المقالات

بناء مسجد المدينة و تعيين القبلة فيه بامر من رسول الله (ص) و استنباط المبادئ الرياضية من ذلك

الشيخ حسن حسن زاده الآملي

هذه المقالة مأخوذة من مجلة أفاق الحضارة الإسلامية العدد الأول ، كتبها الأستاذ العلامة الشيخ حسن حسن زادة الآملي ، وهي مقالة علمية مهمة جداً ، تصلح رداً قاطعاً على كل من ينكر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن تسول له نفسه الحط من شأنها .
هذه المقالة في بيان بناء مسجدالمدينة بامر من رسول الله (ص) و الاشارة الي عدد من المسائل الرياضية المهمة جدا كتبت بايجاز في اربعة فصول .
الفصل الاول
محراب المسجد و تعيين اتجاه القبلة فيه
بعد ان بعث رسول الله (ص) بالرسالة، بقي مدة ثلاث عشرة سنة في مكة و سنة و بضعة اشهر في المدينة يولي وجهه الي بيت المقدس في صلاته . و قد فصلنا ذلك في كتابنا «دروس معرفة الوقت والقبلة » (1) ثم جاء امرالله تعالي: «فول وجهك شطر المسجدالحرام » (2) اي اترك التوجه الي بيت المقدس واستقبل الكعبة التي اصبحت قبلة المسلمين . ان المسافة بين المدينة و مكة تقرب من مئة فرسخ . و قد وقف رسول الله (ص) متوجها الي الكعبة و قال «محرابي علي الميزاب » . ان تعيين هذا الاتجاه نحوالقبلة في مواجهة ميزاب الكعبة، من دون الاستعانة بادوات تعيين النجوم، او القواعد الرياضية والهيئة، او من دون وجود الزيج و غير ذلك من آلات قياس الطول و العرض الجغرافيين، قد تم بكل دقة و استواء . يضاف الي ذلك ان رسول الله (ص) كان يصلي الظهر بالناس متجها الي بيت المقدس عندما جاءه امرالله بالتوجه الي الكعبة . الا ان احدا لم ينقل الينا ان الرسول (ص) قداستعان في تعيين جهة القبلة بالقواعد الرياضية و آلات التنجيم، مع ان الناس كانوا يراقبون حركاته و سكناته بكل انتباه، فكتب السير شهود عدول، مثل «الشمائل المحمدية » للترمذي الذي هو حجة دامغة علي ما نقول، اذ فيه اربعة و خمسون بابا، خصص باب منها بنعلي رسول الله، و باب آخر بخاتمه . اقصد اذا كانت حتي هذه الامور لم يفت المؤرخين تدوينها، فلاشك انهم كانوا لابد ان يسجلوا استعانته باية وسيلة من وسائل تعيين الجهات، كالآلات والادوات الرياضية والكتب الخاصة بهذا الفن .
ان قبلة المدينة التي اتجه اليها رسول الله (ص) في صلواته مازالت باقية علي حالها حتي اليوم . و قد قام كبار الرياضيين، بعد وفاة الرسول (ص) بحساب القبلة وفقا للقواعد الرياضية فوجدوا قبلة المدينة هي بالضبط مثلما عينها رسول الله (ص) من دون الاستعانة بالقواعد الرياضية و آلات الرصد و خرائط الطول و العرض و ما الي ذلك . و هذا مالايمكن الا بالوحي و الالهام من ماوراءالطبيعة المادية .
العلامة الكبير، ابوريحان البيروني، المعاصر للشيخ الرئيس ابن سينا، يقول في كتابه «القانون المسعودي » و هو «المجسطي » الاسلامي، ان خط طول مكة من ساحل الاقيانوس الغربي هو 67 درجه و خط عرضها 21 درجة و 20 دقيقه، و خط طول المدينة هو 67 درجة و 30 دقيقة و عرضها 2 درجة . كما ان الاوربيين يقولون ان مكة تقع علي خط الطول 39و50 من (غرينيتش) و علي خط العرض 21و 25، و ان المدينة تقع علي خط الطول 40 و علي خط العرض 25 و ان مكة والمدينة تقعان ضمن دائرة واحدة من خط الزوال، و ان انحراف قبلة المدينة من الجنوب الي الغرب هو 14و 53، باختلاف اقل من ربع درجة، فلابد اذن ان تكون قبلة المدينة نحو نقطة الجنوب .
كذلك يقول العالم الشهير (ناصر خسرو العلوي) الذي كان قريب العهد بابي ريحان و ابن سينا، و استاذ علي النسائي تلميذ ابن سينا، في «سفرنامه » : «المدينة مدينة تضطجع علي حافة الصحراء، ذات ارض سبخة، و فيها ماء جار قليل، و نخيل، والقبلة فيها تقع الي الجنوب . (3)
» و في اطلس لاروس العام Larousse General Atlas ان مكة والمدينة تقعان علي خط زوال واحد تقريبا .
كذلك يقول العالم الشهير (فرهاد ميرزا) في كتابه القيم «جام جم » ان خط عرض مكة هو 33 21 شمالا و خط طولها من مرصد (غرينيتش) في لندن هو 4010 شرقا، و خط عرض المدينة هو 25 درجة شمالا، و خط طولها هو 55 39، فيكون الاختلاف في زوالي مكة والمدينة 15 دقيقة فلكية . (4)
هذان القولان في «جام جم » و في اطلس لاروس العام هما ما قاله (ناصرخسرو العلوي) قبل الف سنة في «سياحتنامه » : «قبلة المدينة تقع باتجاه الجنوب » ، او (البيروني) في «القانون المسعودي » الذي يختلف عن «جام جم » بمقدار 15 دقيقة فلكية .
لقد وفق الله كاتب هذه السطور لزيارة بيته سنة (1381 ه)، حيث امضي عشرة ايام في المدينة بجوار قبرالنبي (ص)، فتفحص امر القبلة في المدينة بكل دقة، فوجد ان العلامة (البيروني) و (ناصرخسرو العلوي) و المتاخرين من الاوربيين قداجمعوا علي ان المدينة و مكة تقعان علي دائرة زوال واحدة تقريبا، و جميعهم يجمعون علي ان قبلة المدينة هي نفسها التي عينها رسول الله (ص) بدون الاستعانة باية وسيلة للرصد والحسابات الفلكية و القواعد الرياضية، يوم وقف و قال: «محرابي علي الميزاب » و علي هذا الاساس الثابت الذي ذكرناه عن قبلة المدينة، قال العلامة الحلي المتوفي سنة 726 ه مبينا وجهة النظر الفقهية في ذلك في كتابه العظيم الشان «تذكرة الفقهاء» :
«المصلي بالمدينة يجعل محراب رسول الله (ص) قبلته من غيراجتهاد لعدم الخطا في حقه، عليه السلام .» و تشبه وجهة نظر العلامة الحلي في رصانتها و وثاقتها، وجهة نظر (السمهودي) المتوفي سنة 911 ه التي ذكرها في «وفاءالوفا باخبار دارالمصطفي » ، اذقال: «والذي ذكره اصحابنا انه لايجتهد في محراب النبي (ص) لانه صواب قطعا، اذ لايقر علي خطا فلا مجال للاجتهاد فيه . . .» و بحسب تعبير ابن بطوطة في رحلته: «قبلة مسجد رسول الله (ص) قبلة قطع لانه (ص) اقامها» (5)
و مثل ذلك كان قول الشيخ الحافظ محمدبن النجار المتوفي سنة 647 ه في «الدرة الثمينة في تاريخ المدينة » : «. . . فاتاه جبريل (ع) فقال: يارسول الله ضع القبلة و انت تنظر الي الكعبة . . . و صارت قبلته الميزاب » (6) كانت معرفة طول البلاد و عرضها، و خاصة تعيين الطول، مسالة صعبة للقدامي، و لذلك فقدظهر في جداولهم التقريب و التخمين و احيانا الخبط و السهوالكبير في ارقام الطول والعرض . اما اليوم، بعد اختراع الآلات و وسائل الاتصال كاللاسلكي و التلغراف و غيرهما، فقد ذللت تلك الصعوبة و تحول التخمين الي يقين .
يري العالم الجليل (شاذان بن جبريل) في رسالته «ازاحة العلة في معرفة القبلة » و بحسب بعض جداول الطول و العرض القديمة التي كانت في يده، ان قبلة المدينة منحرفة من الجنوب الي الشرق بمقدار 10 37، و قد تابعه في ذلك صاحب «البحار» و آخرون، مع انه امر ضعيف جدا، بل خطا . ان اشخاصا مثل العلامة الحلي والسمهودي و ابن بطوطة ممن جعلوا الاساس قيام رسول الله (ص) في تعيين قبلة المدينة تعيينا بالقطع و رفضوا قبول الاجتهاد في ذلك، و لم يلقوا بالا الي جداول الطول و العرض التي كانت موجودة يومذاك بهذا الشان خاصة، قد قالوا الحق و فعلوا الصواب .
و باختصار، ان قبلة المدينة تقع علي الجنوب، و هي كما عينها رسول الله (ص) و اتجه بوجهه نحوها في صلواته، بعد ان قال بوحي من نورالله تعالي: «محرابي علي الميزاب » و هي قبلة مقطوع في امرها، و هي من معاجز رسول الله (ص) الفعلية، و لايجوز الاجتهاد فيها .
الفصل الثاني
تعيين الزوال الحقيقي في المدينة
بعد بيان تعيين قبلة المدينة لابد من ذكر تعيين الزوال الحقيقي في المدينة، الامر الذي يزيد من اهمية اعجاز رسول الله (ص .) هنالك في كتب الهيئة طرق عديدة لتعيين الظهر الحقيقي .
و نحن في «دروس معرفة الوقت والقبلة » اوردنا، ابتداء من الدرس الثاني والاربعين حتي الخامس والخمسين، ثلاثين طريقا لتعيين ذلك مع الادلة والبراهين الرياضية .
اذا اردنا تعيين الظهر الحقيقي لافق معظم ارجاءالمعمورة لابد من نصب شاخص، والشاخص علي نوعين: الشاخص المخروطي والشاخص الصفيحي . ان كيفية استعمال الشاخص المخروطي و طريقة نصبه متداولة في سطح الدائرة الهندية و امثالها . انما نحن الآن بصدد نصب الشاخص الصفيحي و تعيين الظهر الحقيقي به .
الشاخص الصفيحي شاخص عريض كصفيحة من المعدن او قطعة حجر مسطحة او من الآجر او من الخشب مستوية الوجهين تقام عمودية علي سطح الارض .
بعد ان نعين خط نصف النهار، او خط الزوال، علي سطح ارض مستوية باحدي طرق تعيينه، و نقيم شاخصا صفيحيا علي طول ذلك الخط و امتداده بصورة مستقيمة، يكون ذلك الشاخص واقعا علي سطح دائرة نصف النهارو بما ان خط نصف النهار نفسه يقع علي سطح دائرة النهار فلا بد ان يقع ظل الشاخص الصفيحي، منذ طلوع الشمس حتي وصولها الي دائرة نصف النهار، علي جهة الغرب . و عند بلوغ مركز جرم الشمس دائرة نصف النهار، فلايكون هناك ظل لصفحة الجانب الغربي للشاخص و لا لصفحة الجانب الشرقي منه، بل يقع خط الظل علي خط نصف النهار نفسه و ينطبق عليه، اي ان ظل الشاخص الصفيحي يقع علي خط الزوال، و يكون هذا عند اول الظهر الحقيقي في الافق الذي اقيم الشاخص الصفيحي، اي ان الجدار نفسه يقوم مقام الشاخص الصفحيي .
