ألمقومات الأخلاقية للسلم المدني في السنة النبوية/دراسة تأصيلية – نقدية
ألمقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق اجمعين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين… وبعد
تشكل الأخلاق مجموعة من القواعد والمبادئ، التي تُحدد ما ينبغي أن يكون عليه السلوك الإنساني، وعلى أساسها يكون مقبولاً أو مرفوضاً، وتعد إشكالية أسس القيم الخلقية من أبرز وأقدم الإشكاليات الفلسفية التي أثير حولها الجدل بين مختلف الأنساق والاتجاهات الفكرية.
ومن هنا تبرز اشكالية التباين عند الفلاسفة، والمفكرين، في تحديد مصادر الأخلاق، بين التكوين البشري وإمكاناته العقلية وقدراته المعرفية، في تأسيس قواعد النظام الأخلاقي، وبين المجال الإلهي الذي حدد معالم المنظومة الأخلاقية بكل مجالاتها وقيمها على المستوى الفكري والاعتقادي والسلوكي.
وورقتنا البحثية محاولة للوصول إلى الرؤية الدقيقة في تحديد التباين الحاصل في فهم منظومة القيم الأخلاقية، لدى الأجيال الإسلامية المتقدمة، وتحويلها إلى مفاهيم وممارسات واقعية كان لها الأثر الأكبر في تعزيز الروابط القيمية، لدى ابناء المجتمع الواحد، وتدعيم منطلقات واسس ومقومات السلم المدني والأمن الاجتماعي، الذي مثلته المجتمعات الإسلامية الأولى ولاسيما مجتمع النبي عليه الصلاة والسلام، وتداعيات انهيار تلك القيم والمفاهيم في مجتمعاتنا المعاصرة، ولاسيما الإسلامية منها، وتساقط الممارسات القيمية في المنظومة الأخلاقية لدى العديد من الجماعات الإسلامية التي انتحلت التمثيل الإلهي لمبادئ الإسلام وقيمه الأخلاقية. والأثر السيء الذي خلفته تلك الممارسات الأخلاقية السلبية على واقع المجتمعات، والإخلال بأمنها، وصيرورتها، وقيمها الحياتية، ومقومات سلمها وتعايشها، وتكاتفها، واستقرارها.
وما يعنينا هو التساؤل حول تحديد منزلة الأخلاق في حياة المجتمعات والأفراد. ويمكن أن يسري هذا على سائر الأديان والايديولوجيات، وعلى كل الأفراد، سواء كان مؤمناً أم ملحداً. وهل تنحصر الأخلاق في كونها مجموعة مبادئ تتعلق بمجال جزئي أو هامشي في حياة البشرية.
الدراسات السابقة
هناك العديد من العلماء والمفكرين الإسلاميين وغيرهم من القدماء والمحدثين، كانت لهم اهتمامات بدراسة وتدوين كتب وموسوعات تهتم بالأخلاق كإحياء علوم الدين واخلاق النبي ومكارم الاخلاق والمدينة الفاضلة وغيرها من الكتب. ومن الموسوعات الحديثة موسوعة نظرة النعيم وموسوعة الاخلاق. وهناك العديد من الدراسات التي اهتمت بدراسة اغلب الجوانب العلمية والمعرفية والاجتماعية وعلاقتها بالأخلاق كعلم السياسة والاجتماع والاقتصاد ….الخ.
كما لا يخفى أن هناك بعض الدراسات التي اعتنت بالسلم المدني والأمن الاجتماعي بمفردات معينة أو بخصوصيات ذات شأن محدد، إلا انني لم أجد دراسة أو بحث أو كتاب اهتم بدراسة موضوع المقومات الاخلاقية للسلم المدني، ومن هنا جاءت ورقتنا لطرح بعض الإشكاليات التي تعنى بهذا الجانب:
• الفهم الجزئي والانتقائي لأسس ومبادئ الإسلام التي تبنى عليها المنظومة الأخلاقية.
• الابتعاد عن المنهج المقاصدي الأخلاقي الذي يشكل جانباً مهماً من جوانب الشريعة الإسلامية. ويلعب دوراً اساسياً في سلامة المجتمعات والحفاظ على امنها واستقرارها.
• الادعاءات اللامبررة والتخويل المزعوم للتمثيل الإلهي لدى العديد من الجماعات الإسلامية، في جوانب متعددة من جوانب الإسلام ولاسيما المنظومة الأخلاقية في الواقع الاجتماعي. وأثر ذلك على السلم المدني المجتمعي.
• حالة الاستلاب والانهيار لقيم المنظومة الاخلاقية التي تعيشها المجتمعات الإسلامية، لبعدها الفكري والقيمي عن المفاهيم الصحيحة التي جسدها العصر النبوي. وما خلفته من آثار سيئة على أمن وسلامة المجتمعات.
• الادعاءات الطوباوية التي تبنتها بعض الجماعات الإسلامية في أدبياتها ونظرياتها، ومخالفة ذلك في الواقع التعايشي للمجتمعات. وما خلفته من أثار سيئة على الأمن الاجتماعي والسلم المدني لبعض المجتمعات العربية والإسلامية وغيرها من مجتمعات العالم.
المبحث الأول
المقومات الأخلاقية والسلم المدني المصطلح والمفهوم.
تعد الأخلاق أحد مقومات الشخصية الإنسانية، فالإنسان جسد وروح، ظاهر وباطن، والأخلاق تمثل صورة الإنسان الباطنة، والتي محلها القلب، وهذه الصورة الباطنة هي قوام شخصية الإنسان على اختلاف دينه ومذهبه واتجاهه ومعتقده، ومن هنا كان لابد لهذه الأخلاق من مقومات اساسية تستند عليها لتتحول بعد ذلك إلى سلوكيات تعاملية بين أبناء المجتمع.
وعند العودة إلى أصل مقومات في المعاجم العربية نجدها تأتي من جمع مُقوِّم اسم فاعل من قوَّمَ: من يعطي قيمة لعمل أو شخص أو مجموعة ولذلك يقال مقومات الحياة: عناصرها وعواملها الأساسية التي بها تقوم مقومات العمران.
أما الأخلاق: جمع خُلُق ففي لغة العرب: هو الطَّبْع والسجيَّة، وقيل: المروءة والدِّين، قال العلامة ابن فارس: “الخاء واللام والقاف أصلان: أحدهما تقدير الشيء، والآخر ملامسة الشيء. فأما الأول، فقولهم: خَلَقتُ الأديمَ للسقاء، إذا قدَّرتَه، ومن ذلك: الخُلُق وهي السجية؛ لأن صاحبه قد قُدِّر عليه( ). وقال الفيروزآبادي: “الخُلق: بالضمِّ، وبضمتين: السجية والطَّبع، والمروءة والدين( ). وقال ابن منظور: “الخُلُق: الخليقة؛ أعني: الطبيعة، وفي التنزيل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾( ). والجمع: أخلاق، لا يُكسَّر على غير ذلك. والخُلْق والخُلُق: السَّجيَّة – يقال: خالِصِ المؤمن وخالِقِ الفاجر.
أما الأخلاق شرعاً : فعند النظر والاستقراء لنصوص الشارع تجد أن الاستخدامَ الشرعي للفظ “الخُلُق”، لم يختلف كثيرًا عن الوضع اللغوي لهذه الكلمة. فقد جاءت كلمة الخُلُق في القرآن في موضعين:
الأول: قوله تعالى على لسان قوم هود: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ﴾( ). أي: ما هذا الذي جئتنا به إلا عادة الأولين يُلفِّقون مِثْلَه ويدعون إليه، أو ما هذا الذي نحن عليه من الحياة والموت إلا عادة قديمة لم يزل الناس عليها، أو ما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا عادة الأولين الذين تقدَّمونا من الآباء وغيرهم( ). فخُلُق الأولين هنا بمعنى دِينهم وعادتهم وأخلاقهم ومذهبهم، وهذا مرويٌّ عن ابن عباس وقتادة( )، والفرَّاء وابن الأعرابي ومحمد بن يزيد وغيرهم y( ).
الثاني: قوله جلَّ وعلا مخاطبًا سيد الخَلْق محمدًا صلى الله عليه وسلم ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾( ). قال الطبري: “يقول – تعالى ذِكْره – لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: وإنك يا محمد، لعلى أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدَّبه به، وهو الإسلام وشرائعه، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، ثم نقَل عن ابن عباس ومجاهد وابن زيد والضحاك قولهم في تفسير: ﴿ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾؛ أي: دين عظيم، وهو الإسلام( ). وقال الماوردي: أي إنك على طَبْع كريم( ).
أما الأخلاق في الاصطلاح :فتُطلَق باعتبارين: أحدهما عام، والآخر أخص منه:
فمن العام ما ذكره الإمام الغزالي حين عرَّف الخُلُقَ بقوله: “الخُلُق عبارة عن هيئة في النفس راسخة، عنها تَصدُر الأفعال بسهولة ويُسرٍ من غير حاجة إلى فِكْر ورويَّة( ). فالأخلاق: هيئة ثابتة راسخة مُستقِرة في نفْس الإنسان غير عارضة طارئة، فهي تُمثِّل عادة لصاحبها تتكرَّر كلما حانت فرصتها، فإن كان الصفة عارضة فليست جديرة بأن تُسمَّى خُلُقًا، فمَن بذل المال مرة أو مرتين لا يقال: إنه كريم سخي، كما ينبغي عدم التكلف في صدور الفعل بحيث يَصدُر بشكل تلقائي من غير تردُّد وبصورة عَفْوية، لا تخضع للحساب والمراجعة وتقليب الرأي وإعمال الفِكر، ولا يُقصَد بذلك أن يكون العمل لا إراديًّا، وإنما المقصد أنه من شدة تلقائيَّة العمل وتَسارُع أدائه تكون مساحة التفكير في الأداء ضئيلة، بحيث تتلاشى أمام تسارع العمل.
وينبغي التنبه إلى أن الصفات المستقرة في النفوس ليست كلها من قبيل الأخلاق، بل منها غرائز ودوافع لا صِلَة لها بالخُلُق، ولكن الذي يَفصِل الأخلاق ويُميِّزها عن جنس هذه الصفات كون آثارها في السلوك قابلةً للمدح أو للذم، فبذلك يتميَّز الخُلُق عن الغريزة ذات المطالب المكافئة لحاجات الإنسان الفطرية، فإن الغريزة المعتدلة ذات آثار في السلوك، إلا أن هذه الآثار ليست مما يُحمَد الإنسان أو يُذَم عليه( ). وبهذا الإطلاق يشمل الخُلُق الحسن والقبيح، والمحمود والمذموم، وإن كان يَغلِب إذا أُطلِق عن التقييد إلى الخُلُق الحسن. قال الطاهر بن عاشور: ((خُلُق بضمتين: فهو السجيَّة المتمكِّنة في النَّفْس، باعثة على عمل يُناسِبها من خير أو شر، وقد فسِّر بالقوى النفسية، وهو تفسير قاصر، فيشمل طبائع الخير وطبائع الشر؛ ولذلك لا يعرف أحد النوعين من اللفظ إلا بقيد يُضَم إليه فيقال: خُلق حسن، ويقال في ضده: سوء الخُلُق، أو خُلُق ذميم، فإذا أُطلِق عن التقييد انصرف إلى الخُلُق الحسن”، ثم قال: “والخُلُق في اصطلاح الحكماء: مَلَكة؛ أي: كيفية راسخة في النفس؛ أي: متمكِّنة في الفِكْر، تَصدُر بها عن النفس أفعالُ صاحبها بدون تأمُّل. فخُلُق المرء مجموعة غرائز أي: طبائع نفسية مؤتلِفة من انطباع فِكْري إما جِبِلي في أصل خِلْقته، وإما كَسْبي ناشئ عن تَمرُّن الفِكر عليه وتقلُّده إياه لاستحسانه إياه عن تَجرِبة نفْعه، أو عن تقليد ما يُشاهِده من بواعث محبة ما شاهد، وينبغي أن يُسمَّى اختيارًا من قول أو عمل لذاته، أو لكونه من سيرة مَن يحبه ويقتدي به، ويُسمَّى تقليدًا، ومحاولته تُسمَّى تخلُّقًا))( ).
ولقد وردت لفظة الأخلاق في السنة النبوية كثيراً فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((البر حسن الخلق))( ). حُسْن الخُلُق هو التخلق بأخلاق الشرعية، والتأدب بآداب الله التي أدَّب بها عبادَه في كتابه.
ويمكن أن نتوصل إلى أن المقومات الاخلاقية كمصطلح متكامل: تعني تلك الأسس والعناصر الإيمانية والروحية والمعنوية التي تبنى عليها الأخلاق، لتكون بعد ذلك حوافز ودوافع نحو تطبيق واقعي للأخلاق والسلوكيات التي يمكن أن يتعامل بها الفرد في واقعه الاجتماعي.
والسلم في اللغة: من سلم: السَّلامُ والسَّلامَةُ: الْبَرَاءَةُ. وتَسَلَّمَ مِنْهُ: تَبَرَّأَ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: السَّلامة الْعَافِيَةُ، والسَّلامةُ شَجَرَةٌ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً، مَعْنَاهُ تَسَلُّماً وَبَرَاءَةً لَا خَيْرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ولا شر، هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ وَزَعَمَ أَن أَبا رَبِيعَةَ كَانَ يَقُولُ: إِذا لقيتَ فُلَانًا فَقُلْ سَلاماً أَي تَسَلُّماً، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ سَلامٌ أَي أَمري وأَمرك المبارأَة والمُتاركة. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قالُوا سَلاماً أَي قَالُوا قَوْلًا يتسَلّمون فِيهِ لَيْسَ فِيهِ تَعدٍّ وَلَا مَأْثم، وَكَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُحَيُّونَ بأَن يَقُولَ أَحدهم لِصَاحِبِهِ أَنْعِمْ صَبَاحًا، وأَبَيْتَ اللَّعْنَ، وَيَقُولُونَ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ، فكأَنه عَلَامَةُ المُسالَمَةِ وأَنه لَا حَرْب هُنَالِكَ، ثُمَّ جَاءَ اللَّه بالإِسلام فَقَصَرُوا عَلَى السَّلَامِ وأَمروا بإِفْشائِهِ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: نَتَسَلَّمُ مِنْكُمْ سَلَامًا وَلَا نُجاهلكم، وَقِيلَ: قالُوا سَلاماً أَي سَداداً مِنَ الْقَوْلِ وقَصْداً لَا لَغْو فِيهِ. وَقَوْلُهُ: قالُوا سَلاماً السَّلامُ وَالتَّحِيَّةُ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَمَعْنَاهُمَا السَّلامَةُ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ. والسِّلْمُ، بِالْكَسْرِ، السَّلامُ والسَلم والسِلم: الصلح وتسالموا: تصالحوا( ).
والسلم المدني بمفهومه يطلق عليه السلم الاهلي أو الامن الاجتماعي كذلك فمعناه: يتمثل في أقصى إشباع ممكن لاحتياجات الجماهير في إطار العدالة الاجتماعية التي تنبذ الصراع بين فئات المجتمع، وتوفر المناخ الملائم لكي يعيش المجتمع في إطار مقبول من التقبل والتعاون والشعور بالأمن والسلام الاجتماعي، الأمر الذي يؤدي إلى ترتيبه الولاء والانتماء للمجتمع، آخذين بعين الاعتبار تحقيق التوازن بين استمرارية هذه الإشباعات، وما تفرضه عوامل التغيير الاجتماعي من تحوّلات جذرية( ) .
المبحث الثاني
ألبناء المفاهيمي للمنظومة الأخلاقية والسلم المدني في السنة النبوية.
اتسمت كل أمة من الأمم بقيم أخلاقية يعتدُّون بها ويرونها فضائل مثلى يتعاملون بها تساعدهم في تنظيم حياتهم ورفعة شأنهم، ويمكننا القول أن الأمة العربية هي أول الأمم التي فطرت بقيم أخلاقية رفيعة، تميزت بها عن غيرها من الأمم. فمن رحمها بعث النبي صلى الله عليه وسلم الذي وصفه الباري ((وانك لعلى خلق عظيم))( ). اذ كان للمحيط العربي الذي عاش فيه الأثر الأمثل في اكتسابه العديد من عناصر منظومة الأخلاق العربية، فجاء قوله عليه الصلاة والسلام ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))( ). اثباتاً منه عليه الصلاة والسلام للبناء الأخلاقي العربي الذي تمتد جذوره عبر ألاف السنين.
ولذا فالنظام الأخلاقي عند الإنسان العربي قبل الإسلام يشكل قاعدة اساسية، ينطلق من خلالها لتنظيم حياته، بكل جوانبها الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، حتى راحوا يتفاخرون بمكارمها في مجالسهم ونواديهم، ويزدرون من سفاسفها.
ولقد انتشرت بينهم تلك القيم الأخلاقية الرفيعة والخلال الحميدة انتشاراً واسعاً، عجت بها اشعارهم، وسارت فيها أخبارهم، فكان من هذه الخلال ما اجتمعوا عليه أو كادوا، ومنها ما تحلى بها الكثير منهم.
حتى اصبحت القيم الأخلاقية عند العرب قبل الإسلام نظاماً مفاهيمياً واسع الانتشار له محدداته ومفاهيمه وأسسه ومنطلقاته الثابتة التي لا يمكن اختراقها أو مخالفتها، لتصبح بعد ذلك عرفاً سائداً وثقافة اجتماعية لدى كافة طبقات المجتمع، لا يختص ذلك بفئة دون اخرى. وكان لذلك النظام الأخلاقي التزامات لضبط السلوك الفردي والجماعي في المجتمع، حيث اصبح الخضوع لقيمه ارادياً دون اكراه، فساهمت تلك القيم بنوع من الاستقرار الاجتماعي، حتى اذا ضعف الالتزام الأخلاقي بدأت المشاكل والمتاعب وبدأ الشك بالقيم والثقافة المحلية، ليصبح تحقيق الذات وحيازة الاعتراف الاجتماعي متعارض مع احترام القواعد الأخلاقية السائدة، وعندها يكون تأثير القيم والضبط الاجتماعي قد ضعفا كثيراً، ولم يعد ضبط سلوك الأفراد هيناً بل عسيراً.
وحين جاء الإسلام عزز تلك القيم والمفاهيم الأخلاقية السائدة في المجتمع العربي وربط بين القيمة والسلوك وجعل الأخلاق هي القاسم المشترك بين أوجه الحياة المختلفة اجتماعية وسياسية وتربوية وقانونية، ليجعل أداء العمل المنضبط واجباً محتماً، كما ان تجنب العمل الضار واجباً حتمياً.
ومن هنا نجد أن القيم الأخلاقية في الإسلام ثابتة لا تتغير كونها صالحة لكل زمان ومكان، حتى اصبح ثبات تلك القيم قاعدة من قواعد الإسلام تؤدي بعد ذلك إلى ثبات الأخلاق التي تشكل اعمدة البناء السلوكي بين أبناء المجتمع الواحد على اختلاف اديانهم واعراقهم ومذاهبهم والوانهم واشكالهم.
فالأخلاق في الإسلام هي الدعامة الأولى في حفظ كِيان الأمم، ومن هنا كانت عناية الإسلام بالأخلاق تفوق كل عناية، وحين يؤكد على بقاء الأمم وازدهار حضارتها، فإنما يكون ذلك من خلال العناية بأخلاقها، فإذا سقطت الأخلاق سقطت الدولة معها، وبهذا يُعد الخلق القوي هو الضمان الخالد لكل حضارة.
لذا نجده صلى الله عليه وسلم كرس المفاهيم الأخلاقية في المجتمع وعزز من قيمها التي كانت سائدة، ليضمن تواصل ابناء المجتمع من خلال الفهم الصحيح لتلك القيم الأخلاقية التي جاءت بها الأديان السماوية جميعها، فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لِأَخِيهِ: (( ارْكَبْ إِلَى هَذَا الوَادِي فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، يَأْتِيهِ الخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي، فَانْطَلَقَ الأَخُ حَتَّى قَدِمَهُ، وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ))( ). ولاسيما أن مجتمع المدينة المنورة متعدد الاعراق، والاديان، والثقافات، بين يهود وعرب.
أما السلم المدني (الأهلي) والأمن الاجتماعي فهو ذا دلالة واحدة تعني الرفض على الدوام لكل أشكال التقاتل، أو مجرد الدعوة إليه أو التحريض عليه، أو تبريره، أو نشر ثقافة تعتبر التصادم حتمياً بسبب جذورية التباين، والعمل على تحويل مفهوم الحق بالاختلاف إلى أيديولوجية الاختلاف والتنظير لها ونشرها.
ولا بد أن ينطلق العمل في سبيل إرساء السلم المدني الدائم من قاعدة اختبارية معايشة وعملية، وهي أن الحرب الأهلية أو الداخلية في أي مجتمع من المجتمعات هي الشر المطلق، وذلك أياً كانت الأهداف أو القضية التي تتلبّس بها هذه الحرب أو تسعى للدفاع عنها؛ لأن هذا النوع من الحروب في الواقع الدولي هو مصدر شرور أخرى داخلية وإقليمية ودولية، فتتحول الحرب الأهلية إلى حرب من أجل الآخرين.
ومن هنا وجدناه عليه الصلاة والسلام رسخ المفاهيم والقيم الأخلاقية لتدعيم وتعزيز السلم المدني في مجتمع المدينة المنورة على اختلاف اعراقهم واديانهم، وتمكن من توظيفها كأدوات تعايش وتواصل بين أبناء المجتمع، فعظمة ذلك المجتمع وأنموذجيته تكمن بأكثر ما يكون في التوافق والانسجام بين المبادئ الأزلية المطلقة من ناحية والتطبيق السياقي الواسع التفصيل من جانب النبي صلى الله عليه وسلم ومجتمعه من ناحية اخرى. ولذلك أصبح ذلك الأنموذج التاريخي مرجعاً لأن صانعيه استطاعوا إيجاد الانسجام بين المثل العليا والممارسات العملية. فالتمييز بين المبادئ والنماذج يستدعي ضمير المسلمين، ويطلب منهم إعمال فكرهم وإبداعهم في بناء أنموذج مجتمعي، في كل لحظة من لحظات التاريخ بصرف النظر عن البيئة التي يعيشون فيها. والغرض الأساس هنا ليس محاكاة النماذج التاريخية التي توصلوا إليها، ولكن إعادة إنتاج المطلب الأخلاقي الذي يعزز السلم المدني والجهود الإنسانية التي من خلالها تم بناء ذلك الأنموذج. وهذا لا يعني بالضرورة تكرار شكله وإنما استيعاب حقيقته وروحه وأهدافه( ).
وتمكن صلى الله عليه وسلم من وضع أسس رصينة لبناء علاقات اجتماعية نموذجية واشاعة روح التسامح والوئام بين أبناء مجتمعه، من خلال ممارسات أخلاقية وسلوكية، تعزز جوانب سلمية المجتمع وتعايشه، رغم تعدد شرائحه، وتنوع معتقداته، وذلك من خلال ثلاثة معطيات:
صحيفة المدينة: حين هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة (يثرب سابقاً) بدأت مرحلة حاسمة في تاريخ الإسلام ودعوته، فالمدينة المنورة عشية وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمت مزيجا إنسانيا متنوعاً من حيث الدين والعقيدة، ومن حيث الانتماء القبلي والعشائري، ومن حيث نمط المعيشة، ففيهم المهاجرون، وفيهم الأوس والخزرج، والوثنيون من الأوس والخزرج، واليهود من الأوس والخزرج، وقبائل اليهود الثلاثة بنو قينقاع، و بنو النظير و بنو قريضة، والأعراب الذين يساكنون أهل يثرب، والموالي والعبيد، والأحلاف. فعمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى وضع وثيقة هدفها الأساس تنظيم العلاقات الاجتماعية والدينية بين تلك الفئات المختلفة المتواجدة في المدينة المنورة، حيث لم يتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سياسة الابعاد والتهجير والمصادرة والخصام، فَقَبِلَ عن طيب خاطر وجود اليهود وبعض الجماعات العربية التي بقيت على دين الوثنية، وعرض على الفريقين أن يعاهدهم معاهدة الند بالند على أن له دينه ولهم دينهم من خلال بنود تلك الوثيقة.
فلقد نظمت تلك الوثيقة علاقة الأفراد فيما بينهم وعلاقة الأفراد بالدولة والمجتمع المحيط بهم، ولعل من أهم ما جاء فيها ترسيخ قيم العدالة – والذي يعد من أهم المقومات الاخلاقية في تفعيل السلم المدني والأمن الاجتماعي – التي اتسمت بها معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود. يقول المستشرق جيورجيو: ((حوى هذا الدستور اثنين وخمسين بندا، خمسة وعشرون منها خاصة بأمر المسلمين، وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولاسيما اليهود وعبدة الاوثان. وقد دُوّن هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى العيش مع المسمين بحرية، ولهم أن يقيموا شعائرهم حسب رغبتهم، ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء))( ).
ومن اصول وأسس معطيات السلم المدني التي جاءت بها وثيقة المدينة: حماية أهل الذمة والأقليات غير الإسلامية ( حماية الاقليات) التي تتعايش والمجتمعات الاسلامية: ((وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصر عليهم)) ( ). وهو أصل أصيل في رعاية أهل الذمة، والمعاهدين، أو الأقليات غير الإسلامية التي تخضع لسيادة الدولة وسلطان المسلمين .. فلهم – إذا خضعوا للدولة – حق النصرة على من رامهم أو اعتدى عليهم بغير حق سواء من المسلمين أو من غير المسلمين، من داخل الدولة أو من خارجها. كما كفلت حرية الاعتقاد لكل شرائح المجتمع على اختلاف اديانهم ومنحتهم حرية ممارسة الشعائر التعبدية ((وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، ومواليهم وأنفسهم إلا من ظلم نفسه وأَثِم فإنه لا يوتغ (يهلك) إلا نفسه وأهل بيته))( ). وضمنت الصحيفة حق السلم والأمن الاجتماعي والمدني لكافة شرائح المجتمع ((إنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم وأثم، وإن الله جار لمن بر واتقى))( ).
التوجيه والتربية القولية: عند العودة إلى دراسة نصوص السنة النبوية نجد أن هناك العديد من النصوص والتوجيهات النبوية التي دعت إلى السلم المدني وبناء علاقات رصينة بين ابناء المجتمع الواحد على اختلاف اديانهم واعراقهم ومذاهبهم، من خلال تفعيل المقومات الأخلاقية والسلوكية التي يتعاملون بها. فالوحي المنزل الذي أمن المسلمون بأنه كلام المولى، يخبرنا عن معاني الشريعة والأخلاق والسوك الحسن – الذي من شأنه أن يوظف لعلاقات مجتمعية سلمية نموذجية –وهذه العلاقة بالمصادر النصية خاصة للغاية: فهي تصوغ القلوب والعقول على أساس من الإيمان الذي تبثه، وتوجه تلقي النصوص وسلوك المتلقين له في الكون والبشرية( ).
ففي حجة الوداع أكد صلى الله عليه وسلم على أبناء المجتمع الإسلامي كوحدة متكاملة والتي لابد أن يسودها السلم والأمان وغلّظ على من يخرق الأمن أو السلم ويتجاوز على حقوق الآخرين بأنفسهم أو أمواهم أو أعراضهم، فبدأ بسؤالهم عن شهرهم وبلدهم ويومهم، ليشعرهم بأهمية الأمر الذي سيرشدهم أليه ويحذرهم من ارتكابه فسألهم: «أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟» ، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ” فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ – قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ – حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا – أَوْ ضُلَّالًا – يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلِّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ “، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟»( ). قال الإمام النووي رحمه الله: ((الْمُرَادُ بِهَذَا كُلِّهِ بَيَانُ تَوْكِيدِ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ ذَلِكَ))( ). ويعد هذا الأمر أساساً وقاعدة من أسس وقواعد السلم المدني والأمن الاجتماعي بين كافة المجتمعات البشرية على اختلاف أعراقهم واديانهم ومذاهبهم وافكارهم.
فقضايا الأخلاق ومسائلهُ لاتقف فقط عند منطق العلاقات الإنسانية في النص الشريف ولكن تتعدى إطار المصادر النصية إلى حيز التقاليد القديمة والميراث الثقافي الذي لايزال متأصلاً في مجتمعاتنا لشدة حساسيته( ). ولذلك وجه عليه الصلاة والسلام أبناء المجتمع بقوله: ((أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ))( ). ترسيخاً منه صلى الله عليه وسلم لأولى مقومات المجتمع وسلامته من كل ما يخل بأمنه وسلامته.
وجعل صلى الله عليه وسلم المسلمين اخوة مهما تعددت اعراقهم وتباعدت المسافات بينهم، حيث تربطهم العقيدة الواحدة، والهدف الواحد، والمبادئ المتفق عليها، فقال عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة ((لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ))( ). فهو صلى الله عليه وسلم نهاهم عن كل ما من شأنه أن يولد بينهم الأحقاد والبغضاء والعداوات ويمزق لحمتهم ويخرق أمنهم وسلمهم، ويشتت حياتهم الاجتماعية. حتى انه صلى الله عليه وسلم جعل سبباً من اسباب تعجيل العقوبة الدنيوية من الله للمسلم هو خرقه للسلم المدني والتجاوز على حقوق الآخرين وحرياتهم، واشاعة روح الفوضى في المجتمع، مما سيكون له الأثر السيء على أمنهم واستقرارهم فقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة ((مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ))( ).
ورغب الناس بإشاعة روح الإصلاح ونبذ التخاصم والتناحر، وجعل ذلك أعلى من درجة الصيام والقيام والصدقة، حرصاً منه صلى الله عليه وسلم على وحدة المجتمع وأمنهم ولحمتهم فقال: ((أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ))( ). كما انه رخص لمن يسعى في الحفاظ على لحمة المجتمعات، وتوحيد صفوفهم ونبذ العنف بينهم بالكذب بين من تخاصم منهم لأجل سلامتهم وسلامة أمنهم الاجتماعي فقال: ((لَمْ يَكْذِبْ مَنْ نَمَى بَيْنَ اثْنَيْنِ لِيُصْلِحَ))( ). ورفض معاملة الند لمن عرف بالغلظة والفحش، وأظهر له اللين في القول والسلوك، مخافة إعلانه لفحشه وإثارة روح الفوضى في المجمع فلقد ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((اسْتَأْذَنَ رجلٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ، فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ» فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ؟ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ))( ).
وندد عليه الصلاة والسلام بمن يشارك القوم في غوغائيتهم وعدم مبالاتهم بالحفاظ على أمن مجتمعهم، وسلامة أوطانهم، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا ذَرٍّ» ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قال: «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ يَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ؟» يَعْنِي الْقَبْرَ، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، – أَوْ قَالَ: مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ -، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ» – أَوْ قَالَ: «تَصْبِرُ» – ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا أَبَا ذَرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا رَأَيْتَ أَحْجَارَ الزَّيْتِ قَدْ غَرِقَتْ بِالدَّمِ؟» قُلْتُ: مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ، قَالَ: «عَلَيْكَ بِمَنْ أَنْتَ مِنْهُ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا آخُذُ سَيْفِي وَأَضَعُهُ عَلَى عَاتِقِي؟ قَالَ: «شَارَكْتَ الْقَوْمَ إِذَنْ» قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «تَلْزَمُ بَيْتَكَ»، قُلْتُ: فَإِنْ دُخِلَ عَلَيَّ بَيْتِي؟ قَالَ: «فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِهِ))( ).
وعند العودة إلى قراءة الجوانب الجهادية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ودراسة غزواته وسرايه التي كان يوجهها إلى القبائل والمجتمعات في الجزيرة العربية ومحيطها، نجد أن هناك مبالغات في الفهم الصحيح والدقيق للمعنى المقاصدي لهذه الغزوات، حتى ذهب بعض المؤرخين والمفكرين يمجدونها ويصفونها بالانتصارات على الأمم والشعوب – مما ولد الإحساس بالشعور العدائي لدا الآخر – ونسوا أو تناسوا الطابع الدعوي العام والمقصد الأساس لها، ولا نجد أبلغ من ذلك بموادعة الأمم والمجتمعات ونبذ العنف القسري واكراه الناس على ما لا يرغبون به من قوله عليه الصلاة والسلام ((دَعُوا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ، وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ))( ). ثم نجد طبيعة التوجيهات النبوية لجنوده وجيوشه بعدم التجاوز على الأخرين بأي شكل من الأشكال، وايجاب المحافظة على أمنهم واستقرارهم وسلامة مجتمعاتهم فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ – أَوْ خِلَالٍ – فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ))( ).
وشدد الوعيد لمن تجاوز على معاهد، بأي شكل من الأشكال، وبأي صورة من الصور، سواء كان عهده مع الأفراد أو الحكومات القائمة، لحرصه صلى الله عليه وسلم على عدم اراقة الدماء، والحفاظ على سلامة وأمن المجتمعات من كل اشكال العنف والاضطراب وعدم الاستقرار فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا))( ). وقال صلى الله عليه وسلم ((أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))( ). وهنا نجده عليه الصلاة والسلام شدد على من تجاوز على الآخر المخالف بالدين والمعتقد والفكر والتصور، باعتباره يشكل جزءا مهماً من أجزاء المجتمع، وله الحق في العيش بسلام وأمان وممارسة شعائره وطقوسه التعبدية بحرية. فلابد من تفعيل الأسس والمقومات الأخلاقية بين أبناء المجتمع الواحد بغض النظر عن أعراقهم أو اديانهم أو معتقداتهم، ليعيش الجميع بأمن وسلام.
السلوكيات العملية في الواقع الاجتماعي: مما لاشك فيه أنه (صلى الله عليه وسلم) تعامل مع كل أبناء مجتمعه على اختلاف اعراقهم واديانهم ومذاهبهم وتوجهاتهم بسلوكيات راقية ومتحضرة، وتمكن من اشاعة روح الوئام والتفاعل والسلام بين مكوناته المتباينة، من خلال تصرفاته وسلوكياته، التي كان لها الأثر الأكبر في تفعيل السلم المدني بين تلك الشرائح، ونبذ العنف الذي من شأنه أن يفتت لحمة المجتمع. وهناك العديد من الأحداث والمواقف والسلوكيات الإيجابية التي مارسها النبي (صلى الله عليه وسلم) مع الأخر المخالف بين أوساط مجتمعه والتي تضفي روح الوئام والسلام وتعزز من تفاعلات السلم المدني بين أبناء المجتمع رغم تباينهم الديني والعرقي والفكري. فعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ: ((كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ» ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ (صلى الله عليه وسلم) ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) وَهُوَ يَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ))( ). ويمكننا استنتاج جملة من الأمور من هذا النص، الأول: أن هذا الغلام عمل عند النبي عليه الصلاة والسلام مدة زمنية كافية لتكوين علاقات ودية بين النبي (صلى الله عليه وسلم) وبين الغلام واهله تمكنا من خلالها التعرف على سلوكياته (صلى الله عليه وسلم) مما حدى بالأب أن يشير إلى ابنه بطاعة النبي (صلى الله عليه وسلم) والأمر الثاني: يبدو واضحاً من خلال سياق النص أنه (صلى الله عليه وسلم) لم يجبر الغلام على اعتناق الإسلام طيلة مدة خدمته له، وان الدافع في عرض الإسلام عليه حالة وفاته كان حرصه (صلى الله عليه وسلم) على دخوله الجنة. فكل هذه المعطيات توكد أن سلوكيات النبي عليه الصلاة والسلام بين أبناء مجتمعه على اختلافهم وتباينهم كانت تعزز من قيم السلم المدني وتؤكد روابط الوئام والتفاعل الحضاري بين أبناءه.
ومن تعاملاته (صلى الله عليه وسلم) التي دلت على الوئام الاجتماعي الذي كان يتعامل به مع كافة أبناء المجتمع وفئاته المتباينة، لا يفرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم، أنه عليه الصلاة والسلام باع واشترى ورهن مع غير المسلمين بما فيهم اليهود في المدينة، ومما لاشك فيه أن مثل هذه التعاملات تحتاج إلى محاكاة معينة بين الطرفين يتوصلا من خلالها إلى قناعات أخلاقية ينتج عنها هذا التعامل. فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: ((تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ))( ).
ولا نكاد نجد أدل على سلوكيات النبي عليه الصلاة والسلام السلمية، وحفاظه على أمن المجتمع وسلامته ووحدته ورفض كل معطيات العنف أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، قَالَ: حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَإِذَا فِي المَجْلِسِ أَخْلاَطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَاليَهُودِ وَالمُسْلِمِينَ، وَفِي المَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا غَشِيَتِ المَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لاَ تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) عَلَيْهِمْ، ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَيُّهَا المَرْءُ إِنَّهُ لاَ أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ، إِنْ كَانَ حَقًّا فَلاَ تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجْلِسِنَا، ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، فَاسْتَبَّ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ وَاليَهُودُ، حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَنُوا، ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم)دَابَّتَهُ فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم): ” يَا سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟ – يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ – قَالَ: كَذَا وَكَذَا “، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ عَنْهُ، فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ، لَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ البُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ بِالعِصَابَةِ، فَلَمَّا أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ بِالحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ، فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)، وَكَانَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم)وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ المُشْرِكِينَ، وَأَهْلِ الكِتَابِ، كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الأَذَى))( ).
فكان بإمكانه عليه الصلاة والسلام أن يتعامل بالند مع من آذاه كعبدالله بن ابي بن سلول زعيم المنافقين الذي أظهر له العداوة والبغضاء مرات عديدة إلا أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يتجاوز تلك المواقف بالصبر، والعفو والصفح والتسامح، ويقابل الإساءة بالإحسان والقبول والتعايش، انطلاقاً من إيمانه بالسلم المدني والأمن الاجتماعي وحفاظاً على وحدة وأمن المجتمع. فلم يرو عنه يوماً أنه قابل المسيء بإساءته، ولكن بالعفو والصفح عنه، والإحسان اليه، والدعاء له بالهداية والخير، فعَنْ فَضَالَةَ بن عَمْرو قَالَ: ((أَرَدْتُ قَتْلَ النَّبِيّ (صلى الله عليه وسلم) عام الفتح هو يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَلَمّا دَنَوْتُ مِنْهُ قَالَ: أُفَضَالَةُ؟ قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ (مَا كُنْتَ تُحَدّثُ بِهِ نَفْسَكَ؟) قلت: لا شئ، فَضَحِكَ وَاسْتَغْفَرَ لِي وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي فَسَكَنَ قَلْبِي، فو الله مَا رَفَعَهَا حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ))( ). فكل هذه المعطيات التي رسخها عليه الصلاة والسلام في المجتمع المدني أكدت على حرصه الشديد على سلامة وأمن المجتمع، ورسم الأنموذج الأمثل للعلاقات والسلوكيات التي ينبغي على كل أبناء المجتمعات أزمانهم ولاسيما الإسلامية من التمثل بها.
المبحث الثالث
تداعيات الانهيار للقيم الأخلاقية في المجتمعات الإسلامية المعاصرة وانعكاساتها على السلم المدني.
مما لاشك فيه أن جدارَ الأخلاق بدأ ينشقُّ وينهار، ويتداعى على رؤوسِ المفكرين والمصلحين ممن لهم غيرة على المجتمع، وليس الحدثُ بجديد، وبدأ يتسارعُ متهاويًا في الآونة الأخيرة؛ وذلك لأنَّ ثمارَ المجهودات الإفسادية والتدميرية والتخريبية قد بدأت تنضجُ وتؤتي أكلَها، وربما سيؤولُ وضع المجتمع لما آلت إليه الأوضاعُ في الدولِ التي سبقتنا في تجربةِ الانهيار والتآكل الأخلاقي والأسري.
ومن الضروري أن نعي أنَّ للفسادِ قوة جذب خطيرة وقوية، اكتسبت هذه القوة والجاذبية، من كثرةِ العوامل الإفسادية والإنحرافية الطَّاغية، السائرة في خط متواز مع التنشئةِ الاجتماعية؛ في الأسرةِ والمدرسة والإعلام والمجتمع، فيجد المرءُ نفسَه متورطًا في وحلِها، يصعبُ عليه التخلص منها، فالفسادُ يسكن المجتمعَ على نحوٍ عجيب، حتى كاد يُخال للنَّاسِ حقَّا ومعروفًا، يذود عنه الذائدون، وينافحُ عنه المنافحون من حيثُ يشعرون أو لا يشعرون. وحين يصاب مجتمع بالشلل الأخلاقي؛ فإنه يفقد فاعليته العقلية والاجتماعية، مع أن إمكاناته الحضارية قد تكون في نمو وتوسع – تضبط سلوك الفرد من الداخل؛ فالخلق الكريم يمنع صاحبه من الإضرار بنفسه أو بمجتمعه،
وإن أعظم المعارك يتم خوضها وحسمها داخل النفس، ففيها تصنع الانتصارات والهزائم الكبرى، وأساس النجاحات الشخصية نجاح خلقي في المقام الأول، فالأخلاق سبب للسعادة في الدنيا، بالنسبة للفرد ومجتمعه الذي يعيش فيه، فصاحب الخُلق الحسن يحب الناس ويحبونه، ويتمكن من إرضاء الناس فتلين له المصاعب، وينجح في أعماله ووظائفه، ويترقى بسببها لأعلى الدرجات، وحُسن الخُلق جعله النبي (صلى الله عليه وسلم) وسيلة من وسائل السلم المدني والوئام الاجتماعي حين قال ((أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ))( ). ومما لاشك فيه أن الخلق لا يمكن أن يدل على صاحبه إلا حين يحول إلى ممارسة عملية واقعية تعايشيه مع أبناء المجتمع. حتى أن حُسن الخُلُق سبب لصلاح المجتمع وسعادته، بل هو من أهم عوامل قوة الأمة ورفعتها، كما أن انتشار الأخلاق الذميمة في مجتمع ما سبب لفساده وانهياره.
إن ما تعيشه الأمة الإسلامية اليوم من أزمة اخلاقية انعكست على كافة الجوانب الحياتية في مجتمعاتها أو مجتمعات العالم الآخر، من فقدان قيم احترام الحياة، والسلام (السلم المدني) والكرامة، والرفاهية، والمعرفة، والعدل والمساواة والحرية بكافة جوانبها، والتضامن، فضلا عن الادعاءات الطوباوية ألا مبررة أو التخويل الإلهي المزعوم في متابعة ومحاسبة الآخر، وتقمص شخصية الشرطي المسؤول عن محاسبة الأخرين في تحديد حرياتهم الاعتقادية والمذهبية والفكرية وتصرفاتهم وسلوكياتهم، ادت إلى انهيار المثل والقيم الأخلاقية التي جاء بها الإسلام.
ومن هنا لابد لنا كمسلمين من التوسع في استيعاب الأخر، وقبول الخير من الناس على اختلاف اديانهم ومعتقداتهم، وفق المحددات الأخلاقية وقيم التعايش السلمي، والسعي إلى تحسين النسيج المجتمعي، وتدعيم الروابط الإنسانية، بطرق القلوب من خلال المعاشرة وحسن الخلق بالمخالطة، حيث ان أحوال الناس اليوم احوج ما تكون إلى تفعيل القيم الأخلاقية الرفيعة من العفو والصفح والتسامح ولين الجانب، واستصلاح الناس للدين الإسلامي على اختلاف أديانهم وعقائدهم ومذاهبهم، كما يستصلح المريض للحياة، وتوظيف العوامل والروابط الأخلاقية الحسنة في تدعيم التعايش السلمي والأمني للمجتمع( ). فالإسلام لم يقم على اضطهاد مخالفيه أو مصادرة حقوقهم أو تحويلهم بالإكراه عن عقائدهم أو المساس الجائر لأموالهم واعراضهم ودمائهم، وتاريخ الإسلام في هذا المجال انصع تاريخ على وجه الأرض.
فضلاً عن تحديد منزلة الأخلاق في حياة المجتمعات والأفراد. ويمكن أن يسري هذا الأمر على سائر الأديان والايديولوجيات، وعلى كل فرد سواء كان مؤمناً أم ملحداً أم لاأدرياً( )، وهل تنحصر الأخلاق في كونها مجموعة مبادئ تتعلق بمجال جزئي أو هامشي في حياة البشرية نحميها من العالم حولنا، أم أنها مراجع متسقة لنحاول العيش من خلالها في حياتنا الخاصة والعامة على السواء( ).
ويمكننا القول أن المنظومة الأخلاقية في الإسلام أسست على قواعد ثابتة كان لها الأثر الأكبر في بناء مجتمع متكامل بكل جوانبه ومؤسساته، وتميزت حقبة العصور الإسلامية الأولى المتمثلة بالقرنين الأول والثاني بتطبيق متميز لكل مفردات المنظومة الأخلاقية وفق المنهج الرباني، أثرت تطبيقات تلك المرحلة بأدائها المتميز كل جوانب السلم المدني، لتصبح بعد ذلك نبراساً يستضاء به عبر العصور والأجيال.
وقد شاع رفض المخالف ومخالفته، ولو كانت جزئية، ومهما امتلك من الأدلة والبراهين، وانتشرت ثقافة الإقصاء والإبعاد والتكفير، وخلّفت صور العنف اليومية التي انتشرت بشكل واسع خلال تلك الفترة، أثاراً سيئة كبيرةً على المنظومة القيمية للمجتمع بحيث اصبح الطابع العنيف والمتطرف هو الغالب في التعاملات والمواقف والاختلافات والمشاهد الحياتية – ولاسيما بين خواص اهل العلم والمعرفة – مرسخا سلوكيات ومظاهر تهدد واقع ومستقبل اجيال قد لا تقيم وزنا لأهمية وثقافة ومعاني التسامح وقبول الأخر، فالحنابلة كانت تشنع على كل من خالفها بكل وسائل القهر والاضطهاد، ومن هؤلاء الذين اكتووا بنارهم شيخ المؤرخين والمفسرين محمد بن جرير الطبري الذي دخل بغداد بعد فترة يسيرة من موت الإمام أحمد رحمه الله، فامتحنه الحنابلة بالإمام أحمد، وبمسألة إجلاس النبي وحين العودة إلى قراءة تداعيات الانهيار في المراحل المتقدمة من عصور الإسلام، قراءة جادة ومتأنية، نجد أنها بدأت في النصف الأول من القرن الثالث الهجري فكان من تداعيات ذلك الانهيار الأساسية هو الاختلافات الفكرية والمذهبية والفقهية التي سادت في تلك المرحلة بين الفئات الإسلامية، حيث تعاملت بقسوة تصل إلى درجة التوحش مع المناوئين لها بالرأي، حين تحولت تلك الاختلافات إلى ممارسات سلوكية انعكست سلباً على معطيات المنظومة الأخلاقية التي جاء بها الإسلام، وفق رؤية ضيقة مختزلة بنيت على نوع من أنواع التعصب المذهبي – فكري أو فقهي أو عقدي – المقيت، دون الأخذ بنظر الاعتبار انعكاسات ذلك على الأسس والضوابط السلوكية الأخلاقية، أو على معطيات السلم المدني للمجتمع. فالشيخ عبدالواحد بن عبدالوهاب الشيرازي المقدسي (ت 635ه) الف كتابا (الرسالة الواضحة في الرد على الأشاعرة) قال فيها بعد أن عدد إحدى عشرة فرقة من جملتهم الأشاعرة: ((فهؤلاء الأصناف كلها جهمية وهم كفار زنادقة، حُلّال القتل، ومن لم يكفر هؤلاء الأصناف كلها؛ فهو كافر زنديق حلال الدم))( ).على العرش يوم القيامة، في المسجد الجامع يوم الجمعة، وما كان منهم بعد أن عرفوا رأيه إلا أن قذفوه بمحابرهم واقلامهم، فاضطر إلى دخول داره فهجموا علية بالحجارة، حتى تدخلت الشرطة لمنعهم( ).
ووقع العديد من هذه الحوادث في ذلك الزمان وشاعت الفتنة، وعم التناحر والتخاصم والاقتتال حتى اصبح ذلك ثقافة عامة للمجتمع، وتلاشت كل مقومات التعايش السلمي والأمن المجتمعي، مما حدى بابن الأثير في كتابه الكامل أن يقول عن حوادث سنة (317ه): ((وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ بِبَغْدَاد بَيْنَ أَصْحَابِ أَبِي بَكْرٍ الْمَرْوَزِيِّ الْحَنْبَلِيِّ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْعَامَّةِ، وَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْجُنْدِ فِيهَا، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْمَرْوَزِيِّ قَالُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}( )، هُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُقْعِدُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ، وَقَالَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى: إِنَّمَا هُوَ الشَّفَاعَةُ، فَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ قَتْلَى كَثِيرَةٌ))( ).
ولو عدنا إلى كتب التراث الإسلامي لوجدنا الشيء الكثير من تلك الحوادث المؤلمة. وكل هذا وفق تصوراتنا البحثية بسب تساقط قيم المنظومة الأخلاقية السلوكية، وعدم الفهم الدقيق والصحيح لأسسها ومنطلقاتها في الواقع الاجتماعي، فأثر ذلك سلباً على سلامة المجتمع وأمنه واستقراره، ورسم صورة مشوهة عن منطلقات الأخلاق الإسلامية التي تؤسس وتجذر لقواعد التعايش المجتمعي والسلم المدني فيه. ومن هنا يمكننا القول: ((أن التمسك بالأهداف الأخلاقية وطلب الانسجام في الأعمال يمنعنا من إضفاء مسحة مثالية على الماضي وتقديس فكر العلماء والبقاء بحالة جمود في المسائل الاجتماعية والسياسية. فهي دعوة لكي يبقى العقل الناقد محترسا للخيانات أو التحريفات المحتملة للأفكار، وأن يكون مبدعا، في الوقت نفسه، في التوصل إلى حلول أو تطبيق نماذج تاريخية))( ).
أما بالنسبة لتداعيات الانهيار في المنظومة الأخلاقية في الوقت المعاصر واثارها السلبية على السلم المدني، والتعايش المجتمعي في واقع المجتمعات العربية والإسلامية، فيمكننا اجماله في ثلاثة نقاط اساسية:
• محاولة التنصل من القيم الأخلاقية لدى الأجيال الإسلامية المعاصرة.
• سيادة روح الانهزامية لدى ابناء المجتمعات الإسلامية، أمام معطيات التقدم الغربي.
• انهيار قيم المنظومة الأخلاقية الإسلامية، لدى بعض الأحزاب والجماعات الإسلامية – ولاسيما القتالية – وبلوغها درجة التوحش في السلوكيات والممارسات العملية في واقع المجتمعات الإسلامية، قبل غيرها من المجتمعات.
يمكننا القول أن المقاصد العليا للأخلاق المتعلقة بالنفس تتطلب تعليم الضمير، واحترام كرامة النفس والسعي للتوازن الداخلي بكل معطياته ومقوماته الأخلاقية وبالذات لدى فئة الشباب كالحب والصدق والتواضع والتسامح والتعايش…( )، ولاسيما بقية مقومات المنظومة الأخلاقية وقيمها تحتاج إلى تفعيل واقعي وممارسات عملية مع أبناء المجتمع، وهذا ما افتقرت إليه مجتمعاتنا اليوم وبالأخص الشباب الذين تنصلوا من هذه القيم العريقة، وباتت لهم رؤى جديدة مخالفة لأصول وقواعد تلك المنظومة الأخلاقية السلوكية التي بنيت عليها قواعد التعايش السلمي بين فئات المجتمع المتباينة. بينما نحن بأمس الحاجة للعودة إلى تفعيل الأهداف والمقاصد العليا في التعامل الأخلاقي بين أبناء المجتمع الواحد كمصلحة الناس، واحترام الحياة، والسلام (وبخاصة السلم الاجتماعي) والكرامة، والرفاهية، والمعرفة، والمساواة، والحرية، والعدالة، والتضامن، والتي تشكل أسس الأخلاق الإسلامية( ).
وسادت الروح الانهزامية عند فئات مختلفة من أبناء المجتمع، أمام التطور والتقدم العلمي والتقني الذي حققه الغرب في مختلف العلوم والمعارف، وبات لدى بعض منهم حالة من الانبهار لكل ما صدره الغرب لمجتمعاتنا، – بما فيها منظومة الاخلاق – حتى أضحى لا يفرق بين ما يمكن الأخذ به كتطور وتقدم يخدم الحياة المدنية، وبين ما هو قيمي وخلقي يتعذر علينا كمجتمعات إسلامية أن نتمثل به.
أما بالنسبة لفشل العديد من الجماعات والأحزاب الإسلامية وعلى وجه الخصوص التي تمكنت من الوصول إلى سدة الحكم في بعض البلدان العربية والاسلامية، فهي لم تتمكن من المماهاة بين التنظير الأدبي لمنظومة الأخلاق التي دعت إليها في أدبياتها، وبين تفعيل تلك الأسس والمقومات الأخلاقية في الواقع العملي بين أبناء المجتمع الواحد على اختلاف اديانهم ومذاهبهم وعقائدهم، لصالح السلم المدني والتعايش المجتمعي، مما أدى إلى نفور المجتمعات منهم ولاسيما في البلدان التي مرت بحالة الربيع العربي أو حالات مشابه له.
وكان للجماعات القتالية التي ظهرت في أجزاء جغرافية متفرقة من البلدان العربية والإسلامية، الأثر السيء في رسم صورة مشوهة عن قيم المنظومة الأخلاقية الإسلامية، لدى ابناء المجتمعات الإسلامية قبل غيرها من المجتمعات، من خلال سلوكيات الاضطهاد والسلب والتجاوز على حقوق الأخرين والقتل بكل صوره وأشكاله التي بلغت درجة التوحش. وإخضاع تلك الممارسات ونسبتها إلى الأصول الإسلامية من خلال نشراتهم الصحافية وتصريحاتهم ولوحاتهم الإعلانية وتسميتها (بمنهاج النبوة) وهو ما يعني إتباع الوحي وسنة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) بتفصيلاتها الشكلية( ). وهذا الأمر بالذات كان له الأثر الأكبر في تشويه كل صور السلم المدني والتعايش المجتمعي ألذي دعا أليه الإسلام في كل أدبياته، وممارسته من قبل النبي عليه الصلاة والسلام في واقعه الاجتماعي.
المبحث الرابع
التوظيف الأمثل لقيم الأخلاق في التصحيح والإصلاح وتعزيز السلم المدني في المجتمعات.
مما لاشك فيه أن الدين الإسلامي دين اصلاحي لكل ما من شأنه أن ينعكس سلباً على الحياة الإنسانية. وتعد رفعة الإنسان وسموه فكرياً وسلوكياً واخلاقياً من أولويات الايديولوجيا الإسلامية. ولقد أنزل الله U أنظمة متكاملة فكرية واجتماعية وسلوكية واقتصادية لكل ما يتعلق بحياة الإنسان ويرفع من شأنه نحو حياة كريمة ومستقرة ومنضبطة وفق قوانين ربانية سامية.
وتشكل قيم الأخلاق في الإسلام منظومة متكاملة ترتبط بصورة مباشرة بكل المنظومات الإسلامية الأخرى ولاسيما العقدية والفكرية والسلوكية، بين ما هو منظم وموجه لها كالمنظومة العقدية التي تستمد قيمها الأخلاقية منها، وترتبط ارتباطاً مباشراً بها في بناء أركانها وتعزيز اصولها نحو ما يسمو بالأخلاق الإنسانية وتحويها إلى سلوكيات يتعامل بها في الواقع الاجتماعي. وبين منظومات اخرى تستمد قوامها من المنظومة الاخلاقية كمنظومة السلوك التي تحول تلك القيم الى سلوكيات واقعية بين ابناء المجتمع.
ولا يطلق القول جزافاً حين ندعي أن القيم الأخلاقية لعبت وما تزال تلعب دوراً اساسياً ومهماً في الحياة البشرية بكل جوانبها وصورها واشكالها، حين وظفت عناصر هذه المنظومة في الحقبة الزمنية المتقدمة من التاريخ الإسلامي، فكان لها الأثر الأمثل في الاستقرار والازدهار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتعايش المجتمعي بين فئات المجتمع المتباينة في ذلك الوقت، وصلحت أحوال الناس بما يُأمن لهم العيش الكريم والحياة السعيدة.
ولقد خصصت هذا الجانب في ورقتي البحثية لمعالجة وامكانية توظيف قيم المنظومة الأخلاقية لجانبين مهمين في الحياة:
الاول: الجانب التصحيحي الذي يمكن أن تلعبه قيم المنظومة الأخلاقية حينما توظف في الشؤون العامة والخاصة لحياة الناس في مجتمعاتهم وتعاملاتهم، مع الأخذ بنظر الاعتبار التباين الديني والعقدي والفكري لأبناء تلك المجتمعات، وما سيكون له من أثر ايجابي في تنظيم حياتهم وتأمين استقرارهم، وعيشهم وفق معطيات السلم المجتمعي.
الثاني: الجانب الإصلاحي الذي تؤكده القيم الأخلاقية الإسلامية حين تحوَل إلى سلوكيات عملية منضبطة في الواقع الاجتماعي، ما من شأنه تصحيح مسارات منحرفة لدى العديد من فئات مجتمعاتنا ولاسيما شبابنا التائه بطاقاته وقدراته. ومقارنة ذلك بردود الأفعال السيئة والسلبية لدى أبناء المجتمعات والتي نجم عن أمرين:
• التكوين المفاهيمي الخاطئ الناشئ عن قراءة تراثنا الإسلامي بجوانبه المحبطة ولاسيما الممارسات والسلوكيات السلبية بين اصحاب المذاهب الفكرية والفقهية المتباينة حين نتجاوز القرون الثلاثة الاولى.
• ممارسات التفرد والتوحد والتوحش التي مارستها بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة ( احزاب – جماعات حركية – جماعات قتالية ) حين تصدت للمشهد في بعض الدول العربية الإسلامية، وما اعقبته من صور مشينة اضرت بمنظومة القيم الأخلاقية، والتي انعكست سلباً على المجتمعات الإسلامية وغيرها من المجتمعات.
والمنطق الذي ينبغي أن يبدأ منه الإصلاح هو المصالحة مع النصوص الشرعية: معانيها ومقاصدها وأهدافها – ولاسيما فيما يعني الجانب الأخلاقي وارتباطه بالسلم المدني – على مر التاريخ وفي المجتمعات الإنسانية المتنوعة، ومحاولة الصراع ضد ظاهرتين: الأولى التقليد المقيد والأعمى للعلماء الأوائل، والثانية الاختزال الحرفي المعاصر المتمثل في القراءات الحرفية للنصوص( ). ويتعين علينا اليوم اطلاق حركة واسعة من الانفتاح الفكري والسياسي والاجتماعي، لتدعيم اسس ومقومات ومنطلقات السلم المدني.
كما يتعين على العالم الإسلامي المعاصر إعادة النظر في شروط العملية الإصلاحية ووسائلها. والتسلح بالوسائل الروحية والفكرية والأخلاقية في التعامل مع الواقع، ساعياً للتمكن من ميادين المعرفة كافة، ومتوقعاً لتعقيدات الحياة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية. ولابد من حشد المهارات والخبرات المتاحة والممكنة ضمن حركة توعية كاسحة تثير قضية المعنى القيمي لكل مفردات المنظومة الأخلاقية، وتفعيلها في الواقع الاجتماعي، لتعزيز السلم المدني والتعايش الاجتماعي.
فعلى سبيل المثال لابد من الدعوة إلى تأمل أعمق وأشمل في معنى التواضع في ضوء التحديات في مجتمعاتنا. فلا يمكن أن يكون هناك ثقافة حوار أو سلام بين أبناء المجتمعات دون بروز روحية أو فلسفة عامة فكرية ونفسية، تتمثل بأسس ومبادئ تواضع المرء مع نفسه ومع الآخرين. كما ينبغي التأمل بعمق حول احترام الحياة، وثقافة السلام التي لابد من نشرها وتعليمها إلى جانب المقاصد العليا – الكرامة للجميع والحرية والرفاهية والتضامن والاخوة – وهذا الأمر بقضاياه المتعلقة بالأخلاق التطبيقية يتطلب عملا منسقا بشأن العقليات والتعليم والتقاليد المنقحة وتقييم نوعية الواقع المعيش للوصل إلى التميز الأخلاقي الذي يشكل جوهر الشريعة الإسلامية، والمفهوم الأساس الذي ينص على أنه يتعين على كل فرد أن يكون شاهداً على نفسه وعلى افعاله وسلوكياته. كما ينبغي مقامة كل صور واشكال الانحراف الأخلاقي الذي يهدد السلم المجتمعي. كما يجب أن تكون هناك حركة كاسحة متسلحة بالأخلاق، مع المقاومة النقدية باسم الاخلاق لحشد المجتمعات المدنية على الصعيدين الوطني والدولي ومحاولة تصحيح مساراتهما السلوكية والأخلاقية.
ولا بد لنا أن ندرك أن الإسلام اليوم يشكل مركز سجال وصراع عنيف في المجتمع العربي الإسلامي المعاصر. تختلف فيه المواقف بين نقيضين، فهناك من يعتبر الإسلام السبب الأول في التخلف والاستبداد والانهيار، ولا يقبل بأقل من ازالته شرطاً للتقدم الاجتماعي والسياسي. وهناك من يعتقد أن الإسلام هو المنبع الوحيد لكل قيم الوجود والحياة ولاسيما منظومة القيم الأخلاقية والسلوكية( ). وعند تصدر الإسلاميون للمشهد السياسي في بعض الدول العربية والإسلامية، وامتلاكهم زمام المبادرة والتعديل والتصحيح، ومحاولة تقييم أدائم ألإداري والأخلاقي لكل مقومات الحكم والهيمنة على مفاصل المجتمع وردود الأفعال التي خلفتها تلك الجماعات والأحزاب على الواقع الاجتماعي، نجد أن هناك بوناً شاسعا بين الأدبيات الإسلامية التي كانوا يتمثلون بها ويتكلمون عنها وينشرونها في محافلهم ولوحاتهم بكافة انواعها المشاهدة والمقروءة والمسموعة، وبين الواقع العملي والسلوكي لكل مفردات المنظومة الأخلاقية التي كان ينبغي أن تكون شاهداً حيا للمجتمعات على مثالية النظم الاسلامية ورفعتها وجدارتها في إدارة الواقع المجتمعي عبر كل العصور والأزمان، إلا أن السلوكيات المتدنية والتطبيق السيئ لمفردات المنظومة الأخلاقية من قبل أفراد تلك الجماعات والأحزاب في واقع المجتمعات العربية والإسلامية ترك صورة سيئة عن أنظمة الحكم الإسلامي وسوء استخدامه في التطبيق العملي والواقعي للمقومات الحياتية الاجتماعية، التي بلغت في أحيان كثيرة إلى التعسفية والجزئية والتحزبية المقيتة التي شوهت من تعاليم وقيم الإسلام وأثرت سلباً على أمن وسلامة المجتمع.
فعلى سبيل المثال مبدأ العدل والمساواة بين أبناء المجمع الواحد والذي يعد الأساس في تنظيم العلاقات بين أبناء المجتمع كما، أنه الأساس في ترسيخ قيم السلم المدني والأمن الاجتماعي الذي ينشده الإسلام للمجتمعات. مما حدى بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن يقول: ((فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرِ بِهِ فِي كُلِّ سِيَاسَةٍ وَإِمَامَةٍ))( ). فالعدل في رأي ابن تيمية رحمه الله ضرورة لإقامة العمران والدول كونه اساس كل شيء وبدونه لا قيام للدولة، وإن كانت مسلمة، حيث قال: ((وَأُمُورُ النَّاسِ تَسْتَقِيمُ فِي الدُّنْيَا مَعَ الْعَدْلِ الَّذِي فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فِي أَنْوَاعِ الْإِثْمِ: أَكْثَرُ مِمَّا تَسْتَقِيمُ مَعَ الظُّلْمِ فِي الْحُقُوقِ وَإِنْ لَمْ تَشْتَرِكْ فِي إثْمٍ؛ وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ اللَّهَ يُقِيمُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً؛ وَلَا يُقِيمُ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً. وَيُقَالُ: الدُّنْيَا تَدُومُ مَعَ الْعَدْلِ وَالْكُفْرِ وَلَا تَدُومُ مَعَ الظُّلْمِ وَالْإِسْلَامِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم {لَيْسَ ذَنْبٌ أَسْرَعَ عُقُوبَةً مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ} فَالْبَاغِي يُصْرَعُ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ مَغْفُورًا لَهُ مَرْحُومًا فِي الْآخِرَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَدْلَ نِظَامُ كُلِّ شَيْءٍ؛ فَإِذَا أُقِيمَ أَمْرُ الدُّنْيَا بِعَدْلِ قَامَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَمَتَى لَمْ تَقُمْ بِعَدْلِ لَمْ تَقُمْ وَإِنْ كَانَ لِصَاحِبِهَا مِنْ الْإِيمَانِ مَا يُجْزَى بِهِ فِي الْآخِرَةِ))( ). نجد أن تلك الأحزاب والجماعات التي تصدرت المشهد السياسي، لم تتمثل لهذا المبدأ وتعاملت مع أفراد المجتمعات بتحزبية مقيتة – ولاسيما في واقعنا العراقي – عكست صورة سيئة لدى ابناء المجتمع على اختلاف اعراقهم وأديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم، بما فيم الإسلاميين من الاتجاهات الاخرى المخالفة لتوجهات احزابهم، حدت بهم إلى النفور من كل ما هو اسلامي أو يدعي الإسلام في أدبياته أو توجهاته.
ونزعم أن هذا الأمر انعكس سلباً على مقومات السلم المدني والأمن الاجتماعي، والذي ولد حالة من النفور وعدم الرضى، لدى أبناء المجتمع على اختلاف اطيافهم لأداء الاسلاميين السيء، وبالتالي على الإسلام وعدم القبول به أو بمقوماته التي عكستها أخلاقيات وسلوكيات ابناء تلك الأحزاب والجماعات، واشاعة روح التسخط والتظلم العلني والتي تطورت فيما بعد لتصبح نوعاً من أنواع الانقسام والتشظي والاختلاف والاقتتال بين فئات المجتمع الواحد.
ويمكن أن يكون السبب الأساس في ذلك هو سيطرة العقل التنظيمي على افراد التنظيمات والجماعات الإسلامية، والتأرجح بين قداسة الأفكار والمعتقدات التي يتبناها وبين واقع أخلاقي وسلوكي مباين لتلك المقومات، مع عدم الفهم الصحيح للتطبيق العملي لمبادئ تلك الرسالة التي تحملها تلك التنظيمات والجماعات، مما ادى سلباً على الواقع التعايشي بين ابناء المجتمع واثر تأثيراً مباشراً على أمنه وسلامة بنيته وتركيبته( ).
الخاتمة
الحمد لله وكفا وسلام على عباده الذين اصطفى وعلى آلهم وصحبهم ومن اهتدى .. بعد هذه السياحة البحثية في دراسة مقومات المنظومة الأخلاقية وتوظيفها في السلم المدني والتعايش المجتمعي توصلنا إلى بعض النتائج والتوصيات:
• بنيت المنظومة الأخلاقية الإسلامية على مقومات ربانية رصينة مكنتها من تحويلها إلى واقع عملي وسلوكي، يمارس بين أبناء المجتمع، وفق منهج رصين يخدم كل فئاته المتغايرة.
• المجتمعات الإسلامية اليوم بحاجة إلى تفعيل معطيات المنظومة الأخلاقية وتوظيفها في خدمة أمن مجتمعاتهم وسلامتها من كل ما يخل بصيرورتها واستقرارها وسلمها المدني.
• لابد من إعادة النظر في التعامل مع الأخر مهما تمثل من عقائد مخالفة، أو سلوكيات مناوئة لديننا ومنهجنا وعقيدتنا، تمثيلا للمقصد الأسمى لديننا ودعوتنا الإسلامية، واتباعاً للأخلاقيات السلوكية التي تعايش بها نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) مع أبناء مجتمعه.
• النبي (صلى الله عليه وسلم) فعّل كل ما يمكن تفعيله من معطيات ومقومات أخلاقية لخدمة السلم المدني والأمن المجتمعي، والحفاظ على وحدة وسلامة الحياة المدنية بين أبناء المجتمع الواحد على اختلاف اديانهم وعقائدهم وافكارهم.
• ينبغي على كافة الجماعات والأحزاب والتجمعات والتنظيمات الإسلامية، من اعادة النظر في أخلاقيات وسلوكيات كوادرهم، وتعاملاتهم مع أبناء مجتمعاتهم ولاسيما المتغايرة اثنياً وعرقياً ودينياً، لتدعيم معطيات السلم المدني، ومحاولة التخلص من البعد التنظيمي الضيق، وشعور الفوقية على أبناء المجتمع بكامله.
• يمكن انشاء مراكز ومؤسسات تعنى بتنظيم وتفعيل المقومات الأخلاقية المشتركة بين كل الأديان السماوية من جهة، والايديولوجيات البشرية من جهة أخرى، ومحاولة توظيفها كمقومات للسلم المدني والأمن المجتمعي، والمحافظة على أمنه وسلامته من كل ما يهدد استقراره، ويعرقل صيرورته.
فهرست المصادر
1- احياء علوم الدين، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ) دار المعرفة (بيروت/ بلا).
2- الأخلاق الاسلامية واسسها، د. عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني، دار القلم، ط5 (دمشق/1420ه/1999م).
3- الأدب المفرد، حمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله (ت: 256هـ) تحقيق: سمير بن أمين الزهير، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع (الرياض/1419ه/1998م).
4- أزمة التنظيمات الإسلامية، الإخوان نموذجاً، د. جاسم سلطان، الشبكة العربية للأبحاث والنشر (بيروت/ 2015م).
5- الاسلاميون والمسألة السياسية، حسن الترابي واخرون، مركز دراسات الوحدة العربية، ط2(بيروت/ 2004).
6- الإصابة في تمييز الصحابة، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت: 852هـ) تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض ،دار الكتب العلمية (بيروت / 1415 ه)
7- الاصلاح الجذري الاخلاقيات الاسلامية والتحرر، د. طارق رمضان، ترجمة أمين الايوبي، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط2 (بيروت/ 2015م).
8- البحر الزخار = مسند البزار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خلاد بن عبيد الله العتكي المعروف بالبزار (المتوفى: 292هـ) تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، (حقق الأجزاء من 1 إلى 9) وعادل بن سعد (حقق الأجزاء من 10 إلى 17) وصبري عبد الخالق الشافعي (حقق الجزء 18) مكتبة العلوم والحكم، ط1 ، (المدينة المنورة /بدأت 1988م وانتهت 2009م).
9- التحرير والتنوير = «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد» محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت: 1393هـ) الدار التونسية للنشر ( تونس/ 1984 هـ).
10- الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي(ت: 256ه) تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي) (بيروت/ 1422ه).
11- الجامع لأحكام القران = تفسير القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى : 671هـ) تحقيق : أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، ط2( القاهرة/ 1384هـ / 1964م).
12- جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ) تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة (بيروت/ 1420 هـ / 2000 م).
13- جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى لابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456هـ) تحقيق: إحسان عباس، دار المعارف (مصر/ 1900م).
14- الرسالة الواضحة في الرد على الاشاعرة، عبدالوهاب بن عبدالواحد المعروف بابن الحنبلي (ت536ه) تحقيق: علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل، مجموعة التحف النفائس الدولية (بلا/ 1417ه).
15- الرعاية الاجتماعية بين حقوق الإنسان وخصخصة الخدمات، محمد سيد فهمي، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ( الاسكندرية/ بلا).
16- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (ت: 1270هـ) تحقيق: علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية (بيروت/ 1415 ه).
17- سنن ابي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني (ت: 275هـ) تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية (بيروت/ بلا).
18- سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279هـ) تحقيق: أحمد محمد شاكر (جـ 1، 2) ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ 3) وإبراهيم عطوة عوض المدرس في الأزهر الشريف (جـ 4، 5) شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط2 – ( مصر/ 1395 هـ – 1975 م).
19- السيرة النبوية لابن هشام عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (ت: 213هـ) تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، ط2 ( بمصر/1375هـ /1955م).
20- الشفا بتعريف حقوق المصطفى، عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (ت: 544هـ) دار الفيحاء، ط2 (عمان/ 1407 هـ).
21- المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم = صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (ت: 261هـ) تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي (بيروت/ بلا).
22- القاموس المحيط، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (ت: 817هـ) دار الفكر (بيروت/ بلا).
23- الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي (بيروت/ 1417هـ / 1997م).
24- لسان العرب، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الأفريقي (ت: 711هـ) دار صادر، ط3 ( بيروت/ 1414 هـ).
25- ما بعد السلفية، قراءة نقدية في الخطاب السلفي المعاصر، أحمد سالم وعمرو بسيوني، مركز نماء للبحوث والدراسات (بيروت/ 2015م).
26- مجموع الفتاوى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت: 728هـ) تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، (المملكة العربية السعودية/ 1416هـ/1995م).
27- مسند الامام أحمد بن حنبل، أبو عبدالله أحمد بن حنبل محمد بن حنبل بن أسد الشيباني(ت: 241ه) تحقيق: شعيب الأرنؤوط و عادل مرشد وأخرون، اشراف: د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي، مؤسسة الرسالة (بيروت/1421ه/2001م).
28- معجم الادباء، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي (ت: 626هـ) دار صادر، ط2 ( بيروت/ 1995م).
29- معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (ت: 395هـ) تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر (بيروت/ 1399هـ /1979م).
30- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ) دار إحياء التراث العربي، ط2 ( بيروت/ 1392ه).
31- نظرة جديدة في سيرة رسول الله، كونستانس جيورجيو، ترجمة: محمد التونجي، دار العربية للموسوعات.