البحوث

النورانيون(= المتنورون) وتأثيرهم على مجريات الأمور في أوروبا والعالم

أ.د. فرست مرعي

المقدمة

النورانيون (باللاتينية: Illuminati) (إليوميناتي) ومفردها “illuminatus” إليوميناتوس، هم جمعية سرية تأسست في 1 مايو/ أيار عام 1776م فيما يسمى آنذاك (عصر التنوير). و(النورانيون) اسم يشير إلى عدة مجموعات، سواء التاريخية منها أو الحديثة، سواء كانت حقيقية أو وهمية، فمن الناحية التاريخية فإنه يشير تحديدًا إلى فرقة النورانيين في مدينة  إنغولشتات بولاية بافاريا في ألمانيا، وأما في العصور الحديثة فالنورانيون أو إليوميناتي أصبحت كلمة تستخدم للإشارة إلى التآمر أو (تنظيم المؤامرة المزعومة). تأثرت هذه المنظمة الراديكالية بفلسفة التنوير والعقل وناضلت من أجل حرية التعبير ضد التسلط والتحيز. وكان الهدف الرئيسي سيادة الشعب وإقامة مجتمع عقلاني من خلال التنوير وحسن الأخلاق. ويقال أن عددهم كان حوالي 2000 عضو. لقد تم حظر النورانيين بناءً على طلب من حكومة ولاية بافاريا، وكان الحظر الأول في عام 1784م عندما أُصدر حظر عام ضد كل المنظمات السرية، وفي عام 1785م كان الحظر صريحًا ضد منظمة النورانيين بالذات. وقد ضبطت السلطات البافارية كميات كبيرة من وثائق المنظمة وتم نشرها لاحقًا بمثابة تحذير. عندما تم حظر النورانيين في بافاريا هرب مُؤسّس مُنظّمة النورانيين: “آدم وايسهاوبت” ( 1738 – 1830م) من البلاد، وقاد المنظمة بعد فراره (يوهان كريستوف) الذي توفي في عام 1793م.

كان هناك العديد من الرموز الكتابية واللفظية المستخدمة للدلالة على أحداث أو طقوس معينة، ومن هذه الرموز على سبيل المثال ما يسمى (أوبرا موتزارت) و(الناي السحري) والذي يعتقد أنها تعبيرات لفظية تلخص اضطهاد الحكومة البافارية لبعض طقوس النورانيين في فيينا مثل (فريموريرلوسجنز).

في عام 1797 و1798م نشر كتابين مهمين: الاول لليسوعي الفرنسي (أوغسطين بيرويل) تحت عنوان (مذكرات في تنوير تاريخ اليعقوبيون)، والثاني بعنوان (الأدلة على وجود المؤامرة) اللإسكتلندي (جون روبنسون)، وكلا الكتابين يزعمان أن النورانيين منظمة موجودة وتعمل بسرية، مع ربطها ببعض الأحداث وبنظرية المؤامرة؛ ومن ضمن تلك الأحداث الثورة الفرنسية التي كانت جزءًا من خطة النورانيين لتغيير العالم، واتهمت هذه الكتب المنظمة بالوقوف وراء الحرب العالمية الأولى والثانية، والرأسمالية، والشيوعية والقومية والاشتراكية، والصهيونية، والإيدز، وإنشاء الأمم المتحدة، حرب فيتنام، وهجمات 11 سبتمبر/ إيلول عام2001م وحروب أخرى كثيرة، وكذلك اغتيال الرئيس الامريكي (جون كينيدي) في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني سنة1963م، وإنشاء منظمات سرية أخرى، ونشر الأمراض والفيروسات وما شابه ذلك.

في هذا الصدد يقول ليوبولد إنها تقوم بدور وهمي (للقوة الدافعة وراء العرش)، والتي يزعمون إنها تعني السيطرة على شؤون العالم من خلال الحكومات والشركات، وكل تنوير في نظر المؤسسات الدينية هو تآمر على الله، مع أن التنوير هو تجسيد للحداثة التي بدأت واستمرت مع النورانيين في ولاية بافاريا. ويأتي في هذا السياق القول كثيرًا بأن النورانيين هم وراء صناعة وبناء “النظام العالمي الجديد” (New World Order)، الكثيرون يعتقدون بأن النورانيين هم العقول المدبرة وراء الأحداث التي كان من شأنها أن تؤدي إلى إنشاء مثل هذا النظام العالمي الجديد.

أطلق على النورانيين عدة أسماء منها Perfectibilists”   ” و(منظمة الفرسان النورانيين) و (نورانيي بافاريا)، وفي الفترة التي سمح لهم بالعمل انضم إليها الكثير من المثقفين والسياسيين والدوقات، بما في ذلك (فرديناند) من برونزويك والدبلوماسي (كزافييه فون)، والبارون (أدولف فرانز) الذي كان أيضًا الرجل الثاني في المنظمة. يؤمن النورانيون بوجوب الولاء والطاعة لرؤسائهم، وقد كانوا مقسمين إلى ثلاث فئات رئيسية، وكل فئة تضم درجات. وكان لهذه المنظمة فروعًا في معظم بلدان القارة الأوروبية. وقد أغرى فكر النورانيين الكثير من الأدباء مثل: يوهان فولفغانغ فون غوته، ويوهان غوتفريد هيردر، وهناك الكثير من الكتاب أمثال مارك إلنرد، ديفيد آيك، رايان بيرك، لينا مورغان.

خلفية المنظمة وآدم وايسهاوبت

ولد آدم وايسهاوبت في إنغولشتات في بافاريا، التي كانت المقر الام لليسوعيين. وقد تم إلغاء (جمعية يسوع) في عام 1773م، إلا أن عقيدة اليسوعيين كانت لا تزال على قيد الحياة في بافاريا كونها كانت معقل الكاثوليكية في المانيا.

تأسست الجامعة عام 1472م في إنغولشتات، وقد كانت هيئة أعضاء تدريس الفلسفة واللاهوت تدار من قبل الكلية اليسوعية في الجامعة في 1549م، واستمرت على هذا الوضع لأكثر من 200 سنة. وبعد 1773م استمر اليسوعيون في ممارسة السلطة في الجامعة وفي بقية مدارس بافاريا. وقد تم تأسيس معظم الكليات لتكون تحت سيطرة اليسوعيون.

وتم تحريم قراءة الأدب والأفكار البروتستانتية وبعض المؤلفات العلمية المتأثرة بالتنوير. وفي منتصف القرن السابع عشر تم فرض الرقابة على كل ما يصطدم مع العقيدة الكنسية من أفكار التنوير. وقام الطلاب بنقل الأفكار المعاصرة العقلانية والعلمية من خلال تواصلهم مع زوار الجامعة، إلا أن هذه الاتصالات في ولاية بافاريا ولدت الشعور بالنقص، لأن الطلاب كانوا يشعرون بالإهانة بسبب الرقابة الكنسية؛ وكانت النتيجة شعور عام بالانتماء إلى طبقة دنيئة داخل الحياة الفكرية الأوروبية.

وقد أعلن الزوار أن هناك 28000 من الكنائس في المدينة، واعتبر ذلك مبالغة على الرغم من أن اليسوعيون كان لهم تأثيرًا كبيرًا. وقد قيل أن الأوروغواي الواقعة في أمريكا الجنوبية كانت المكان الوحيد الذي كان لليسوعيون تأثيرًا اجتماعيًا واضحًا فيه أكثر من بافاريا.

في جامعة إنغولشتات نظر مجموعة من الأكاديميين بازدراء إلى النهج اليسوعي للجامعة، وقالوا أن المسيحية مبتذلة، وأنهم في الواقع لا يريدون تدمير المسيحية ولكن يعتقدون أن ولاية بافاريا وحياة سكانها البسيطة يجعلها فريسة سهلة للمحتالين عديمي الضمير، وعلاوة على ذلك، أصروا على أن تدريس اليسوعية أعطى حرية التلاعب للمحتالين.

في عام 1745م كان (ماكسيميليان جوزيف) الرئيس الجديد للجامعة، وباعتباره الأمين والمنسق قام بتعيين البارون (يوهان آدم إكستيت) الذي أعاد تنظيم التعليم الجامعي لكن مع المزيد من الليبرالية. وقام بالغاء الرقابة المفروضة على قراءة الأدب وافكار البروتستانتية والأفكار العلمية التي كانت محرمة سابقًا، وأنشأ كليات جديدة مثل كلية القانون وكلية الاقتصاد السياسي. وقد كان من بين الطلاب جورج وايسهاوبت، الذي أصبح أستاذ القانون في الجامعة.

لقد قام البارون يوهان بتحرير التعليم، وإلغاء الرقابة الكنسية، وكانت لديه رؤية لتحويل الجامعة إلى مدرسة مرموقة لتكون منارة للتعليم في أوروبا في  دراسة السياسة والقانون والاقتصاد. وأصبحت سمعة الجامعة تعني الكثير لطلاب الجامعات الأخرى، وكان الكثير من الطلاب يرغب في الالتحاق بكليات بافاريا. ولأن ماكسيميليان جوزيف لم يكن مستعدا لكسر الإيمان الكاثوليكي قام بإعادة هيكل السلطة الدينية داخل النظام المدرسي قبل وفاته في العام 1777م، و تقديراً لعصر التنوير تم تأسيس أكاديمية ميونيخ في عام 1759م.

تأسيس المنظمة

تأسست منظمة النورانيين في 1 مايو/ أيار عام 1776م على يد (آدم وايسهاوبت) الذي ولد في 1738م وتوفي في 1830م، وهو أستاذ القانون الكنسي والفلسفة العملية في جامعة إنغولشتات في (بافاريا العليا) عند حظره لحركة المسيحيين اليسوعيين، وقد أسس منظمة النورانيين على أنها منظمة تعنى بتحسين مهارات التفكير والتعلم وذلك وفق نظريات وأفكار معينه مبنية على الحكمة وحرية التفكير و(تنوير العقل) بنقله من ظلام الجهل إلى نور المعرفة. وقد كانت الحركة في بدايتها تتألف من المفكرين الأحرار وهم الامتداد الطبيعي لحركة التنوير التي سادت في بافاريا، ولقد كان للنورانيين دور رئيسي في أحداث الثورة الفرنسية كما كان لبعض الفلاسفة و واعضاء الماسونية الحرة..

قام آدم وايسهاوبت باختيار (بومة منيرفا) كرمز للنورانيين، وهي آلهة الحكمة لدى الرومان. ثم قام بإنشاء محفل الشرق العظيم Lodge of the Grand Orient، وهي محافل ذات طابع ماسوني، لتكون مقر قيادة المنظمة، وبما أن اليسوعيين ذوي نفوذ آنذاك، استغل وايسهاوبت ذلك النفوذ كونه قسًا فقام بحظر حركة المسيحيين اليسوعيين لإنشاء منظمته وأيضا بسبب حماسه الشديد لأفكار عصر التنوير. وبالرغم من أنه كان قساً، إلا أنه ارتد عن المسيحبة .

ألقى آدم وايسهاوبت خطابًا على المتنورين الجدد وقال فيه: “كل من يريد أن يقدم الحرية العالمية بنشر الوعي العام، ولكن ليس مجرد كلمة وعي, إنها نظرية المعرفة المجردة والتأمل، والمعرفة النظرية، وتفجير طاقة العقل، ولكن لاشيء لإصلاح القلب”.

الإيديولوجية والفكر النوراني

لقد تمت صياغة أفكار النورانيين بواسطة وايسهاوبت. وقد تم توثيق هذه الإيديولوجية في كتب وايسهاوبت التي ظهرت بعد إلغاء شرعية المنظمة، وكذلك الوثائق الداخلية التي أتيح للجمهور الاطلاع عليها من قبل حكومة ولاية بافاريا. وتتميز الوثائق انها تظهر حقيقة أن المنظمة متطورة ومتقدمة أكثر من أي وقت سابق، وليست مجرد عرض منهجي للفكر.

وفي لمحة عامة عن هذه الأيديولوجية، تبدو واضحة في كلمة وايسهاوبت التي ألقاها عام 1782م، الفكرة الأساسية هي أن الإنسانية في هذا الوقت “لا تحتاج إلى الروحانية”، أي أن الروحانية ثانوية وليست ذات أهمية، كما أن الناس ليسوا قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم ويحكمهم حكامهم. لذلك، يجب تربية الشعب على أن يكون حرًا ومستقلاً. وقد بنى هذا الفهم للإنسان والمجتمع على فهم التاريخ لأنه من منظوره الشخصي يعيد ذلك إلى ثلاثة عصور. الحقبة الأولى وهي الحالة الطبيعية، حيث الأسرة تمثل الوحدة الأساسية والناس قد يمكنهم سد احتياجاتهم الأساسية، وقد تميز هذا العصر بالمساواة والعدالة. أما الحقبة الثانية فهي ظهور المجتمعات الثقافية، وقد أدى ذلك إلى اختفاء المساواة والعدالة كما أن القومية نشأت في ذلك الوقت، ومفهوم وايسهاوبت كان شديد الانتقاد لحقوق الملكية الخاصة والسيطرة الاستبدادية. أما الحقبة الثالثة فهي أن الإنسانية لم تصل بعد، وسمى وايسهاوبت ذلك بـ (مملكة العقل). وهنا الحرية والمساواة ستعود إلى أعلى مستوياتها. ينظر وايسهاوبت إلى أنه من الضروري أن يصل البشر إلى حالة (النضوج الروحي)، وعند الوصول إلى هذا النضج سيقع الاستبداد، ولكن لتحقيق هذا الهدف يجب إبلاغ الناس، وهذا ما اعتبره النورانيون مهمة المنظمة. ولكن نظرًا لأن الاستبداد كان قويا جدا لم يتمكنوا من نشر تلك الأفكار بين الناس علنًا، وبالتالي اضطرت المنظمة إلى أن تكون سرية. وهناك سببًا آخر للسرية وهو أن الناس ليسوا على استعداد لسماع أفكار النورانيين وليسوا مهيئين لها. فلذلك كان لابد من القيام به تدريجيًا وبحذر. “لجعل الطريق إلى التنوير ممكناً، فإنه ليس من الممكن أن تبدأ مع العالم كله دفعة واحدة. إبدأ مع نفسك، ثم قم بإيصال ذلك إلى شخص آخر، ثم قم أنت والشخص الآخر بإيصال ذلك إلى شخص ثالث ورابع, وهكذا. — كلمة وايسهاوبت أمام الأعضاء”.وكان لدى وايسهاوبت نموذجين تاريخيين لعمله التعليمي. يعتقد وايسهاوبت أن النموذج الأول كان يسوع، وهو يؤمن بأنه حاول تعليم الناس كيفية الحصول على حريتهم الطبيعية. والنموذج الثاني هو (الماسونية الأصلية), كما أنه يعتقد بأن الماسونية والمسيحية لم تعد تتصل ببعضها البعض. وكان وايسهاوبت يحلم في مجتمع مثالي قائم على المساواة بدون طبقية، والاعتماد على ملكوت العقل وليس الملوك والحكام، ومن دون حدود دولية، وبدون كنيسة وبدون ملكيات خاصة. وهذا أيضاً ما كان يعمل النورانيون ن من أجل تحقيقه.خ

السنوات الأولى من عمر المنظمة

في الاجتماع الافتتاحي في 1 أيار/مايو عام 1776م، تم تأسيس عدة درجات مثل: المبتدئ  ومنيرفال  ومنيرفال المتنور (كبير المتنورين) أو ميجورمنيرفال نسبةً إلى بومة منيرفا.

وقد كان يرمز للدرجة الثالثة (بومة مينرفا) مع أربعة حروف “P.M.C.V” وهي اختصار لهذه العبارة اللاتينية (per me caeci vident) وتعني (يمكن للأعمى أن يرى من خلالي).

في طقوس التكريس عند النورانيين، يقول (كبير النورانيين) التالي:”ابحث عن المخلصين، ابحث عنهم في وسط الاضطرابات والعواصف. إنهم مختفون في الظلام، تحميهم ظلال الليل، وحيدون وصامتون، أو ملتمو الشمل لكن بأعداد صغيرة، إنهم يسعون إلى تدريب الأطفال على كيفية إكمال عملهم تحت رعاية وتوجيهات رؤسائهم. إنهم يبكون بصوت عال من أجل أطفال العالم الذين عبروا العواطف المسمومة. من هم القلة الذين يصغون إليهم! فقط، الذين لديهم عيون الطير مينرفا، الذين وضعوا عملهم تحت حماية النجوم في الليل، واثقون من العثور عليهم”.

يمكن أن ترمز بومة منيرفا أيضا إلى (درجة التجسس) على الأعضاء. يوجد اليوم ثلاث ميداليات منقوش عليها بومة منيرفا، والتي كان يرتديها أفراد من الدرجة الثالثة. اثنتان من الميداليات موجودة ضمن ممتلكات خاصة في ألمانيا والولايات المتحدة، والثالثة موجودة في متحف فيينا التاريخي.

كان وايسهاوبت زعيمًا بلا منازع للمنظمة وقد سمح بكل قيود الأيديولوجية. بالإضافة إلى أفكار التنوير الراديكالي، وقد كان متأثرًا ببعض الأفكار المعينة المستوحاة من العصور القديمة، بما في ذلك أسرار (إيزيس) وأسرار (إليوجينيا) و(فيثاغورس). كان لدى وايسهاوبت دافعًا لحماية طلابه من المؤامرات اليسوعية لكي يضمن لهم الوصول إلى درجة يستطيعون فيها نقد الكنيسة. في البداية كانت حلقات القراءة تحت سيطرة القساوسة (20 عضوًا)، وفي عام 1780م كان العدد قد زاد إلى (60 عضوًا)، وكانت حلقات القراءة موجودة في خمسة مراكز في ولاية بافاريا: إنغلوشتات وميونيخ وريجينسبرج، فريسينج وفوكس شتات.

نظم وايسهاوبت ترتيب هرمي مع استخدام مكثف للرموز. واطلق اسم (اريوبغيتر) “Areopagitter” على كل عضو من أعضاء إدارة المنظمة ويتم اختيار أعضاء الإدارة بواسطة وايسهاوبت. بيد أن  أعضاء الإدارة فقط هم الذين يعرفون من هو قائد المنظمة (وايسهاوبت)، وهم الذين يمكنهم الإطلاع على أنظمة وأسرار المنظمة كاملةً. واسم الإدارة Areopagittenes مأخوذ من حضارات قديمة مثل : مصر واليونان وروما القديمة والصين. وكان لدى وايسهاوبت اسمًا مستعارًا للإدارة وهو (سبارتاكوس) “Spartacus”. باستثناء الاسم الرسمي فرانز زواك الدانوب “The Danube”. لم يكن هناك أعضاء من طبقات المجتمع العليا في إدارة المنظمة حتى عام 1780م.

علاقة وايسهابت مع الماسونية

كان وايسهاوبت في البداية يعتبر الماسونية مجرد نادي يمارس فيه القليل من الطقوس الفكرية. بالإضافة إلى ذلك، أن الأعضاء في كثير من الأحيان لم يكن بينهم أشخاص سياسيين وكانت بعيدة عن السياسة. بدأ وايسهاوبت في نهاية المطاف بتغيير آرائه بعد اقتناعه باقتراحات “فرانز زواك” الذي بدوره اقترح تحالف منظمة المتنورين والماسونية. وقد اقنع فرانز وايسهاوبت بأن المحافل الماسونية تعتبر مكانًا جيدًا لتجنيد أعضاء جدد، ومن ثم جعل (المتنورين) أصحاب الدرجات العالية. يقصد فرانز “السيطرة على قيادات الماسونية ليكون المتنورين هم قيادات الماسونية العليا وبالتالي يكون الملتحقون الجدد بالنوادي الماسونية قد التحقوا بالمتنورين تحت اسم الماسونية، لكن تبقى درجات المتنورين هي الأعلى وهي المتحكمة في كامل النظام، دون أن يعلم الجدد أي شيء عن درجات المتنورين حتى يصل إلى درجة عالية في الماسونية، وقد يتأهل بعدها ليكون من المتنورين بحسب مكانته واخلاصه”.

في عام 1777 أصبح وايسهاوبت عضوا في محفل Theodor zum boy Rath”  ” في ميونيخ. وقد كان يعرف هذا المحفل بتقيده الصارم بالأنظمة وقد كان التقيد الصارم هو الاتجاه السائد في الماسونية الألمانية بشكل عام. تأسس المحفل على يد الماركيز فون كونستانزا في عام 1773. وفي رسالة غير مؤرخة، كتبها وايسهاوبت قبل 12 فبراير 1777, كتب فيها ما يلي: «سأذهب إلى ميونيخ قبل الكرنفال، وسنلتقي في اوردن فريمورير الشهير (F ∴ ∴ M).. عملنا يسير بطريقة جيدة، (ولقد تعلمنا كيفية بناء علاقات جديدة (وبسرية) وسوف نقوم بذلك لنصبح (أقوى من الآخرين)». وفي منتصف 1779 كان المحفل قد أصبح تحت هيمنة أعضاء المنظمة، وأصبح من الناحية العملية جزءً من المتنورين.

كان وايسهاوبت في البداية يعتبر الماسونية مجرد نادي يمارس فيه القليل من الطقوس الفكرية. بالإضافة إلى ذلك، أن الأعضاء في كثير من الأحيان لم يكن بينهم أشخاص سياسيين وكانت بعيدة عن السياسة. بدأ وايسهاوبت في نهاية المطاف بتغيير آرائه بعد اقتناعه باقتراحات (فرانز زواك) الذي بدوره اقترح تحالف منظمة النورانيين والماسونية. وقد اقنع فرانز زواك وايسهاوبت بأن المحافل الماسونية تعتبر مكانًا جيدًا لتجنيد أعضاء جدد، ومن ثم جعل (النورانيين) أصحاب الدرجات العالية. يقصد فرانز (السيطرة على قيادات الماسونية ليكون النورانيون هم قيادات الماسونية العليا وبالتالي يكون الملتحقون الجدد بالنوادي الماسونية قد التحقوا بالنورانيين تحت اسم الماسونية، لكن تبقى درجات النورانيين هي الأعلى وهي المتحكمة في كامل النظام، دون أن يعلم الجدد أي شيء عن درجات النورانيين حتي يصل إلى درجة عالية في الماسونية، وقد يتأهل بعدها ليكون من النورانيين بحسب مكانته واخلاصه).

قبل عام 1780م لم يكن هناك إقبال على الالتحاق بالمنظمة، وبسبب قلة تجنيد أعضاء جدد قام بعض أعضاء إدارة المنظمة بإتهام وايسهاوبت بالسيطرة المطلقة والاستبدادية. وفي  يوليو/ تموز عام 1780م،  دخل البارون أدولف فون فرانز في منظمة النورانيين، وهو مؤلف معروف في الحياة الفكرية الألمانية، وقد كان مهتمًا بالجمعيات السرية، كان غامضًا وذو تقاليد سرية غير معروفة إلا لفئات قليلة، جعلت منه عضوًا في العديد من المحافل الماسونية وجمعيات سرية أخرى قبل أن ينضم إلى النورانيين. وبالتالي بعد انضمامه إلى المنظمة تشكل لدى النورانيين شبكة واسعة من الاتصالات بالمحافل الماسونية والمجتمعات الفكرية في جميع أنحاء ألمانيا. وقد كان ماهرًا في التنظيم والإدارة، لذلك بادر في طلب الإدارة من وايسهاوبت وبدأ بعدها في تجنيد أعداد كبيرة، وقام بتحويل النورانيين إلى (أعلى درجات) داخل الماسونية. وقد قام أدولف فرانز بإخماد الصراعات الداخلية في إدارة المنظمة من خلال إجراء تعديلات على الهيكل التنظيمي. بعدها لم يعد وايسهاوبت الحاكم الوحيد للمنظمة، وتمت إعادة توزيع الإدارة بين أعضاء المنظمة، وتم استخدام لقب جديد وهو (محافظ).

نشاط وتنظيم الرجل الثاني (البارون أدولف فون فرانز)

على الرغم من كل الرؤى حول منظمة النورانيين ونظريات المؤامرة، كانت الدلائل تشير إلى أن المنظمة لم تكن أكثر من مجرد منتدى للنقاش الراديكالي الجذري، على أن تكون أعمار الأعضاء على الأقل 18 عاما، مع استبعاد النساء واليهود والوثنيين والرهبان وأعضاء الجمعيات السرية الأخرى.

الأسماء المستعارة للأعضاء والمدن كانت في كثير من الأحيان مستوحاة من الأساطير اليونانية والرومانية. على سبيل المثال ميونخ أطلق عليها اسم (أثينا). وقد أعد فرانز خريطة للمنظمة بأكملها، التي وأطلق عليها اسم ألمانيا «آشور» ثم قام بتقسيمها إلى ثلاثة مراكز رقابية وسماها «أكايا» و«إثيوبيا» و«أبيسينيا» وتعني (الحبشة), ثم قام بتقسيم هذه المراكز إلى محافظات أخرى، كل المقاطعات والدلائل والاتجاهات مع كل الأسماء المستعارة كانت ضمن الخريطة التي أعدها فرانز.

تم إعداد قوائم القراءة المناسبة لمختلف رتب الأعضاء. في سنة 1778م كان على قائمة القراءة العديد من الأعضاء مثل: سينيكا وأبكتاتوس وبلوتارخو كريستوف فيلاند مارتن وكلود ادريان هلفتيوس، وكان هناك فلاسفة آخرون من فلاسفة الأدب والأخلاق، كما أن هناك العديد من كتابات الأدب الفلسفي الأخرى التي لابد أن تقرأ. كان هناك تسلسل هرمي صارم في النظام. أعضاء الإدارة فقط هم الذين كانوا على اطلاع بأهداف منظمة النورانيين الحقيقية. أما الغرباء والأفراد من الدرجات الدنيا لايعرفون شيئاً سوى أنها منظمة معتدلة سياسيًا وأنها تؤكد على نمو شخصية الفرد وتنوير فكره. وقد كان كل عضو يقدم تقريرًا للعضو الأعلى منه رتبة.

كانت هناك تلميحات قوية وواضحة بين الأعضاء لفرض المزيد من الغموض على المنظمة، وقد أصبحت هذه الخطوة أقوى مما كانت عليه خصوصًا بعد مجيء فرانز. أما وايسهاوبت فقد كان متأثرًا بأصحاب الأفكار الباطنية الغامضة، وخاصة الذين يمتلكون أسرار المعرفة. قام فرانز بتصنيف المنظمة ضمن ثلاث فئات كل فئة مكونة من ثلاث درجات: المبتدئ ومنيرفال ومنيرفال المتنور. الطبقة الثالثة تحتوي على فئتين من الدرجات، درجات ذات غموض وسرية قليلة نسبيًا وهي: الكاهن  والأول أو الأمير ودرجات شديدة الغموض والسرية وهي: الدجال والملك.

تعليمات قبول الاعضاء وسلم درجات المنظمة

في البداية كانت المنظمة لا تقبل إلا الشبان فقط، يبدأ الشاب بدرجة (مبتدئ). وقد كان يتم التركيز على الطبقات الاجتماعية المتحضرة أكثر من العادية. إن اجتماع أفراد ممن لديهم ميول فكرية مشتركة ومتوافقة مع رئيس المنظمة أو الجمعية يعتبر من أهم ركائز الجمعيات السرية، وقد كانت منظمة المتنورين من اشد الجمعيات السرية التي تحرص على توافق أفكار الأعضاء ويعد من أهم عوامل تفوقهم على غيرهم. بالإضافة إلى التدقيق الذي إنتهجه فرانز في وثائق الأعضاء الجدد وتوثيق العضويات كان أيضاً من أكبر الدلائل على أن النورانيون كانوا متفوقون على جميع أشكال الماسونية الأخرى، وكان من شأن تلك الطرق ألا تتسبب في تدهور المنظمة، كما أنها تعتبر الحل الوحيد الذي سيعيد للماسونية نقائها الحقيقي. كان لدى المنظمة آلية معينة في قبول الأعضاء الجدد، فعند التحاق عضو جديد يقول له معلمه أن الهدف الرئيسي هو تطوير شخصيته الأخلاقية ومبادئه الإنسانية، ومساعدة الناس في العثور على مكانهم المناسب في المجتمع وفي العالم. يقوم هذا المبتدئ بأداء القسم على أن يحافظ على السرية التامة وأن يقدم مصلحة المنظمة على مصالحه الشخصية، وعليه أن يقدم وصفاً دقيقاً ومفصلاً عن عائلته وعن مهنته، وماهي الكتب التي يقرأها، وأسماء أعدائه وأسباب الخلافات التي وقعت بينه وبينهم، وماهي صفاته الجيدة والسيئة، وأسماء الأبوين وأصدقائهما، وماهي اهتماماتهم ومصالحهم. ويتم كتابة تقارير شهرية عن المبتدئ، ويسئل عن الكتب التي استفاد منها خلال هذه الفترة. يعتمد تقدم المبتدئ إلى مستويات أعلى على تجنيده لأعضاء جدد، وأيضاً بعد مقابلة مع معلمه الذي تم اختياره عن طريقه يمكن ترقيته إلى المستوى التالي بعد سنتين. في الدرجة الثانية، يمكن تعيين (المنيرفال) من المرة الأولى التي يتصل فيها مع أعضاء آخرين في المنظمة. وقد تم تصميم طقوس (لدرجة منيرفال) ويقوم بهذه الطقوس لإزالة أي شبهة حول أن هدف المنظمة هو إسقاط الحكومة أو إسقاط سلطة الكنيسة. وأن المنظمة قد قطعت عهدا لخدمة الجنس البشري مع الصمت الأبدي عن وجود المنظمة، والتأكيد المتكرر على التضحية بالمصالح الشخصية في سبيل سيادة المنظمة. يحصل المنيرفال على جائزة النظام الأساسي، مع التزامات إضافية ودراسات موسعة ومتخصصة للغاية. ويقوم الأعضاء بإبرام وعوداً بمساعدة بعضهم البعض في نفس المنطقة التي يتواجدون فيها، بما في ذلك المساعدة في الحصول على طلبات (سفر الطلاب)، والمساعدة في كتابة وإصدار كتب بعضهم البعض، ومقاطعة المكتبات التي عارضت إصدار كتبهم أو قامت بتأخير إصدارها، كما أنهم قطعوا وعوداً بالاعتراف العلني لبعضهم البعض. وحسب رساله خاصة لـ (فرانز) و (وايسهاوبت) جاء فيها أنهما خططا لإنشاء جامعة حرة، مع مكتبة تحتوي على أعمال أدبية وعلمية، وجعل الدراسة على درجة من الإنسانية، ودراسة كتب المؤلفين الكلاسيكيين، بالإضافة إلى الأفكار الثورية. في الدرجة الثالثة، منيرفال المتنور، ومهمته هي البدء في التشديد على تطوير شخصية أولئك الذين يريدون تحقيق مزيد من التقدم. وكان من المعروف أيضاً أن أعضاء الدرجة الثالثة يقومون بقيادة مجموعات معينة من الأشخاص، وبعضهم كان من قادة المنظمة ولكن لا يعرف أعضاء المنظمة العاديون ذلك، وكانوا يقومون بذلك لتحقيق أعلى درجات الكمال في المنظمة والتطوير السريع للأعضاء العاديين. يتم تعيين مسؤول من الدرجة الثانية على عضوين إلى أربعة أعضاء من (المستوى الثالث) من الدرجة الأولى، كل ذلك يتم من خلال إطار تنظيمي معقد.

التجسس على أعضاء المنظمة

يوجد في المنظمة عناصر للتجسس على الأعضا، ووفقاً لكتيب كتبه وايسهاوبت “مبدأ التجسس المتبادل مع جمعية يسوع”، وكان وايسهاوبت يطبق تنظيم جمعية يسوع في المنظمة حيث كان يؤمن بالنموذج التنظيمي للجمعية، وايسهاوبت كان أعمى تماما عن حقيقة أن وجود نظام التجسس المتبادل سيدمر تدريجيا الثقة المتبادلة بين الأعضاء. وقد أدى ذلك إلى الصراعات الداخلية، وأصبح في نهاية المطاف أحد الأسباب الرئيسية التي أضرت بالمنظمة، حيث قام بعض عناصر التجسس بالتعاون مع السلطات لمجرد وجود خلافات شخصية بينهم وبين الأعضاء الآخرين.

وكان هناك أعضاء من المستوى الثالث يشاركون في اجتماعات الأعضاء من الدرجة الثانية، على الأقل مرة واحدة في الشهر، وذلك للاستماع إلى تقارير من مرؤوسيهم في الدرجة الثانية، ومناقشة أفضل السبل لتحقيق التقدم وحل المشاكل، ويتم تسليم محاضر هذه الاجتماعات إلى الرؤساء.

أول ثلاثة رتب في الدرجة الثانية، تندرج تحت مستوى واحد وهي متطابقة إلى حد كبير مع درجات (محفل القديس يوحنا) أو (المحفل الأزرق) في الماسونية، وهذه الدرجات كان يطلق عليها في المحفل الماسوني “مبتدئ” و”بارع” و”سيد”. ولا يتم الاحتفاظ بنتيجة الطقوس الخاصة التي كانت تمارس في هذه الدرجات. وقد تم التحالف بين المنظمة والماسونية من خلال هذه الدرجات بالذات، وهي التي فتحت الطريق لتجنيد أكبر عدد من الأعضاء الجدد. كما أن الدرجتين “قائد نوراني” و”كبير النورانيين” تقابل نفس الدرجات في (محفل القديس أندرو) أو (المحفل الأسكتلندي) أو (المحفل الأحمر). أيضاً ليس من الضروري أن يكون العضو ماسونياً لينظم إلى النورانيين، كما أن درجة النورانيين العاديين تساوي أول ثلاث درجات في الماسونية.

ويخضع المرشحون للحصول على درجة ” كبير النورانيين” لتحقيق شامل في علاقاتهم بالمنظمات المغلقة والسرية الأخرى ودوافعهم للحصول على هذه الدرجة. وعند البدء في هذا التحقيق يقام طقوس مشابهة إلى درجة كبيرة لطقوس الماسونية، كما أن ذلك ينطوي على أربعة التزامات، أن يبادر المرشح إلى إعطاء وصفا مفصلا لصفاته الخاصة والمميزة، وأن يستمر في المساعدة على تجنيد أعضاء جدد، وتقديم مصلحة المنظمة على مصلحته، والتعاون مع أعضاء آخرين من نفس الدرجة في إدارة الاجتماعات في الدرجة الثالثة.

الدرجة السادسة، ويدعى (القائد المتنور) أو (الفارس الإسكتلندي)، وهو ملتزم بكل وجهات النظر من خلال اليمين الذي يؤديه، والمتضمن تركه أي نظام آخر في الماسونية عدا المتنورين، وعدم الانتماء إلى أي جمعية سرية أخرى. تبدأ طقوس هذه الدرجة مع مأدبة مصممة وفقاً للقربان المسيحي المقدس، حيث يتم توزيع الخبز والخمر على الأعضاء. المنظمة مقسمة على شكل (فروع)  أو (محافل) داخل الأقاليم، وقد كانت الأقاليم تسمى (مقاطعات) حسب خريطة فرانز، وكل عضو من الدرجة السادسة يعين كقائد عام على الفروع الموجودة ضمن إقليم معين. وأعضاء هذه الدرجة “قائد نوراني ” يقودهم حاكم، ويقوم بإعطائهم براءات الاختراع عند إنشاء محافل جديدة بواسطتهم. وكان يتم اختيار أماكن جغرافية إستراتيجية لإنشاء المحافل والفروع فيها. وقد عملت الفروع على التسلل إلى المحافل الماسونية ذات الأنظمة الأخرى (المختلفة عن نظام النورانيين) من أجل تحويلها لتصبح تحت إدارة النورانيين. وإذا فشلت الفروع في ذلك فإنها تقوم من جديد للعمل بنشاط لكن هذه المرة لغرض تدمير تلك المحافل الماسونية التي لم ينجحوا في اختراقها وتحويلها.

كانت أغلب درجات (الفروع) مكونة من أعضاء الدرجة الثالثة، ويطلق على (الأعضاء  ) Epopter”    إبوبتر” بشكل عام، ويطلق على(الرؤساء)  Hierophants” هايروفانتز”.

في درجة الكاهن، تبدأ طقوس هذه الدرجة بانتقاد السياسة المعاصرة، والحركات الدينية. ويوضح الكاهن أن جهوده تهدف إلى قيادة البشرية بعيدا عن الطرق المسدودة التي وصلوا إليها بسبب سياسات الدول وبسبب الدين، وأن ذلك هو سبب المعاناة البشرية. وأنه يجب إلغاء الملوك والحكام وإنشاء مجتمع جديد بدون طبقات، وبدون دول وبدون حدود. في هذه الدرجة يتم دراسة الفيزياء والطب والرياضيات والتاريخ الطبيعي والعلوم السياسية، والفن، والعلوم الغامضة (مثل السحر والتنجيم). والوصول إلى هذه الدرجة يخضع مباشرة لقيادة النظام العليا. وأعضاء هذه الدرجة يشاركون في اجتماعات في مستويات أدنى أحياناً دون أن يعرف الأعضاء أنهم كهنة، لأن هوياتهم دائماً مجهولة.

درجة الأمير أو الأول، يسمح نظام المنظمة الأساسي لعدد قليل جدا من الأعضاء بالوصول إلى هذه الدرجة. هناك 12 مقاطعة تندرج تحت 12 محافظة، وكانت أسماء المحافظات وعواصمها تحت الأسماء مستعارة. وقد كان بين قيادات المنظمة أعضاء بدرجة “أمير”مثل: المفتشون الوطنيون والمحافظون (ويسمون أيضًا الحكام، ويعين كل واحد على محافظة). وهذه الدرجة ومافوقها ترأسها القيادات العليا في (إدارة المنظمة)   Areopagittenes” اريوبغيتنز”.

نجاح المنظمة من خلال عضوية شخصيات مهمة

ومن أبرز الشخصيات المعروفة سياسياً واجتماعياً وثقافياً ممن كانوا أعضاءً في منظمة المتنورين: الشاعر يوهان فولفغانغ فون غوته، الملحن يوهان سيمون ماير ، الفيلسوف يوهان غوتفريد فون هردر “داماسوس”، يوهان هاينريش بستالوتزي، الدوق فرديناند من برونزويك، الدوق ارنست لودفيغ الثاني، الأمير كارل هيسن، كارل تيودور فون ديلبيرغ،  يوهان لودفيج كارل فون “آريان”، فرانز جورج كارل فون الذي كان سفيرا لكوبلنز،  جوزيف بريغيدو (توفي في سنة 1817م)، و كان حاكما لغاليسيا  في أوروبا الوسطى 1780-1794 ليوبولد فو (1727 – 1809م)، الذي كان نائب مستشار النمسا وبوهيميا، اللورد كريسل، الذي كان نائبا للمستشار في بوهيميا، بولفي، الذي كان مستشاراً في المجر، بانفي الذي كان حاكما في ترانسيلفانيا، البارون لوثار فريدريش فون (1761 – 1811م)، الملقب ب “رومولوس”، يوهان فيليب كارل جوزيف، الملقب بـ “ريموس”، وزير التربية والتعليم البارون جوتفريد فان  الملحنين فولفغانغ أماديوس موتزارت، هايدن جوزيف، لودفيغ بيتهوفن، وفريدريك الثاني من بروسيا من بين مستشاري الملك كارل: ليوبولد وثيودور “كولبير” في ميونيخ، وكارل فون، فرديناند بادر (1747 – 1799م)، جوزيف أنطون دورش (1819م )، يوهان جورج هاينريش فيدر “ماركوس أوريليوس” الذي كان أستاذا للفلسفة في غوتنغن، لودفيج هوفر(1800 (1746-أستاذ علم اللاهوت يوهان بنيامين (1750-1791)، الملقب بـ “أكاسيوس” في ميونيخ، جيمس ماوفيلون، كاسبر روف (1748-1805)، الملقب بـ”فابيوس ماكسيموس”، والذي كان أستاذا في فرايبورغ، انطون ويل (1756-1827)، الملقب ب “أغريبا” والذي كان استاذا في إنغولشتات، وكارل فونت (1744-1784)، المعروف أيضا باسم “رافائيل”، والذي كان استاذا في جامعة هايدلبرغ.

ومن رجال الدين المسيحي: فريدريش كارل هنريك، أسقف، ومؤرخ، وعالم آثار، تلقى تعليمه في علم اللاهوت في كوبنهاغن، الدنمارك، كازيمير فرايهر فون (1737-1827)، الملقب بـ “فيلو بايبلوز” والذي كان نائبا لرئيس مجلس الكنيسة في ميونيخ، والمطران جيمس انطون هيرتل، الملقب بـ “ماريوس”,، لودفيج رونتغن، وهو قس لوثري، وكارل جوزيف هيرونيموس فرايهر فون (1744-1816)، الملقب بـ”كريسبوس”، الذي كان كاهنا واسقفا. بالإضافة إلى فرانز زافير برونر “أرسطو”، وهو راهب سابق في دير البينديكتين الذي كان مدرساً وشاعراً وأمين مكتبة في سويسرا.

وكان “يوهان فولفغانغ فون غوته” أحد أعضاء النورانيين الأكثر شهرة من الأرستقراطيين والماسونيين والمثقفين، وبعد نجاح “أدولف فرانز” في سرعة زيادة الأعضاء في جميع أنحاء ألمانيا، وخاصة المناطق البروتستانتية في الشمال والشمال الشرقي، وكذلك بعد انتشار النورانيين خارج ألمانيا، كان هناك أعضاء وخلايا جديدة في كل من: سويسرا وروسيا وفرنسا وإيطاليا والدنمارك والنرويج، وقد تم تنظيم هذه الخلايا في عدة أوساط. فرانز ووايسهاوبت استهدفوا على وجه الخصوص المحافل الماسونية، وحاولوا تحويلها إلى إدارات للنورانيين. وقد أدى ذلك إلى فتح مواجهة بين الماسونيين وفرانز، وتم الاجتماع في قصر (ويلهلمسباد)  Wilhelmsbad”  ” في فرانكفورت من 16 يوليو/ تموز إلى 29 أغسطس/ آب 1782. وفي الاجتماع قام فرانز بعرض أسماء أعضاء، من بينهم: الدوق فرديناند برونزويك، وهو بدرجة “أستاذ كبير” أو”سيد” مع (التقيد الصارم)، والأمير كارل هيسن، واثنين من الشخصيات البارزة في الماسونية الأوروبية، كارل هيسن وكان “الأستاذ الكبير” لجمعية “الإخوان الآسيويون” أو “الأخوة الآسيوية”، وقد تأسست على أيدي أعضاء من المنظمة.

 

 

وقد انضم للنورانيين بعض أعضاء المارتينية  Martinism” ”  المارتينية: هي (أحد أشكال المسيحية الصوفية الباطنية)، ومنهم: جان باتيست ويلرمز، وهو مؤلف (نظام التصحيح) الذي كان يمارس في محفل القديس يوحنا ومحفل القديس ليوبارد. وفي النرويج انضم ما بين 1782 و1818م. “المارتيني” يوهان فريدريش كلوكر (1749-1827)، الملقب ب”ترينتيوز فارو”، وقد كان فيلسوفاً، ودرس علم اللاهوت، كما أنه كان رئيس الجامعة في أسنابروك.

في عام 1784م كان قد إنضم للمنظمة الكثير من الأعضاء المشهورين والبارزين في المجتمع، العدد الدقيق للأعضاء غير مؤكد ولكن التقديرات تتراوح ما بين 2000 و 4000 عضو، الكثير منهم كانوا من المثقفين والأرستقراطيين ورجال الأعمال، والماسونيين إلى حد كبير كون التجنيد كان غالباً ما يتم عن طريق المحافل الماسونية، كما أن الكثير من هؤلاء الأعضاء البارزين كانوا ماسونيون.

في عام 1915م قام “رينيه فورستير” (1868-1951) وهو كاتب فرنسي متخصص في كتابة المواضيع المتعلقة بالماسونية والنورانيين بنشر مقالة بعنوان (المتنورين البافاريون والماسونية الألمانية “Les Illumines de Baviere et la Franc-Maçonnerie Allemande”، وقد تناولت هذه المقالة وضع النورانيين عام 1784م يمكن تلخيص ماجاء فيها على النحو التالي:

“إن وضع المنظمة في هذا الوقت يبدو أكثر من ناجح. جذورها في بافاريا، وامتدت إلى جميع أنحاء أوروبا الوسطى من نهر الراين إلى نهر فيستولا، ومن جبال الألب إلى بحر الشمال وبحر البلطيق. لقد ضمت بين أعضائها الشباب الذين يطبقون المبادئ التي غرسها “وايسهاوبت” فيهم وأغلبهم مسؤولين، وكلُ منهم يستخدم نفوذه في خدمتها. رجال الدين المتسامحون، والأمراء الذين تلجأ إليهم المنظمة ليأمنون الحماية لها، وكل ما كانت تأمل في أن يؤدي إلى نجاحها قد حدث. يبدو كما لو أن “مهندس الكون الأعظم” (اسم الرب في الماسونية) قد رأى ماهو أكثر منه تحديداً”.

وتجدر الاشارة إليه أن غوتفريد سويتن، أحد أشهر الموسيقيين في العصر الكلاسيكي، إنضم إلى المتنورين، فضلاً عن كل الموسيقيين الكبار: موزارت، وبيتهوفن، جوزيف هايدن.

الخلافات الداخلية بين المؤسس والرجل الثاني

منذ انضمام فرانز إلى المنظمة عام 1780م أصبح هناك منافسة بينه وبين وايسهاوبت. كان وايسهاوبت يعتبر فرانز مرؤوساً وليس رئيساً، بينما فرانز كان يرى أنه قد جعل المنظمة تتقدم لتصل إلى هذا الحجم، وأنه أحد أسباب نجاحها، وبالتالي يجب أن يكون هو الرئيس.

قام فرانز بإصلاح هيكل المنظمة، وقد كان يرى أنها كانت استبدادية. كان فرانز قد عقد اجتماعاً مع بعض أعضاء إدارة المنظمة في ميونيخ في أكتوبر 1780م ليقوم بتقسيم (إدارة المنظمةAreopagitter” ( اريوبغيتر) وجعلها (إقليمية مستقلة) Provincial””، فقام بتقسيم المنظمة إلى أقاليم وكل إقليم يضم 12 محافظة، حيث يقوم كل محافظ بقيادة محافظته بإستقلالية عن وايسهاوبت. وكان فرانز قد خطط لتوزيع السلطة داخل المنظمة، وبالفعل في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1780م كان قد قام بتجنيد الأعضاء المؤثرين، واسفر ذلك عن تصاعد الحماس بين القيادة السابقة. بعد كل هذه الإصلاحات من قبل فرانز من الطبيعي أن يكون هو الفائز بقيادة المنظمة بينما وايسهاوبت هو الخاسر. وقد كان هناك خلاف أيضاً بين وايسهاوبت وفرانز حول الدرجة السابعة “درجة الكاهن”، حيث يرى وايسهاوبت أن فرانز أدخل عناصر معينة من طقوس دينية، والتي يمكن أن تضر المنظمة.

في الوقت نفسه، كان هناك صراع إيديولوجي بينهما. قام فرانز بإلغاء أحد مبادئ المنظمة وهو “ان المنظمة لا تقبل إلا أعضاء شباب فقط”، حيث أن ذلك سيساعد وبسرعة في زيادة أعضاء جدد من ذوي الخبرة والنفوذ. وقام أيضاً بتغيير أساسيات النظام ليتمكن من مكافحة بعض الأنظمة السياسية والدينية في بافاريا ليصبح النضال في سبيل التسامح والتنوير ضد الطغاة وضد المعتقدات الخرافية.

وقد كان لدى فرانز اهتماماً بالسحر والتنجيم والطقوس، بينما كان وايسهاوبت مهتماً بفلسفة التنوير. ومنذ انضمام فرانز للمنظمة بدأ بتحويلها في اتجاه ماسوني، ولم يكن وايسهاوبت راضياً بذلك. ثم اشتعل الصراع من جديد بين Provincial” ” وهي إدارة المنظمة سابقاً، الأريوبغيتنز) وبين وايسهاوبت. وقد أدت كثرة هذه الخلافات بين وايسهاوبت وفرانز إلى ترك المنظمة من قبل فرانز في 20 أبريل/ نيسان عام 1784م.

حظر ومنع المنظمة

في عام 1780م ظهرت بعض المعارضات ضد أفكار النورانيين، وقد سعى الناخب تشارلز ثيودور إلى منع النورانيين، رغم تردده في القيام بذلك. كان تشارلز دوق لدوقية جوليتش ومنطقة بيرغ في 1742م وأصبح ناخبًا لبافاريا عام 1777م، وقد كان حاكمًا ليبراليًا، وتميز حكمه بالتعاطف والتسامح تجاه افكار النورانيين والمدافعين عنه، إلا أنه واجه ضغوطًا من قبل اليسوعيين أمثال: البارون ليبرت مونتنستين وآنا ماريا أحد دوقات بافاريا وغيرهم لاستعادة الرقابة الكنسية على أفكار المتنورين، وقد تمكنوا من إقناع الناخب تشارلز في نهاية المطاف بمنع المتنورين.

وجه اليسوعي فرانك وكاهن الاعتراف دانتز (مدير التعليم في ولاية بافاريا سابقًا) اتهامات إلى أعضاء حركة النورانية بالدعاية إلى تقويض الكنيسة ونشر أفكار النورانيين في المدارس البافارية. وقد كانت تصريحات بعض الأعضاء متهورة ضد نظام الحركة ووصفوه بالرجعي وانه لا يبعث تعاليم المسيحية ولا يولد فخر الانتماء أو أي تأثير اجتماعي، حدث كل ذلك في الوقت الذي زاد فيه الاعضاء النورانيين تحت عضوية اسمها (كنيغي)، حينها بدأت التوقعات بأن حركة النورانيين ستثمر قريبًا، وزاد عن ذلك أيضًا التفائل اللامحدود بشأن مستقبل مجتمعات بدون طبقية وبلا حدود دولية وبلا أديان وتقليل الاضطهاد من قبل اللامبالاة الساذجة.

وقد أثار رد فعل السلطات تلك المذكرة التي كتبها رئيس الاقتصاد الوطني البروفيسور جوزيف فون (1763 – 1840م)، تحت الاسم الرمزي ” Hellanicus Lesbius” (هيلانيكٍس ليزيبيس). عبر فيها عن خيبة أمله في التقدم البطيء لمنظمة النورانيين، مما جعل مسؤولي الحركة اليسوعيين يقعون في حيرة رهيبة حول الشك في ولائه للنظام، وفي  شهر اغسطس/ آب 1783م كان البروفسيور جون قد خرج من المنظمة، وفعل ذلك أيضًا أستاذ الرياضيات جورج غرنبيرغر (1749 – 1820م)، وسلبيتيوز كوساندي الذي كان مدرسا في جامعة إنغولشتات في الفترة ما بين 1780-1788م، وكل هؤلاء كانوا زملاء عمل لجوزيف فون في أكاديمية سانتا ماريا في ماري هيتانين.

وفي أوائل أكتوبر/ تشرين الاول عام 1783م تلقت “دوقة بافاريا” (آنا ماريا) وثيقة مع سلسلة من الاتهامات ضد الحركة. وقد قيل أن البروفسور جوزيف هو من كتب الوثيقة. وكشفت الوثيقة ان هناك بعض رموز المنظمة البارزين الذين يقومون بطقوس معينه خارجة عن المسيحية، بالإضافة إلى إتهام الحركة بالترويج للأفكار التنويرية على حساب عواطف الغير وتبرير الانتحار والقتل بالسم والخرافات والسخرية من القومية الوطنية. وكان الاتهام الأكثر خطورة هو إتهام المنظمة باالتحالف مع أعداء بافاريا في النمسا وتخطيطهم لقتل ناخب بافاريا. قامت بعدها (آنا ماريا) بتسليم الوثيقة إلى الناخب الذي لم يكن حينها تساوره الشكوك والاتهامات تجاه المنظمة أو رموزها. وكان الخوف من أن حياة الناخب في خطر وأن ذلك قد يؤدي إلى الإطاحة بالعرش، مما حدى بالسلطات في ولاية بافاريا إلى عدم تجاهل هذه المنظمة.

ومن جهته أصدر “تشارلز ثيودور” في 23 يونيو/ حزيران عام 1784م مرسومًا يحظر الجمعيات السرية في بافاريا، دون الإشارة إلى (النورانيين)؛ وقد أدى ذلك إلى استقالة كثير من  أغضاء  الحكومة، وقام أعضاء سابقون بنشر مطبوعات ضد (النورانيين) والبعض القى محاضرات أدبية، وغالبًا ما كانت خيالية ومبالغ فيها.

قدم كوساندي ورجل الدين “فيتوس رينر” سجلات العضوية للنورانيين للسلطات البافارية، بما في ذلك أسماء بعض الضباط والجنود في القوات المسلحة، وقد صرحوا بأن المصدر الرئيسي لمعلوماتهم كانت الحكومة نفسها. وبعد المرسوم الأول قامت المنظمة بإعادة ترتيب وضعها بجدية. وأبدى الأعضاء احتراما ظاهريا فقط لهذا المرسوم وتم توزيع نسخ منه على الأعضاء (مع تعليمات عن كيفية التخلي عن أنشطة المنظمة)، ومع الاعتقاد أن العاصفة كانت على وشك أن تقع لكن يمكن تأجيل ذلك لبضعة أشهر ليتم مواصلة العملية بأمان.

في يوليو/ تموز عام 1784م قام بعض الأعضاء بالتحدث علناً ضد هذه الادعاءات في صحيفة (تسايتونج إيرلانغريال) المحلية، واتهموا اليسوعيون بأنهم جعلوا الناخب ينخدع بالمؤامرات. مع انه تم الطعن في هذا الاتهام لكن سرعان ما اشتعلت الحرب الخطابية في المقالات والنشرات. أدى الأمر إلى اصابة المنظمة بمزيد من جنون العظمة عند دفاعها عن نفسها حيال الخطة المزعومة لقتل الناخب. كما أن آنا ماريا سكبت مزيداً من الزيت على النار لاشعال هذه الشبهة.

في 2 مارس/ آذار عام 1785م صدر المرسوم الثاني من الناخب، والذي كان صريحًا هذه المرة بحظر النورانيين، وكان أعضاء منظمة النورانيين قد تقدموا بطلب خطي في فبراير/ شباط عام 1785م بأنه من حقهم الدفاع عن انفسهم ضد هذه الاتهامات لكنه قوبل طلبهم  بالرفض. وإلى جانب هذا الحظر اصدرت السلطات مذكرة بالملاحقة القضائية للأعضاء الرئيسيين، وذلك بسبب (النكسة الطبيعية) كما سماها المرسوم. وتم تجريد الأعضاء من ممتلكاتهم. وفقد الموظفون الحكوميون وظائفهم. وكذلك أساتذة الجامعات والمعلمين في المدارس. وفقد طلاب الجامعة (المتبنين) الحق في الدراسة، وأغلبهم كانوا من المغتربين. تلقى الجنود والضباط في الجيش الحصانة إذا تعاونوا مع الحكومة. وتم تطبيق الأمر نفسه على القناصل. لذلك أحرقت العديد من الوثائق وبعضها تم اخفائها بعد المرسوم الثاني. وقد تم تتبع الأعضاء من قبل الشرطة وبمساعدة من الأعضاء السابقين.

وفي هذا الوقت من عام1785م، هرب (آدم وايسهاوبت) من بافاريا، غادر الجامعة في فبراير/ شباط قبل اسبوعين من اقتحام الشرطة لمنزله في مدينة إنغولشتات، ويزعم انه غادر لأن مكتبة الجامعة رفضت شراء اثنين من الكتب التي كان يحتاجها في التدريس. ذهب إلى مدينة ريغينسبورغ حيث لا تملك حكومة بافاريا أي سلطة. إلا أن ريغنسبورغ تقع في منتصف ولاية بافاريا وقد تقوم السلطات بتسليمه. بعدها ذهب من ريغنسبورغ إلى مدينة غوثا، حيث قام الدوق (ارنست لودفيغ) بإعطاء وايسهاوبت الأمان. خلال ذلك الوقت، قام وايسهاوبت بكتابة العديد من الخطوط الدفاعية للنظام، وقام باستحضار أيديولوجية النظام ضمن تلك الكتابات، ووضع خطة الدفاع عن النظام ضد هجمات الأعضاء السابقين.

يمكن معرفة النورانيين من خلال الوثائق التي وجدت بحوزتهم من قبل الشرطة البافارية، ومنها الوثائق التي وجدت في منزل الضابط (فرانز زافير)، الذي كان اسمه مدرجاً ضمن القائمة التي قدمها فيتوس رينر للسلطات. وقبل المداهمة  التي قامت بها الشرطة لمنزله، كان فرانز حينها قد تم عزله من منصبه وذلك بسبب عضويته في حركة النورانيين.

وتم تفتيش منزله الواقع في لاندسهوت في 11 أكتوبر/ تشرين الاول عام 1786م وتم العثور على أكثر من 200 رسالة من وايسهاوبت ومن (اريوباغتن) “إدارة المنظمة” ووثائق داخلية وقائمة تحتوي على رموز المنظمة، والتقويم الداخلي لها، والأسماء المستعارة والشعارات واللوائح، ومراسم التنصيب. قامت الحكومة بنشر أجزاء من الوثائق في ديسمبر/ كانون الاول عام عام 1787م تحت اسم (بعض المخطوطات الأصلية للنورانيين). وتحت عنوان (تاريخ النورانيين). كان الضابط فرانز ضمن القوائم التي نشرت في العام 1787م، وأعيدت طباعتها لاحقًا على شكل كتاب صدر في عام 1975م تحت عنوان (الجمعية السرية: النورانيون ).

كما عثرت السلطات أيضا على كتابات موجزة من تأليف فرانز بعنوان (أفكار اتحارية)، كذلك وصفات لإنتاج عطور سامة، وقد أشير إلى أن هذه الوصفات وضعت لانتحار أعضاء المنظمة فقط. ووجد الباحثون وصفا دقيقًا للآلية المتبعة في تدمير الوثائق السرية، ووصفات لتصوير الحبر السري، وأساليب تزوير الأختام، وكتابات عن تمجيد الإلحاد والدفاع عنه، وخطط لإنشاء إدارة منفصلة للنساء داخل النظام. ومن بين الوثائق التي وجدت مع فرانز وثيقة تحتوي على شرح وسائل الإجهاض.

عندما كان وايسهاوبت يعيش في إنغولشتات، توفيت زوجته الأولى في 8 شباط / فبراير عام 1780م وكانت أختها تعمل خادمة لديه، وكان وايسهاوبت ينتظر صدور إذن كتابي ليتزوجها عندما اكتشف أنها حامل. ولكنه كان قلقًا في حالة عدم الموافقة على الزواج أو استغراق الإذن لوقت طويل قبل صدوره، وبالفعل فقد استغرق الحصول على الإذن ثلاث سنوات، مما اضطره إلى إلى اللجوء إلى الإجهاض كحل نهائي. وفي أغسطس/ آب عام 1783م كتب رسالة خاصة إلى (هيرتل) يبين فيها اعترافاته، (هيرتل كان أحد أعضاء المنظمة البارزين). وقد وقعت هذه الرسالة في يد الحكومة ونشرت لاحقًا تحت عنوان (المزيد من المخطوطات الأصلية). كل ذلك كان لوسم المنظمة بهذه الفضيحة خصوصًا أن الفضيحة  تحيط برئيس المنظمة آدم وايسهاوبت. وقد حاول وايسهاوبت الدفاع عن نفسه عبر كتابة كتيب بعنوان (موجز تبرير النوايا).

في وقت لاحق، لاحقت السلطات البارون ” توماس ماريا دي باسوس” (1742-1815م)، المعروف أيضا باسم “هانيبال”، والذي كان يشتبه في أن يكون عضوًا في الحركة بسبب صداقته الوثيقة مع فرانز.  وفي عام 1782م كان باسوس هو القوة الدافعة وراء إصدار الطبعة الأولى من رواية (الشاب فيرتر في الاضطرابات الإيطالية). وقد نشرت المنشورات التي وجدت لدى باسوس تحت اسم البارون (ملحق المخطوطات الأصلية).

وفي 16 أغسطس/ آب عام 1787م صدر المرسوم الثالث وقد نص على مايلي:” يجب محاكمة جميع الذين استمروا في العمل من أجل المنظمة ويمنع منعا باتا انشاء اي منظمات مماثلة. من الممكن أن يكون الموت عقاب أولئك الذين جندوا أعضاء جدد. ويجب أن تصادر ممتلكات الأعضاء الجدد وأن ينفوا”.

الاضطرابات الأخيرة وبدأ أفول المنظمة 

   كان الدوق “فريدريك كريستيان الثاني” قدم الدعم المادي والمعنوي لبدء المنظمة من جديد. بعد صدور المرسوم الاخير من ناخب بافاريا، كان وايسهاوبت في مدينة غوتا، يكتب مقالات يدافع فيها عن نفسه وعن المنظمة، ورغم أنه كان يؤكد عدم إقامة منظمة النورانيين مرة أخرى إلا أن الناخب رفض كل ذلك ولم يقبل حتى الالتماسات التي قدمها الدوق النرويجي الدنماركي (فريدريك كريستيان).

من ناحية أخرى حاول “يوهان كريستوف بودي” مساعدة المنظمة على الوقوف على قدميها مرة أخرى. وهو مفكر ماسوني، وكان أيضاً من أصحاب الميول الفكرية تجاه فلسفة التنوير. وقد حضر الاجتماع الماسوني في قصر (ويلهلمسباد)  Wilhelmsbad” ” الذي نظمه فرانز للمواجهة بين الماسونيين والنورانيين، وكان قد تم تعيينه في منظمة النورانيين من قبل فرانز. عندما ترك فرانز المنظمة، وهرب وايسهاوبت إلى غوتا، أصبح (يوهان كريستوف) يمارس مهام رئيس المنظمة. ولكن زيادة فرض الحظر في الولايات الألمانية الأخرى، تماماً مثل الحظر الذي فرض في ولاية بافاريا كان يمثل عائقاً كبيراً، إلا أنه مع ذلك كان يحاول بناء التنظيم من جديد، مع ربط عمل المنظمة مع الماسونية. وفي عام 1787م أسس “رابطة الماسونيون الألمانية”، وقد أسسها لنشر أفكار التنوير، وأعتبرت نفس منظمة النورانيين لكن بشكل آخر جديد. وقد تم دمج هذه المنظمة بسرعة مع الماسونية الراديكالية (المتطرفة).

وعلى وجه التحديد كانت حقبة (يوهان كريستوف بودي) هي الأساس لكثير من نظريات المؤامرة التي تحيط بمنظمة النورانيين. وفي عام 1787م قام يوهان وعضو آخر يدعى البارون (وليام فون ديم باش) بزيارة للمحفل الماسوني الفرنسي الراديكالي (المتطرف) والمعروف بـ محفل (فيلالتين)   Philaletene”” في باريس. وهذا المحفل كان متأثراً بمنظمة تعرف باسم (جمعية الصليب الذهبي الوردي) أو (أخوة الصليب الذهبي الوردي) Order of”    the Golden and Rosy Cross  ” وهي جمعية أخوية ألمانية تأسست في عام 1750م من قبل الماسوني والخيميائي “هيرمان فيكتلد”. وفي هذه الجمعية يتم تعليم الخيمياء والتنجيم للأعضاء. وكان يوهان منافساً قوياً داخل الماسونية، ولم يتم التعرف على الكثير من مواضيع الاجتماع الذي عقد في باريس، ولكن من الناحية النظرية يبدو أن منظمة النورانيين كانت وراء قيام الثورة الفرنسية، وهذه هي النقطة الأساسية، حيث توفي (وهان كريستوف) في سنة 1793م، واختفت بعد ذلك منظمة النورانيين الأصلية.

النورانيون ونظريات المؤامرة

قام المؤرخ “أوغستين بيرويل” بالربط بين النورانيين وبين مؤامرة سرية كبيرة. وعلى الرغم من أن منظمة النورانيين اختفت، إلا أن السلطات في ولاية بافاريا لم تكن قادرة على مواجهتهم بشكل كامل، ولأن النورانيين توقعوا ردة فعل السلطات لذلك قاموا سابقاً بالتخطيط وبحذر للحفاظ على وجودهم ولكن في (أشكال أخرى). عندما أصبحت الثورة الفرنسية حقيقة واقعة، ومع صدور كتاب لـ (كريستيان لودفيغ أدولف) بعنوان (أحدث أعمال سبارتاكوس وفيلو في منظمة النورانيون)، و”سبارتاكوس” هو الاسم المستعار لـ”وايسهاوبت”، و”فيلو” هو الاسم المستعار لـ”فرانز” . تم الاشتباه في المنظمة أنها كانت القوة الدافعة للثورة الفرنسية عام1789م. وفي 15 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1790م وتحت تأثير من فرانك اليسوعي شن ناخب(= دوق) بافاريا “كارل تيودور” هجوما جديدا على المنظمة المتوقع وجودها، وفي 1791م نشرت شرطة ميونيخ لائحة من 91 عضوا متوقعاً، وتابعت على الفور أي عضو من أعضاء النورانيين سواءً كان حقيقياً أو وهمياً أو من يزعم أنه من النورانيين، ولم يكن أي شخص آمن من الاعتقال، كما أن عدد كبير من الناس كانوا ضحايا لجنون العظمة الذي أصاب الناخب.(= الدوق)، و لم يتوقف الاضطهاد والاعتقال حتى توفي الناخب عام 1799م. في فيينا. أما بشأن “ليوبولد هوفمان”، رئيس تحرير مجلة (وينر زايتسشريفت) “Wiener Zeitschrift  ” وقد كان عضواً في منظمة النورانيين في فيينا، اعترف أن النورانيين تسللوا داخل الماسونية التي ينتمي إليها هو شخصياً، كما أقر ان وظيفته في جامعة فيينا في عام 1792م كانت لمحاربة النظام، وجنبا إلى جنب مع الدكتور زيمرمان من هانوفر، الذي كتب مقالات حول الثورة الفرنسية وأنها كانت أحد مخططات المنظمة، وبعد أن أغلقت المجلة عام 1793م كانت قد أصدرت 14 كتيباً في فيينا وكل هذه الكتيبات تتحدث عن تلك المزاعم.

وفي عام 1797م ظهرت نظريات حول النورانيين على أنهم كانوا القوة التي كانت وراء الكثير من السلبيات التي تحدث في العالم. اليسوعي الفرنسي أوغستين بيرويل أصدر المجلد الأول بعنوان (مذكرات في تنوير تاريخ اليعقوبيون) “Memoirs of Illumination of    Jacobinism History”   وأصدر 3 مجلدات في السنة التالية، وتم نشر نسخة مترجمة إلى الإنكليزية في نفس الوقت، وقد أعيد نشر هذا الكتاب في آواخر عام 1995م.

في عام 1797 أيضا أصدر البروفيسور الاسكتلندي “جون روبنسون ” كتاب (الأدلة على وجود المؤامرة) “Proofs of a Conspiracy”  وكل هذه الكتب وغيرها تؤكد أن هذا التنظيم السري (النورانيون) كان وراء الثورة الفرنسية، وأن كل الفوضى والأحداث العشوائية والسلبية التي كانت تحدث كانت من مخططات هذه المنظمة.

مذكرات في تنوير تاريخ اليعقوبيون

يذكر أوغستين بيرويل في المجلد الأول من كتابه الانف الذكر أن فلاسفة عصر التنوير كانوا يخططون لمهاجمة الكنيسة والمجتمعات القائمة. وفي المجلد الثاني يقول إن الماسونية بشكل عام قد اتسمت بأفكار التنوير وخاصةً المحفل الماسوني الفرنسي (محفل الشرق العظيم الفرنسي)، وأشار أن ذلك المحفل قد خطط للثورة الفرنسية، وأن أعضاء قيادة منظمة النورانيين في عام 1776م هم من أعطوا التعليمات لإعداد الثورة. وفي المجلد الثالث تعمق كثيراً في منظمة النورانيين، كما أنه استند إلى حد كبير على الوثائق المنشورة من قبل السلطات البافارية، بالإضافة إلى كتيبات ومنشورات أخرى من الأعضاء السابقين الذين انتقدوا هذه المنظمة بعد حظرها في بافاريا.

ومن جانبه وصف “أوغستين بيرويل” مؤسس المنظمة (آدم وايسهاوبت) بأنه “عبقري الشر”، ويقول ان وايسهاوبت هو ومنظمته كانوا وراء كل المؤامرات والأحداث الكبيرة التي حدثت في ذلك الوقت. وفي المجلد الرابع يشرح بالتفصيل في أربع مراحل كيف أدى وايسهاوبت ومنظمته النورانية إلى وقوع الثورة الفرنسية. ويقول أن المنظمة بدأت سراً كمرحلة أولى مع تنظيمها بشكل هرمي واستمرت في التطور سراً. وفي المرحلة الثانية أن النظام تسلل داخل النظام الماسوني حتى سيطرعليه تماماً، وتبعهم الآلاف من أعضاء الماسونية. وجاءت المرحلة الثالثة بعد ان تم حظر النورانيين في بافاريا. ذهب اثنين من أنشط وأقوى أعضاء منظمة المتنورين للتآمر ضد فرنسا، وهو يقصد هنا (يوهان كريستوف بودي) و(البارون وليام فون ديم باش). ويقول أن المنظمة قامت تدريجيا بالسيطرة على الماسونية الفرنسية. والمرحلة الرابعة كانت مع بداية الثورة الفرنسية، كما أكد في ذلك الوقت “أن ثورة فرنسا بدأت للتو وأن هدف النورانيين هو السيطرة على بقية العالم”.

الأدلة على وجود المؤامرة؟

كتاب الأدلة على وجود المؤامرة لجون روبنسون يحكي تقريبا نفس القصة التي رواها أوغستين بيرويل في مجلداته. وقد سبب هذا الكتاب ضجة كبيرة، وقد صدر منه طبعات جديدة في الولايات المتحدة وأوروبا، ونشرت إصدارات أيضا بلغات أخرى. وهذا الكتاب أيضا مقسم إلى أربعة أجزاء رئيسية، حيث يتحدث عن الماسونية، وعن وايسهاوبت والنورانيين حتى عام 1785م، ونشاطات النورانيين السرية بعد عام 1785م، وكيف أن كل ذلك في نها الامر أدى إلى قيام الثورة الفرنسية.

كان الدافع وراء (جون روبنسون) لكتابة هذا الكتاب هو أنه كان من الماسونيين، وعندما سافر في انحاء أوروبا قام بزيارة الكثير من المحافل الماسونية، وقد أدهشته المواقف التي واجهها هناك. وبعدها اكتشف وجود أجندة خفية تهدف إلى تدمير جميع الحكومات وكافة الأديان. بالإضافة إلى أن هذه المؤامرة مبنية على وثائق نشرتها حكومة بافاريا. ورأى أن من واجبه فضح هذه المنظمة لبقية العالم.

يرى أوغستين بيرويل أن وايسهاوبت هو قائد المؤامرة التي تهدف إلى السيطرة على العالم، وبالمقارنة بين روبنسون وأوغستين بيرويل، يتميز كتاب روبنسون بالتفكير بجنون العظمة وتآمرية المنظمة.

لقد تناول كل من أوغستين بيرويل وروبنسون الأساس نفسه، وكان كل من منهما على علم بكتاب الآخر، وقاما بالتعليق على الكتابين. ووضحا معاً أساس نظريات المؤامرة الكبرى لوايسهاوبت والنورانيين، وأن المنظمة كانت بمثابة القوة الدافعة وراء الاضطرابات الجتماعية الكبرى، منذ كانت مخبأة في السلطة الحاكمة، يستطيع أن يرى الشخص كل شيء ووصفه كجزء من هذه المؤامرة. وقد كانت هذه خطوة في وقت لاحق من نظريات المؤامرة وتطويرها. وعلى الرغم من أنه يبدو وكأن الحكومات تعمل ضد بعضها البعض، مثل: النازية أو الشيوعية، أوغيرها، إلا أنها تبدو وكأنها أدوات لزعماء متخفين يتحكمون في سير  المؤامرات .

في عام 1798م كانت نظرية المؤامرة قد امتدت إلى الولايات المتحدة، وعليه فقد ألقى القس “جاديديا مورس” وهو والد “صمويل مورس” موعظة في مدينة بوسطن وقد استوحى كتاب روبنسون تلك الموعظة بشكل كبير. وقال مورس للجمهور حول سرية منظمة النورانيين وكيفية وقوفها وراء الثورة الفرنسية، وكيف تم تأسيسها الآن في الولايات المتحدة، وكيف استعدت المنظمة لتولي مسؤولياتها في الولايات المتحدة. وقد تمت طباعة تلك الخطبة، وسرعان ما أزداد مورس اقتناعا أن هذا كان الواقع. هدأت بعدها المنظمة وهدأ الحديث عنها في عام 1799م ولكن في عام 1802م صدر أول كتاب حول النورانيين في الولايات المتحدة. واسم الكتاب (أدلة على الوجود الحقيقي، والميول الخطرة للنورانيين) “Proofs of the Real Existence and Dangerous Tendency of Illuminati ”  وقد كتب من قبل الكاهن والسياسي “سيث بايسون”. والكتاب يلخص ماكتبه كل من أوغستين بيرويل وجون روبنسون وجاديديا مورس، وقد نشرت منه طبعة جديدة في عام 2003م.

ومؤامرة النورانيين في الولايات المتحدة، كما بقيت نظريات المؤامرة على قيد الحياة في ألمانيا أيضا. وكان المحافظ اللاهوتي “يوهان فون ستارك” على اتصال مع أوغستين بيرويل وقد ساعده على تدوين المصادر. ولكنه أصيب بخيبة أمل عندما رأى في البداية نتيجة كتاب أوغستين بيرويل. بدأ بعدها مع نسخته الخاصة عن نظرية المؤامرة وعن النورانيين، وفي عام 1803م قام بنشر مجلدين (انتصار الفلسفة في القرن الثامن عشر) “Philosophy triumph in The the Century ”  وكان الكتاب يروي إلى حد كبير نفس القصة التي روتها كتابا بيرويل وروبنسون، ولكنه استخدم اسلوب معين للوصول إلى فئات جديدة من الناس.

وفي فرنسا أيضاً تم نشر عدد من المنشورات المماثلة للتي نشرت في ألمانيا والولايات المتحدة وكان ذلك في القرن الثامن عشر،  وقد شكلت هذه المنشورات الأساس لمقال نشر في مجلة أدنبرة في يوليو 1906م من قبل “أونا بيرش”، ونشر في عام 1911م تحت عنوان            ( الجمعيات السرية والثورة الفرنسية) Secret societies and the French” Revolution”.

المتنورون في العصر الحالي

إن منظري المؤامرة يؤكدون أن النورانيون لا يزالون موجودين اليوم، ولهم تأثيرغير عادي على الحكومات، شيء واحد يعتبر (دليلا) على وجودها، وجود العين على الهرم الموجود خلف ورقة النقد من (فئة 1 دولار)، وقد أصبح الشعار الذي يشار به إلى النورانيين اليوم. ومعظم المعتقدات حول المؤامرة نتجت من النظر إلى تأثير النورانيين على النظام وتأثيرهم إلى حد كبير على الماسونية آنذاك. إن وجود الهرم ذا العين المشعة وكذلك البومة (وهي موجودة أيضًا في واجهة ورقة الدولار في الطرف العلوي الأيمن)، بات افتراضًا واسع النطاق في أغلب الروايات على أنه من الممكن أن يكون هناك ترابط ما منذ زمن بعيد. ورموز النورانيين التي من ضمنها الهرم وبومة منيرفا، البومة ترمز إلى الحكمة والعين المشعة في أعلى الهرم ترمز إلى البصيرة.

لذلك قد يمكن التوفيق بين أي من هذه الرموز التاريخية إلى وجود اتصال مع النورانيين. ولكن أيضا يبدو أنه من غير المعقول أن يكون هناك مؤامرة دولية، تترك رموزها واضحة في كل مكان.

يعتقد البعض أن أعضاء رئيسيين ممن قاموا بتشكيل حكومة الولايات المتحدة كانوا من ضمن النورانيين، أمثال: توماس جيفرسون وبنجامين فرانكلين، وأن من الواضح أن مدى ذلك التأثير قد امتد إلى حكومات العالم. ويقول الكاتب الألماني “بايبز” إنه عند مناقشتك لأحداث العالم ستجد أن النورانيين لهم دورٌ نشطٌ في معظم الأحداث الكبرى عبر التاريخ.

اكتسب النورانيون شعبية في الآونة الأخيرة مع رواية دان براون (ملائكة وشياطين). براون هو مؤلف كتاب (شفرة دافنشي الشهيرة). وهذه المؤلفات تتناول النورانيين باعتبارهم موضوعًا مثيرًا للاهتمام. براون يصور الحرب الاستعمارية بين النورانيين، والكنيسة الكاثوليكية الرومانية التي لا تبين فقط الصراع بين المسيحية والإلحاد بل على وجه التحديد الصراع ين العلم والدين. والتي تعترف بها الكثير من نظريات المؤامرة.

لافتة منظمة النورانيين في إنغولشتات

لم يبق من المنظمة اليوم سوى لافتة كانوا قد وضعوها على المبنى الذي كان يضم قاعة اجتماعاتهم في مدينة إنغولشتات (قاعة اجتماع النورانيين). يقع المبنى في”The Reienstrabe  ” خلف جامعة إنغولشتات التي كان آدم وايسهاوبت يعمل أستاذًا فيها وأصبح ذلك الموقع اليوم شارعًا للمشاة في المدينة، ويستطيع المارة رؤية اللافتة على المبنى.

كان أعضاء إدارة المنظمة يقومون بمناقشة المواضيع المتعلقة بنشاطاتهم في هذه القاعة فقط، بينما كانت تقام الطقوس في المحافل التي أنشأت من أجل ذلك بالأضافة إلى المحافل الماسونية التي تمكنوا من السيطرة عليها.

وبخصوص جامعة إنغولشتات التي كانت نقطة بداية وايسهاوبت والمنظمة، فقد تأسست في عام 1472م من قبل( لويس ذا ريتش)، وكانت تتألف من خمس كليات وهي: العلوم الإنسانية، علوم اللاهوت، والقانون، والطب. وكان هدفها الرئيسي هو نشر الايمان المسيحي،  وتم إغلاق الجامعة في مايو/ أيار عام 1800م، بأمر من الأمير الناخب (ماكسيميليان الرابع) كان ذلك بعد كل الأحداث التي حدثت وبعد اختفاء أعضاء منظمة النورانيين، وتم ترميم مبنى الجامعة عدة مرات واليوم المبنى هو متحف علوم التشريح في مدينة إنغولشتات.

أهداف منظمة النورانيين

كانت أهم التوجهات في خطة وايسهاوبت هو فرض السيطرة المطلقة على (الصحافة آنذاك)، والتي كانت وسيلة المعلومات الوحيدة في ذلك الحين، وذلك من أجل نشر المعلومات الخاصة بهم بين العامة. وكان الهدف من ذلك كما يزعم المتنورين هو السلام العالمي والإخاء. والشعور بالحرية والمساواة وكانت أفكار التنوير مترابطة ترابطًا وثيقا وكانت تدور أيضًا حول مكافحة الفكر الديني وتعزيز وتشجيع العقلانية.

وقد أدرجت أفكار المنظرين الحديثة تقلبات أكثر غرابة من أي وقت مضى، ويؤكد الدكتور “جون كولمان” في كتاب (المتآمرين: التسلسل الهرمي) أن نوايا المتنورين هي ما يلي:

  • اقامة حكومة عالمية واحدة وتوحيد النظام النقدي العالمي. مثل العملة الإلكترونية بحيث لايوجد اوراق نقدية بل يكون التعامل المالي عن طريق نقاط بيع إلكترونية وعن طريق البنوك فقط.
  • إهلاك الديانات السماوية بقدر الإمكان. وهي الديانات الإبراهيمية)(المسيحية، الإسلام واليهودية) (وجعل كل واحدة منها تنقسم إلى عدة طوائف لخلق النزاعات بينهم واضعافهم قدر الإمكان، ليكون ممكناً استخدام كل طائفة ضد الأخرى. مع التشجيع على نشر الليبرالية، وكذلك الالحادية أو اللاربانية والشيطانية والهندوسية والبوذية.
  • السيطرة على كل شخص من خلال وسائل السيطرة على العقل. مثل: (التلفاز، الإذاعة، الموسيقى).
  • تشجيع وتسهيل الأنظمة على نشر ثقافة تحرر المرأة واستخدام العنصر النسائي، وكذلك تسهيل الانظمة لنشر المواد الإباحية والمثلية. مثل (وضع مواقع إلكترونية إباحية مجانية) والسماح بالزواج من نفس الجنس.
  • تشجيع وتسهيل الأنظمة لاستخدام الكحول والمخدرات الفتاكة بعد إضافة مواد أخرى عليها، والتشديد والمنع على المواد العادية لكي لايكون هناك بديل، وبالتالي يكون المصير هو السجن وتدمير المستقبل والسمعة. مثل التساهل مع (الهيروين والكبتاجون والكوكايين والحشيش)، والتشديد على منع (القات).
  • قمع كل التقدم العلمي إلا إذا كان يجري نحو تحقيق أهدافها.
  • يجب التسبب في وفاة 3 مليارات نسمة بحلول عام (2000) من خلال الحروب والمجاعة، وان يكون تعداد سكان الولايات المتحدة قد تراجع إلى 100 مليون نسمة بحلول عام (2050م).
  • خلق بطالة جماعية.
  • تفكيك نواة الأسرة من خلال تشجيع المراهقين على التمرد، التمرد على المجتمع، على الوالدين، وإستغلال مرحلة المراهقة لديهم في تشجيع الجانب الإجرامي لتدمير مستقبلهم قدر الإمكان، وتعزيز ذلك باستخدام الموسيقى بشكل عام وخاصة الروك والراب وخصوصاً الراب الذي يستخدم (الألفاظ البذيئة) وهو مايعرف بـ”Gangsters Rap” اغاني العصابات)، كل ذلك لتسهيل هذا التمرد إيقانًا منهم أن الموسيقى لها تأثير على العقل وتأثير نفسي مباشر.
  • إضعاف النسيج الأخلاقي للأمة، وإضعاف معنويات العاملين في الطبقة العاملة.
  • مصادرة “الأفكار الدينية” في جميع أنحاء العالم وذلك لتقويض كل الديانات القائمة حاليًا.
  • التسبب في انهيار كامل للإقتصاد في العالم وتوليد حالة من الفوضى السياسية العامة.
  • مصادرة الحس القومي والفخر الوطني.
  • إعطاء الدعم الكامل للمؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، وبنك التسويات الدولية، ومحكمة العدل الدولية، وبقدر الإمكان جعل المؤسسات المحلية أقل فعالية.
  • اختراق وتخريب جميع الحكومات، مع التشجيع على اهانة واحباط معنويات الشعوب من خلال السجن والقمع والتعذيب ومعالجة قضايا لا تستوجب السجن بالسجن.
  • جهاز لتنظيم العالم على نطاق الإرهابية.
  • الضغط من أجل انتشار الطوائف الدينية المتطرفة التي تحارب الإسلام، وإجراء تجارب “جيم جونز” و”الابن سام” للسيطرة على العقل.
  • جعل الناس في كل مكان يقررون مصيرهم بأنفسهم عن طريق خلق أزمة واحدة تلو الأخرى ومن ثم “إدارة” مثل هذه الأزمات.
  • مواصلة بناء عبادة الأصولية المسيحية، والتي سوف يساء استخدامها لتعزيز الدولة الصهيونية إسرائيل مع اليهود من خلال أسطورة (شعب الله المختار).
  • السيطرة على جميع السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.
  • السيطرة على التعليم في الولايات المتحدة مع مقصد وغرض تدميره تماماً، (تدمير وفساد العقل).

 

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً