لإنجاز هذا الصرح المميز، حيث جلبوا معهم الكثير من مواد البناء والمفروشات. واستغرقت عملية البناء سنة واحدة تم خلالها بناء المسجد في الطابق الأعلى والمركز الثقافي في الطابق الأرضي بالإضافة إلى الزخارف والديكورات الداخلية التي أضفت على الجامع الطراز العثماني القديم وجعلت منه قطعة فنية جميلة في مدينة طوكيو.
بداية تأسيس جامع طوكيو
يشير الإمام السيد نور الله أياز الى أن جذور جامع طوكيو ظهرت من آسيا الوسطى. ويستطرد بالقول: ”مع الأسف تعد علاقة اليابان مع العالم الإسلامي حديثة نسبياً حيث لم يكن هناك أي تواصل يذكر حتى نهايات القرن التاسع عشر. وقد كان أول وصول جماعي للمسلمين في بدايات القرن عندما لجأ حوالي ٦٠٠ مسلم من تركستان إلى اليابان إثر اندلاع الثورة الروسية عام ١٩١٧، وقد عمل هؤلاء بعد وصولهم اليابان على تأسيس جامع ومدرسة للأطفال. وقد وافقت الحكومة اليابانية عام ١٩٢٨ على قرار بناء المدرسة والتي اكتمل إنشاءها عام ١٩٣٥، كما اكتمل بناء المسجد عام ١٩٣٨“.
يستخدم الإمام جهاز الأيباد (ipad) خلال إلقاءه لخطبة الجمعة، وهذا أمر نادر مشاهدته إذا ما تمت مقارنته مع الأسلوب المتبع في خطب الجمعة في جوامع الدول العربية والإسلامية. يعلق السيد نور الله على هذا الأمر قائلا: ”الجامع هو مكان للعبادة. وفي نفس الوقت، هو مكان يجتمع فيه الناس. نحن نطبق الأعراف والعادات الحسنة من دون شك، ولكن نرغب أيضاً في جذب أكبر عدد من الناس لزيارة جامع طوكيو بدون أي تردد، ولذلك لا نمنع استخدام الهواتف المحمولة أو أجهزة الأيباد بالجامع وهذا بالطبع نموذج مختلف عن الجوامع في بالدول الأخرى. اضافة الى ان هناك العديد من السيدات اللواتي يقدمن للاستماع إلى الخطبة والصلاة يوم الجمعة، كما يجتمع العديد من المصلين مع بعضهم ويتناولون وجبات الطعام مباشرة بعد الصلاة. في نهاية المطاف، الهدف هو أن يجتمع الناس لكي يتجاذبوا أطراف الحديث بحب ومودة حتى وإن اختلفت عاداتهم وجنسيتهم أو حتى لغتهم“.
رغبة اليابانيين في التعرف على الاسلام
”في كل شهر، يشهر حوالي خمسة يابانيين إسلامهم في هذا الجامع، والعدد في نمو متزايد سنوياً. كما يزور هذا الجامع حوالي ١٥ألف ياباني سنويا، والكثير منهم يشارك في العديد من الفعاليات المتنوعة والتي تقدم لهم الفرصة للتعرف على الدين الإسلامي“.
”يشعر الزائر لجامع طوكيو ببعض الارتباك في البداية، ولكن هذا أمر طبيعي ولا يسبب أي مشكلة لنا على الإطلاق، حيث تعمل إدارة الجامع على تعريف الزائر في البداية على القواعد الأساسية الواجب اتباعها داخل المسجد. على سبيل المثال، يتوجب على النساء ارتداء الحجاب لتغطية الشعر كما يتوجب على الزائرين بما فيهم غير المسلمين التزام الهدوء وعدم التحدث أثناء الصلاة“.
لقاء مع بعض زوار جامع طوكيو
ناصر شاب فرنسي قدم إلى اليابان بغرض السياحة. يعمل حالياً في دبي. يقول ناصر: ”بحثت عن جامع طوكيو على الإنترنت. قمت بجولة سياحية في طوكيو وذهبت أيضاً إلى مدينتي كيوتو وهيروشيما. لقد قضيت وقتاً رائعاً. كما كانت صدمتي كبيرة عندما زرت مكان وقوع القنبلة الذرية في هيروشيما. اليابان بلد يتسم بالروحانيات. الناس هنا لطفاء جداً وطيبي القلب وهناك الكثير من الاحترام للقيم والعادات التي تقرب الناس من بعضها البعض“.
ازداد اهتمام السيدة أوكابي يوشيكو، وهي اختصاصية للعلاج بالعطور، وحب الاطلاع على جامع طوكيو عن كثب بعد المرور أمامه مرات عديدة. وخيل إليها أنها تسمع أصوات المصلين وكأنهم ينادونها فقررت التوقف قليلاً ثم الدخول إلى الجامع. حيث قالت: ”تبتعد اليابان اليوم عن هذا العالم الروحاني وهذا شيء محزن. يمكن للمرء الترابط مع هذا العالم عند الذهاب إلى مكان مقدس كالجامع حيث تصفو الروح وتغشيها السكينة“.
طالبات من جامعة أتومي للبنات قمن بجولة دراسية ثقافية إلى جامع طوكيو. تقول إحدى الطالبات: ”أشعر أن الناس هنا يستطيعون التواصل مع الله على الرغم من غياب شكل ما يصور الله في الاسلام. لقد تركت هذه الزيارة لديّ انطباعات قوية جدا“.
السيدة ساغاوا نوبوكو فنانة للخط العربي. شاهدت الأحرف العربية للوهلة الأولى على العلم الوطني للملكة العربية السعودية عندما كانت شابة صغيرة وكانت تلك نقطة البداية لمشوارها الفني في الخط العربي.
(الدعم الفني مقدم من المركز الثقافي التركي ومن جامع طوكيو، تصوير: كوديرا كي)