و اول من استعمل الشاخص الصفيحي لتعيين الظهر الحقيقي هو خاتم الانبياء محمدالمصطفي (ص)، و كان من معجزاته الفعلية الاخري انه امر با قامة جدار علي جهة غرب مسجدالمدينة فوق خط نصف النهار، الذي يقع علي سطح دائرة نصف النهار، و اعلن للناس ان اول الظهر الحقيقي هو الزوال عند انعدام ظل الجانب الغربي، و عودته الي جانب الشرق، و عندما يشاهدون ظل الجانب الشرقي من الجدار لهم ان يؤدوا صلاة الظهر .
مرة اخري يطرا السؤال: كيف استطاع رسول الله (ص) ان يعرف خط نصف النهار علي سطح الارض المستوية ليامر باقامة الجدار علي الجانب الغربي من المسجد علي امتداده فوق سطح دائرة نصف النهار؟
نعم، ان ما قلناه في الفصل الاول حول تعيين جهة القبلة، صادق هنا ايضا . اذلو انه كان قد استخدم آلات و ادوات لتعيين خط نصف النهار لما غفل المؤرخون عن ذكر ذلك، ولكن احدا لم يتفوه بكلمة عن ذلك، والحقيقة هي ان هذه معجزة اخري لم تحصل الا بنور الوحي الالهي .
كان الاستاذ ابوالفضائل، العلامة الحاج ميرزا ابوالحسن الشعراني يقول: «انهم اليوم في المراصد الغربية، مثل (غرينيتش و پاريس) يقيمون الجدران علي الطراز نفسه قائلين انه افضل وسيلة لتعيين الظهر الحقيقي . اذن، طريقة تعيين الظهر الحقيقي في مسجد النبي (ص) كانت خير طريقة يقلدها اليوم العلماء في اوربا .» لتيسير العمل بالشاخص الصفيحي و تعيين الاوقات المذكورة علي سطح الدائرة الهندية، او الرخامة (جاء بيان ذلك في الدرس 95 من كتاب «دروس هيئت و ديگر رشته هاي رياضي ») (7) تقام لوحة معدنية او لوحة من الخشب المسطح المستوي بشكل (ا ب ج د) علي خط نصف النهار (ه د)، اي علي امتداده و استقامته، و تطبيق التعليمات الاخري .
الفصل الثالث
ارتفاع جدار مسجد المدينة
جعل رسول الله (ص) ارتفاع جدار المسجد لتعيين اوقات الصلاة بارتفاع قامة انسان متوسط القامة، و هو بين ست اقدام و نصف الي سبع اقدام . في الكتب الرياضية و التنجيم يطلق علي طول الشاخص القائم علي سطح الافق اسم الظل الثاني، او ظل المستوي، اوالظل المبسوط (8) و يقسم الي سبعة اقسام او ستة اقسام و نصف، ويطلقون علي تلك الاقسام اسم (الاقدام) و يسمي ظلها (ظل الاقدام .) و عليه فان من يريد ان يعلم ان كان ظل شي ء ما قد بلغ طوله ام لا، فانه يتخذ من ظل قامته مقياسا، و يقال ان ذلك قداقيم علي غرار بناءالجدار .
قلنا في الفصل الثاني ان رسول الله (ص) امر ببناء جدار في الجانب الغربي من مسجد المدينة علي خط نصف النهار بحيث لايكون له ظل عندالظهر، ثم عندالزوال يظهر ظل الجدار في الجانب الشرقي، و قد جعل رسول الله (ص) ظهور الظل في الجانب الشرقي علامة لوقت صلاة الظهر، فعند ما كان الناس يشاهدون ظل الجدار من الجانب الشرقي يقفون لاداء صلاة الظهر . من البديهي ان الظل بعدالزوال يتدرج في الامتداد، و علي ذلك فقد امر رسول الله (ص) ان يقيم الناس صلاة العصر عندما يبلغ طول هذا الظل بمقدار ارتفاع الجدار، فكان الناس يقيسون من اسفل الجدار حتي مسافة سبع اقدام، فاذا غطي الظل تلك المسافة علموا ان وقت صلاة العصر قد حل، فيقومون لادائها . و قد عين النبي (ص) آخر وقت صلاة العصر ببلوغ الظل ضعف الشاخص .
في البداية كان لمسجد المدينة اربعة جدران فقط، و بعد مدة جعل له غطاء و مظلة، و بعد ذلك بني فوقه سقف كالمتعارف، كما هو مذكور في الكتب بالتفصيل (9) فاذا اعترض معترض كيف كان يحدث الظل في الجانب الشرقي للجدار داخل المسجد، نقول في الجواب ان ما ناخذه بعين الاعتبار هو حال المسجد قبل بناءالسقف .
انه لما يدعو للعجب ان نلاحظ ان الكتب الفقهية التي تتناول الدائرة الهندية و تبحث في تعيين خط نصف النهار و القبلة، لا تشير الا الي الشاخص المخروطي، و اني لم ار في اي كتاب فقهي اشارة الي الشاخص الصفيحي، و لا الي الزوال علي النحو الذي و صفناه في مطلق الآفاق (سواءالآفاق التي تصل فيها الشمس الي جهة الراس عند دائرة نصف النهار او لا تصل، بل تبقي في جهتي شمال الراس و جنوبه لتعيين اول الظهر، علي الرغم من ان اول من استخدم الشاخص الصفيحي لتعيين الظهر و موعد صلاتي الظهر و العصر هو رسول الله (ص .) اذا ما اقيم الشاخص الصفيحي علي سطح دائرة نصف النهار، اي علي امتداد خط نصف النهار، فان زوال ظل سطحه الغربي يكون علامة، في جميع الآفاق و جميع الايام، علي وصول مركز جرم الشمس الي حلقة نصف النهار (الي دائرة نصف النهار .) في هذا الوقت يقع ظل الصفيحة نفسها في جميع الآفاق علي خط نصف النهار، فاذا كان منصوبا في الآفاق الشمالية، فان ظله علي خط نصف النهار يكون باتجاه القطب الشمالي، و اذا كان منصوبا في الآفاق الجنوبية، فان ظله علي خط نصف النهار يكون متجهانحوالقطب الجنوبي .
ولكن الشاخص المخروطي ليس كذلك بحيث لايكون له ظل في جميع الآفاق و جميع الايام عند وصول الشمس الي دائرة نصف النهار، و ذلك لانه اذا كان خط عرض البلد بقدر الميل الكلي – و هو الآن يقدر بنحو 25 23 سواء اكان البلد في الشمال ام في الجنوب، فان الشمس في كل دورة سنة شمسية تصل مرة واحدة الي جهة الراس، و عندئذ لا يكون للشاخص المخروطي ظل، و اذا كان خط عرض البلد اقل من الميل الكلي، او كان عديم العرض، فان الشمس في كل دورة سنة شمسية تصل مرتين الي جهة الراس، و في هاتين المرتين لايكون للشاخص المخروطي ظل، سواء اكان البلد شماليا ام جنوبيا و اذا كان عرض البلد اكثر من الميل الكلي، بصرف النظر عن كونه شماليا او جنوبيا فان ظل الشاخص المخروطي لاينعدم ابدا، و بعد زوال الشمس عن دائرة نصف النهار، يرجع ظل الشاخص الي الشرق، و يسمي (الفي ء) و معناه في اللغة (الرجوع .) يقول الرصدي الكبير المولي (غلام حسين جونپوري) الشيرازي الاصل، في كتابه القيم «جامع بهادري » :
«ينقل محمدالخفري، في شرح «الزيج الايلخاني » من كتاب «تاريخ الفلاسفة » الذي هو ترجمة كتاب قانيطس اليوناني، فيقول ان اول من نظر في احوال الكواكب كان آدم عليه السلام . اقام علي قمة جبل القمر مقياسا لرصد ظل الشمس، فعند وصول الظل الي اقصره كان يعرف ان النهار قدانتصف، فكان يقضي الصبح حتي منتصف النهار في اعداد الثمار الماكولة الجبلية . و عند منتصف النهار كان يحمل تلك الثمار الي اطفاله في البيت .
و كان يراقب التزايد والتناقص و انعدام الظل، و ينتظر تكرار ذلك، حتي اذا راي انعدام الظل ثانية علم ان الشمس قد عادت الي وضعها الاول، و بعد حساب ايام العودة راي انها ثلاثمئة و خمسة و ستون يوما، وادرك ان الشمس تقوم بدورة كاملة خلال تلك المدة . . .» (10)
ان قوله «عند وصول الظل الي اقصره » يدل علي ان المقياس الذي كان قد نصبه علي قمة جبل القمر هو الشاخص المخروطي، لا الصفيحي . و قوله «و كان يراقب التزايد والتناقص و انعدام الظل . . .» فيدل علي ان عرض جبل القمر كان بقدرالميل الكلي في ذلك اليوم .
ان الميل الكلي آخذ بالانتقاص، و مقدار هذا الانتقاص في كل سنة شمسية يقرب من نصف ثانية فلكية، و بدقة 468/0 من الثانية، فيكون الانتقاص خلال عشر سنوات شمسية بمقدار (680و4)، و بعد حوالي «186000» سنة شمسية تتحد منطقة البروج مع معدل النهار، اي تقع علي مستوي واحد و ينمحي الميل في تلك الحالة نقول في ختام هذاالفصل: ان بناء جدار الجانب الغربي من مسجد المدينة بامر من رسول الله (ص) علي مستوي الزوال في المدينة، كمثل تعيين القبلة فيها، من معاجزالنبي (ص) الفعلية حتي الآن و التي تشتمل علي العديد من المسائل الرياضية والعلمية . ان اكثر المعاجز الفعلية تقوم علي التصرف في مادة الموجودات و تسخيرها بقوة الولاية التكوينية باذن من الله تعالي . والمعجزات القولية هي علوم و معارف و حقائق نزلت من حضرة القدس الالهي عليهم، و علي راس سلسلة معاجز رسول الله (ص) القولية ياتي القرآن الكريم كمعجزة ما تزال حية باقية .
معظم المعاجز الفعلية تكون موقتة و محدودة بالزمان والمكان و سريعة الزوال، و تصبح بعدالوقوع حدثا تاريخيا يتصف بالخبرية، و غالبا ما تنفع العامة من الناس ذوي الاحساسات فيالفون اليها، و هؤلاء يدركون بالحواس قبل ان يؤمنوا، بخلاف المعجزات القولية التي يبقي اعجازها علي مدي الاعصار والقرون، و هي ذات تاثير في الخاصة من ذوي القوي العاقلة المفكرة التي تؤلف هيكل المدينة الفاضلة الانسانية . هذا الفريق الذي يطلب المعجزات القولية، اي العلوم والمعارف والحقائق، و هي الموائد السماوية و المآدب الروحانية، انما هو الفريق الذي يدرك النكتة و يفهم اللغة و يعرف الجواهر، و يعلم مآتي بضاعة العلم و كيفيتها، كما يقول الشيخ الطوسي في الفصل الرابع من النمط التاسع من شرح (الاشارات) للشيخ الرئيس ابن سينا: «الخواص للقولية اطوع والعوام للفعلية اطوع .» او علي حدقول المولا الرومي في الدفتر الرابع من المثنوي:
النصيحة الفعلية اشد جذبا للبشر فهي تنفذ في روح كل ذي اذن طرشاء ان من بين معجزات النبي (ص) الفعلية الباقية هي معجزة تعيين قبلة المدينة، و كذلك بناء جدار مسجدالمدينة كنمودج مرشد لاستنباط المسائل الرياضية للظل – التي يعبر عنها بالمماس و الظل – بالتفصيل الآتي في الفصل القادم .
ملاحظة: يقوم علماءالرياضيات والهيئة، بالاستناد الي ارتفاع الجدار الذي امرببنائه رسول الله (ص)، بتقسيم كل شاخص – سواء كان بطول قامة انسان متوسط القامة او لم يكن – الي سبعة اقسام، و يقدرون ظله مطابقا لاقسام طوله، و يطلقون اسم (القدم) علي كل قسم، فتبصر!
الفصل الرابع
جدار مسجد المدينة الهادي الي استنباط قوانين الظل الرياضية
علم المثلثات المعروف اليوم قائم علي «الجيب » ، (sine) و «الظل » ، (tangent) و ماخوذ من العلماء المسلمين الذين اخترعوا الجيب والظل.
قبل الاسلام، كان اليونانيون يرجعون في حل مسائل علم التنجيم – الذي يستند الي المثلثات، الي شكل القطاع الذي يستفاد منه في الاشكال المستوية و الكروية كالقطاع السطحي والقطاع الكروي، و قد ورد في اهم كتاب عندهم باسم «اكرمانالاؤوس » و هو من كتب الرياضيات المتوسطة، اي بالنسبة للمستوي العلمي عندنا يعتبر من دروس الرياضيات في الدراسة المتوسطة التي تقرا بعد كتاب «مبادئ اقليدس » و قبل كتاب «المجسطي » ، و يعبر عن هذه الكتب التي تقرا في الدورات المتوسطة باسم المتوسطات .
لقد قرا كاتب هذه السطور كتاب «اكرمانا لاؤوس » بتحريرالشيخ الطوسي علي العلامة ذي الفنون، آية الله الحاج ميرزا ابوالحسن الشعراني (ره) في طهران، واستوعبه عنده، ثم قام بتصحيحه علي عدد من النسخ الخطية و شرحه وقام بتدريسة في الحوزة العلمية في اربع عشرة دورة كاملة .
كان (مانالاؤوس) او (منلاؤوس) Menelaus من اهل الاسكندرية و من علماءالرياضيات المرموقين . و قدعاش قبل ميلاد المسيح (ع .) و قدجاء في بعض المذكرات ان (مانالاؤوس) عاش في حوالي سنة 100م . و يحتوي كتابه علي ثلاث مقالات في الاشكال الكروية: شكل القطاع، و هو قضية (مانالاؤوس) المعروفة نفسها، القضية الاولي من المقالة الثالثة يقول الشيخ الطوسي في اواخر تحرير هذه القضية: «و من هذا الموضع استحدث الامير ابوالنصر شكلايقوم مقام القطاع و لقبه بالمغني . يتبين فيه ان كل مثلث من قسي دوائر عظام تكون فيه زاوية قائمة و اخري اصغر من قائمة، فان نسبة جيب و ترالقائمة الي جيب وتر الزاوية، التي هي اصغر من قائمة، كنسبة الجيب كله، و هو جيب الزاوية القائمة، الي جيب الزاوية المذكورة . . .»:
(؟)
البيان: وتر كل زاوية مثلث هوالضلع الذي يقابلها، سواء اكان ذلك الوتر خطا مستقيما، كما في مثلث علي سطح مستو، ام كان خطا مستديرا (اي قوسا)، كما في مثلث علي سطح كروي (اي المثلث الكروي .) في المثلث الكروي يجب ان تكون الاوتار – و هي اضلاع المثلث – اقواسا من الدوائر العظام .
ثم في المثلث علي السطح المستوي مجموع زواياه الثلاث يساوي مجموع قائمتين، و لا يمكن ان تكون فيه اكثر من زاوية قائمة واحدة، و هذا مبرهن عليه في الشكل من المقالة الاولي من مبادئ اقليدس .
اما المثلث الكروي فمجموع زواياه الثلاث يساوي اكثر من قائمتين، كما هو مبرهن عليه في الشكل من مقالة (اكرمانا لاؤوس) الاولي، و يمكن ان تكون فيه زاويتان قائمتان، بل يمكن ان تكون كل واحدة من زواياه قائمة، و في تصوير ذلك نقول:
ان دائرة نصف النهار دائرة عظيمة قائمة علي دائرة الافق، و دائرة اول السموات دائرة عظيمة ايضا و قائمة علي دائرة الافق، و دائرة نصف النهار دائرة عظيمة قائمة علي دائرة الافق، اذن كل واحدة منها تقاطع الافق في زوايا قائمة، و من تقاطع العظيمات الثلاث المذكورة تحدث اربعة مثلثات فوق الافق، و اربعة اخري تحت الافق، و الزوايا الثلاث لكل واحدة من هذه المثلثات الثمانية زوايا قائمة، و وتر كل زاوية يساوي ربع العظيمة .
و في الآفاق المستوية، تتطابق دائرة اول السموات مع دائرة الاستواء السماوي التي هي دائرة معدل النهار، و من تقاطعها مع دائرة نصف النهار، و من تقاطع هاتين مع دائرة الافق، تنشا ثمانية مثلثات كما سبق ذكرها .
نعود الي كلام الشيخ الطوسي بخصوص الشكل المغني . بعد ذلك يقول الشيخ: «و هذا شكل عظيم الغنا، و له تفاريع و اشباه، و تفصيل هذه المسائل يحتاج الي كلام ابسط موجود في مواضعها من الكتب، و هذا الموضوع لايحتمل اكثر مما ذكرنا، ولي فيه و في ما يغني عنه كتاب جامع سميته (كشف القناع عن اسرار شكل القطاع » .
و كتاب (كشف القناع) قد طبع قبل هذا في فرنسا، و طبع مرة اخري في تركيا . و قد راي الكاتب نسخة خطية منه عند احد الاصحاب و لكنه لم يوفق بعد للحصول عليه .
يقول العلامة نظام الدين النيشابوري في «شرح المجسطي » لبطليموس فيما يتعلق بالقطاع علي سطح مستو: «والدعاوي الواقعة في هذا الشكل هي 497664، فانظر في هذا الشكل الصغير كيف استلزم جميع تلك المسائل؟ و لاتعجب من قوله عز من قائل: و لو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم » (11)
كان لشكل القطاع الكروي في مسائل الرياضيات والهيئة و التنجيم اهمية كبيرة، و بحث القطاع طويل و عريض .
ان هدفناالرئيس الآن هو انه لما كان العمل بالقطاع في مسائل الرياضيات و الهيئة و التنجيم صعبا (حسبما ذكرنا في الدرس الثالث عشر من «دروس معرفة الوقت والقبلة ») (12) استنبط العلماء المسلمون المتاخرون الشكلين المغني والظلي، و كلا هما من القطاع .
كل قاعدة يرد فيها «الجيب » تكون من شكل المغني و فروعه، و كل قاعدة يرد فيها «الظل » تكون من شكل الظل و فروعه . في الدروس من الخامس حتي الرابع عشر من كتاب «دروس معرففة الوقت و القبلة » نتناول الجيب و الظل و شكل المغني و شكل الظل و فروعهما والبراهين الهندسية عليها . (13)
سبق القول ان حائط الجانب الغربي من مسجد الرسول (ص) في المدينة قدبني بامر منه بارتفاع قامة انسان متوسط القامة، محاذيا تماما لدائرة نصف النهار (اي علي سطحه .) تقع المدينة علي خط العرض 25 شمالا، و بمقدار الميل الكلي تقريبا . و لما كان خط عرض المدينة ثابتا، والميل الكلي آخذا بالتناقص، كان لابد من القول بان الشمس في نصف النهار الصيفي في ايام النبي الاكرم كانت تكاد تصل الي جهة راس اهل المدينة و كان ارتفاعها 90 درجة، و هي الآن لاتكاد تختلف عن ذلك، كما لايخفي علي اهل المعرفة بالهيئة والنجوم .
و عرفنا انه لما كان حائط الجانب الغربي من مسجدالمدينة قد بني علي مستوي سطح النهار، لم يكن له ظل عندالظهر، و بعدالزوال كان الظل يظهر عند اقدام الجانب الشرقي من الحائط . و كان الرسول (ص) يعتبر ظهور ذلك علامة علي حصول وقت صلاة الظهر، فاذا امتدالظل لمسافة سبع اقدام، اي بطول ارتفاع الجدار، كان ذلك حصول وقت صلاة العصر، و آخر وقت صلاة العصر كان عندما يبلغ الظل ضعف ارتفاع الشاخص، و يكون ذلك عندما تبلغ الشمس في ارتفاعها في الافق 26 درجة تقريبا . لذلك قام الرسول الاكرم بتنصيف ارتفاع الشمس، جاعلا نصفة وقت حصول فضيلة صلاة الظهر، و نصف الباقي و جعله وقت فضيلة العصر .
من عادة اهل الحساب ان يجعلوا الخالص و الكامل من كل شي ء اصلا و مبدا، فمثلا من اجل قياس مقدار النور جعلوا ضوءالقمر في الليلة الرابعة عشرة هوالوحدة القياسية لانه يكون ثابتا في تلك الليلة، لافي الليالي الاخري، و لوحدة الوزن اختاروا الماءالنقي المقطر . كذلك قام الرسول الاكرم (ص) باتخاذ اطول نهار في مدينة تصل فيها الشمس عند الظهر الي غاية ارتفاعها – اي 90- مبدا، ذلك لان هذه الايام و هذه المدن ليست متشابهة .
ابوالوفاء البوزجاني (14) تنبه الي الحكم الشرعي و اوامر الرسول (ص) فيما يتعلق باوقات صلاتي الظهر والعصر، و ادرك انه اعتمد علي متوسط الزمان بين الظهر و غروب الشمس، فقسمه الي نصفين، النصف الاول يبدا من الظهر حتي يصبح طول الظل بطول الشاخص، والنصف الآخر هوالوقت الذي يصبح فيه طول الظل بطول الشاخص حتي الغروب، و هو ما خصصه بصلاة العصر . و ادرك ايضا انه عندما يصبح ظل الشاخص بطول الشاخص تكون الفترة بين الظهر و الغروب قدانتصفت . و قام البوزجاني بتطبيق امر رسول الله (ص) عينه في العلاقة بين الظل والزاوية، و استنتج الشكل الظلي، اي النسبة بين الظل والزاوية .
ان ارتفاع الشاخص، و هو ارتفاع حائط مسجد رسول الله (ص) هو في الواقع شعاع دائرة المثلثات الذي تقاس به خطوط المثلثات، و يعتبرونه اليوم وحدة قياسية، و الكتب الاسلامية تقدرالشعاع بستين درجة .
عندما يتساوي الظل والقامة، اي ان طول الظل يساوي شعاع الدائرة، فان الزاوية والقوس المقابلان له يكونان 45 درجة، و ذلك لانها الزاوية المركزية والقوس المقابل لها، اي وترها، يكون مساويا لها، و 45 نصف القوس 90 درجة والذي يمكن تصوره من الافق الغربي، اي من موضع غروب الشمس حتي وسط السماء .
يطلق الرياضيون المسلمون اسم الظل علي مماس المثلث، والسبب في هذه التسمية قد اتضح مما قلناه، اذكان الظل اصلا هوالذي نبه العلماء الرياضيين الي فائدة هذا الخط، و وضعوا اسمه الاصلي عليه و استعملوه .
اما الاوربيون فقد اطلقوا عليه اسم المماس، لان لفظة الظل ما كانت تعني عندهم شيئا، و لا كانوا يعرفون شيئا عن اصله .
ان علماءالرياضيات المسلمين استنتجوا من مسجدالنبي (ص) و ظل جداره، الذي كان يساوي شعاع الكرة، خصائص الظل و وضعوا الجداول للظل والجيب لمعرفة درجات الزوايا المقابلة للجيب والظل .
جداول المثلثات التي وضعها المسلمون و استخدموها كانت جداول ستينية و هي جداول مرتبة للاقواس و الزوايا من درجة الصفر حتي 90 دقيقة فدقيقة مع المقدار الحقيقي للجيب والظل، و مازالت تلك الجداول تستعمل في الزيجات السابقة، و عنداختراع اللوغاريتم رتب الاوربيون تلك الجداول معه و هي الآن متداولة بين الناس .
للوغاريتم اهمية كبيرة في تسهيل العمليات الرياضية، مثل تحويل الضرب الي الجمع و القسمة الي الطرح، والقوة والتكعيب و مافوقها الي الضرب، والجذر التربيعي و التكعيبي الي القسمة، والعمليات بذلك لاتتطلب الكثير من الوقت بالقياس الي الطريقة الستينية، لذلك فان تسهيل العمليات الرياضية للحاسب اهمية مشهودة .
في مكتبة الكاتب نسخة من «تسهيل الزيج » للمحمد شاهي، حول بعضي جداولها الي لوغاريتمات، و قد كان مؤلفه الكبير عالما رياضيا يدعي عبدالله بن محمد، و من علماءالامامية الاثني عشرية .
في الزيجات الستينية الاخري كانوا في استخراج عدد، مثلا، يقولون: «اضرب جيب العدد الفلاني في جيب العدد الفلاني الآخر، او اقسمه عليه » . و لكن في تسهيل زيج محمد شاهي، نستخرج اولا العدد نفسه، ثم ننظر في جدول اللوغاريتمات الخاص به و نكتب العدد المكتوب بازائه علي حده، ثم مقابل ذلك العدد الآخر نكتب العدد المكتوب بازائه ايضا . فاذا كان علينا ان نضرب جيبي ذينك العددين احدهما في الآخر ففي هذه الحالة، اي في حالة التسهيل هذه، نجمع العددين المكتوبين مقابلهما . اما اذا كان المطلوب في تلك الزيجات هوالتقسيم، نقوم بالطرح، و الحاصل من هذا الجمع و الطرح نبحث عنه في موضع آخر، فيكون العدد المقابل له هو جيب القوس المطلوب .
و هذه العملية تقوم علي قاعدة مضاعفة المراتب العددية بالترتيب و نتقدم الي الامام، و من بداية ذلك العدد نجمعه بالترتيب مع كل مرتبة و نتقدم كما في الفرضية التالية:
2 4 8 16 32 64 128 256 512
في هذا التسلسل ابتداء من العدد 2 كل عدد يجمع مع 2:
2 4 6 8 10 12 14 16 18
فاذا ضربنا، مثلا، 8 في 16 الفوقانية يكون الناتج 128، و اذا جمعنا 6و8 و هما تحت 8و6 يكون الناتج 14 الذي يقابل 128 .
كذلك اذا ضربنا 16 في 4 الفوقانية يكون الناتج 64، و اذا جمعنا 8و4 اللذين هما تحتهما يكون الناتج 12 و هو مع 64 .
و اذا جمعنا 10و8 التحتانية يكون الناتج 18 و هو مع 512، و اذا ضربنا 32 في 16 اللذين هما فوق ال (10و8) يكون الناتج 512، و هكذا اذا ضاعفنا مراتب كل عدد ثلاث، اربع، خمس مرات والي مالا نهاية له .
يقول العلامة (حيدرقلي سردار) الكابلي (ره) في «تحفة الاجلة في معرفة القبلة » :
«كان قدما ؤنا يستعملون الجداول الستينية، ولكن المتاخرين عندما راوا ان العمل بالارقام الستينية صعب، حولوها الي الكسور العشرية، و اني اعتقد ان اول منجم مسلم قام بتحويلها الي كسور عشرية هوالعلامة الفاضل (تقي الدين محمدبن معروف زين الدين) و هوالراصد الشهير المتوفي سنة 993 ه (1586 م) حسبما جاء في كتابه «جريدة الدرر و خريدة الفكر» ، ثم قام المتاخرون من اهل اوربا بتحويلها الي جداول لو غاريتمية .(اللوغاريتم Logarithm كلمه يونانية تعني نسبة العدد)، و ذلك بعد ان لاحظوا صعوبة الجداول العشرية . و اول من التفت الي هذا السركان الفاضل الشهير (يوحنا النيبير، 1550- 1617 م 957- 1026 ه) و بذلك سهلت العمليات الرياضية:
«اذن علي من يودالدخول في هذه الاعمال لابد ان يكون علي معرفة بالنسب، اي اللوغاريتم، و ان يضع في متناول يده جداول لوغاريتم الاعداد و جداول الجيوب والمماسات القواطع و غيرها، طبيعية كانت ام لو غاريتمية لتسهيل الامر . ان الجداول الستينية للجيوب و المماسات و غيرها مذكورة في الزيجات الاسلامية، و ادقها هوالزيج البهادري » (15) .
كانت هذه كلمات المرحوم (سردار كابلي) التي تبركنا بذكرها .
ملاحظة: جداول الجيوب مثل (ا ج) في الشكل التالي:
(؟)
في هذا الشكل جيب القوس هو (ا د) و ان شئت قلت جيب الزاوية (ا ب د) و هي الزاوية المركزية، و المقصود بالمماس هو خط الظل، مثل (د ه) او (و ز) و كل منهما مماس الدائرة (داو)، و المقصود بالقاطع هو الظل (ب ه) و تفصيلات ذلك في الدرسين الرابع و الخامس من كتابنا «دروس معرفة الوقت والقبلة » .
في بداية هذا الفصل قلنا ان واضعي الجيب والظل و الشكل المغني والظلي و فرعيهما هم علماء مسلمون . يقول المرحوم السيد جلال الدين الطهراني في «گاهنامه 1311» :
«من مخترعات بطليموس في المثلث الكروي هو شكل القطاع الذي يحل مثلثا علي الكرة بوساطة ست نسب، فبمكان الاربعة المتناسبة يقيم الستة المتناسبة، و كان العمل بذلك في الفلك صعبا للغاية حتي خطر لعدد من العلماء المسلمين ان يجروا بعض التسهيلات في البراهين الرياضية في المثلث الكروي، فاجهدوا انفسهم حتي وفقوا الي اكتشاف بعض المسائل و حل بعض القضايا في المثلث الكروي و رسموا بعض الاشكال تحت اسماء مختلفة:
1 . الشكل المغني، و قد اطلقوا عليه هذا الاسم لكون العمل به يغني العامل عن العمل بشكل القطاع، و في هذا الشكل يتم حل المثلث عن طريق الاربعة المتناسبة و جيب الاقواس .
لقد اثار هذا الشكل نزاعا في تاريخ العلم بين ابي نصر، منصوربن علي بن عراق و ابي الوفاء، محمدبن محمد البوزجاني، و ابي محمود، حامدبن خضر الخجندي، و كوشياربن لبان الجيلي .
2 . من مستحدثات العلماء المسلمين الاخري في المثلثات الكروية هوالشكل الظلي الذي فيه يستعمل الظل، و قد اجمع علي ان مخترعه هوابوالوفاء البوزجاني و برهنه بعدة براهين .
3 . والمخترع الآخر من مخترعات القدماء هوالشكل السهمي الذي يتم حله بسهم القوس، و قداخترعه كوشيار بن ليان الجيلي .
وبالاضافة الي شكل القطاع البطليموسي، و المغني لابي نصربن عراق والشكل الظلي لابي الوفاء البوزجاني، و الشكل السهمي لكوشيار بن لبان الجيلي، هناك اربعة اشكال اخري هي من فروع المغني و الظلي، و قد اوردنا البراهين الهندسية عليها في الدرسين الثالث عشر و الرابع عشر في كتابنا «دروس معرفة الوقت والقبلة » .
لقد طرا هذا الموضوع حول القطاع والمغني و الظلي في غضون البحث، فيما كان اساس بحثنا هو ان اصل مسائل الظل الرياضية قد نشا من مسجدالمدينة حتي وصل الي ايدي ابي الوفاء، و منه انتشر الي مختلف ارجاء العالم . الاوربيون يعرفون اباالوفاء عن طريق هذا الشكل الظلي . و لكن تبديلهم الظل بالمماس اولا، ثم قيام الغربيين بتبيدل لفظة الظل بمصطلح Tangent ثانيا جعلهم يظنون ان الظل و مسائله غربية الاصل، مع انه قد تبين ان قيام الرسول الاكرم (ص) ببناء جدار مسجدالمدينة كان نموذجا ادي الي استنتاج الظل و اختراعه .
دعواهم فيها سبحانك اللهم و تحيتهم فيها سلام .
و آخر دعواهم ان الحمدلله رب العالمين .
الهوامش:
1) حسن زاده آملي، حسن «دروس معرفة الوقت والقبلة » من منشورات جامعة مدرسي الحوزة العلمية في قم، الدرس 56 .
2) سورة البقرة/145 .
3) ناصرخسرو «سفرنامه » الطبعة الحجرية، طهران، ص 153 .
4) جام جم » الطبعة الحجرية الاولي، ص 615 و 616 .
5) الرحلة » طبع مصر، ص 86
6) الدرة الثمينة في تاريخ المدينة » طبع مكة (ملحق «شفاءالغرام » للفاتني) ج 2 ص 356 .
7) حسن زاده الآملي، حسن «دروس هيئت و ديگر رشته هاي رياضي » مركز انتشارات دفتر تبليغات اسلامي، الحوزة العلمية في قم، ج 2 ص 662 .
8) راجع «دروس هيئت و ديگر رشته هاي رياضي » ج 2 ص 578، والدرس الثامن في «دروس معرفة الوقت والقبلة » .
9) راجع «بحارالانوار» طبعة كمپاني، ج 2 ص 413 نقلا عن «الكافي » .
10) جامع بهادري » طبع الهند، ص 690 .
11) سورة لقمان/28
12) دروس معرفة الوقت والقبلة » ص 56 .
13) المصدر نفسه، ص 20- 64 .
14) ابوالوفاء، محمدبن يحي بن اسماعيل البوزجاني، من كبار علماء الرياضيات في القرن الرابع الهجري . ابن النديم في «الفهرست » يقول عنه: «ولد في يوم الاربعاء غرة رمضان سنة 328 ه مدينة بوزجان (تربت جام الحالية)» . ابن خلكان في «وفيات الاعيان » يقول: «كانت ولادته يوم الاربعاء مستهل شهر رمضان المعظم سنة ثمان و عشرين و ثلاثمائة بمدينة بوزجان، و توفي سنة ست و سبعين و ثلاثمائة . رحمه الله تعالي .»
15) تحفة الاجلة في معرفة القبلة » الطبعة الاولي (بالفارسية) ص 6 .

سەنتەری زەھاوی

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً