المقالات

ماكرون بين منع الحجاب الإسلامي والاحتفال بالقداس المسيحي والحانوكا اليهودية

أ. د. فرست مرعي

  اتهم معظم المراقبين للشأن الفرنسي خروج الرئيسالفرنسي إيمانويل ماكرون عن أسس السياسة التيطالما نادى بها وتشدق بها كثيرا فيما يخص اتباع تعاليمالعلمانية التي تعتبر إحدى أسس السياسة الفرنسية؛ وخاصة فيما يخص المسلمين، لإن إرتداء الحجاب الإسلامي ولبس العباية من قبل المسلمات الفرنسيات في فرنسا يعد مخالفة كبيرة للنظام العلماني في فرنسا. وأعادالى الاذهان القداس الذي حضره الرئيس الفرنسي ماكرونوالذي أقامه البابا فرنسيس في القداس الحاشد في ملعبفيلودرومفي مدينة مرسيليا جنوب فرنسا في 23 إيلول/ سبتمبرعام2018م، مع أكثر من 60 ألف مصلٍ.

وكان قصر الرئاسة الفرنسي قد أعلن في مؤتمر صحفيأن الرئيس الفرنسي )ايمانويل ماكرون( سيحضر القداسكرئيس للدولة، ولكنه لن يشارك فيه، ولن يشارك بالتالي، فيمراسم تناول القربان. وركز قصر الرئاسة على أن قانونالعلمانية لا يمنع الرئيس من التفاعل مع المناسبات الدينية،وان الرئيس ماكرون حضر بالفعل احتفالات أخرى مثل عيدالفطر للمسلمين، وقال ماكرون في تصريح لهإنني لاأحضر القداس باعتباري مسيحي كاثوليكي، وإنما كرئيسللجمهورية الفرنسية، والتي هي جمهورية علمانية، وتركزالرئاسة بالتالي على الفارق بين حضور القداس بالصفةالرسمية، والمشاركة فيه بالصفة الدينية.

وينص قانون عام 1905م على أن فرنسا جمهورية علمانيةتضمن لكل أن يعتنق الديانة التي يريد ويمارس شعائرها،ولكن في إطار حياته الشخصية. وتوضح النصوصالخاصة بمنصب الرئيس، أنه منتخب وممثل لإدارة الدولة،ويخضع بالتالي لقاعدة الحياد، خصوصا فيما يتعلقبالمسائل الدينية، ويحق له بالتالي حضور قداس البابا فيإطار منصبه الرسمي، لأن الأمر يمثل، أيضا، مناسبةسياسية ودبلوماسية، ولكن لا يحق له الاشهار عن انتمائهالديني.

فمن المعروف أن فرنسا، خلافاً للدول الأوروبية الأُخرى،وخصوصاً الدول ذات التراث البروتستانتي، تفصل الدينعن الدولة فصلاً تاماًمع بعض الاستثناءات الطفيفةكالعطل الرسمية في الأعياد الدينية المسيحيةوتتميزعنها كلها بأن دستورها المعمول به (دستور 1958م)، مثلهمثل دستور 1946م، ينصّ على أنها جمهورية علمانية؛والسبب في هذا الإصرار على مبدأ العلمانية هو موقفالكنيسة الكاثوليكية المعادي للنظام الجمهوري وللديمقراطيةعلى السواء طوال القرن التاسع عشر، واستغلالها الظروفالمواتية لتجاوز تعاقدها مع نابليون بونابارت في سنة1801م، والذي اعترف فيه بالكاثوليكيةديناً لأغلبيةالفرنسيين” (وليس ديناً للدولة الفرنسية).

إذن فإن العلمانية الفرنسية، او اللائكية بالفرنسية مفهوميعبر عن فصل الدين عن شؤون الحكومة والدولة وكذلك عدمتدخل الحكومة في الشؤون الدينية. تواجدت العلمانية فيفترة مبكرة من التاريخ الفرنسي المعاصر استنادا إلىالقانون الفرنسي لفصل الكنيسة عن الدولة الذي صدر في 9 ديسمبر/ كانون الاول عام 1905م. وامتد تفسيرالعلمانية الفرنسية ليشمل المساواة في التعامل مع جميعالأديان، وأصبح التفسير أكثر تحديدا في عام 2004م.

يشير المعارضون لحضور الرئيس أنها ستكون المرة الأولىالتي يحضر فيها رئيس فرنسي في قداس للبابا منذ 43 عاما، عندما حضر الرئيس الأسبق (فاليري جيسكارديستان) قداس أقامه البابا جون بولس الثاني عام1980م، ويعتبر الكثير من المراقبين أن التصرف قد لايخالف نص قانون 1905م، ولكنه لا يحترم روحه، ذلك إنالقانون لا يكفل فقط، حرية الاعتقاد للمؤمنين ولغيرالمؤمنين، ولكنه يفصل، أيضا، بينما المنظمات الدينية والدولةالمفترض أنها على الحياد، ويرى هؤلاء أن اضطرار قصرالإليزيه لشرح قرار الحضور، يؤكد وجود مشكلة.

أما احتفال الرئيس ماكرون شخصياً في قصر الإليزيهبعيد الأنوار اليهودي” الحانوكا بالعبرية” في مساءالخميس 7/11/2023م ، وسط حشد من الشخصياتاليهودية في فرنسا، وبمباركة كبار الحاخامات اليهود في فرنسا؛ فهذا مما منح الثقة لليهود الفرنسيين على حد تعبير ماكرون؛ لذلك أشعل الرئيس ماكرون بمشاركته هذه موجةمن الغضب والفوضى في فرنسا بعد بعيد الأنوار اليهوديفي قاعة الاستقبال بقصر الإليزيه عندما أُضيئت شمعةتخليدا لذكرى الإسرائيليينالذين قُتلوا خلال عمليةطوفان الأقصىفي 7 أكتوبر تشرين الأول الماضي.

جاء ذلك عشية اليوم الوطني للعلمانية الذي تحتفل به فرنسابموجب قانون صدر في 9 ديسمبر/ كانون الاول عام1905م الذي يفصل بين الكنيسة والدولة والذي يعد فجوةكبيرة بين هذه الذكرى السنوية وممارستها على أرضالواقع بحسب معارضين فرنسيين. الخطوة قوبلت بسيلمن الانتقادات باعتبار أن الحفل أقيم في قصر الإليزيه،الذي يفترض أن يكون ساكنه أوّل السّاهرين على مبادئالعلمانية القائمة على فصل الدين عن الدولة، والتي تقومعليها الجمهورية الفرنسية.

فمن خلال مشاركته، مساء الخميس الموافق 7/11/2023م،في قاعة الإليزيه، في احتفال بمناسبة بداية عيد الأنواراليهودي، أطلق على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرونوابلاً من الانتقادات، حيث تم اتهامه بانتهاك العلمانية، وقدجمع هذا الحدث الذي لم تعلنه الرئاسة على الملأ، المؤتمرالأوروبي للحاخامات، الذي منح رئيس الدولة جائزة اللوردالحاخام الاكبر جاكوبوفيتس(1921 1999م)، التيمنحها له مؤتمر الحاخامات الأوروبيين، وهو منظمة يهوديةمهمتها مكافأة التزام فرنسا ضد معاداة السامية والدفاععنالحريات الدينية حسب ما تقول. وبعد حفل توزيعالجوائز، أضاء الحاخام الأكبر لفرنسا (حاييم كورسيا)،الشمعة الأولى من شمعدان الحانوكا على المسرح. بعد ذلكغنّى الجمهور الأغنية العبرية التقليدية ماعوز تسور،بينما كان إيمانويل ماكرون يتابع المشهد بصمت،والابتسامة على شفتيه، رفقة زوجته بريجيت ماكرون.

إن إحتفال ماكرون برفقة ممثلي الجالية اليهودية يطقوسعيدحانوكا؛ كان إستفزازاً للمسلمين، حيث جرتمراسيم الإحتفال في قصر الإيليزيه، وهو ما أثارالفرنسيون خصوصا أصحاب اليسار لما قام به الرئيسالفرنسي من خطوات اعتبرت استفزازية.

وسرعان ما أثارت الصور، التي انتشرت على وسائلالتواصل الاجتماعي، انتقادات في صفوف الطبقةالسياسية، لا سيّما في صفوف اليسار، حيث غرّد زعيماليسار الراديكالي (جان ليك ميلانشون)، على حسابه علىموقع إكس: من القداس في مرسيليا، إلى حانوكا فيالإليزيه، ماكرون يظهر أنه لا يفهم العلمانية، في إشارةإلى حضور الرئيس القداس الذي احتفل به البابا فرنسيسفي عام 2018م.

من جانبه كتب النائب البرلماني  (فرانسوا روفين)، المنتميإلى عائلة ميلانشون السياسية: حانوكا في الإليزيه!  قريباً عيد الفصح، العيد؟ وسنطلب من المعلمين أن يشرحواالعلمانية لأطفالنا“. في حين تساءل عمدة مدينة كان،(ديفيد ليسنار)، المنتمي لحزب الجمهوريون اليمينيالمحافظ: كيف يمكننا أن نرفض المشاركة في مسيرة مدنيةضد معاداة السامية على أسس متناقضة ومضللة لحمايةالوحدة الوطنية، والاحتفال بمهرجان ديني داخل القصرالرئاسي؟.

من جهة أخرى قال (إريك زمور)، زعيم حزبالاسترداداليميني المتطرف: بعد أن شبّه المسيرة ضد معاداةالسامية بأنها عملٌ معادٍ للإسلام، يريد إيمانويل ماكرونالتعويض عنها من خلال تنظيم احتفال ديني يهودي في الإليزيه. وقال الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي (جانبيير بيران)، أن الوقت لم يكن مناسبا للقيام باحتفال كهذا،علما أنمبدأ الفصل بين الدين والسياسة في فرنسا أمرمقدس للغاية ولا يجب المساس به ولا يقبل الاستثناءاتمهما كانت الظروفعلى حد تعبيره، وهذا الاحتفال يتعارض مع قانون 1905م الذي يُعتبر النص التأسيسيللعلمانية في البلاد، وينص على أنالجمهورية لا تعترفبأي دين أو تستخدمه أو تدعمه“.

وقال النائب الفرنسي ومنسق حزب فرنسا الأبية (مانويلبومبارد): “ماكرون داس هذا المساء قانون الفصل بينالكنيسة والدولة بتنظيم احتفال ديني في الإيليزيه وهو خطأسياسي لا يغتفر. واستشهد زميله ماتياس تافيل بمادةللقانون تقول: “الجمهورية لا تعترف بأي دين أو تستخدمهأو تدعمه.

فيما تساءل الناشط المعارض (ألكسيس كوربيير): “هلسيفعل ماكرون الشيء نفسه بالنسبة لجميع الدياناتالأخرى؟، وأردف: “البعض نعم، والبعض الآخر لا“، في إشارة الى الإسلام.

بدورها قالت رئيسة إقليم أوكسيتاني الفرنسي (كارولديلغا): “الإيليزيه ليس مكانا للعبادة وهي إشارة سيئةترسلها الدولة إلى الجمهورية الفرنسية قبل يومين من ذكرىقانون 1905م الذي فصل بين الدولة والكنيسة ونحن لانتنازل عن العلمانية“.

وعلى أية حال فقد وصلت الانتقادات حتى الى المنظمات اليهودية الفرنسية،  فقد انتقديوناثان أرفيرئيس مجلسالمنظمات اليهودية في فرنسا خطوة ماكرون الذي رأى أنهكان من الخطأ إن تُعطى إشارة الانطلاق بالاحتفال بعيدحانوكا من قصر االإليزيه وبحضور الرئيس . وقال أرفيلإحدى القنوات الإذاعية:بالفعل قصر الإليزيه ليس المكانالذي يتم فيه إشعال شمعة حانوكالأن ماهية الجمهوريةتكمن في النأي عن كل ما هو ديني“. وتابع بالقول لقدتفاجأت لأنه جرى العرف أن السلطات العمومية ليس لها أنتقبل بتنظيم حفل ديني وآمل ألا يتكرر هذا“. وأضاف رئيسمجلس المنظمات اليهودية في فرنسا: “لطالما اعتبر اليهودالفرنسيون العلمانية بمثابة قانون حماية وقانون حرية، لذافإن كل ما يضعف العلمانية هو يضعف يهود فرنساحسبتعبيره.

وحاول وزير الداخليةجيرالد دارمانانتبرير ما جرى عنتنظيم حفل حانوكا معتبرا أن الخطة لا تنتهك إطلاقا مبدأالعلمانية. وقال الوزيرإن رئيس الجمهورية هو مدافع عنالأديان ويحترمها كلها وبصفته رئيسا للدولة فليس هناك أيانتهاك للعلمانية“.

وأضاف دارمانان: أثناء هذا العيد اليهودي الهام وفي وقتيعاني فيه مواطنونا اليهود من أعمال معادية للساميةويتعرض فيه الحاخامات ودور العبادة اليهودية للاعتداء،أرى أنه من الطبيعي أن يصطف رئيس الجمهورية إلىجانب مواطنيه التابعين لهذه الديانة.

وبررت أيضا رئيسة الوزراءإليزابيث بورنالتي اعتبرتأن حفل حانوكا في الإليزيه هو إشارة تعكس الدعمالرسمي لليهود في مواجهة تصاعد الأعمال المعاديةللسامية في فرنسا.

أما الرئيس الفرنسي فإن كثرة الانتقادات التي وجهت إليه، دعته إلى الرد على هذا الجدل الدائر حول العلمانية منكاتدرائية نوتردام دو باريس، التي زار موقع إعادة إعمارهايوم الجمعة 8/11/2023م، أي في اليوم التالي لاحتفالهبعيد حانوكا اليهودي، وقال إنهليس نادماً علىالإطلاقعلى هذه الحادثة، ولن يستسلم للفتنة الدينية […] معتبراً أنه في هذه اللحظة من الضروري منح الثقة لليهودالفرنسيين[…] مع الأخذ في نظر الاعتبار سياق الحرب بينإسرائيل وحماس“.

و يبدو أن الرئيس الفرنسي يكون عقب احتفاله مع اليهود،قد اختلطت عليه الأمور ما بين معارضة السياسةالصهيونية في تدميرغزة وتهجير أهلها، وما بين الإصطفافإلى جانب الطائفة اليهودية في فرنسا، واعتبر المتتبعون أنماكرون ارتكب خطأ جسيما، خصوصا وأنه بات يكيلبمكيالين، بالنظر إلى حزمة الممنوعات التي أضحت تمسالجالية الإسلامية في بلد الحريات على حسب زعمالسياسة الماكرونية. وربط ناشطون بين هذا التصرف وبيندعم ماكرون للاحتلال الإسرائيلي مع تواصل العدوانالوحشي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي.

ومن جانب آخر فقد احتفل كل من المستشار الألمانيأولاف شولتس، والرئيس الأوكراني فلاديميرزيلينسكي بعيد الأنوار اليهودي. وخلال إضاءته أول شمعةفي عيد الأنوارالحانوكاعلى شمعدان عملاق أمام بوابةبراندنبورغ الشهيرة في برلين، قال (شولتس) الذي كانيرتدي قلنسوة مخملية سوداء، للعديد من الزوار في وسطالعاصمة الألمانية: “أتمنى أن تشرق شمعة حانوكا أبعد منهذه الساحة ولمدة أطول بكثير من مجرد أيام حانوكاالثمانية“.

وأضاف: “حانوكا يرمز إلى الأمل والثقة.. هناك حاجة إلىكليهما بشكل خاص هذه الأيام. لقد هزنا الهجوم الإرهابيالذي شنته حماس على إسرائيل بشدة. يجب على كل واحدمنا أن يعارض هذا الإرهاب بوضوح“.

وقد قام الرئيس الأوكراني أيضاً بإضاءة شمعة عيدحانوكافي مكتبه، برفقة مبعوثيحاباد” (أكبر منظمةيهودية في العالم) الذين يعملون أيضا كحاخامات مدينةفي أوكرانيا، وقال إن:النور سوف يسود في أوكرانياوإسرائيل“.

أما في الولايات المتحدة الامريكية فقد أدى قرار مهرجانفني بإلغاء إضاءة شمعدان عيدالحانوكااليهودي فيولاية فرجينيا الأمريكية إلى ردود فعل منددة من قبل الجاليةاليهودية، التي اعتبرت أن إضاءته لا علاقة لها بالحربالدائرة. وقرّر المهرجان الفني الذي يقام جنوب غرب ولايةفرجينيا إلغاء إضاءة الشمعدان في مدينة (ويليامزبرغ)بسبب الحرب، فأصدر المجتمع اليهودي المتحد من فيرجينيابيانا قال فيه إن الجالية اليهودية هناك تشعر بالصدمةوالانزعاج من قرار إلغاء الإضاءة المقرر في مهرجان الفنوالموسيقى الأحد 10 ديسمبر في ويليامزبرغ، بدعوى عدمدعم المهرجان لأحد الجانبين في الصراع بين إسرائيلوحماس. وأضاف البيان: “لكي نكون واضحين، فإن إضاءةالشمعدان، التي كان من المقرر أن يقودها حاخام منالمجتمع المحلي، لم يكن لها أي علاقة بإسرائيل أوالصراع“.

وتابع البيانمع ذلك، ادّعى منظم الحدث، بشكل مروع، أناحتفال عيدالحانوكامن شأنه أن يبعث برسالة مفادهاأن المهرجان يدعم قتل وقصف الآلاف من الرجال والنساءوالأطفال.

وأردف البيان: “يجب أن نكون واضحين للغاية: من معاداةالسامية تحميل اليهود مسؤولية جماعية عن سياساتإسرائيل وأفعالها، والمطالبة بإجراء اختبار سياسي لمشاركةاليهود في الأحداث المجتمعية التي لا علاقة لها بإسرائيل. ولن يتم تطبيق هذه المعايير أبدا على مجتمع آخر. ولفتالبيان إلى أنهفي وقت تتزايد فيه معاداة السامية بشكلموثق، فإن استهداف اليهود أمر خطير وضار، مما يؤديإلى مزيد من الاستبعاد والتنفير لمجتمعنا“.

أما الجنود الاسرائيليون فكان احتفالهم بعيد الحانوكا كختلفاً عن الآخرين فقد أقاموا شمعدان عيد الحانوكا علىأحد أسطح مباني غزة المدمرة.

ومن جهة أخرى ففي 13 ديسمبر/ كانون الاول 2023مأطفأ النائب عن الحزب الكونفدرالي اليميني في بولندا(غزغوز براون) شموع عيد الأنوار اليهودي (الحانوكا) فيمجلس النواب البولندي باستخدام مطفأة حريق، وظهربراون في مقطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعيوهو يحمل مطفأة حريق ويسير نحو شمعدان حانوكا(شمعدان يبقى مضاء خلال عيد حانوكا اليهودي الذييستمر 8 أيام)، ثم يرش الرغوة على الشموع وفي كافةأنحاء مقر مجلس النواب ، وأظهر الفيديو اعتراض أحد الموجودين في البرلمان على تصرف النائب، وأخذ يصرخ “ماذا تفعل يا سيادة النائب؟” وكررها مرارا، وهو ما لم يلق استجابة من براون الذي استمر في القيام بمهمته حتى النهاية. بعدها دخل براون إلى قاعة البرلمان للمشاركة في الجلسة لكن رئيس مجلس النواب (سيمون هولوفنيا) طلب منه الخروج من القاعة، لكن قبل أن يخرج براون وقف قائلا: “لا يمكن أن يكون هناك مكان لأعمال العبادة التلمودية العنصرية والقبلية والمتوحشة في برلمان جمهورية بولندا.

بعدها قال رئيس المجلس إنهسيتم إرسال مقترح إلىمكتب المدعي العام ضد سلوك براون، وسيتم الإبلاغ عنعرقلته احتفالا دينيا“. وعاقب ديوان رئاسة مجلس النواببراون بقطع نصف راتبه لمدة 3 أشهر، وقطع بدل التنقلاتلمدة 6 أشهر.

والحانوكاه كلمة عبرية تعني التدشين، أي بناء الهيكلاليهودي الثاني، الذي بناه (يهودا المكابي) سنة 160ق.م،وكان الهيكل الأول الذي بناه وفق معتقدهم نبي الله سليمان(عليه السلام) قد دمره الملك الكلداني البابلي (نبوخذ نصر) عام 586أو 587ق.م. فهو عيد يهودي يستمر ثمانية أيام منالخامس والعشرين منكسلوالذي يقابل شهر كانونالأول/ ديسمبر، والعيد بحكم توقيته يمكن اليهود وبالذاتالأطفال من الاحتفال بعيد يهودي في نفس الفترة التييحتفل فيها المسيحيون بعيد الميلاد، والمناسبة التاريخيةلهذا العيد هي دخول يهودا المكابي بن ماتيوسالحشموني ” (167-160ق.م) مدينة أورشليم وإعادتهللشعائر اليهودية في الهيكل، ويقال إن يهودا المكابي حينمادخل الهيكل وجد أن الزيت الطاهر (أي الذي يحمل ختمكبير الكهنة) لا يكفي إلا ليوم واحد، وكان من الضروري أنتمر ثمانية أيام قبل إعداد زيت جديد كما تنص التوراة،فحدثت المعجزة واستمر الزيت في الاحتراق لمدة ثمانية أيامبدلاً من يوم واحد، ولذلك صمم لهذا اليوم شمعدان خاصمن تسعة فروع، ولأن هذه المناسبة تؤكد انفصال اليهودورفضهم للاندماج والتفاعل مع الحضارات الأخرى، فإننانجد أن الصهيونية تبالغ في الاحتفال به.

ويحتفل بالعيد في إسرائيل على أنه عيد ديني، قومي(عيدالأنوار)، فتوقد الشموع في الميادين العامة وتنظم مواكبمن حملة المشاعل، وأثناء الاحتفال يصعد آلاف الشبان إلىقلعةماساداه، وهو مقطع صخري مرتفع يقع في صحراءالقدس بالقرب من الشاطئ الغربي للبحر الميت، ويمثل هذاالمقطع الصخري بقايا مدينة حصينة يهودية يعود تاريخهاإلى الهيكل الثاني، وهو يعتبر رمزاً للصمود البطولي وحبالحرية لمحاربي يهودا، وتبلغ مساحة قمة الجبل التي توجدفيها القلعة حوالي 80 دونماً وطولها حوالي 600 متروعرضها يتراوح بين 130/240م. وترتفع عن سطح البحر462 متراً، وتفصل بين هذه القمة ومجموعة الجبال المحيطةبها أودية عميقة، وكان يوناتان الحشموني قد بنى عليهاحصناً عام 42 ق.م وزاد هيرورودوتس من تحصينها وأقاملنفسه هناك قصراً فاخراً، وقد تمركز في قلعة مسادة آخرالمحاربين الذين ثاروا على الرومانيين، وقد حاصر الرومانالقاعة مدة 3 سنوات، وعندما فقدوا الأمل انتحرالمحاصرون وعددهم 960 شخصاً كان يقودهم (األيعيزربن بائير) وذلك يوم 15 نيسان من عام73م، وقد قصتالنسوة والأولاد الذين اختبأوا بقناة مياه ونجوا من الموت فيعملية الانتحار الجريئة، وفي العهد الروماني البيزنطي(70-635م) سكن هذا الجبل رهبان، حيث أقاموا عليه كنيسةصغيرة.

في عام 1954م أقيم من جديد (طريق الأفعى) إلى الجبل،وفي عام 1955م قام سلاح الهندسة الإسرائيلي بإعادةترميم القلعة، وجرت في المكان حفريات أثرية واسعةاكتشفت فيه خزانات مياه وأرزاق ومقر هيرودوتس وكُنَيسوقصاصات من كتاب التوراة وعملات وغير ذلك، وفي عام1970م تم شق طريق إلى الموقع الأثري يبدأ من عرادوحتى الجانب الغربي من قمة الجبل، وفي عام 1970م تمتشغيل قطار هوائي من الجانب الشرقي للجبل.

.

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً