زواج المحارم في الديانة المجوسية من خلال الآفستا والروايات التاريخية
الملخص
هذا البحث يخص نظام زواج المحارم الذي كان سائداً في في ايران وأطرافها التي كانت تدين بالديانة المجوسية والى مجىء الاسلام بعدة قرون، أثناء حقب الامبراطوريات العديدة التي حكمت تلك البلاد، بدءاً من الاخمينيين- الهخامنشيين )529ق.م – 331ق.م( ومرورا بامبراطورية الاسكندر المقدوني وأسلافه السلوقيين والدولة البرثية – الأشكانية ملوك الطوائف (247ق.م – 226م) وانتهاءً بحكم الفرس الساسانيين (226 – 651م). يعتمد البحث على نصوص الكتاب الزرادشتي المقدس ( الآفستا) وعلى النصوص البهلوية المتأخرة التي أُلفت في القرن التاسع الميلادي/ الثالث الهجري، ككتاب: دينكَرد، والبندهشن وغيرها، بالاضافة الى شهادات المؤرخين اليونان الذين عاصروا الحقبة، فضلاً عن روايات العلماء والمؤرخين النصارى، والمسلمين بشقيهم السني والشيعي على حدٍ سواء. كما لا يمكن نسيان روايات المؤرخين الايرانيين المعاصرين، وكيف أن المجوس المعاصرين من البارسيين الهنود والزرادشتيون الايرانيون ينكرون هذا النوع من الزواج، ويحاولون تأويل نصوصه خوفاً من المسلمين لأنهم أي المسلمون ومعهم النصارى يُحّرمون وينكرون هذا النوع من الزواج الذي ينافي الفطرة البشرية السوية.
المقدمة
من أجل أن نرى مدى تأثير الإسلام في إيران، يجب علينا أن ننظر في النظام الاجتماعي الإيراني يومذاك، الذي غيّرهُ الإسلام، وساد بنظامه في إيران بدلاً من ذلك النظام الفاسد. إن مجتمع إيران الساساني )224 – 651م) كان مجتمعاً طبقيا صنفيا (= مهنياً)، تجري فيه أصول النظام الطبقي على أشد الوجوه، ولم يكن الساسانيون هم الذين اخترعوا هذا النظام الطبقي، بل كان جارياً في إيران منذ عهد الهخامنشيين (= الإخمينيين-529-331ق.م)، والإشكانيين – ملوك الطوائف ( 247ق.م – 226م)، وإنما أيده الساسانيون.
وقد سلط المسعودي (المتوفى سنة346هـ/957م)، الضوء على هذا الموضوع، بقوله: ” ورتب أردشير(226 – 241م) مؤسس الدولة الساسانية المراتب فجعلها سبعة أفواج: فأولها :الوزراء، ثم الموبَذانُ وهو القائم بأمور الدين، وقاضي القضاة، وهو رئيس المَوابِذة، ومعناه القَوَّامً بمور الدين في سائر المملكة، والقضاة المنصوبون للاحكام، وجعل الاصبهبَذينَ أربعة: الاول بخُراسان، والثاني بالمغرب، والثالث ببلاد الجنوب، والرابع ببلاد الشمال، فهولاء الأربعةُ هم أصحاب تدبير الملك كلًّ واحد أفرد بتدبير جزء من أجزاء المملكة، فكل واحد منهم صاحب ربع منها، لكل واحد من هؤلاء مرزبان، وهم خلفاء هؤلاء الأربعة” ( المسعودي، 1968،252).
وذكر في كتابه الآخر قوله: فأولها وأعلاها (الموبد) تفسيره حافظ الدين لأن الدين بلغتهم ( مو) و (بذ) حافظ وموبذان موبذ رئيس الموابذة وقاضي القضاة ومرتبته عندهم عظيمة نحو من مراتب الأنبياء والهرابذة دون الموابذة في الرئاسة. والثاني الوزير وأسمه ( بزر جفرَّ مذار) تفسير ذلك أكبر مأمور. والثالث الاصبهبذ وهو أمير الأمراء وتفسيره حافظ الجيش، لأن الجيش ( اصبه) و(بذ) حافظ على ما رتبنا. والرابع دبيربد تفسيره حافظ الكتاب. والخامس هو (ته خشه بذ) تفسيره حافظ كل من يكد بيديه كالمهنة والفلاحين والتجار وغيرهم ورئيسهم ومنهم يسميه (واستريوش). وكان هؤلاء المدبرين للملك، والقوام به، والوسائط بين الملك ورعيته… وللفرس كتاب يقال له (كهنامه)، فيه مراتب مملكة فارس، وأنها ستمائة مرتبة، على حسب ترتيبهم لها. وهذا الكتاب من جملة (آئين نامه)، وتفسيره: كتاب الرسوم، وهو عظيم، في الألوف من الأوراق، لا يكاد يوجد كاملاً إلا عند الموابذة وغيرهم من ذوي الرئاساات”. (الأشرف، 1981، 106-107)
بينما يقول المؤرخ الايراني (مشير الدولة) بأن مجتمع إيران قد قسم الى أربع طبقات: وهم
- طبقة رجال الدين (آثروان).
- طبقة رجال الحرب (آرتشتاران).
- طبقة المستخدمين بإدارات الدولة أو الكتاب (دبيران).
- طبقة الزراع والصناع (واسترى يوشان وهتخشان). ( السباعي،1992م، 293).
وإذا كان نظام الطبقات الذي أوجده (زرادشت) فاسداً؛ فإن نظام الأسرة كان أشد فساداً، وذلك لأن (الزواج) عندهم خلا من فكرة (حرمة الأسرة)، كما أن النسب اتخذ صورة شكلية ولم يبنِ على صلة الدم بين الأب والابن” ( الخشاب، 1959م، 9).
رابطة النسب
لم تقم نسبة الأبن إلى أبيه على أساس الدم عند الإيرانيين، ولكنهم كي يكثروا من المؤمنين بدين زرادشت في الأسرة، فقد أجاز لهم دينهم القديم ألواناً من البنوة الاصطناعية، التي لا رباط فيها بين الولد ومن يُدعى أبوه، ثم أن صلة الدم لم تكن ذات وزن في النسب. فالزوج السيدة وحدها هي التي ينسب ما تنجبهم من بنين وبنات إلى الأب، أما الزوج الخادمة فأبناؤها الذكور وحدهم يلحقون بأبيهم، أما البنات فيعتبرن رقيقاً لا يعرف لهن نسب. وكان زواج الأبدال شائعاً، وهو كما يقول الهربدان (هربد تنسر):”عليهم إذا مات الرجل ولم يخلف ولداً، أن ينظروا فإن كانت له امرأة زوجوها من أقرب عصبة له باسمه، وإن لم تكن له امرأة فابنة المتوفى، أو ذات قرابته، فإن لم توجد، خطبوا على العصبية من مال المتوفى، فما كان من ولد فهو له”. ( البيروني، 1985م، 83 – 84).
وكانت عقوبة من يغفل هذا العقد صارمة، لأنه ” قتل ما لا يحصى من الأنفس، بقطع نسل المتوفى وذكره إلى آخر الدهر”، وفي العقد الذي أشرنا اليه في الفقرة السابقة، والذي يتنازل بمقتضاه الرجل عن زوجه إلى أخٍ له في الدين، كان الأطفال الذين يولدون من هذه (المعاشرة) ينسبون للزوج الأول، ويعتبرون أولاده؛ وعلى هذا ضمّت الأسرة خليطاً من الأبناء، أكثرهم لا يربطه بالأب غير حمل اسمه، وأدى هذا إلى تفكك الروابط بين أفراد الأسرة التي تكونت على هذا النحو من سلالات مختلفة.
الزواج
قام الزواج عند الزرادشتيين على أساس تعدد الزوجات، مع التفريق بين نوعين من النساء: الزوجة السيدة، والزوجة الخادمة، كما رأينا في طبقات المجتمع. وينبغي أن تتزوج الفتاة في الخامسة عشرة من عمرها، والزوجة – عند الزرادشتيين – سواءً أكانت سيدة أو خادمة، كانت أقرب ما تكون إلى الرقيق؛ ليس لها مكانة ولا كرامة، فقد أجاز الدين الزرادشتي للرجل أن يتنازل عن زوجته، ولو كانت سيدة (= ممتازة)، لرجل آخر قد وقع في الفاقة (= الفقر) لكي تعينه بعملها على الحياة؛ وهذا العقد محمود جداً عند زرادشت”، لأنه إحسان على أخ في الدين معوز”.( الخشاب، 1959م، 10).
تعدّد الزوجات
إن الموضوع الذي كان الموابذة (= رجال الدين المجوس) يتصرفون فيه كثيراً بالنسخ والجرح والتعديل، هو موضوع الحقوق الشخصية، أو قل قانون الأحوال الشخصية، ولا سيما أحكام النكاح والإرث، فإنها كانت مهمة ومعقدة إلى درجة كان الموابذة يتصرفون فيها كيفما يشاؤون، وكان لهم في هذا الموضوع صلاحيات مخولة لم تكن لأي رجال دين من الأديان.
أما تعدد الزوجات، فقد كان أمراً شائعاً في العهد الساساني، وإن كان أكثر الزرادشتيين المعاصرين يحاولون إنكاره إذ ذاك، إلا أنه لا مجال لإنكاره قطعاً، فقد كتبه كل من كتب عن هذا الموضوع من المؤرخين اليونانيين: هيرودوت (484-425ق.م)، واسترابون (63،64-20،23ق.م)، في العصر الإخميني (=الهخامنشي)، وحتى المؤرخين المعاصرين.
فمثلاً كتب المؤرخ اليوناني (هيرودوت) عن طبقة الأشراف في العهد الإخميني – الهخامنشي، يقول: “لكل واحد منهم عدة نساء رسميات، ولهم أزواج كثيرة غير معقودات…”.(هيروت، 2000، 261).
وكتب المؤرخ اليوناني (استرابون) عن نفس هذه الطبقة يقول: ” إنهم يتزوجون كثيراً، ولهم أزواج كثيرة غير معقودات أيضاً”.( بيرنيا، 1391، 2200).
ويقول المؤرخ زوستن (161-138م)، من مؤرخي العهد الإشكاني ( = ملوك الطوائف) بخصوص الزواج عند الاشكانيين- الفرثيين: “إن كثرة الأزواج كان معمولاً لديهم منذ أن توصلوا إلى ثروة وقدرة ومكنة، ولا سيما الأسرة المالكة، وإنما كانت عيشة البداوة الصحراوية تمنعهم من قبل أن يتزوجوا كثيراً”.( بيرنيا، 1391، 2200).
بل إن الذي كان شائعاً بين طبقة الأشراف في إيران القديم، كان أمراً أكثر من تعدد الزوجات، فإنه لم يكن محدداً بحدٍّ كالأربعة أو أقل أو أكثر، ولا مشروطاً بشروط: كالعدالة، وتساوي حقوق الأزواج، أو القدرة الجنسية، أو المالية، بل كما كان النظام الاجتماعي إذ ذاك نظاماً طبقياً، كذلك كان نظام العائلة أو الأسرة.
الزواج في العصر الساساني
كان الزواج في هذا العصر على خمسة أنواع، يتحدد بمقتضاه وضع المرأة نفسها في المجتمع، ووضع أبنائها أيضاً. وهذه الأنواع هي:
- الزوجة الممتازة: وتعدّ زوجة ممتازة المرأة التي تتزوج بموافقة أبويها ورضاهما. وينسب الأبناء الذي تنجبهم إلى زوجها. ومن البديهي أن تكون موافقة الوالدين وفق شروط معينة.
- الزوجة التي تكون خاصة لزوج واحد: ويكون زوجها مجبراً على تقديم أول بنت ينجبها من زوجته إلى أهل الزوجة، تعويضاً عن ابنتهم التي أخذها منهم.
- زوجة الميت: إذا مات رجل قبل أن يتزوج، يمكن أن يخطب له أهله فتاة، ويزّوجوها من رجل حي، فينسب نصف الأبناء الذين تنجبهم هذه المرأة من هذا الزوج للرجل المتوفى، وينسب النصف الآخر إلى الزوج الحقيقي (= الحي).
- الأرملة المتزوجة: إذا مات رجل عن زوجته دون أن ينجب منها، وتزوجت أرملته من رجل آخر، ينسب نصف الأبناء الذين تنجبهم إلى زوجها الأول، والنصف الثاني إلى زوجها الثاني.
- المرأة الوضيعة: تعدّ المرأة التي تتزوج دون موافقة أبويها (زوجة وضيعة)، وتخضع لكثير من الشروط.( الخشاب، 1959م، 9-11).
اولاً: روايات الآوستا – الآفستا والكتب البهلوية
الاوستا- الآفستا اسم لمجموع المتون المجوسية وهي كتب الفرس القدماء المقدسة المنسوبة الى زرادشت، وهي الآن بأيدي الفرس في الهند والكبر في إيران. وهذه الآفستا التي وصلت إلينا كتبت على ما يظهر في زمن الساسانيين. وكانت تتألف في الأصل حسب رواية الفرس من 21 نسكاً أي كتاباً لم يصل إلينا منها كاملاً سوى كتاب واحد هو الفنديداد. أما المتون الأخرى فهي: اليسنا، والفسبرد، والخردة آفستا، واليشتات.(الجلبي، 2001م، 19).
- يسنا: بفتح الباء واسكان السين Yacna أو Yasna وتنقسم اليسنا الى 72 يسنا – ha أي قسماً، وهي عبارة عن ـ أدعية تقرأ عند تقديم القرابين وتشمل الكاثات Ghatha [1] الخمس المكتوبة بلسان قديم جداً يقرأها المجوسي في أهم أحوال حياته، وتنسب إلى زرادشت، وكل يسنا يشمل مجموعة أدعية. (الجلبي، 2001م، 19).
- ويسبرد: بكسر الفاء الفارسية واسكان السين وفتح الباء الفارسية Vispered وتتألف من 24 كردة أي فصلاً.
- فنديداد: بفتح الفاء الفارسية واسكان النون Vendidad ومعناه مخالفة الشيطان أو شريعة مقاومة الشيطان، والفنديداد كتاب دين وتمدين وفيه أبحاث عن خلق العالم أيضاً ويتألف من 22 فركرد حرر معظمه بصورة مكالمة بين أهورامزدا وزرادشت (يصف الأشكال المختلفة للأرواح الشريرة) وهي حول الحلال والحرام، والطاهر والنجس، فيها كثير من القوانين الدينية، ومعناها القوانين الضد الأباليسة.
- اليشتات: مجموع مدائح وتضرعات وعبادات وقرابين. على أن كثيراً من العلماء لا يعدون اليشتات كتاباً قائماً بذاته، بل يعتبرونها جزءاً من الخردة آفستاوتعني الأناشيد والتسابيح، وكل يشت باسم أحد الأجسام النورانية.
- خردة افيستا: وهي الآفستا الصغرى وهي مجموعة صلوات وأدعية واناشيد تتلى في أوقات من اليوم وفي الايام المباركة والاعياد الدينية وغيرها، وليست مندرجاتها محدودة كسائر أجزاء الافستا، ففي كثير من نسخها القديمة أدعية لا وجود لها في النسخ الاخرى.(الجلبي، 2001م، 19).
وتيقى الكتب البهلوية التي كتبت في القرن التاسع الميلادي/ الثالث الهجري، بشكل رئيسي، أي بعد نحو ثلاثة قرون من سقوط الإمبراطورية الساسانية وانقراض الديانة الزرادشتية كعقيدة رسمية للشعوب الاإيرانية، تبقى المصدر الرئيسي للدينة الزرادشتية.( زيهنير، 2005م، 231)
وزواج المحارم في المجوسية هو ذلك الزواج الذي ينعقد بين كل من البنت ووالدها، وبين الولد ووالدته، وبين الاخت وأخيها، وهذا الزواج معروف في اللغة البهلوية السناسانية ب khvétidad))، وفي اللغة الانكليزية (Next-Of -Kin Marriage).( دينكَرد، بدون ت،3/80)
وكان هذا الزواج شائعاً في العهد الساساني، وفي عدة قرون بعد الفتح الاسلامي الذي تلاه بعد أن فتح المسلمون الاقاليم الايرانية وقضوا على الدولة الساسانية سنة 31هـ/ 651م في خلافة الراشد الثاني عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، بمقتل الملك الساساني يزدكرد الثالث (632 – 651م) على يد طحان فارسي في مدينة مرو في اقليم خراسان.
ففي الفصل الرابع والستون من كتاب دادستاني دينك (دادستاني،1985م، ص141). ورد سؤال جاء فيه: من أين ومن أي شيء نشأ أصل العرق، الذي يقولون إنه زواج الأقارب (khvêtûdâdo)؟ وفي اي مكان نشأ؟، فكان الجواب هو أن أول إتمام للزواج من أقرب الأقارب كان بسبب ما فعله مشيّح ومشياوت، إذ كانا أخًا وأختًا معًا، ومارسا الجماع لكي يظهر لهم نسلاً، أي يولدا لهما ابنًا من زواج الاقارب، باعتباره اكتمالًا للوالد الذي يليه.( Dadistan-i Dinik، 64 ، 65)
وفي نص آخر لكتاب (دينكَرد) يجب على البنت قبل أن تذهب لبيت زوجها، عليها أن تتمرن على عملية الزواج من قبل أبيها حتى تكون على بينة من الامر، ففي النص (7) على البنت أن تتمرن على تقديس والدها هذا أيضًا أنه يعطي ابنته لأبيها، الذي يعلِّم الابنة تقديس والدها عن طريق التدريب على الاخلاق الحميدة والتدريب الجيد كربة منزل، وفي النص (9) على البنت أن تتعلم من والدها عملية الزواج بأن تتمرن على العملية مع والدها قبل الذهاب الى عش الزوجية.، أي بعبارة أخرى أن أباها سيعاشرها معاشرة الازواج قبل أن يعاشرها زوجها الحقيقي.(دينكَرد، بدون ت، 9/67).
وومما يؤكد هذ النص ما ورد في كتاب الآفستا نفسه، في القسم الاول (يسنا) الفصل (53)، العددين 3- 4، حيث يشير النص الى زواج بنت زرادشت الصغرى باروشاسبا (بورا جاست من جاماسب نجل الملك ويشتاسبا، ما نصه:” يا باروشاسبا، أنت يا سليل هيشاتاسبا وسبيتاما، ويا صغرى بنات زرادشت يفرض علينا زرادشت صحبة الفكر الخيّر والحق ورفقة مازدا، وإذا أخذت هذه النصيحة بعين الاعتبار مع فهمك الخاص ومع بصيرتك الطيبة عندئذٍ ستمارسين أقدس أعما التقوى”.(عبد الرحمن،2007م، 160).
بعدها يشير النص رقم (4) الى عادة زواج المحارم بين زرادشت وابنته من خلال الايحاء بأن على البنت أن تخدم أباها وزوجها، على غرار ما ورد في مصنف دينكرد، الكتاب التاسع. “(جاماسبا)، بجد سوف أرشدها الى الايمان حيث يمكنها أن تخدم أباها وزوجها، والفلاحين والنبلاء، كإمرأة مستقيمة (تخدم) الاستقامة. الارث المجيد للفكر الخيّر… سيمنحه آهورامزدا لكل الاوقات على مدى الزمن”.(عبد الرحمن،2007م، 160).
وفي الحقيقة فإن النص عندما يشير الى البنت بخدمة أبيها وزوجها، يتطرق الى خدمة الفلاحين والنبلاء أيضاً، وهذا ما لا يشير الى عملية الزواج حصراً وإنما يشير الى الخدمة العامة الانسانية؛ ولكن وجود نص في (دينكرد) الكتاب التاسع، العدد الرابع، يحل الاشكال، حيث يشير النص الى أن بعد أن قدمت ابنة زرادشت لوالدها خدمة نسائية على غرار ما تفعله النساء، خدمت زوجها أبضاً نفس الخدمة النسائية، وهذا ما يجعلها صاحبة توقير واحترام لدى آهورامزدا وفي العالم الاخر؛ نظراً لخدماتها الكبيرة المذكورة آنفاً.( دينكَرد، بدون ت، 45).
ومن جانب آخر يشير الكتاب البهلوي زاد سبارام Zad – Sparam في القسم (23) العدد (13)الى أن هناك ثلاثة أشياء توصف عند زرادشت بأنها مقدرة ومهمة، الثالثة: هي الزواج بالمحارم، حتى يكون نسلك نظيفاً، ويكون ثمرة هذا الزواج ظهورالنسل. ( Zad – Sparam في القسم (23) العدد (13).
وفي كتاب زاد سبارام Zad – sparam [2] الذي يعد أحد الكتب الزرادشتية القديمة التي كتبها (زادتسفرم) الكاهن الاعلى الزرادشتي لمنطقة سركان باللغة البهلوية التي كتبها في القرن التاسع الميلادي/ الثالث الهجري ( اليوسفي، 2012، 369). يقول الكتاب بأن من العادات الثلاثة الحميدة لدى زرادشت، أولها: “لا تذهب دون غيرها إلا بسلطة قضائية (أباتكار رديها)” ؛ والثاني: “وإن كانوا يتقدمون إليك بصورة غير مشروعة، ففكر في أفعالك مسبقًا بطريقة مشروعة”، والثالث: ” الزواج من الأقارب، من أجل النقاء الخالص لعرقك، وهو أفضل تصرفات الأحياء، التي تسهم في انجاب الأطفال بطريقة صحيحة. (.html http://avesta.org/pahlavi).
ويذكر كتاب الآفستا – قسم الويسبرد ما نصه:” أدعو الفتية ذوي الافكار المقدسة قولاً وفعلاً، ذوي الضمائر الخيّرة، أجل الفتية ذوي الحديث الطيب الذي يمنحه لاقاربه (عند الزواج). وأدعوا حارس الاقليم (= حارس المقاطعة) المتجولين(= المتجول) بين الفنون العديدة ، وسيدة المنزل(= ربة البيت)”. (الويسبرد، الفصل (3)، العدد 3، 197).
ومما يؤكد زواج المحارم وجود نص آخر من كتاب اليسنا الذي يعد من أهم أقسام الآفستا، جاء فيه:”أمجد صلاة الايمان بمازدا، المسالم، نازع السلاح، ومقوم الزواج الأُسري، والاعظم بين الموجودات الآنية والمستقبلية والافضل والاروع من بين الآهوريين والزرادشتيين. أعترف بكل الخير يا آهورامزدا. وهذا هو تمجيد الإيمان بمازدا المبجَّل”.( اليسنا، الفصل (12)، العدد 9، ص87).
وتجدر الاشارة إليه أن مترجم الافستا الى اللغة العربية، يقول في التعليق على (الزواج الأُسري) بالقول:” كان الزواج بين الاقارب مسموحاً، بالاخص في فترة الزرادشتية الارثوذكسية في عهد الساسانيين”. (اليسنا الفصل (8)، العدد (11، 12، 13)، ص281 – 282).
وتذكر الآفستا – كتاب الفنديداد نصاً حول زواج القربى أو المحارم جاء على شكل حوار بين السائل وآهورامزدا المجيب، فجاء فيه ما نصه:”… فليجلس حمالو الجثث على بعد ثلاث خطوات من الميت. وليعلن الرئيس الصالح للمزداياسنين: فليجمع المازداياسنيون البول ليغسل حمالو الجثث به شعر الميت وجسده. أيها الصادق، وخالق العالم المادي! هل هو بول الأغنام، أم بول الأبقار، أم بول الرجال، أم بول النساء؟. أجاب آهورامزدا: يغسل شعر الميت وجسمه (ببول) الأغنام أو الابقار، وليس (ببول) الرجال أو النساء ما عدا (بول) رجلين أو إمرأتين من زواج القربى”.(اليسنا الفصل (8)، العدد (11، 12، 13)، ص281 – 282).
وفي ترجمة أخرى لنفس النص:” يا خالق عالم الأجساد، يا قدوس! أي بول، يا هرمزد القدوس، يستطيع حاملو الأموات غسل شعر رؤسهم وأبدانهم به؟ هل هو بول غنم أو بقر أو إمرأة؟ أجاب هرمزد: هو بول غنم أو بول ثور، لا بول رجل ولا بول إمرأة إلا كان بول رجل وإمرأة متزوجين وهما من دم واحد. هؤلاء يقدمون البول الذي يغسل حاملو الاموات شعورهم وأبدانهم به…”.
وينقل المترجم تعليقاً للمستشرق الفرنسي جيمس دار مستتر مترجم كتاب الفنديداد من البهلوية الى الفرنسية حول زواج المحارم جاء فيه:” أهريمن يهاب جداً من الزواج الذي يقع بين الأقارب لأن قدرته وقدرة الشياطين تكون ضعيفة التأثير في أجساد المتزوجين بهذا النوع”.( الجلبي، بد،ن، 96).
وبالمفهوم المخالف فإن آهورامزدا يبارك مثل هذا النوع من زواج المحارم، لأنه ضد إرادة أهريمن (= الشيطان).
ثانياً: الزواج بالمحارم في المرويات الايرانية القديمة
لقد اتبع المجوس الزرادشتيون نظام الزواج من الأقارب الأدنين (= خويذ وكدس)، فقد أباح لهم (زرادشت) أن يتزوج الأب من ابنته، والأبن أمه، والأخ أخته… وهكذا. وكان زواج المحارم هذا شائعاً بنوع خاص في الطبقات الحاكمة والمثقفة.
وقد ورد في كتاب الزرادشتيين المقدس (دينكَرد – Denkard) (المصدر نفسه، ص96، الهامش (102). الذي كتب في القرنين الأول والثاني بعد الإسلام )، ” أن الزواج بين الأخ وأخته منور بمجد إلهي، وله فضيلة طرد الشيطان”.( الخشاب، 1959م، 10).
وقال الموبذان موبذ (نرسي مهر)، وهو أحد شراح الآفستا: “إن زواج المحارم يمحو الكبائر”، لذلك تزوج الحكيم الإيراني (أرداك فيراز) أخواته السبع، وتزوج (بهرام جوبين) أخته (كُردية)، التي حيك حولها قصص كثير.( الخشاب، 1959م، 10).
وإذا كان البارسيون (= الزرادشتيون الجدد)، المستقرين في (الهند)، يرون في هذا النظام عيباً قبيحاً، ويحاولون أن ينفوا وجوده كنظام اجتماعي ديني عند الزرادشتيين قبل الإسلام، وينسبونه إلى المزدكية، فإن الواقع أن هذا النوع من الزواج كان شائعاً لدى أمم أخرى غير الإيرانيين مثل الفراعنة في مصر، وأن الإيرانيين الزرادشتيين كانوا يعدونه عملاً صالحاً يثاب عليه صاحبه.
وقد اقتضت العناية بنقاوة دم الأسرة – التي كانت من الصفات البارزة في عادات الجماعة الإيرانية – جواز الزواج بين المحارم: بين الأب والبنت، والأم والابن، والأخ والأخت، ويسمى هذا النوع من الزواج (خويذ وكدس)، وفي الآوستا يسمى: (خَوِيث وَدَثه).
وعادة زواج المحارم قديمة عند الفرس؛ ويمدّنا تاريخ الإخمينيين (= الهخامنشيين)، كأول دولة فارسية، بأمثلة كثيرة منه، وقد مجد آل- (خويذ وكدس) في النسكين: (باغ) و(وَرشتمان سَر)، حيث قيل إن الزواج بيين الأخ وأخته منور بمجد إلهي، وله فضيلة طرد الشيطان. وقد ادعى الشارح (نرسي بُرزمِهر) أن زواج المحارم (خويذ وكدس) يمحو الكبائر.
ثم إن العادة الإيرانية، عادة الزواج من الأخت أو البنت أو الأم، لم يشهد بها في العصر الساساني الكتاب المعاصرون، أمثال: أغاثياس Agathias[3]، وابن ديصان[4] فحسب، بل إن تاريخ العصر نفسه يمدّنا بكثير من أمثلة من هذا النوع من الزواج، ومن الجائز أن يكون الولي (أرداك ويراز) – الذي اتخذ من أخواته السبع زوجات له – شخصاً خيالياً؛ ولكن ها هو ذا المغتصب العرش من الملك كسرى أبرويز الثاني (بهرام جوبين)، قد اتخذ أخته (كُردية – كورديك) زوجاً له، وها هو ذا (مهران – كُشنَاسب) الذي كان قد تزوج أخته قبل أن يدخل في المسيحية” عملاً بالعادة القبيحة النجسة التي يبيحها هؤلاء الضالون”.( ابن برديصان، 1997، ص162).
وأخيراً نجد في كتاب قانون سرياني (خاص بالزواج)، من تأليف البطريرك (مار أبها)، الذي عاش أيام كسرى – خسروالأول(531-579م)، الفقرة الآتية: “إن العدالة العجيبة عند عباد أوهرمزدا تقضي بأن يكون الرجل على صلات شهوانية مع أمه وبنته وأخته”. ويروي الزرادشتيون أمثلة من القصص الخرافي، يثبتون قداسة هذا العمل. (كريستنسن م،1982، 309-310).
إن مسألة عقد قران المحارم (= الأخوة بالرضاعة)، كانت من العادات والتقاليد العشائرية البدائية منذ قديم الزمان، وكان هذا الزواج شائعاَ في المجتمعات الأسرية، ومن أسباب ذلك: الأصالة العرقية والدم، والفوائد الاقتصادية، والتي دفعت بتلك العشائر لسلوك مثل هذه العادات والتقاليد القديمة، فالمصادر التاريخية، تبيّن بأن الزواج بين الأقارب، وزواج الأخوة من الرضاعة، كانت شائعة ومنتشرة بين بعض سلسلة الملوك الإيرانيين، فالمؤرخون اليونانيون يظهرون عصر الإخمنيين(529-331 ق.م)، في أن الموغ (= رجال الدين المجوس) في هذا العصر كانوا يتزوجون من أمهاته، وفي العصر الإشكاني- الفرثي- ملوك الطوائف (247 ق.م – 226م)، كان هذا العمل اعتيادياً، وبعض ملوكهم كانوا يرون عقد قرآن الأخوة من الرضاعة، كان – فحسب – لحماية الأصالة والعرق ونقاء الدم. ( بيرنيا، 1391هـ، ش، ج3، ص2199).
ويُفصِّل أحد المؤرخين اليونانيين حيثيات زواج المحارم بالقول:”… أما الجريمة الثانية التي أقترفها (= قمبيز) بحق أهله فهي قتله لأخته التي قدمت معه الى مصر، والتي كانت زوجه أيضاً، بالرغم من أن زواج الأخوة لم يكن من عادات الفرس على الاطلاق؛ إلا أن قمبيز تغلب على هذه الصعوبة، وتفصيل ذلك كالتالي: بعد أن أحب أخته وأراد الزواج بها وهو أمر يتنافى مع القانون، استدعى القضاة الملكيين وسألهم عن وجود قانون في البلاد يبيح للمرء الزواج من أخته إذا ما أراد ذلك، والقضاة الملكيون هم أشخاص يتم اختيارهم بعناية ويستمرون في مناصبهم مدى الحياة أو إلى أن يحكم عليهم بإساءة التصرف، ومهمتهم الفصل في القضايا الشائكة وتفسير القوانين والعقائد الدينية، ولذلك تحال إليهم جميع المسائل المتنازع عليها. ولما طرح قمبيز عليهم هذا السؤال، استطاعوا العثور على جواب لا يحيد عن الحق ولا يعرضهم للخطر في آنٍ واحد، وقالوا له:” إننا لم نتمكن من العثور على قانون يبيح زواج الأخ من أخته، لكن ثمة قانوناً لا شك فيه يبيح لملك فارس فعل ما يشاء”. وبذلك تجنبوا انتهاك أي قانون راسخ في البلاد، كما حافظو على أنفسهم، فلخوفهم من غضب قمبيز قدموا له قانوناً يساعد الملك على تحقيق رغباته. وهكذا تزوج قمبيز أخته التي أحبها، وبعد فترة ليست بالطويلة تزوج أخته الثانية والتي اصطحبها الى مصر ثم قتلها”. (هيرودوت، 2000م، ص231).
و تزوج الملك الإخميني داريوش الثاني(423-405 ق.م) من خالته (به ريزاد) الفاتنة الجمال، وكان لتلك الملكة اليد الطولى في كل ما حدث بالبلاط من خداع ودسائس، بعدها تزوج من أخته (باريساتس). كما أن نجل الملك الإخميني أردشير الثاني- أرتحشتا الثاني(402-359ق.م) تزوج من ابنته (ئاتوسا) التي كان يراودها، لذلك طلبت منه والدته (به ريزاد) الزواج من ابنته، وتزوج من ابنته الأخرى (وامستريس). وتزوج الملك دارا الثالث (داريوش- 335-331 ق.م) من ابنته (تاتيرا). (كريستنسن، ص9، هامش (7).
ويذكر الفردوسي (المتوفى سنة 411هـ/1020م) صاحب الشاهنامة أن شريعة الايرانيين أباحت لهم الزواج من الأخت فكانت سوذابه امرأة كوكاوس ترغب في أن تزوج سياوش ابن زوجها من إحدى بناتها، وقد زوج كشتاسب ابنته هٌاى من ابنه إسفنديار على الملة الفهلوية. (الفردوسي، 1993م، ج1، ص331). وممن تزوج بأخته بهرام جوبين فكانت كُرديه أخته وزوجته في نفس الوقت، وأعجب من ذلك أن شريعتهم كانت تجيز للرجل أن يتزوج ابنته، كما فعل بهمن الذي تزوج ابنته هُماى حسب الملة الفهلوية، وكان يحبها لفرط حسنها وجمالها، وأوصى لها بالملك من بعده”.(الفردوسي، 1993م، ج1، ص372- 373).
وإزاء هذه الأدلة الصحيحة، التي نجدها في المصادر الزرادشتية والايرانية على حدٍ سواء، وعند الكتاب الأجانب (= الاوروبيين تحديداً) المعاصرين أيضاً، نرى الجهود الحثيثة التي بذلها بعض الكتاب البارسيين المحدثين (= بارسيو الهند تحديداً)، لنفي وجود زواج المحارم في إيران الزرادشتية، وعدها لغواً من القول على حد تعبير المستشرق الدانمركي (كريستنسن). (كريستنسن،1982، ص311).
أما بشأن التأويل الذي يقترحه (بلسارا)، إذ يقول: “إنه يظهر أن (خويذو كدس- خويث ودثه – زواج المحارم) تعني العلاقات بين الله والإنسان عن طريق حياة مقدسة”، وإنه إن كانت أزمنة الكتب البهلوية، قد ألصقت بهذه العبارة فكرة السٍفاح بين الاقارب،”فإنه هذا ينبغي أن ينسب جملة إلى الفلاسفة الشيوعيين مثل مزدك، وليس إلى الزرادشتية”.
والواقع أن زواج المحارم كان لا يعتبر سفاحاً، بين الأقارب، ولكنه عمل صالح يثاب عليه صاحبه من الناحية الدينية. ولعل السائح الصيني (هيون تسيانج HiuenTsiang ) يشير إلى هذا النوع من الزواج، إذ يقول إن عادات الزواج عند الإيرانيين في زمانه كانت الاختلاط المطلق. (كريستنسن،1982، ص311).
وإن الزواج بالمحارم، الذي كان شائعاً في ذلك العهد، كان مبنيّاً على هذا الأساس أيضاً، أيْ أن الاُسَر في سبيل منع امتزاج دمها بالدم الأجنبـي، وتوارث أموالها بين الأجانب، كانت تسعى أن تتزوج بأقربائها مهما أمكن، وحيث كان هذا العمل على خلاف الطبع والفطرة، كانوا يحملون الناس عليه بقدرة الدين والدولة ومواعيد الثواب في الآخرة ووعيد العذاب لمن يمتنع عنه.
و قد جاء في كتاب (ارداى ويرافنامه)، المنسوب إلى (نيك شابور)، من علماء عهد الملك الساساني كسرى – خسرو أنوشيروان الأول (531-579 م)، والذي هو شرح (معراج الروح)، جاء فيه: ” أنه رأى في السماء الثانية أرواح أناس كانوا قد تزوجوا محارمهم ((خو يتك دس)) فكانوا مغفوراً لهم إلى الأبد، وأنه رأى في قعر العذاب روح امراة مخلدة في العذاب لأنها كانت قد كسرت هذا الرباط المقدس (!) وأن ويراف هذا الذي استحق المعراج، كان قد اختار سبعاً من أخواته للزواج بهن”. ( نفيسى، ج2، ص39).
و قد جاء في القسم الثالث من كتاب (دينكرد) إصلاحات لهذه المسألة: منها: “ما يصطلح عليه (نزد بيوند) ، بمعنى الزواج من الأقارب، مشيراً فيه إلى زواج الأب بابنته والأخ بأخته، وقد شرح أحد الباحثين الكبار في الديانة الزرادشتية (نرسي بزرك مهر) هذا القسم من الكتاب، هذا الزواج جاء بفوائد ومنافع كثيرة لهذا الزواج وقال: “إنه يمحو الذنوب أو يجبر كبائر الذنوب”. ( نفيسى، ج2، ص39).
كما أن عادة الزواج بين الاقارب – المحارم (= هفيدودا)عند الزرادشتيين الايرانيين لاقت معارضة من جانب البارسيين الهنود، لأن الهنود لم يوافقوا على الزواج من الاقارب في الدم، وهكذا أبلغ المبعوث البارسي ( ناريمان هوشنك) الايرانيين ” بأن البارسيين لا يتزوجون من أنسابهم في الدم، ولكنهم يسألون كثيرا حول هذا الامر”. فاجابه الزرادشتيون الابرانيون ” بأن الزواج بين الاقرباء في الدم هو تصرف حميد، وليكن في المعلوم أن هذا ما صادق عليه (أورمازد – آهورامزدا). يحكى في النص البهلوي من القرن الحادي عشر الميلادي عن خرق عقد الزواج بين الاخ وأخته ( ريفايات – مراسلات آدور فارنباك)، ولكن في القرن الرابع عشر الميلادي طالب الكهنة” بأن يتزوج الشاب فقط من بنت عمه”. وهذا ما سهل عملية التأقلم مع المجتمع الاسلامي الذي خضعوا لسيطرته في ذلك الوقت، لأن مثل هذا الزواج كان محبذاً لدى العرب المسلمين. وبالفعل منذ ذلك الوقت (= بدءاً من القرن الثامن عشرالميلادي) توجد شواهد كثيرة على الزواج بين الأقرباء في الدم بين البارسيين، وصار منتشراً بينهم. (بويس 2007م، ص84).
ثالثاً: الزواج بالمحارم في المرويات الإسلامية
مما لا شك فيه إن الإسلام قد حرم بشدة زواج المحارم وهم الذين تجمعهم القرابة النسبية، فيجوز لكل منهما النظر لزينة الآخر ويحرم الزواج فيما بينهما، وتدل آية المحارم في القرآن الكريم على حرمة الزواج من الأقارب النسبي والسببي والرضاعي: [حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا]. [سورة النساء:4/ 23].
كانت الضرورة تقتضي أن يتزوج أبناء آدم عليه السلام بعضهم من بعض، كي يستمر النسل وتعمر الأرض، وقد جاء في بعض الآثار:” أنه لم يكن يولد لآدم عليه السلام مولود إلا ولد معه جارية، فكان يزوّج غلام هذا البطن جاريةَ البطن الآخر، ويزوج جارية هذا البطن، غلامَ البطن الآخر، وحرم على الغلام والجارية من البطن الواحد الزواج”. ( الطبري، 2008م، ج4، ص420).
فهابيل وقابيل اولاد آدم تزوجوا من اخواتهم، “فإن الله تعالى قد شرع لآدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال، ولكن قالوا : كان يُولَد له في كل بطن ذكر وأنثى ، فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر، وكانت أخت هابيل دَميمةً، وأخت قابيل وضيئةً ، فأراد أن يستأثر بها على أخيه ، فأبى آدم ذلك إلا أن يقربا قربانًا، فمن تقبل منه فهي له، فقربا فَتُقُبِّل من هابيل ولم يتَقَبَّل من قابيل. (ابن كثير، 2016م، ج3، ص82).
أما العرب المسلمون فقد كانت لهم في هذه المسألة نظرة ثابتة وصارمة تعود جذورها إلى الجاهلية، ولما جاء الإسلام شدد في منع نكاح المحرمات وحددها بكل وضوح، كما هدم ما اعتبره فاسداً في نكاح أهل الجاهلية كنكاح نساء الأباء والجمع بين الأختين، ويبدو أن العرب لم تعرف قبل الإسلام نكاح الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات والدليل على ذلك أنهم كانوا في جاهليتهم يقسمون على طلاق نسائهم أو تحريمهم على أنفسهم أو هجرانهن بقولهم للزوجة :”أنت علي كظهر أختي أو كظهر أمي أو كظهر عمتي أو كظهر خالتي”. فكان ذلك عندهم تحريماً على أنفسهم غشيان الزوجة، كما أن القرآن لم يتعرض في التحريمات إلى إباحة المحرمات الرئيسية عند الجاهليين وإنما كانوا يتساهلون في غير ذلك كأمهات الرضاع وأخوات الرضاع والربائب، مثل تساهلهن في نكاح زوجة الأب والجمع بين الأختين”.( الطبري، 2008م، ج8، ص140 – 150).
كما تشهد المصادر أيضاً بأن العرب لا تبيح فقط هذه الأصناف من الزيجات بل تتشدد في ذلك وتحتقر مرتكبيها وتشنع بهم وقد عيروا المجوس وبقية الشعوب الأخرى بما فيهم عرب الجاهلية بأنكحتهم (الفاسدة)، قال أبو جعفرمحمد بن حبيب ( المتوفى سنة 245هـ/859م) في كتابه (المحبر): “وكانت العرب تزوج نساء آبائها وهو أشنع ما كانوا يفعلون، قال أوس بن حجر:
والفارسية فيكم غير منكرة فكلكم لأبيه ضيزن سلف” ( المحبر، د، ت، ص325).
ويذكر البلخي- المقدسي (المتوفى سنة 322هـ/934م) في فصل مذاهب المجوس وشرائعهم :”… ويحرّمون الاكل والشرب في أواني الخشب والخزف لأّنهما يقبلان النجاسات(…)، ويستحلون نكاحَ الأخوات والبنات ويحتجّون على من خالفهم بفعل آدم عليه السلام ذلك(…) وينكحون من النساء ما شاؤوا وكيف شاؤوا(…)”.(المنصور1997م ج1، ص328 – 329). وقد حاول الجاحظ ( المتوفى سنة 255هـ/869م) في رده على أصحاب مذهب المزدكية”. (الشهرستاني،1413هـ، ص 276).
في نفي الغيرة، توضيح الأسباب التي جعلت العرب يتشددون في منع نكاح المحرمات ويشنعون على مرتكبيها بقوله: “وسألت أن أكتب لك علة خباب في نفي الغيرة”… أن الرجل أحق ببنته من الغريب وأولى بأخته من البعيد، وأن البعيد أحق بالغيرة والقريب أولى بالأنفة، وأن الاستزادة في النسل كالاستزادة في الحرث، إلا أن العادة هي التي أوحشت منه والديانة هي التي حرمته، ولأن الناس يتزيدون أيضاً في استعظامه وينتحلون أكثر مما عندهم في استشناعه”.
لقد أتى الجاحظ في قوله بسببين يمنعان نكاح المحرمات عند العرب السبب الأول هو سبب طبيعي: “إلا أن العادة هي التي أوحشت منه” وهذا ربما يعود إلى سبب نفساني وهو ما عبر عنه ويستمارك وهافيلوك إيليس Westermark, Havelock Ellis في تفسيرهما لظاهرة منع نكاح المحرمات بـ: )الخوف الغريزي( أو (صوت الدم). ( السلاّمي، 2009م، ص196).
فالعرب لم تعرف نكاح الأمهات والأخوات والعمات والخالات حتى في جاهليتها. والسبب الثاني هو سبب ثقافي تشريعي، فقد منع الدين الإسلامي نكاح المحرمات، ثم كذلك “لأن الناس يتزيّدون أيضاً في استعظامه وينتحلون الكثير مما عندهم في استشناعه”. ( السلاّمي، 2009م، ص196).
وكان الفرس الذين بقوا على المجوسية يبيحون نكاح الأمهات والأخوات والبنات ورغم اعتناقهم الإسلام، فإن العرب ظلوا يعيرونهم بنكاح أمهاتهم ويحتقرونهم من أجل ذلك، روى الجاحظ أن عوانة الكلبي، (الكلبي،2001م، ج6، ص201). قال: “استعمل معاوية رجلاً من كلب فذكر يوماً المجوس وعنده الناس قال:” لعن الله المجوس ينكحون أمهاتهم، والله لو أعطيت مائة ألف درهم ما نكحت أمي فبلغ ذلك معاوية فقال : “قاتله الله أترونه لو زادوه على مائة ألف فعل، فعزله” ( الجاحظ، 1993م ج2، ص260).
ويذكر الفقيه الحنفي أبويوسف (المتوفى سنة 182هـ/ 798م) بهذا الصدد ما نصه: “وفي خلافة علي بن أبي طالب حدثت مناقشة بين الصحابة حول أمر المجوس، ورفع الأمر إلى الخليفة علي بن أبي طالب، فقال لهم: “فقال: سأحدثكما بحديث ترضيانه جميعاً عن المجوس: إن المجوس كانوا أمة لهم كتاب يقرأونه، وإن ملكاً لهم شرب حتى سكر، فأخذ بيد أخته، فأخرجها من القرية، وأتبعه أربعة رهط، فوقع عليها، وهم ينظرون إليه، فلما أفاق من سكره قالت له أخته: إنك صنعت كذا وكذا، وفلان وفلان وفلان وفلان ينظرون اليك. فقال: ما علمت بذلك. فقالت: فإنك مقتول ولا نجاة لك إلا أن تطيعني، قال فإني أطيعك، قالت: فاجعل هذا ديناً، وقل: هذا دين آدم، وقل: حواء من آدم، وادع الناس إليه، وأعرضهم على السيف، فمن تابعك فدعه، ومن أبى فاقتله، ففعل، فلم يتابعه أحد، فقتلهم يومئذ حتى الليل. فقالت له: إني أرى الناس قد اجترؤا على السيف، وهم على النار لُكع، فأوقد لهم ناراً ثم أعرضهم عليها، ففعل، فهاب الناس النار فتابعوه. فأخذ رسول الله الخراج لأجل كتابهم، وحرّم مناكحتهم وذبائحهم لشركهم”. (إبراهيم، 1990م، 260 – 261).
وتذكر احدى الباحثات العربيات:” ولم تكن العرب قد احتقرت الفرس لذلك مجرد احتقار فقط، بل ذهبت إلى استنقاص فضائلهم من أجل إباحتهم نكاح المحرمات”، وتستند في ذلك الى قول القاضي الشافعي أبو حامد المروروذي[5]،” لو كانت الفضائل كلها بعقدها وسمطها، ونظمها ونثرها مجموعة للفرس ومصبوبة على رؤوسهم ومعلقة بآذانهم وطالعة من جباههم، لكان ينبغي أن يذكروا شأنها، وأن يخرسوا عن دقها وجلها، مع نيكهم الأمهات والأخوات والبنات، فإن هذا شيء كريه بالطباع ضعيف بالسماع ومردود عند كل ذي فطرة سليمة ومستبشع في نفس كل من له جبلة معتدلة…” (أبو حيان التوحيدي، 1939م، ج1، ص90، هامش 3).
وتضيف الباحثة بقولها ومما زاد في استنقاص العرب لهم والتصغير من شأنهم “أنهم زعموا أن هذا بإذن من الله تعالى، وبشريعة أتت من عند الله والله تعالى حرم الخبائث من المطعومات فكيف حلل الخبائث من المنكوحات (…) وأنهم جاؤوا إلى وَهْي فرقعوه وإلى حرام بالعقل فأباحوه وإلى خبيث بالطبع فارتكبوه وإلى قبيح بالعادة فاستحسنوه. وقد وجدنا في البهائم ما إذا أنزي الفحل منها على أمه لم يطاوع، وإذا أكره وخدع وعرف غضب أهله وند عنهم، وشرر عليهم، فما تقول في خلق لا ترضاه البهيمة ولا تطاوعه فيه الطبيعة، بل يأباه حسه مع كلوله وتبرد شهوته مع اشتعالها، ويرضاه هؤلاء القوم مع عجبهم بعقولهم وكبرهم في أنفسهم”.(أبو حيان التوحيدي، 1939م، ج1، ص90)، فقد نزع القاضي عن الفرس إنسانيتهم وجعلهم من أجل هذه الممارسات دون البهائم لأن البهائم لم ترض بحكم الغريزة هذه الخُلق ورضيته الفرس رغم كبر عقولهم وتفوقهم الحضاري. ( السلاّمي، 2009م، ص197).ويزيد القاضي من استنقاص الفرس بتعظيم شأن العرب وازدياد نخوتهم فيقول: “وكان العرب بهذا الخلق الذميم، وهذا الفعل اللئيم، لو فعلته أعذر، لأنهم أشد غلمة من غيرهم وأكثر تهيجاً، وأقوى على البضاع وأوثب على النساء يدلك على هذا غزلهم وعشقهم ونظمهم ونثرهم وفراغهم وشهوتهم، وتراهم مع هذه الدواعي والبواعث لم يستحسنوا هذا ولم يفعلوه ولو أكرههم على هذا مكره ودعاهم إليه داع لما أطاعوه،(…) وما منعهم من هذا إلا الأنفس الكريمة، والطباع المعتدلة، والشكائم الشديدة والأرواح العيفة، والعادات الرضية، والضرائب الطيبة وكان وأد البنات عندهم أنفى للمعاير”، (ابن عبد ربه، 1989، ج1، ص266 – 268). “وأطرد للقبائح من هذا الذي استحسنه زرادشت وقبل منه الفرس، وهم يدعون الحكم والعلم والحزم والعزم”. أبو حيان التوحيدي، 1939م، ج1، ص90).
وفي الشأن نفسه يقول أبو الحسن الأنصاري:” انظر إلى جهل زرادشت في هذا الحكم وإلى ضعف عقول الفرس في قبولهم منه هذا، وخير بينهما وبين عقول العرب، فإنهم قالوا: اغتربوا لا تضووا واستفاض هذا منهم حتى سمع من صاحب الشريعة، وذلك أن الضوى مكروه والعرب قالت هذا بالإلهام، لقرائحهم السليمة: وإنما شعروا بهذا لأن الضوى الواصل إلى الأبدان هو سار في العقول، ولكن الفرس عن هذا السر غافلون ولا يفطن لهذا وأمثاله إلا الألمعيون الأحوذيون”. (أبو حيان التوحيدي، 1939م، ج1، ص92-99).
ولدعم وجهة نظره يؤكد أبو الحسن الأنصاري بقوله هذا أن العرب بمنعهم نكاح المحرمات شجعوا الزواج في الأباعد وكانوا يدركون فوائده، في حين ترى الفرس عكس ذلك، إذ كتب مؤسس الدولة الفارسية الساسانية أردشير(226 – 241م) إلى رعيته: “وتزوجوا في الأقارب فإنه أمس للرحم وأثبت للنسب”. (ابن عبد ربه، 1989، ج1، 51).
ومن جانب آخر يتطرق أحد الباحثين العرب الى سياق المثالب الذي كان جارياً بين بعض القبائل العربية، ومنها اتهام النسابة هشام الكلبي بنو تميم بالمجوسية، ويعزوها بالقول أن المجوسية، خارج كعجم المقالات وتاريخ الاديان لفظ تحقيري مرتبط عند العرب بجملة من العادات ( التمجُّس) في الغالب هو تعظيم النار أو عبادتها من غير أن يكون هذا التعظيم مرتبطاً بالديانة الزرادشتية أو الخضوع السياسي لكسرى. (شُكر، 2016م، 578).
ويستند في دعواه على كل من من ابن قتيبة الدينوري (ت 276هـ/ )، ونشوان الحميري (المتوفى سنة)، ذكرا في روايتيهما حول تَمَجُّس حاجب بن زُرارة أو لقيط بن زُرارة بالقول:” وفد حاجب (أو زُرارة وحاجب عند نشوان الحميري)على كسرى فرآهم ينكحون بناتهم وأمهاتهم فحذا حذوهم فنكح ابنته دختنوس ثم ندم”، ( عكاشة ، 1960م،621) ؛ الحور العين، ص257.. والتمجس بمعنى سفاح المحارم نجده كثيراً في الهجاء، فالشاعران جرير والفرزدق على سبيل المثال يتهمان بعض القبائل العربية في الهجاء بممارسة (دين المجوس) بمعنى إتيان أمهاتهم وأخواتهم. ( النقائض، ج1، ص342، 536).
وفي الصعيد نفسه يذكر المؤرخ اليعقوبي (المتوفى سنة292هـ/905م): “وكانت الفرس تعظّم النيران، ولا تستنجي بالماء، إنما تستنجي بالدهن… ولا تأكل إلا بزمزمة، وهو الكلام الخفي، وتنكح الأمهات والأخوات والبنات، وتذهب إلى أنها صلة لهن، وبرّ بهن، وتقربُ إلى اللهِ فيهنَ”. (اليعقوبي ،1993م، ج1، 219).
ونقل ابن الجوزي عن أبو جعفر بن جرير الطبري( المتوفى سنة310هـ/922م) قوله:” أنه لما قتل قابيل هابيل وهرب من أبيه آدم إلى اليمن أتاه إبليس فقال له إن هابيل إنما قبل قربانه وأكلته النار لأنه كان يخدم النار ويعبدها فانصب أنت نارا تكون لك ولعقبك فبنى بيت نار فهو أول من نصب النار وعبدها، قال الجاحظ وجاء زرادشت من بلخ وهو صاحب المجوس فادعى أن الوحي ينزل إليه على جبل سبلان فدعى أهل تلك النواحي الباردة الذين لا يعرفون إلا البرد وجعل الوعيد بتضاعف البرد وأقر بأنه لم يبعث إلا إلى الجبال فقط وشرع لأصحابه التوضوء بالأبوال وغشيان الأمهات وتعظيم النيران مع أمور سمجة…”. (ابن الجوزي، – 1985م، ج1، 78).
ومن جانبه يذكر الماوردي (المتوفى سنة450هـ/1058م) رواية بهذا الخصوص:” … وزعم زرادشت أن الله تعالى كان وحده ولا شيء معه فحين طالت وحدته فكر فتولد من فكرته أهرمن وهو إبليس فلما مثل بين عينيه أراد قتله وامتنع منه فلما رأى امتناعه وادعه إلى مدته وسالمه إلى غايته ومن قال بهذا في الله تعالى ولم يعرفه لم يجز أن يكون رسولا له ثم دعوا إلى القبائح والأفعال السيئة كما شرع زرادشت الوضوء بالبول وغشيان الأمهات وعبادة النيران”.(الماوردي، 1999، ج1، 61).
ويؤكد المؤرخ والمفسر ابن الجوزي (المتوفى سنة597هـ/1201م) كلام الطبري في تفسيره لقوله تعالى :” {إنك ميت}، (الزمر : 30)، أي ستموت. وقوله تعالى : { لا تؤاخذني بما نسيت }، (الكهف : 73)، قال عبدالله بن عباس : لم ينس، ولكنه من معاريض الكلام، وكذلك قوله هي أختي : فقد بين أنه أراد أخوة الإسلام . وعلى هذا إشكال ما زال يختلج في نفسي وهو أن يقال : ما معنى توريته عن الزوجة بالأخت ؟ ومعلوم أن ذكرها بالزوجية أسلم لها ؛ لأنه إذا قال : هذه أختي ، قال : زوجنيها. وإذا قال : امرأتي ، سكت ، هذا إذا كان الملك يعمل بالشرع ، فأما إذا كان كما وصف من جوره ومد يده إليها ظلما ، فما يبالي أكانت زوجة أو أختا . وما زلت أبحث عن هذا وأسأل فلم أجد أحدا يشفي بجواب، إلى أن وقع لي أن القوم كانوا على دين المجوس ، وفي دينهم أن الأخت إذا كانت زوجة كان أخوها الذي هو زوجها أحق بها من غيره، فكأن الخليل (= ابراهيم) عليه السلام أراد أن يستعصم من الجبار بذكر الشرع الذي يستعمله الجبار، فإذا الجبار لا يراعي جانب دين، فنظر الله عز وجل إلى خليله بلطفه وكف كف الفاجر. وقد اعترض على هذا فقيل : إنما جاء بمذهب المجوس زرادشت وهو متأخر عن زمان الخليل . والجواب : أن لمذهب القوم أصلا قديما فادعاه زرادشت وزاد عليه، وقد كان نكاح الأخوات جائزا في زمن آدم ، وقيل: إنما حرمه موسى عليه السلام ، ويدل على أنه دين”. ( ابن الجوزي، 1997م، ج3، 483).
ويذكرالقلقشندي (المتوفى سنة821هـ/1418م):”… ويعبدون النَّارَ، ويرون أن الأفلاكَ فاعلةُ بنفسها، ويستبيحون فُرُجَ المحارم من البَنات والأمَّهات، ويرون الجمع بين الأخنين الى غير ذلك من عقائدهم”. ( القلقشندي د، ت، ج13، 297).
ولقد كان هذا الأمر رائجاً بين المجوس في صدر الإسلام، وجاء في أحد المصادر المهمة عند الشيعة الاثنا عشرية ما يلي: “فقد روي أن رجلاً سبَّ مجوسياً بحضرة أبي عبدالله (= جعفر الصادق (المتوفى سنة148هـ/765م)، فقال: أما علمت أن ذلك عندهم النكاح”. ( الحر العاملي، 1372، ج17، 596).
وجاء في روايات أبواب الحدود: “عن أبي الحسن الحذاء، قال كنت عند أبي عبدالله عليه السلام، فسألني رجلُ: ما فعل غريمك؟ قلت: ذاك ابن الفاعلة! فنظر إليَ أبو عبدالله عليه السلام نظراً شديداً، قال: قلت: جُعلت فداك! إنه مجوسي أمه أخته! فقال: عليه السلام: أو ليس ذلك في دينهم نكاحاً؟!” ( الكافي، 1367هـ، ج7، 240).
وفي الصعيد نفسه يروي الشيخ الصدوق (المتوفى سنة381هـ/ 991م) في كتابه (التوحيد)، خبراً رواه الحر العاملي (المتوفى سنة 456هـ/ 1064م) في كتابه (وسائل الشيعة)، في أبواب النكاح، أبواب ما يحرم بالنسب، الباب الثالث: تحريم الأخت مطلقاً، الحديث الثالث:” وفي الأمالي وكتاب التوحيد… عن الاصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث: أن الأشعث قال له: كيف يؤخذ من المجوس الجزية، ولم ينزل عليهم كتاب، ولم يبعث إليهم نبـي؟! فقال عليه السلام: ” بلى يا أشعث: قد أنزل الله عليهم كتاباً، وبعث إليهم نبياً. وكان لهم ملك، سكر ذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها. فلما أصبح تسامع به قومه، فاجتمعوا إلى بابه وقالوا: أخرج نُطَهِرك ونقم عليك الحد!، فقال: هل علمتم أن الله لم يخلق خلقاً أكرم من أبينا آدم وحوَاء؟ قالوا: صدقت، قال: أليس قد زوَج بنيه من بناته، وبناته من بنيه؟ قالوا: صدقت، هذا هو الدين!، فتعاقدوا على ذلك. فمحا الله العلم من صدورهم، ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب… والمنافقون أسوأ حالاً منهم” ( الحر العاملي، 1372، ج18، 430)، ويبدو أن هذا الملك الذي أشار إليه آنفاً هو نجل الملك الإخميني كورش الثاني، قمبيز الثاني (529- 522 ق.م)، بدليل تطرّق المؤرخ اليوناني الكبير(هيرودوت) إليه.
ويفهم من هذه الروايات المارة الذكر أن المجوس كانوا يفعلون هذا في صدر الإسلام، ولهذا فقد أصبحت هذه المسألة مورداً للبحث والنقاش عند الصحابة والتابعين وكبار الفقهاء المسلمين، وعرضها وبحث حولها فقهاء الإسلام من أهل السنة والشيعة الاثنا عشرية على حدٍ سواء، في مختلف أبواب الفقه، كمسألة حيّة، لها مصاديق واقعية خارجية، ولقد كان أكثر هؤلاء الفقهاء إيرانيون من القومية الفارسية؛ بل كان أجداد بعضهم من مجوس الفرس. (المطري، بد،ت، 222).
رابعاً: الزواج بالمحارم في مرويات المستشرقين
إن عادة الزواج بين الأقربين من الأقرباء (فهلوي: خويتكداس، آفستي: خوايتفداثا)، الذي يعده الزرادشتيون عملاً صالحاً، هو أمر مرفوض من الأساس عند المسيحيين، وبالتالي تعلّة (توطئة) لهجوم مرير من قبلهم على الزرادشتيين، ويظهر هذا واضحاً من المناقشات المفصلة التي جرت حوله في السينودات ( = المجامع الكنسية)، وما دوّن في مختلف السجلات القضائية، أن هذا كان نقطة جوهرية في المناظرة المسيحية، كما كان في بعض الأحيان مورد هجمات أقلّ حجماً وشدة خلال انعدام الخصام العنيف- ضد أولئك الزرادشتيين الذين جعلوا من الزمان (زرفان) إلآهاً يعلو قدراً على جميع الآلهة وسائر البشر، باعتباره والد (آهورامزدا)، الذي كان مصدر كل الأشياء الخيرة، فضلاً عن ( آهريمن) معين كل الأشياء الشريرة- أنه ذاك (زرفان) بعينه الذي يقود مسيرة العالم، ويتحكم بمسيرة البشرية. ( اسموسن، 2005م، 38).
ويشير جاثليق كنيسة المشرق مار أبا الكبير(540 – 552م) الذي عاش قي أيام كسرى الاول – أنو شيروان (501 – 579م) الى نقطة مهمة في هذا النوع من الزواج بقوله:” إن العدالة العجيبة عند عباد أوهرمزد تقضى بأن يكون للرجل صلات شهوانية مع أمه وبنته وأخته”،( كريستنسن، بد،ت، 310 ).
وتجدر الاشارة الى أن البطريرك مار أبا الكبيرعقد مجمعًا كنسياً سنة 544م في مدينة سلوقية ( = طيسفون العاصمة الفارسية)، سنّ فيه ست وثائق هامة، وفي الوثيقة الثالثة المتعلقة بموضوع بحثنا حاول مار آبا إصلاح ما فسد في أخلاق الرؤوساء الكنسيين وفي تصرفات المؤمنين، حيث يشير فيها إلى الزواجات غير الشرعية التي أقدم عليها المسيحيون أسوة بالمجوس وباليهود، فتمنع تعدّد الزوجات والاقتران بمن يأباه الشرع الطبيعي من جراء القرابة الدموية (= زواج المحارم). ( البير أبونا، 1970م، 142 – 151).وبدأ ذلك الجدل في المصادر النصرانية بشقيها الارمي والسرياني، فعند المؤرخين الأرمن، يتبادر الى الذهن أمثال (إزنيك الكولبـي Eznik of Kolb)، و(ايليشي)، الذين أشاروا الى هذا النوع من الزواج الذي تأياها الديانة النصرانية، وفي المضان والمصادر السريانية أسلوب جارح فيه من التهكم والسخرية اللاذعة تجاه الزرادشتيين ما لا مزيد عليه، ويبدو أن مصدر الكزاد والحجج مستمد من كتاب (ثيودور المصيصي Theodor of Mopsuestia)، الذي ترجم إلى اللغة السريانية في تاريخ متقدم، يصعب جداً إغفال هذا الجدال على غرار ما فعل المستشرق الالماني هانزهيرنش شيدر(1869 – 1975م) ” ( كريستنسن، بد،ت، 311 ).
للباحثين الغربيين من المؤرخين والمستشرقين رأيهم في هذا النوع من الزواج اسوةً بأسلافهم اليونان والسريان، فييذكر أحد كبار الباحثين الاوروبيين المختص بتاريخ إيران القديم، نماذج كثيرة من زواج الملوك الإخمينيين والساسانيين من محارمهم، على سبيل المثال لا الحصر: “فقد تزوج الملك قمبيز الثاني(529-522 ق.م) ابن كورش الثاني، مؤسس الدولة، من أخته (أتوسا)، كما تزوج من أخت أخرى”،( كريستنسن، بد،ت، 309-311 )..دينكرد رقم 9 القسم 45 البند الرابع. وفي السياق نفسه، يذكر أحد كبار المؤرخين الامريكان قوله” كان الآباء ينظمون شؤون الزواج لمن يبلغ الحلم من أبنائهم. وكان مجال الاختيار لديهم واسعاً، فقد قيل لنا إن الأخ كان يتزوج أخته، والأب ابنته، والأم ولدها”. ( ول ديورانت، 2001م، ج2، ص 476).
في حين يذكر المستشرق الالماني كارل بروكلمان (1868 – 1956م) الى القول:”وذهبت التعاليم الزرادشتية الى أبعد الحدود في سبيل الاحتفاظ بالصفاء العنصري، فأوصت بالزواج من الاقارب دون غبرهم”.( بركلمان، 1974م، 91).
ومن جانب آخر تذكر المستشرقة البريطانية (ماري بويس) بخصوص زواج المحارم عند الزرادشتيين ما نصه: “تابع الملك قمبيز الثاني(529-522 ق.م) عمل والده، وهو توسيع الامبراطورية الفارسية(= الأخمينية)، فضمّ إليها ممتلكات واسعة من مصر السفلى، لكننا لا نثق كثيراً بمعلومات الكتاب اليونانيين عن (قمبيز)، وهي المصدر الأساسي لتاريخ الإخمينيين. وفيما يتعلق بولاء قمبيز للزرادشتية، نعرف أنه كان أول إنسان يحقّق (هفاتفاداتا)، أي الزواج بين الأقرباء في الدم. كان هذا الزواج ممجداً وفق الكتابات البهلوية، وبالأخص الزواج من داخل الأسرة نفسها، زواج الأب من أبنته، الأخ من أخته، وحتى الابن من أمه. أعطى (فرافارانه) ((رمز الإيمان الزرادشتي)) اسم هذا النوع من الزواج، يحتل هذا الاسم في (فرافارانه) مكاناً غريباً، ففي نهاية المقطع المكرّس للإقرارات العليا العامة، ولعله أضيف متأخراً، ففي هذا المقطع من كتاب الآوستا- الآفستا-(Yasna 12,9 ) يحكى ما يأتي: “أعلن نفسي نصيراً لهذا الدين، عابداً لمزدا، الدين الذي يجبر[الأعداء] على أن يسلموا أسلحتهم، الدين الذي يساعد (هفاتفاداتا) الصحيحة”. (المبلغ العبادلي، 2011 ، ص68).
وتضيف المستشرقة إيضاحاً حول هذا النوع من زواج المحارم الذي أخبرنا به به المؤرخ اليوناني الكبير ( هيرودوت) بالقول:” … إن الاإيرانيين الغربيين كُلثهم لم يعرفوا زواج ( هفاتفاداتا) قبل (قمبيز). لكن الغريب في الامر أن العادة التي ظهرت نتيجة هوى ملك واحد أصبحت واقعة محتومة كواجب ديني لكل المؤمنين”.( بويس، بد،ت، 69).
ولتأكيد المعلومات التي أوردتها المستشرقة آنفاً تنقل عن المؤرخ اليوناني الآخر كسانف الليدي المعاصر لهيرودوت الذي أخبرنا:” بأن رجال الدين المجوس يضاجعون أمهاتهم وكذلك يستطيعون أن يفعلوا الامر نفسه مع بناتهم وأخواتهم”.( بويس، بد،ت، 69).
وبدا واضحاً أن الزرادشتية كانت في بداية أمرها تصارع من أجل البقاء نظراً لقلة عددهم وبالتالي ضعفهم؛ لذلك سمحت بالزواج من أقرب الأقرباء، ولما كان الكهنة الزرادشتيون يبجلون أي يقدسون كل ما هو قديم، لذ فمن وجهة نظرهم، فإن زواج المحارم مما يقوي الدين، ولهذا فهو يستحق الثناء والمدح، وهكذا أصبح الملك الاخميني الفارسي( قمبيرز) الذي طبق هذه العادة المُشّرفة قدوة للإيرانيين، التي تشير إليها منذ ذلك التاريخ المؤلفات الأدبية والوثائق الحكومية والمصادر التأريخية؛ لذا أصبح هذا الزواج سنة وطريقة متبعة عند النبلاء الفرس ورجال الدين المجوس، فضلاً عن زعماء القبائل منذ القرن السادس قبل الميلاد وحتى القرن العاشر الميلادي، أي الرابع الهجري، وبعدها انحسر هذا الزواج وبقي ضمن أبناء وبنات العم أو الخال مما يعد مفضلاً حتى يومنا هذا عند الايرانيين.( بويس، بد،ت، 69).
ولا يتفق الباحث مع ما أوردته المستشرقة البريطانية بانحسار عادة الزواج بالمحارم في القرن العاشر الميلادي/ الرابع الهجري، وإنما استمرت هذه الطريقة الى فترات لاحقة ولكن بنطاق ضيق خوفاً من المسلمين الحاكمين الذين يمنعون مثل هذا الزواج، وهذه ما تشير إليها كتب الفقه عند الشيعة الاثناعشرية الذين كانو يحكمون إيران في العهد الصفوي 1501م – 1736م.
وعلى الصعيد نفسه تنقل المستشرقة عن وثيقتين يونانيتين أسماء الملوك البارثيين (= ملوك الطوائف)، الذين تزوجوا من محارمهم، ومنهم أرساك- أرشاك (250-248ق.م) وزوجاته الرئيسيات، تقول الوثيقة الأقدم: “أثناء حكم الشاهنشاه (أرساك)، والملكة (سياسا)، أخته وزوجته، في نفس الوقت، و(أريزاتا)، ولقبها (أفتوما)، أخت وزوجة الشاه (= الملك الأرمني) العظيم (تيكران)، وكذلك (أزاتا) أخته وزوجته…”. تشهد هذه الصيغ بوضوح على أن الارشاكيين – البارثيين ساروا على هدي الإخمينيين في عادة زواج (هفايتفاداتا)، وتزوج الشاه المذكور أعلاه، مثل (قمبيز)، من أختيه. وكان الزواج بين الأخوة والأخوات مسموحاً به في بين رعايا الارشاكيين (= الفرثيين)، جيران الزرادشتيين، مثلاً (ألينا) و(مونوباز) في أديابنا (= إمارة أديابين اليهودية في إربل- أربيل)، (إيراتو)، و(تيكران الرابع) من سلالة الارشاكيين في أرمينيا، وملك أرمينيا (تيريدات الأول) الحاكم الشريف بامتياز، يسمّي نفسه أخاً للملكة في كتيبة (=نقوش- كارني). ليس الحكام وحدهم تمسكوا بهذه العادة، بل الناس العاديون أيضاً، كما كتب عن برديصان (= من أهالي الرها- أورفة الحالية) في القرن الثاني بعد الميلاد، فقد أورد أمثلة متعلقة بأنصار المخلصين لتقاليد الأجداد، وهو الحفاظ على عادة الزواج بين الأقرباء في الدم بين الفرس في آسيا الصغرى”. ( بويس، بد،ت، 114-115).
خامساً: موقف الباحثين الايرانيين المعاصرين من زواج المحارم
للباحثين والمؤرخين الايرانيين رأي مستقل جدير بالاعتبار في إيراد الروايات المتعلقة بوجود زواج المحارم عند الزرادشتيين، على عكس الروايات الصادرة عن البارسيين الهنود وعن الايرانيين المتأثرين بالزرادشتية مثل : بور داود وتلميذه محمد معين.
وقد أفرد أحد علماء البارسيين الزرادشت وهو – داراب بيشوتان سنجانا Darab Peshotan Sanjana – كتاباً لهذا الموضوع أنكر فيه إباحة مثل هذا الزواج في إيران القديمة، وحاول أن يثبت رأيه، ولكن كثيراً من الاسانيد التاريخية تقف في وجهه . ( كفافي، 1971م، ص219).
يقول أحد البارسيين:” لقد أخطأ الباحثون في تفسير كلمة Caetva فهي لا تدل على معنى الزواج من أقرب الانسباء ويقابلها في الانكليزية Next of Skin بل تدل على المشاركة الروحية بين الزوجين”. (باناجي، 1966م، ص87).
ويضيف القول بأن بعض الباحثين الفيلولوجيين الغربيين استدلوا على زواج القربى بين الزرادشتيين من خلال الاستناد على بعض الامور الشاذة التي صدرت من بعض الامراء والاميرات الايرانيين حول زواجهم الشاذ؛ وكانت هذه العلة هي السبب في اتهام الديانة الزرادشتية بوجود زواج المحارم لديهم.(باناجي، 1966م، 86).
وفي اعتقادي لولا كتابات هؤلاء الفيلولوجيين الاوروبيين الذين أعادوا الديانة المجوسية الى بساط البحث، بعد أن كانت موجودة فقط في بطون الكتب البهلوية التي لا يفهما احد؛ لما تسنى لهؤلاء الكتاب البارسيين البحث والكتابة في الديانة الزرادشتية والرد على المستشرقين الاوروبيين بشتى تخصصاتهم، والذين هم عليهم في كل ما يختص بالمجوسية والزرادشتية.[6] ( هورن، 1999م، ص67).
ينقل العالم الايراني مشير الدولة حسن بيرنيا(1871 – 1935م)، نصاً عن المؤرخ اليوناني القديم (سترابون)، بشأن السلالة الفارسية الهخامنشية (= الإخمينيون) الذين كانوا يحكمون إيران ومناطق شاسعة في العالم القديم، وكان رجال الدين المختصين بالمجوسية يتزوجون من محارمهم، بقوله: “إن هؤلاء (= أي من كان يلقب: مغ، من شيوخ بيوت النار) كانوا يتزوجون بأمهاتهم حسب عادتهم القديمة”. ( الدولة ، بد،ت، ج6، 1546).
ويقول بشأن الإشكانيين[7]: “إن بعض مؤرخي الأجانب يذكرون زواج الملوك الأشكانيين بأقربائهم وأرحامهم بكل كراهية، ذكر ذلك المؤرخ اليوناني (هيرودوت) للملك الإخميني (كمبوجيه – بارديا 522 ق.م)، وبلوتارك للملك الإخميني الآخر آرتخشتر- ارتحشتا الثاني- أردشير الثاني (404-359 ق.م)”. ( الدولة، بد،ت، ج9، ص2693)، ويردّ بعض الكتاب الايرانيين الزرادشتيين هذه النسبة، ويقولون: لا ينبغي أن نفهم كلمة (خواهر= الأخت) عند الإشكانيين بمعناها الحقيقي، بل إن الملوك البارثيين كانوا يطلقون الأخت على جميع بنات الملوك، إذاً كان هؤلاء أُسرة فيهم بنات الأعمام وأحفادهم”. ( الدولة ، بد،ت، ج9، ص2693).
ويضيف (مشير الدولة) يقول: “بما أنه يجب أن نتحرى الحقيقة في كتابة التاريخ نقول: إن الحق في هذه المسألة هو أن زواج الأقارب الأرحام المسمى (خوتك دس)، كان أمراً مستحبّاً لدى الفرس القدماء؛ والظاهر أنهم كانوا يعللون هذا الأمر بحفظ البيوت والاُسَر، وطهارة الأعراق والعناصر والدماء”. ( الدولة، بد،ت، ج9، ص2693).
ويقول أحد كبار الباحثين الإيرانيين المعاصرين في أحد كتبه ما نصه: “إن من البديهي المسلم المقطوع به، الذي نجده بصورة قاطعة وحيّة في مصادر ذلك العهد الإيراني القديم: هو الزواج بالأقارب والمحارم من الطبقة الأولى كان معمولاً بل شائعاً بينهم حتماً، وعلى الرغم من الضوضاء الحمقاء التي يفتعلها الزرادشتيون أخيراً”. (نفيسى، 1368، ج2، ص39).
ثم يأتي الأستاذ (نفيسى) بالنصوص التي جاءت في كتب الزرادشتيين المقدسة التي أُلفت بعد الفتح الإسلامي للهضبة الايرانية وأطرافها، مثل (دينكرد) وغيره، ثم بالروايات التي أوردها المؤرخون المسلمون: كالبلخي- المقدسي (المتوفى سنة322هـ/943م)، في كتابه (كتاب البدء والتاريخ)، والمسعودي( المتوفى سنة 346هـ/957م) في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر)، وأبو حيان التوحيدي (المتوفى سنة404هـ/ 1013م)، في كتابه ( إمتاع المؤانسة)، وأبو علي مسكويه (المتوفى سنة421هـ/ 1030م)، في كتابه (تجارب الأمم وتعاقب الهمم). إضافة إلى أخبار زواج الملك الساساني قباد(488-497م،499-531م) بابنته أو ابنة أخته، وزواج بهرام جوبين (= بهرام السادس) بأخته (كُردية)، ومهران كشناسب بأخته، والذي اعتنق المسيحية فيما بعد.
ويذكر أحد الباحثين الايرانيين المعاصرين نقلاً عن أبو الريحان البيروني (المتوفى سنة 440هـ/1048م)، في كتابه (الآثارالباقية عن القرون الخالية): “عقد قرآن الأم، والذي ينسب إلى الزرادشتية، بأنه سمع ذلك من (سوبه هيوودي مرزه بايي بن رستم) بأن زرادشت منع هذا العمل، وأن كوشتاسب(= ويشتاسب) جمع العقلاء والمشايخ والمسنين ليتباحثوا مع زرادشت في مجلس، وكانت إحدى الأسئلة هي: إذا اضطر رجل في حالة جهل، وخوفاً من (عدم الإنجاب)، أن يضاجع والدته، فما العمل؟ أجاب زرادشت: (ليضاجعها، لتبقى الذرية)”. (مبلغ العباداني، ،2011م، ص105).
ويزيد الامر توضيحاً عندما أشار بعض الباحثين الايرانيين المحدثين الى القول:” … هناك نوع خاص من أنواع الزواج وهو زواج خيتوك دس، الذي يعني الزواج بالمحرمات، كالزواج بين الاخوة”. (خداديان، ، 1383،ج2، ص1177)؛ (علوى،1378، ص56).
ولو لم يكن هذا الأمر رائجاً بين المجوس الزرادشتيين، لم تكن تطرح هذه المسألة في كتب الفقه الإسلامي لذلك العهد. إن إنكار وجود هذه السنّة المجوسية بين المجوس اليوم، من قبيل إنكار البديهيات، إلا أن الزرادشتيين المتأخرين، وخاصة بارسيي الهند، وزرادشتيي إيران، شعروا بشناعة هذا العمل وتركوه بأنفسهم، ثم حاولوا أن يتنكروا ولا يعترفوا بشرعية هذا العمل بينهم كسنة دينية زرادشتية، وحاولوا أن يفسروا مصطلح (( خويتدك دس)) بتوجيهات وتأويلات باردة للغاية؛ يقول كريستنسن بهذا الصدد:” إنَّ السَعي الذي يعمله بعض الفرس الزرادشتيين في هذا العصر الاخير لإنكار الزواج بالاقارب المحارم لا أساس له، بل هو عمل صبياني مع وجود المصادر المعتبرة التي بين أيدينا من المراجع الزرادشتية وكتب الاجانب من لدن عصر الساسانيين وحتى العصر الحاضر”. ( كريستنسن، 1982، 311).
ولتوضيح هذا الامر من قبل الباحثين الايرانيين المعاصرين، يقول سعيد نفيسى:” إنَّ من البديهي المسلم المقطوع به الذي نجده بصورة قاطعة وحية في مصادر ذلك العهد الايراني القديم: هو أن الزواج بالأقارب والمحارم من الطبقة الاولى كان معمولاً بل شائعاً بينهم حتماً، وعلى الرغم من الضوضاء الحمقاء التي يفتعلها الزرادشتيون أخيراً” ( نفيسى، 1368هـ، ج2، ص39).
الاستنتاجات
من خلال دراسة نصوص الآوستا – الآفستا بأقسامها المختلفة من الكاتات – اليسنا، والويسبرد، واليشتات والكتب البهلوية: دينكَرد، والبندهشن، وزاد سبارام، ودادستانى دينك وغيرها، تبين لنا أن هذه النصوص والفقرات تؤكد بما لا يقبل الشك وجود زواج المحارم بين أتباع الديانة المجوسية الزرادشتية وأنها تحث على ذلك، لاسيما وأن غالبية الكتب البهلوية المارة الذكر قد أُلفت في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي بعد حوالي ثلاثة قرون من زوال الدولة الساسانية، رغم المحاولات الحثيثة من قبل الكهنة المجوس في التاريخ المعاصر بنفي هذا النوع من الزواج.
ومهما يكن من أمر فقد أثبت البحث صحة كثير من الأمور التي رواها المؤرخون اليونان والمسلمون، لذا حاول الزرادشتيون المعاصرون سواءً في الهند (= البارسيون) أو في إيران، أن يعيدو النظر مرة أخرى في تاريخ هذا الدين، فيجددوا بعض نظرياتهم ويصلحوها، في أصول دينهم وفروعها، تبعاً للنظام الاجتماعي الإسلامي، باعتبارهم أقليّة صغيرة في مجتمع إسلامي كبير يحرم مثل هذا النوع من الزواج؛ ولذلك فهم قد أباحوا لأنفسهم الكذب المصلحي الكثير.
المصادر والمراجع
اولاً: المصادر
– البيروني، أبو الريحان محمد بن أحمد، كتاب البيروني في تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة أو مرذولة (الهند – حيدر آباد الدكن: دائرة المعارف العثمانية، 1377هـ – 1985م).
– ابن حبيب، أبو جعفر محمد،المحبّر(بيروت – لبنان، د، م، د، ت).
– ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري، تلبيس ابليس، تحقيق: السيد الجميلي، (بيروت: دار الكتاب العربي،1405هـ – 1985م).
– ابن الجوزي، كشف المشكل من حديث الصحيحين، تحقيق: علي حسين البواب، (الرياض، د،م، 1418هـ – 1997م).
– ابن عبد ربه الاندلسي، أبو عمر أحمد بن محمد العقد الفريد (بيروت: د، م، 1989).
– ابن كثير الدمشقي، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، تفسير القرآن العظيم، (الرياض: دار ابن حزم، 2016م).
– أبو حيان التوحيدي، الامتاع والمؤانسة، شرح: أحمد أمين وأحمد الزين ( القاهرة: د،م، 1939م).
– أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم، كتاب الخراج، في كتاب: في التراث الاقتصادي الإسلامي، تقديم: الفضل شلق (بيروت – لبنان: دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، 1990م).
– هيرودوت، تاريخ هيرودوت، تاريخ هيرودوت، ترجمة: عبدالإله الملاح، مراجعة: احمد السقاف وحمد بن صراي (الامارات العربية المتحدة- أبو ظبي: هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث- المجمع الثقافي، الطبعة الثانية، 2000م).
– الجاحظ، أبو عُثْمان عُمَرُو بن بَحر بن مَحْبُوبٌ بن فَزارَة اللَّيْثِيّ الْكِنَانِيّ الْبَصَرِيّ، البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون (القاهرة: 1993م).
– الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري،(قم، د، م، الطبعة الثالثة، 1367هـ، ش).
– الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، صححه وعلق عليه: أحمد فهمي محمد (بيروت: دار الكتب العلمية،1413هـ).
– الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، حققه: محمود محمد شاكر وأحمد محمد شاكر (القاهرة: د،ت).
– الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: عبدالله بن عبدالمحسن التركي (الرياض: دارهجر للطباعة والنشر، 2008م).
– الطوسي، أبو جعفر محمد، تهذيب الاحكام، تحقيق وتعليق : السيد حسن الموسوي الخرسان،( قم: د، م، الطبعة الثالثة، 1364هـ).
– أفستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية، اعداد: خليل عبد الرحمن(دمشق: مطبعة دار الحياة، 2007م).
– القلقشندي،أبو العباس شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد، صبح الاعشى في صناعة الإنشا، شرحه وعلق عليه وقابل نصوصه: محمد حسين شمس الدين،(بيروت،:دار الكتب العلمية، د، ت).
– كتاب الفنديداد أهم الكتب التي تتألف بها الأبستاه، نقله من الفرنسية: داود الجلبي ط2 (أربيل: دار ئاراس للطباعة والنشر،2001م).
– الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري، أعلام النبوة، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، بيروت، دار الكتب العلمية، بيروت ، 1419هـ /1999م).
– العاملي، محمد بن الحسن الحر العاملي، كتاب وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث،(قم: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414 ق = 1372).
– الفردوسي، أبو القاسم، الشاهنامة، ترجمها نثراً: الفتح بن علي البنداري، وقارنها بالأصل الفارسي، وأكمل ترجمتها في مواضع، وصححها وعلق عليها، وقدّم لها: عبدالوهاب عزام (الكويت: دار سعاد الصباح، الطبعة الثانية، 1413هـ – 1993م).
– المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي، تنبيه الأشراف ( بيروت: دار ومكتبة الهلال،1981م).
– المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، شرحه وقدم له: مفيد محمد قميحة (بيروت لبنان: دار الكتب العلمية، 1406هـ – 1968م ).
– اليعقوبي، أبو العباس أحمد بن إسحٰق بن جعفر بن وهب بن واضح، تاريخ اليعقوبي، تحقيق: عبدالامير مهنا (بيروت- لبنان: مؤسسة الاعلمي للمطبوعات،1993م – 1413هـ).
ثانياً: المراجع العربية والمعربة
– آرثر كريستنسن، إيران في عهد الساسانيين، ترجمة: يحيى الخشاب، راجعه: عبدالوهاب عزام، (بيروت: دار النهضة العربية، 1982م).
– البير أبونا، أدب اللغة الآرامية (بيروت: دار المشرق، 1970).
– إيليا دراشنكو، الزرادشتيون في ايران، ترجمة: خليل عبد الرحمن (السليمانية: المعهد الكردي، 2007م).
– باول هورن، الأدب الفارسي القديم، نقله عن الالمانية وقدم له وعلق عليه: حسين مجيب المصري (القاهرة: الدار الثقافية للنشر، 1419هـ/ 1999م).
– بهمن سوراجي با ناجي، الديانة الزرادشتية أو اليزيدية، ترجمة: توفيق الحسيني (دكشق – الحسكة: مكتبة لورين، 1996م).
– جورج طرابيشي، معجم الفلاسفة (بيروت: دار الطليعة، ط2، 1997م).
– جي. بي. اسموسن، فاتحة انتشار المسيحية في امبراطورية الايرانيين (ميسوبوتاميا وإيران)، في كتاب: فاتحة انتشار المسيحية في الشرق لجي. بي. اسموسن والفونس منكنا وجون. م. ل. يونك، نقلها الى العربية وأضاف إليها ابحاثاً وملاحق وحواشي: جرجيس فتح الله (أربيل: دار أدي شير للنشر والاعلام، 2005م).
– حسن بيرنيا، تاريخ إيران القديم من البداية حتى نهاية العصر الساساني، ترجمة: محمد نور الدين عبداللمنعم والسباعي محمد السباعي (القاهرة – الفجالة: دار الثقافة للنشر والتوزيع، مط2، 1413هـ – 1992م).
– ر. س. زيهنير، المجوسية الزرادشتية الفجر – الغُروب، نقله الى العربية وقدم له: سهيل زكار (دمشق: التكوين للطباعة والنشر والتوزيع، 2005م).
– شافية حداد السُلاّمي، نظرة العرب الى الشعوب المغلوبة من الفتح الى القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي(بيروت – لبنان، صفاقس – تونس: مؤسسة الانتشار العربي، 2009م).
– طه ندا، دراسات في الشاهنامه، (الاسكندرية: الدار المصرية للطباعة، 1954م).
– كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الاسلامية، ط6 (بيروت: دار العلم للملايين، 1974م).
– عبدالله مبلغ العباداني، تأريخ الديانة الزرادشتية، الترجمة عن الفارسية: وريا قانع، تعريب: عبدالستار قاسم كلهور (أربيل: مؤسسة موكرياني للبحوث والنشر،2011م).
– ماري بويس، تاريخ الزرادشتية من بداياتها حتى القرن العشرين، ترجمة: عبد الرحمن خليل (السليمانية: مركز الدراسات الكوردية – الكوردولوجي-، 2010).
– محمد عبد السلام كفافي، في أدب الفرس وحضارتهم نُصوص ومُحاضرات ( بيروت: دار النهضة العربية، 1971م).
– مرتضى المطري، الإسلام وإيران عطاء وإسهام (بيروت: دار الحق، 1993م – 1414هـ).
– نصير الكعبي، جدلية الدولة والدين في الفكر الشرقي القديم – إيران العصر الساساني أنموذجاً(ببغداد – ىيروت: منشورات الجمل، 2010م).
– ول ديورانت، قصة الحضارة نشأة الحضارة في الشرق الأدنى، ترجمة: زكي نجيب محمود ومحمد بدران (القاهرة: مهرجان القراءة للجميع – مكتبة الاسرة، 2001م).
– يحيى الخشاب، فصل في إسلام الفرس، في كتاب، تراث فارس، اشترك في كتابته وأشرف على نشره: أ.ج. أربري، نقله الى العربية: محمد كفافي وزملائه (القاهرة: دار احياء الكتب العربية، 1959م).
ثالثاً: المراجع الفارسية
– حسن بيرنيا (مشير الدوله)، تاريخ ايران باستان (تاريخ مفصل ايران قديم)، (تهران: مؤسسة انتشارات دنكاه، 1391هـ،ش).
– خداديان، أردشير، تاريخ ايران باستان(تهران: كتبخانه ى ملى، 1383هـ، ش).
– سعيد نفيسى، تاريخ اجتماعى و سياسى ايران در دوره معاصر، (تهران: بنياد، 1368هـ، ش).
– علوى، هدايت الله، زن در ايران باستان(تهران: كتابخانه ى ملى ايران – انتشارات هيرمند،، جاب دوم، 1378 هـ، ش).
[1] الكاثات: جمع كاث بكاف فارسية وفتح الثاء وهي أناشيد مجوسية انشئت في مطلع القرن الساس قبل الميلاد وأدرجت في اليسنا. كتاب الفنديداد أهم الكتب التي تتألف منها الابستاه، نقله من الفرنسية: داود الجلبي، ص20 الهامش (13).
[2]– لكتاب زاد سبارام فائدة في باب تأريخ الديانة الزرادشتية وتطورها، ولا سيما النظرية الدينية المتحدثة عن علاقتها بالملكية. نصير الكعبي، جدلية الدولة والدين في الفكر الشرقي القديم- إيران في العصر الساساني، ص64. يمثل هذا الكتاب مجموعة تشتمل على 35 فصلاً حول الخلق، الدين، تركيب الإنسان والقوى الموجودة في الجسم ووظيفة كل من الأعضاء، القيامة ونهاية العالم، حيث ألفه زادسپرم ابن كُشن جَم (جُوان جم) في القرن 3هـ (ظ: راشد محصل، 5-9). زرشناس، زهره .” مد خل إيران “. الموسوعه الاسلاميه الكبري. المشرف العام: السيد كاظم الموسوي البجنوردي. طهران: مركز الموسوعه الاسلاميه الكبري. 1989- ، الجزء 10 ، ص 562 – 560.
[3]– أغاثياس، مؤرخ وشاعر يوناني ولد سنة536م، في مدينة ميرينا الواقعة في أسيا الصغرى الغربية، عمل مؤرخاً في عهد الامبراطور البيزنطي جستنيان الاول ما بين سنة 552 و558م، توفي سنة582م في مدينة القسطنطينية.
[4]– ابن ديصان: المعروف في المصادر الاوروبية باسم برديصان، ولد في مدينة أديسا (= الرُها) في 11 تموز سنة154م، ومات في هذه المدينة سنة222م، وكان صديقاً لملكها أبجر التاسع. اهتدى الى النصرانية على يد اسقفها، و,لع بالنظريات الغنوصية، لكنه ما عتم أن افترق عن الجميع، وأسس شيعة شخصية لم تبتعد دعاواها، على ما روى أوسابيوس القيصري، عن العقائد النصرانية، خلافاً لما قد نتصوره إذا ما قرأنا الاهاجي الملتهمة لمار أفرام. وبالفعل أنكر برديصان القدرية التي قال بها المنجمون الكلدانيون. ولقد ضاعت جميع آثاره باستثناء مصنف واحد محفوظ في المتحف البريطاني، وقد نشره كورتن عام1855م بعنوان (كتاب قوانين البلد). ولقد كان لبرديصان تأثير في ماني والمانوية. جورج طرابيشي، معجم الفلاسفة (بيروت: دار الطليعة، ط2،1997م)، ص162.
[5]– أبو حامد المروروذي:وهو القاضي أبو حامد بن بشر البصري المروروذي كان عالماً بفنون العلوم الدينية والادبية، ونزل البصرة ودرس بها وصنف الجامع في المذهب، وشرح المزني، وصنف في أصول الفقه، وكان إماماً لا يشق غباره وعنه أخذ فقهاء البصرة. توفي سنة 262هـ/973م. قال عنه أبو حيان التوحيدي:” كان بحراً يتدفق حفظاً للسير وقياماً بالاخبار واستنباطاً للمعاني وثباتاً على الجدل وصبراً في الخصام. التوحيدي، الامتاع والمؤانسة، ج1، ص90 هامش(3).
[6]– ومن جانب آخر فقد بدأ المستشرقون في دراسة اللغة البهلوية منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي وكانت أول محاولة ، بل وأساس تلك الدراسات هي ما بدأها المستشرق الفرنسي “أنكيتا دي بيرون ” Anquuetil Du Perron (1731 – 1805 ) خلال إقامته في الهند فيما بين السنوات (1726 – 1755م) وقد ذكر ملخصاً لرحلته وما صاحبها من مصاعب جمة ملخصها أنه استقل المركب في 7 فبراير 1755م، ووصل ميناء بوندشيرى بالهند في 10أغسطس من نفس العام، وانه لاقى مصاعب أثناء إقامته إلى أن وصل إلى مدينة سورات في سنة 1758م، وأقام فيها حتى سنة 1761م. حيث قام بمصاحبة عالم الدين الزرادشتي الهندي (الدَستورالزردشتي داراب) الذي درس على يديه اللغة الأفستائية والكتاب المقدس الزردشتي واللغة البهلوية. ووفّق دي بيرون في النهاية إلى ترجمة الأفستا إلى اللغة الفرنسية سنة1771م في ثلاث مجلدات، ولكن هذه النسخة الفريدة كانت محل انتقاد وشكوك لدى العلماء الإنكليز وخاصةً من ناحية العمر الاصلي للمخطوطة وصحتها، ينظر: باول هورن، الأدب الفارسي القديم، نقله عن الالمانية وقدم له وعلق عليه: حسين مجيب المصري (القاهرة: الدار الثقافية للنشر، 1419هـ/ 1999م)، ص67، الهامش(1) بقلم المترجم نفسه.
[7] – يطلق الإيرانيون على الدولة التي طردت الدولة السلوقة ( = خلفاء الاسكندر المقدوني) من إيران والعراق بالأشكانيين نسبةً الى ملكهم الاول أرشاك، فيما تطلق المصادر اليونانية عليها ( البارثيين ، بالباء الفارسية)، لأنهم جاءوا من منطقة بارثيا في شمال شرق إيران، بينما تطلق عليها المصادر العربية والاسلامية ( ملوك الطوائف)، لأن حكمهم كان لا مركزياً.