البحوث

الامارات الكردية في كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان

 لسبط ابن الجوزي- دراسة تحليلية مقارنة –

أ.د. فرست مرعي

عضو الهيئة العامة لمركز الزهاوي

 

القسم الأول

المقدمة

هذا البحث يتعلق بالدول والامارات الكردية في كتاب مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي الذي يتضمن (23) جزءاً، فتاريخ سبط ابن الجوزي مهم جداً في تسليط الضوء على تاريخ الكرد  في ديارهم كردستان وفي المناطق الاخرى التي وصل إليها نفوذ الكرد في الدولتين الايوبية والمملوكية. فموضوع بحثنا مهم لأنه أي السبط يذكر روايات مهمة لم ترد في المصنفات التاريخية الاخرى رغم أهميتها ومعاصرتها للاحداث، وهذا يتأتى من أنه نقل روايات من كتب قد فقدت بفعل عوادي الزمن، ورغم البحث عن العديد من الامارات الكردية التي ظهرت في العصور الوسطى ( الاسلامية) أمثال: الهذبانية والروادية والحسنوية والدوستكية والمروانية والعنازية والشدادية، فإننا لم نستطع الاحاطة إلا بثلاث إمارات وهي: الدوستكية والمروانية والحسنوية بحسب كثرة الروايات التي دونها السبط في تاريخه، وليس حسب التسلسل التاريخي.

 

تمهيد: عوامل ظهور الامارات الكردية

 

كانت حادثة مقتل  الخليفة العباسي المتوكل سنة 247هـ/861م على أيدي قواده الأتراك) اليعقوبي، 1889، 2/601 – 602؛ المسعودي، 1981، 329؛ ابن خلدون، د، ت،3/ 280) بداية الانحطاط والتشرذم الذي أصاب الخلافة  العباسية على حد وصف ابن خلدون ( ابن خلدون، د، ت، 3/ 280 – 283)،  فضعفت الدولة وبدأت سلسلة من حوادث  التدخل في شؤونها على أيدي قادة الجند الاتراك، التي كان لها  صداها الواسع في نفوس زعماء الأقاليم، فبدأت حوادث الخروج عن سيطرة الخلافة مع الإبقاء على الولاء الإسمي للخليفة في المرحلة الأولى فقط، (اليعقوبي، 1889، 2/605؛ المسعودي،1981، 334 – 343)، أي بعبارة أخرى تغلب كل رئيس على ناحيته وانفرد بها، حيث  بدأت دولة بني الصفار الفارسية بالظهور عام 253هـ/867م بعد الاستيلاء على إقليم سجستان([1]) وبعض أجزاء إقليم خراسان([2])، كما بدأ أمر ابن طولون (ت 270هـ/884م)([3]) بالظهور، إذ ما إن جاءت سنة 264هـ/877م حتى ملك فضلاً عن ملك مصر(اليعقوبي: 2/624؛ ابن العبري، 148؛ ابن خلدون،د،ت، 3/301)، وملك بنو سامان أواخر  سنة 260هـ/874م بلاد ما وراء النهر( ابن خلدون، د، ت، 3/311).

وعلاوةً على ذلك فقد ظهرت حركات أخرى تنادي بالخلافة وإسقاط الخلافة العباسية بأي شكل من الأشكال، كحركة الزنج([4]) التي ابتدأ أمرها في الظهور سنة 255هـ/868م ، وحركة القرامطة([5]) في سنة 276هـ/889م،ودعوة أبي عبد الله الشيعي إلى البيعة لعبيد الله الذي سماه بالمهدي في إفريقية عام 286هـ/899م.(ابن كثير، 1990، 11/81؛ ابن حماد، د، ت، 36).

ومن جانب آخر فإن عملية عزل وقتل الخلفاء جرت على قدم وساق، وأصبحت من الأمور الشائعة في تلك الحقبة الحرجة من عمر الخلافة العباسية (عصر التدخل التركي)، فالخليفة المنتصر (ت 247هـ/861م) دس له السم قبل أن تبلغ ولايته ستة أشهر(السيوطي، 1998م،313)، وذبح المستعين (ت 248هـ/862م) بعد عزله( السيوطي، 1998م، 313؛ ابن العبري،146)، أما المعتز (ت 252هـ/866م) فقد مات عطشاً (ابن العبري،147؛ السيوطي، 308)، فيما مات المهتدي (255هـ/869م) بعد عصر خصيتيه (السيوطي، 1998، 310).

وعندما عجز الخلفاء العباسيون عن معالجة هذا الوضع المتردي الذي ازداد سوءاً  يوماً بعد يوم، أقدم الخليفة الراضي (322-329هـ/933-940م) على إجراء معيَّنٍ ظناً منه أنه الوسيلة لوقف هذا الانحدار، أو توقع منه العلاج، فكان سبباً لزيادة الفوضى والإضطراب، ففي سنة 324هـ/935م استحدث الخليفة الراضي منصب (أمير الأمراء)([6])، واختار له أقوى المتنافسين على السلطة وهو ابن رائق([7]) ، ونقل إليه معظم صلاحيات ومهام الخليفة، فكان ذلك مدعاة إلى زيادة الصراع بين المتنافسين، حتى وصل الأمر إلى أن تدرج على هذا المنصب في سنة واحدة (329هـ/940م) أربعة أمراء، وفي أكثر الأحيان ما كان لأحدهم أن يصل إلى هذا المنصب إلا بعد أن يقضي  على خصومه المتنافسين له على هذا المنصب (ابن الاثير، 1983، 5/192 – 195؛ ابن العبري، د، ت، 155؛ ابن كثير، 1990، 11/ 184 – 185).

في هذا الوقت أخذت اسرة من الديلم([8])، بالظهور على مسرح الأحداث في الهضبة الإيرانية في جنوب بحر الخزر (قزوين) وهي تنتمي إلى رجل يدعى بويه([9])، وهم ثلاثة إخوة هم: علي بن بويه، الحسن بن بويه، أحمد بن بويه([10]).

وقد ساعدت الصراعات والمنافسات التي حدثت بين زعماء الأقاليم في الهضبة الإيرانية، وتدخل القادة الأتراك في شؤون الخلافة العباسية في بغداد على بروز رئيس الأسرة البويهية أبي شجاع علي بن بويه  بن فناخسرو، فضلاً عن صفاته الشخصية من ذكاء وفطنة ومعرفة بكيفية كسب الرجال، التي لخصها مسكويه بقوله: “كان السبب في ارتفاع علي بن بويه وبلوغه ما بلغ سماحة كثيرة كانت في طبعه وسعة صدره، واقترب بهذا  الخلق الشريف خلق آخر أشرف منه، وهي شجاعة تامة كانت له واتصل بجميع ذلك اتفاقات محمودة ومولد سعيد”، (مسكويه،1987، 1/277). الأمر الذي مكنَّه من السيطرة على إقليم فارس، كما تمكن أخوه أحمد والحسن من السيطرة على الأهواز والعراق فيما بعد.

لكن أحداث عام 334هـ/945م في بغداد، جاءت لتعطي البويهيين الفرصة الذهبية للدخول إلى بغداد، حيث دخل أحمد بن بويه بغداد في جمادي الآخر 334هـ/946م، فلقي الخليفة المستكفي وبايعه على السمع والطاعة، عندئذ  لقبه الخليفة بمعز الدولة، فيما منح أخاه الثاني لقب عماد الدولة، ومنح أخاه الثالث الحسن ركن الدولة، وهي الألقاب التي اشتهروا بها( مسكويه، 1987، 2/85؛ ابن الاثير، 1983، 6/314). ومنذ ذلك التاريخ دخلت الخلافة العباسية تحت السيطرة البويهية.

 

لقد شهد النصف الثاني من القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجريين/ التاسع والعاشر الهجريين أحداثاً جساماً في تاريخ الخلافة العباسية، تمثلت في ظاهرة قيام زعماء الأطراف بعمليات إنفصال عن الخلافة وذلك بسبب ضعف الخلافة العباسية لأسباب موضوعية لا حاجة للتفصيل فيها وتكوين كيانات خاصة بهم (إمارات) تعترف بالخلافة العباسية اعترافاً رسمياً، ومن مظاهر هذا الاعتراف: ذكر إسم الخليفة في خطبة الجمعة وضرب إسمه على السكة، فضلاً عن إرسال بعض الأموال إلى مقر الخلافة.

في حين أن بعض زعماء هذه الإمارات لم يعترفوا بالخلافة، بل شنّوا عليها حملات عسكرية بغية القضاء عليها مثل مرداويح أمير الإمارة الزيارية.

ولم يكن الزعماء الكرد بدعاً عن الناس في هذا المجال، فهم فضلاً عن استغلالهم للظروف التي كانت تمر بها الخلافة العباسية، فإن النظام القبلي الهرمي الذي كان أساس الحياة الإجتماعية عند الكرد ساعد دون شك في بلورة تنظيم إداري يقف على رأس الهرم الأمير، وهو نفسه شيخ القبيلة، أو من خلال عدة إتحادات قبلية أو عشائرية تكون الزعامة لشيخ القبيلة الكبيرة، وتكون وراثية فيما بعد في أسرته.(مرعي، 2015، 133).

وكانت قوة هذه الإمارة تعتمد على قوة القبيلة، التي انبثقت عنها وعلى عدم وجود منافسين لها، سواءً على الزعامة أو على الأراضي التي تستغلها القبيلة في الرعي، فضلاً عن الحنكة السياسية التي يتمتع بها زعيم القبيلة([11]) –الأمير لاحقاً- ومدى قدرته على تفريق وتشتيت جهود خصومه، وهذا ما كان يلاحظ في السياسة التي اتبعها الأمير (حسنويه بن الحسين البرزيكاني) مع البويهيين لعب بذكاء لعبة تفريق وتشتيت كلمة البويهيين، (مسكويه، 1987،  2/365 – 366)، ولكن الآية انعكست بوفاته، حيث استغل البويهيون تلك السياسة ذاتها ضد أبنائه مما أدى إلى تشتيت شملهم وتفريق كلمتهم.(مسكويه، 2/414 – 416).

 

المبحث الاول: الامارة الدوستكية

 

لا يذكر المؤرخ يوسف بن قِزأوغلي بن عبدالله المعروف بسبط ابن الجوزي (581 – 654هـ/1186 -1201م) معلومات تفصيلية عن كيفية تأسيس الدول والامارات الكردية مثل بعض المؤرخين الآخرين كجده ابن الجوزي البغدادي (المتوفى سنة 597هـ/1201م) في كتابه المنتظم في أخبار الملوك والأمم، وابن الاثير الجزري(المتوفى سنة630هـ/1233م) في كتابه الكامل في التاريخ، وابن كثير(المتوفى سنة 774هـ/ 1372م) في كتابه البداية والنهاية وغيرهم، وإنما يتطرق بين الحين والآخر الى القول: بأن الاكراد قد ملكوا أو سيطروا (سبط ابن الجوزي، 2013، 18/12) إذ لا يتطرق الى معلومات تشفي الغليل. وبشأن تطرقه الى بداية تأسيس الامارة الدوستكية المنسوبة الى الحسين بن دُوستَك المعروف ب(باذ) يقول:” وفيها ملكت الاكراد ديار بكر وميافارقين وسببه أنه كان بجبال حيزان رجل كردي يقال له أبو عبد الله الحسين بن دوستَك، ولقبه باد، اجتمع إليه خلق كثير، وكان يقطع الطريق، ويشن الغارات على ديار بكر، فلما مات عَضُد الدولة قوي أمره، وكان مقامه في بلد حيزان([12]) والمعدن([13])، فحدث نفسه بالملك، وضايق ميافارقين وكاتب أهلها ووعدهم بالجميل وحلف لهم فأجابوه، وجاء ففتحوا له الباب وكانوا من الديلم في جورٍ عظيم،ٍ فدخلها وولاها أخاه أبا الفوارس، وشرع في فتوح البلاد.( سبط ابن الجوزي، 2013، 18/12).

 

واختلفت المصادر في تسميته ولقبه، فضلاً عن اسم قبيلته، ولم تسعفنا في تحديد زمن ولادته أو نشأته الأولى، فيذكر الروذراوري أن (باد) لقبه أما اسمه فهو أبو عبد الله الحسين بن دوشنك ينتمي إلى الأكراد الحميدية.( الروذراوري، 1916، 3/84).

أما الفارقي([14]) فقد أشار إلى اسمه  ولقبه وانتمائه القبلي بقوله: “كان باد بن دوستك (الحاربختي) – وهو أبو عبد الله الحسين بن دوستك وإنما لقبوه باد (الفارقي، 1974، 49 – 50)، بينما ذكر ابن الأثير روايتين بهذا الخصوص، الأولى: تتضمن أن لقبه “باذ الكردي” ( ابن الاثير، 5/459 – 460)، (بالذال) واسمه “أبو عبد الله الحسين بن دوستك، وهو من الأكراد الحميدية” ( الفارقي، 1974،  49 – 50)، أما الرواية الثانية فقد ذكر نقلاً عن بعض أصدقائه من الأكراد الحميدية ممن يهتم بأخبار باذ: “أن باذاً  كنيته أبو شجاع، واسمه باذ، وأن أبا عبد الله هو الحسين بن دوستك، وهو أخو باد…” .( ابن الاثير، 1983، 5/460).

بعدها يشير سبط ابن الجوزي الى أن صمصام الدولة([15]) لن يقبل بقيام كيان كردي أو قوة كردية، تسيطر على هذه المنطقة المهمة والحيوية بالنسبة للدولة البويهية :” فبعث إليه صمصام الدولة جيشاً مع رجل يقال له: أبو حرب، فكسره باذ وغنم عسكره، فبعث إليه صمصام الدولة أبا الحسن علي بن الحسين المغربي والد الوزير المغربي، فنازل ميافارقين وكان باذ يُغير عليه وينهب عسكره فعاد إلى الموصل، وكان واليها أبو القاسم بن سعدان، فأصلح بين باذ وصمصام الدولة على بعض ديار بكر، وعاد باذ إلى الغارات…”. (سبط ابن الجوزي، 2013، 18/12).

وبعد وفاة صمصام الدولة ولى السلطنة البويهية أخوه بهاء الدولة([16]) الذي حاول القضاء على باذ والحد من نفوذه  وولي بهاء الدولة فجهَّز إليه جيشاً مع قائد يقال له : ابن الطائي، فالتقى باد على طور عابدين([17]) الرأس المطل على نصيبين، واقتتلوا، فقتل أبو الفوارس أخو باذ، فحمل إلى ميافارقين، فدفن بقبة تعرف بقبة أبي الفوارس، وانهزم باد إلى حِيزان، وكان أولاد ناصر الدولة بحلب، فجاء أبو طاهر وأبو عبد الله – ابنا ناصر الدولة – يريدان الملك، فقصدوا باذ وهو يهرب من مكان إلى مكان فضايقوه إلى طور عبدين، فاراد أن يغير فرسه بآخر، فوقع فمات، وقيل: كان به رمق، فقتلوه”.( سبط ابن الجوزي، 2013، 18/12).

ومن جانبه فإن سبط ابن الجوزي يشير الى صهر له يدعى (مروان بن كسرى) كان له ثلاثة أولاد من أخت باذ وهم كل من :أبو علي الحسين، وسعيد، وأحمد، وولد آخر، وكانوا من أهالي قرية تدعى (كرماص) تقع بين مدينتي إسعرد والمعدن، وكانوا من سادتها، فلما خرج خالهم باذ التحقوا به وشاركوا في معظم الوقائع التي اشترك فيها ، فلما قُتِل باذ في صراعه مع بني حمدان، صاح ابن أخته أبو علي الحسين بمقاتلي خاله وقال: هَلُمَّ إليَّ ، فلَّما اجتمعوا إليه هجم بهم على بني حمدان وهزمهم شر هزيمة ونهبهم وأخذ أموالهم، وجاء الى حصن كَيفا، وكانت زوجة خاله باذ  فيها وهي ديلمية فتزوجها، وسار بها الى مدينة ميافارقين وغيرها من الحصون ففتحها، وأحسن السيرة فيها .( سبط ابن الجوزي، 2013، 18/12 ).

والغريب أن سبط ابن الجوزي هو المصدر الوحيد الذي ذكر والد مروان باسم (كسرى) ولم يرد هذا الاسم في بقية المصادر الإسلامية التي أشارت الى الدولة أو الامارة الدوستكية أو المروانية: كالروذرواري (المتوفى سنة488هـ/1095م)  في كتابه الذيل (على تجارب الامم)، والفارقي( المتوفى بعد سنة577هـ/1182م) في كتابه (تاريخ ميافارقين وآمد)، وابن الجوزي (المتوفى سنة579هـ/1184م) في كتابه (المتظم في أخبار الامم والملوك)، وابن الاثير ( المتوفى سنة630هـ/1233م) في كتابه ( الكامل في التاريخ) وغيرهم.

وهناك إشارة مهمة وهو أن سبط ابن الجوزي يورد رواية حول كيفية مقتل الامير باذ، وهذه الرواية تتقاطع مع الرواية المذكورة في غالبية المصادر التاريخية ما عدا رواية (الفارقي)، فضلاً عن إشارته الى إسم إبن أخت باذ بالقول( أبو علي الحسين)، علماً أنَّ إسمه في بقية المصادر التاريخية (أبو علي الحسن):” لما قُتِلَ باذ؛ كان له صهرٌ على أخته يُقال له: مروان بن كسرى، وكان له من أخت باد أولاد أبو علي الحسين وسعيد وأحمد وولد آخر، وكانوا من قرية يقال لها: كرماص بين إشعرُد([18]) والمَعْدِن وكانوا رؤساءها، فلما خرج باذ خرج معه بنو أخته فكانوا معه في وقائعه، فلما قُتِل باذ صاح أبو علي الحسين بأصحاب باذ: إليَّ فاجتمعوا إليه، فحمل على بني حمدان، فانهزموا أقبح هزيمة، ونهبهم وأخذ أموالهم، وجاء إلى حصن كيفا([19])، وبه زوجة خاله باذ، وكانت من الديلم، فدخل الحصن وتزوج بها، وسار إلى ميافارقين وغيرها من الحصون ففتحها، وأحسن السيرة، وكان إخوته في خدمته، وأحبه الناس، وتم له فتح الحصون في سنة ثمانين وثلاث مئة”.( سبط ابن الجوزي، 2013، 18/13).

ومن جهة أخرى يذكر السبط رواية أخرى حول مقتل الامير باذ بن دُوستَك الكردي تخالف ما ذكره سابقاً، ففي حوادث سنة 380هـ/991م يذكر بأن معركة قد جرت بين باذ وبين ابني ناصر الدولة إبراهيم والحسين، والسبب ذلك أنه لما وصل ابنا ناصر الدولة الى الموصل وهما يعانيان نقصاً في اموال والرجال ، طمع فيهما الامير باذ، وكاتب أهله، فأجابه بعضهم، فحشد وجمع، وسار إليها في ستة آلاف من االكرد، ونزل في الجانب الشرقي من الموصل ( نينوى الحالية)، لذلك خاف ابنا ناصر الدولة وطلبا المدد من أبو الذواد محمد بن المسيب أمير بني عقيل، الذي طلب منهم بالقول:” أريد الجزيرة بأسرها، وسمى غيرها، يقصد نصيبين، فوافقا على ذلك، لذلك سار أبو الذًّؤاد على رأس الفي فارس من بني عقيل، إلى مدينة بلد الواقعة في شمال مدينة الموصل على بعد سبعة فراسخ (42كم) إلى الجانب الغربي، وعبرمقاتلوا بني عقيل نهر دجلة إلى الجانب الشرقي لملاقاة الامير باذ وجيشه وهو لا يعلم بأمرهم وأنه قد احيط به من الجانبين بنو حمدان وبنو عقيل، ولما كان مشغولاً بحرب ابني ناصر الدولة وأهل الموصل، فلما صار بنو عقيل معه في أرض واحدةٍ خاف أن يعبر إليه ابنا ناصر الدولة، ويكبسه أبو الذؤاد في بني عقيل، فتحول من مكانه إلى الجبال الواقعة شرقيَّ نهر دجلة،( جبل باعذرى – ألقوش) وأدركه بنو عُقيل، واختلط الناس، فتشاغل بعضهم بالرحيل، ولما أراد الامير باذ الانتقال الى فرس آخر أسرع فحول رجله من ركابٍ الى ركابٍ، فلم يلحق، فسقط لثقل جسمه، فانكسرت عظام ترقوته، وعندما عرف بنو أخته وعلى رأسهم أبو علي الحسن بن مروان، ما جرى لخالهم تحركوا نحوه وهو جاثم على الارض، فقالوا تحامل واثبُتْ حتى تلحق بالجبل وتتخلص من هذه المصيبة، ولكنه طلب منهم الرحيل بالسرعة الممكنة، لأنه لا يستطيع الحراك، ولئلا يلحق بهم فرسان العرب من بنو حمدان وبنو عقيل وعدد فرسانهم لا يتجاوز (500) فارس، فتركوه لمصيره وانسحبوا باتجاه جبل باعذرى، بعد أن قدموا عدداً من الضحايا،” وبنو عقيل في آثارهم، فبطحوا منهم جماعة)، أي أسقطوا منهم جماعة. (سبط ابن الجوزي، 2013، 18/41 – 42). أما مقاتلي الامير باذ فقد قتل عدد منهم وفر الباقون باتجاه الجبل شرقي نهر دجلة، باتجاه فرسان بنو مروان لا يلوون على شىء، أما مصير باذ فقد كان في الرمق الاخير وجاء اليه أحد فرسان بني حسان وهو لا يعرفه فقتله وسلبه، ثم عرفه فيما بعد، فقطع رأسه وأخذه معه الى الموصل وخبأه، وقال: من يشتري مني رأس الامير باذ؟ فلما بلغ ذلك مسامع ابني ناصر الدولة أشتريا الرأس مقابل قرية ومال كبير دفعاه لقاتل باذ، بعدها تم قطع يده ورجله اليمنى ونقلتا الى بغداد فتم أشهارهما، فيما تم صلب باقي جسده على باب دار الامارة في الموصل، لذلك ثار عامة أهل الموصل وقالوا:” هذا رجل غازٍ، ولا يحِلُ المُثلة به، فحنط وكُفِن، ودُفِنَّ بعد أن صلى عليه، وظهر من محبة العوام له شىء كثير”. (سبط ابن الجوزي، 2013، 18/42 – 43).والى هنا ينتهي حكم الامارة الدوستكية سنة 380هـ/991م).

 

 

 

ثانياً: الدولة المروانية

 

لا يشير سبط ابن الجوزي الى كيفية تأسيس الدولة المروانية، مثلما لم يشر في البداية الى حكم الامارة الدوستكية إلا ضمناً، حيث يقول بهذا الصدد:” وسار أبو علي بن مروان من فوره إلى حصن كيفا، وكانت فيه زوجة باذ الديلمية، فقال لها: قد بعثني خالي في مُهِمة ففتحت له الباب، فأعلمها بقتله، وتزوجها، ورتب اصحابه فيها، ونزل ففتح الحصون(القلاع) حصناً بعد حصن، حتى رتب أمور الحصون كلها، وسار إبراهيم والحسين ابنا ناصر الدولة إلى ديار بكر والرأس معهما، فوجدا ابن مروان قد أبرم أمور الحصون، فعدلا إلى قتاله، فهزمهما، وأسر أبا عبد الله الحسين، ومضى أبو طاهر إلى آمد، فأحسن ابن مروان إلى الحسين وأكرمه وأطلقه فصار إلى أخيه وأشار عليه بموادعة ابن مروان، والانكفاء عن ديار بكر إلى غيرها، ومصالحة ابن مروان، فامتنع أبو طاهر عليه، وأبى إلا محاربته، وجمع جمعاً عظيماً من بني عقيل وغيرهم، ثم سار إليه ومعه أخوه الحسين فهزمهما، وأسر الحسين ثانياً، فأساء إليه وضيق عليه، وقال: ما رأيت إحساني إليك حتى هلك وقاتلني ؟! وأقام مدة أسيراً حتى كاتبه العزيز صاحب مصر( الخليفة الفاطمي) فيه، فأطلقه، فمضى إلى مصر، وولاه العزيز مدينة صور( احدى مدن لبنان) بالساحل، ومات هناك، وبقي له ولد يكنى أبا محمد، وهو من قواد المغاربة. ( سبط ابن الجوزي،2013، 18/43)

وأما أبو طاهر فإنه انهزم إلى نصيين فجاء إليه أبو الذواد محمد بن المسيب أمير بني عقيل، فأسره ومعه جماعةٌ، فضرب عنق أبي طاهر صَبراً ومن كان معه، وسار في بني عقيل، فسيطروا على الموصل وأعمالها، وكاتب بهاء الدولة  بإعلان تبعيته له من خلال إرسال والٍ من قبله، فبعث إليه أبا الحسن بن حمدويه، ومات أمير بني عقيل أبو الذؤاد في سنة 385هـ/995م.(سبط ابن الجوزي، 2013، 43).

بعدها ينتقل سبط ابن الجوزي الى صفحة أخرى من صفحات الامارة المروانية، وكيفية تحكم أبو على مروان في عاصمة ملكه (ميافارقين)، بمساعدة حاجبه (تيمور)، بعد أن قضى على بعض المناوئين له،” وفيها حكم أبو علي بن مروان على ميافارقين وكان أهلها قد طمعوا فيه وفي أصحابه ،وأهانوهم وغموا بعضهم فشكا إلى حاجبه تيمور – وكان صاحب رأي فقال له : إنك لا طاقة لك بهم وإن كاشفتهم قهروك قال : فما الحيلة؟ قال: أمهلهم إلى يوم العيد، فإذا خرجوا إلى المُصلى فأمسك عليهم الأبواب، وأدخِلْ مَنْ تُريد واطردْ مَن تُريد فصبر إلى يوم العيد، وأظهر زينةً عظيمةً، وجنائب[20] وعُدة، وخرج الناس إلى المصلى، ولم يركب، هو وأظهر أنه مريض، وأوقف أصحابه على الأبواب، فلما حصلوا في المُصلّى أباح لأصحابه نهبهم، ورمى بجماعة منهم: من الأسوار، واختار هو من أمِن منه، وفرق الباقين في البلاد، فماتوا في الطرقات عطشاً وجوعاً، وأخذ أموالهم، فهابه الناس واستقام أمره. ( سبط ابن الجوزي،2013، 74 – 75).

ولمقارنة هذه الرواية بغيرها من الروايات، يلاحظ الباحث أن هناك سوء تفسير في المسألة، فبعد أن تمكن الأمير أبو علي الحسن بن مروان من دفع غائلة الحمدانيين وخطرهم عن مدينتي ميافارقين وآمد، فإنه حاول تثبيت حكمه في هاتين المدينتين باتباع سياسة حكيمة تجلت في ترضية ومهادنة جميع طبقات المجتمع، غير أن سياسته هذه لم يكتب لها النجاح في ميافارقين إلى سنة 384هـ/994م، وهذا ما جعله يشتكي إلى حاجبه “مم”([21]) من سوء تصرفات أهالي ميافارقين معه ومع أتباعه ذاكراً له: “إن هؤلاء مالي بهم طاقة، ولا هؤلاء تحت حكمي، ولا لي معهم أمر…”(الفارقي، 1974، 66)، وقد تطرق الفارقي إلى السبب الذي جعل أهالي ميافارقين يتذمرون من سياسة الأمير أبي علي بن مروان بقوله: “لأن أهل ميافارقين كانوا ميالين إلى بني حمدان، ورغبوا فيهم دون غيرهم”(الفارقي،1974، 66) ، وللتأكيد على هذا الأمر أورد دليلاً فمن هذا الوجه كان الشُّراب – السكارى الذين يشربون الخمر- والجهال  ربما يستطيلون على الجند وأصحاب الأمير إدلالاً عليهم)،(الفارقي،1974، 66).

واستمرت العلاقة بالتدهور بين الجانبين، ومما زادها سوءاً  أن الأمير أبا علي تأثر من حادثة اعتداء على أحد أبناء عمومته عندما دخل إلى السوق، حيث راث فرسه في السوق، وهذا ما جعل أهل السوق إلى إجباره على تنظيف السوق وحمل الروث بنفسه وإلقائه خارجاً، وقد علق الفارقي على هذه الحادثة بقوله: “وكان من أهل البلد متى استطال عليهم جندي أو – كردي– ضرب في وسط السوق حتى يكاد يتلف بغير إذن الأمير ولا وال”.(الفارقي،1974، 76)، وقد جعلت هذه الحادثة الأمير أبا علي يفكر في البطش بهم، واستشار حاجبه (مم) حول إيجاد خطة للإيقاع بهم، فكان جواب (مم)، بأنه ليس لديك القدرة على فعل شيء ضدهم، وإنما عليك التحلي بالصبر،( الفارقي، 1974، 67)، فلما أصر عليه، وضع له حاجبه خطة وهي أن عليه الانتظار إلى يوم العيد، فإذا جاء العيد وخرج الناس للصلاة خارج سور المدينة، وعندئذ عليه أن يغلق الباب دونهم، وبعدها بإمكانه قتل من يشاء واعتقال من يريد.(الفارقي،1974، 67؛ ابا الاثير،1983، 5/485؛ ابن خلدون، د، ت، 4/316).

ولما حلَّ يوم العيد نفذ الأمير خطته، وخدع الناس، وتظاهر بأنه يريد الخروج من البلد لأداء الصلاة حسب المعتاد، وأول إجراء اتخذه هو إلقاء شيخ المدينة ومقدميها (محمد بن أبي الصقر)، وعند ابن خلدون ( أبو الأصفر)،( الفارقي،1974، 67؛ ابن الاثير، 1983، 5/485؛ ابن خلدون، د، ت، 316) من فوق السور، وقتل جماعة من أتباعه وطرد قسماً آخر منهم من المدينة، وهكذا تمكن بهذا الأسلوب من السيطرة على المدينة وتثبيت سلطته فيها، حيث هابه الناس، ولم يبق له منافس في المدينة، واستتب له الوضع إلى آخر عهده.(الفارقي،1974، 67).

ويبدو أن أهالي  مدينة ميارفارقين في تلك الحقبة، لم يكونوا كرداً، أو أنهم أُجبروا على تركها، وإنما كانت الطبقة الحاكمة التي تضم الأمير وحاشيته وأتباعه من الجند (كرداً فقط). ويتجلى هذا واضحاً في إشارة ابن الأزرق الفارقي إلى إحدى نقاط الخلاف بين الأمير وأتباعه من جهة، وأهالي مدينة ميافارقين من جهة أخرى: “وكان من أهل البلد متى استطال عليه جندي أو – كردي- ضرب في وسط السوق…”.(الفارقي، 1974، 67).. وقد توهَّم المؤرخ الكردي ( محمد أمين زكي) عندما عد أبو الصقر شيخ ميافارقين أحد قواد الأمير أبو علي الذين اقتحموا المدينة من الداخل. (أمين زكي، 1961 ، 105)، والصحيح ما أثبتناه في المتن.

 

ومن جهة أخرى فقد ذكر سبط ابن الجوزي ترجمة مفصلة لحياة الامير الكردي أبو الحسن بن مروان، وذكر إسمه الصحيح فضلاً عن تلقيبه ب(صاحب ميافارقين) لأول مرة في مصنفه. (سبط ابن الجوزي، 2013، 18/97)، ولأهمية هذه الترجمة وإلقائها الضوء على كثير من الحوادث التي مر بها الامير الكردي ولم يُشِر إليها مصنفنا في المظان الاخرى سيتم إدراجها:”  أبو علي الكردي، الأمير، صاحب ميافارقين قد ذكرنا  بدايته وما فعل بأهل ميافارقين أو إخراجهم من البلد، فلما تمكن من ديار بكر أرسل إلى حلب فخطب ست الناس بنت الأمير سعد الدولة شريف بن سيف الدولة بن حمدان، ونقدها مئتي ألف درهم، وشرطوا عليه أن يدخل بها في آمد ويكون مُقامه بها، فبعث إليها أعيان نساء ديار بكر وفي جملتهم بنت الخطيب أبي طاهر محمد بن عبد الرحيم  بن نباتة، وجهزت العروس أحسن جهاز، وخرجت من حلب، وخرج الأمير أبو علي الحسن من ميافارقين إلى آمد ليدخل بها هناك، فوصلت العروس إلى الرها، فنزلت بظاهرها، وقد بعث إليها عسكراً عظيماً يتلقاها، وكانت ليلة مقمرة، فخرجت من المخيم في ضوء القمر، فسمعت قائلاً يقول تسمع صوته ولا ترى شخصه : (من المنسرح)

لهفي على فارس  فُجِعتُ به       ارملني قبل ليلة العُرسِ

فارتاعت وعادت إلى الخيمة وهي حزينة، فقالت لها بنت ابن نباتة : ما الذي بكِ؟ فأخبرتها، فقالت: لا تتوهمي، فكأني بك غداً مَلِكَةَ دياربكر، فسمعت قائلاً يقول من وراء الخيمة: قد بقي إن تَّم. فزدادت وهماً، وفي نسخة أخرى هماً، وسارت يومين، وإذا بِغبرة قد أقبلت من أصحاب الامير، فقالت لها أبشري، فلما قَرُبوا خَبَّروا أن الامير قُتِلَ على باب آمِد، فرجعتِ المرأة الى حلب، وعاد النساء الى ميافارقين”. ( سبط ابن الجوزي، 2013، 97).

 

وسبب قتله أنه بعد خروجه  من مدينة ميافارقين أبقى حاجبه (ممو) فيها، واستصحب معه ولده (شروه)، وجعله حاجباً له مؤقتاً وسار بمقاتليه ومعه إخوته، فقال أخوه أبو نصر أحمد في نفسه وقد لاقوا من الوحل والطين شدةً: لئن مكنني الله لأبنين هنا جسراً يعبر الناس عليه، وساروا حتى وصلوا إلى تل العلوية قريباً من آمد فنزل الأمير أبو علي هناك، فخرج إليه عبد البر شيخ آمد، فقدم له هدايا وتُحفاً كثيرةً، وخلع عليه الأمير، فانفرد به (شروه بن ممو الحاجب)، وكان يحـب الأمير أبا نصر، ويكره أبا علي، فقال له: أيها الشيخ، لا تغتر بإكرام الأمير إيَّاك، فإن هذا خديعة منه، ، وما جاء إلا ليوقع بكم كما أوقع بأهل ميافارقين، فخذوا حذركم فقال عبد البر: نحن عبيد الأمير، وتحت طاعته، وحكمه فينا نافذ،  ثم أقام الى آخر النهار، واستأذن الأمير في دخول البلد ليحصل ما يحتاج إليه البلد للقائه، وقد حصل في نفسه من كلام شروه شيء، فلما دخل البلد جمع المقدمين والشطار وقال : قد علمتم جَورَ هذا الامير وظلمه وما فعله بأهل ميافارقين وعرَّفهم ما قال الحاجب، وقال: إذا دخل البلد غداً نثرت عليه الدنانير، فيشتغل بها أصحابه، فأكفونا أمره، ومن باشر القتل فهو أمير المدينة، وتحالفوا على ذلك، فلما طلع الفجر ركب الأمير، وجاء يدخل من باب الماء، فصار في موضع ضيق لا يمشي فيه إلا واحد بعد واحد، فنثر عبد البر على وجهه كفاً من دنانير، فغطى وجهه بكمه، فوثب أبو طاهر يوسف بن دِمنة، فصار خلفه على الفرس، وضربه بسكين في خاصرته، ثم مالوا عليه بالسيوف، فقتلوه وقتلوا جماعةً من الذين دخلوا معه البلد، ولم يدخل معه (شروه) و أحد من إخوته، وركبت العساكر، فرموا برأسه وجُثَّته الى مدينة أرزن([22]) فدُفِن فيها، وبني على ضريحه قُبةُ، ووخلفه في الحكم أخوه أبو نصر ولقب بممهد الدولة، وفُوِض الامور الى شروه وأبيه، وجاء مروان الكردي أبو الأمراء وكان قد عمي ومعه زوجته أم أولاده، فأقام عند قبر إبنه أبي علي، والقبة واقعة في رأس المسجد، شرقي الجسر.(سبط ابن الجوزي، 2013، 18/99).

وخلف أبو علي المقتول ولداً له إسمه الفضل – وقيل: سنحاريب – وكنيته أبو دُلَفْ وكان صغيراً فنشأ مع أعمامه فلما بلغ سن الرشد زوجه عمه نصر الدولة ابنته فاطمة، فأولدها بنتاً سماها فاطمة، وأقام ممهد الدولة مالكاً لديار بكر غير مدينة آمد، وبعث إلى حلب حيث الحمدانيين، لكي يخطب ستَّ الناس على النقد الذي تزوجها عليه أخوه، وحملت فيما إلى ميافارقين، فدخل بها. (سبط ابن الجوزي، 2013، 18/97 – 99)

فيما تشير مصادر أخرى الى الحادث بطريقة مغايرة، على أساس أن العلاقات بين الدولة المروانية  والدولة الحمدانية كان يشوبها التوتر، وذلك في أعقاب الصراع الذي جرى بين الجانبين، وراح ضحيته عدد من الأمراء، فما أن استقر الوضع للأمير أبي علي  بن مروان حتى حاول تحسين العلاقة مع بني حمدان عن طريق الزواج منهم، حيث أرسل في أواخر سنة 386هـ/996م جماعة من أشراف قومه إلى مدينة حلب لكي يخطبوا له ست الناس بنت الأمير سعد الدولة شريف بن سيف الدولة الحمداني، وقد رحب الأمير الحمداني بهذه الرغبة، وأبدى موافقته، فتمت الخطوبة على مهر قُدر بمائتي ألف درهم،(الفارقي، 1974، 72؛ ابن الاثير، 1983، 5/485)، وهذه خطوة لها أبعاد سياسية، تدل على حنكة ودهاء أبي علي الحسن بن مروان.

وكان الأمير أبو علي قد أبدى رغبته في إقامة حفلة العرس في مدينة آمد (دياربكر)، وأنه لهذا الغرض غادر ميافارقين بصحبة (شروه بن مم) في طريقهم إلى ديار بكر.(الفارقي، 1974، 74)، ولما وصل الموكب إلى إحدى ضواحي دياربكر وهو ماء مدينة حاني أمطرت السماء عليهم، فسار الأمير ونزل على تل عال حيث خيم هناك، وجاء لاستقباله شيخ آمد ومقدمها عبد البر.(الفارقي، 1974، 75)، فاجتمع بالأمير الذي أحسن استقباله وخلع عليه، وقبل أن يغادر الموضع، انفرد به شروه بن مم الحاجب وقال له إن هذا الاستقبال الجيد والتقدير الكريم الذي لقيته من جانب الأمير، إنما هو خدعة مبيتة، لأنه لم يأت إلى دياربكر إلا ليوقع بكم كما أوقع سابقاً بأهالي ميافارقين، وهكذا رجع عبد البر، وقد انطلت عليه خدعة شروه.(الفارقي، 1974، 75) ، ولم تورد مصادرنا دوافع شروه من هذه المؤامرة على سيده أبي علي الحسن بن مروان.

فلما دخل شيخ البلد ديار بكر جمع أتباعه ووضع لهم خطة لاغتيال الأمير بمجرد دخوله المدينة، وقد أشار الفارقي إلى هذه الخطة بقوله: “إذا دخل – يعني الأمير أبو علي- في الباب فأنا أشغله عنكم بالنثار([23]) عليه، وأما أنتم فاضربوه بالسيوف، ونغلق الباب وقد كفينا أمره، ومن باشره منكم بالقتل كان أمير المدينة…”(الفارقي، 1974، 76)، بينما ذكرها ابن الأثير بصيغة أخرى ولعله استقى بعض أجزاء هذه المؤامرة من مصادر أخرى، إذ يقول نقلاً عن لسان مقدم المدينة عبد البر: “قد صح عزم الأمير على أن يفعل بكم مثل ما فعله بأهل ميافارقين، وهو يدخل من باب الماء الذي يشرف على نهر دجلة  ويخرج من باب الجهاد، فقفوا له في الدركاه (الباب في اللغة الكردية) وانثروا عليه هذه الدراهم، ثم اعتمدوا بها وجهه، فإنه سيغطيه بكمه، فاضربوه بالسكاكين في مقتله…”( ابن الاثير، 1983، 5/485؛ ابن خلدون، د، ت، 4/ 316).

وفي اليوم التالي وعندما دخل الأمير أبو علي مدينة ديار بكر من باب الماء، نفذت الخطة، ونثر عبد البر الدراهم في وجهه، وتولى قتله (أبو طاهر يوسف بن دِمنة) عن طريق ضرب رأس الأمير  بعاقوفة([24]) كانت بيده، وفي رواية عن طريق ضربه بالسيف في خاصرته( الفارقي، 1974، 77)، وتم قتل الأمير وبعض أتباعه ممن دخلوا معه المدينة، أما أخوه أبو منصور وأفراد جيشه، فكانوا خارج المدينة، فلما قتل الأمير وقع الهرج والمرج، تقدم شروه وقال يا قوم: “اعلمونا بالخبر! إن كان صاحبنا حياً فعرفونا، فرمى برأسه إليه وجثته فأخذها شروه…”(ابن الاثير، 1983، 5/485) ، وأعلم أخوه الأمير منصور بذلك فعاد بالجيش إلى ميافارقين، وتم نقل جثة الأمير أبي علي إلى مدينة أرزن حيث دفن فيها، وبنيت على ضريحه قبة، واستقر عندها والده أبو الأمراء مروان وزوجته فهو قد عمي من الحزن عليه، وكان قتله في أواخر سنة 387هـ/997م. (الفارقي، 1974، 77؛ ابن الاثير، 1983، 5/ 485؛ ابن العبري، د، ت، 173؛ ابن خلدون، د، ت،4/ 316).

 

وفي آخر المطاف يذكر سبط ابن الجوزي أن الامور قد تفاقمت بينه وبين قرواش حاكم الموصل” وفيه فسد الحال بين قرواش صاحب الموصل وأبي نصر بن مروان صاحب ميافارقين، وسببه أن قرواشاً زوج ابنته أبا نصر وحملها إليه، فأقامت عنده مدة فأضارها وهجرها فكتبت إلى أبيها تطلب نقلها إليه، فنقلها، ثم كتب أبو المنيع يطلب صداقها عشرين ألف دينار، ويطلب منه منه تسليم مدينة نصيبين، وجمع جمعاً كبيراً من الأكراد وغيرهم، ونزل برقعيد   بمرج الروم، وبعث قرواش فحاصر نصييبن، فقاتله من بها، وطال عليه الأمرُ، وضاقت به الميرة، فقال أبو الحسن بن الجلبان لابن مروان: لا طاقة لك بهذا الرجل، فاجعل المِنة لك عليه. فقبل منه، وأعطاه نصيبين، ومن صداق ابنته عشرة آلاف دينار، واصطلحا”. ( سبط ابن الجوزي، 2013، 18/ 347 – 348).

 

وفي الاخير يذكر سبط ابن الجوزي ترجمة لسيرة حياة الامير أحمد بن مروان الملقب ب(نصر الدولة) أمير ميافارقين ودياربكر، يبدو أنها نقلها من تاريخ الفارقي، ولكن عند المقارنة بين الكتابين يلاحظ الباحث أن هناك معلومات وردت في تاريخ سبط ابن الجوزي ولم ترد في تاريخ الفارقي، إذ يقول:” قد ذكرنا بداية أمرهم ومقتل أخاه ممهد الدولة في سنة إحدى وأربع مئة، وإقامة أحمد مقامه، ولقبه القادرُ ( الخليفة العباسي) نصر الدولة، واستولى على ديار بكر وميافارقين وله اثنتان وعشرون سنة، فأقام والياً ثلاثاً وخمسين سنة، وأحسن السيرة، وعمر الثغور وحصَّنها، وأمنت  الرعية في زمانه، ووَزَر له أبو القاسم المغربي([25]) مرتين، وعنده مات، ووزر له فخر الدولة محمد بن جَهير وكان عنده الحبل الياقوت الأحمر الذي كان لبني بويه، اشتراه من ورثة الملك أبي منصور بن أبي طاهر، وأنفذه إلى طغرلبك مع هدايا كثيرة تساوي ثلاث مئة ألف دينار، ومعها مئة ألف دينار عيناً، وهذا الحبل الياقوت هو الذي قدمه السلطان للخليفة لما نزل من الحديثة واجتمع به في البهو، وكان أبو نصر مُدارياً للملوك ، إذا قصده عدو يقول: كم مقدار ما تنفق لرده؟ إذا قيل له : مئة ألف دينار مثلاً ، بعث بها إلى العدو ليدفع شره وأمن على عسكره من المخاطرة. وكان جواداً سخياً، والرعية معه آمنون على أموالهم وحريمهم، وتزوج عدةً من بنات الملوك، ولم يتنعم أحدٌ من الملوك مثل تنعمه، كان في قصره ثلاثة آلاف جارية عمالات، يبلغ شرى( شراء) الواحدة من ألف دينار إلى خمسة عشر ألف دينار، وملك خمس مئة سُرِّية ( جارية) سوى توابعهنَّ وخمس مئة خادم وكان في مجلسه من الأواني والآلات والجواهر ما تزيد قيمته على مئتي ألف دينار، ورأى من الالتذاذ بالدنيا والراحة ما لم يره غيرُه ورخصتِ الأسعار في زمانه، وتظاهر الناس بالأموال، ووفد إليه الشعراء، وسكن عنده العلماء ،والزُّهُّاد، وبلغه أن الطيور تخرج من الجبال إلى القرى في الشتاء فتصاد، فتقدم بفتح الأهراء، وأن يُحمَلَ إليها من الحب ما يُشبِعُها عنه ، فكانت الطيور في ضيافته طول عمره، ولا يتجاسر أحد أن يصيد طيراً. ؟”.( سبط ابن الجوزي، 2013، 19/125).

يبدو أنَّ هناك مبالغة من قبل المصادر في عدد جواري الامير أحمد بن مروان( نصر الدولة) والحياة الخاصة التي كان يعيشها، فضلاً عن ذلك في عدد الآلآت والجواهر النفيسة التي كان يملكها.

وتجدر الاشارة إليه أن رسل ثلاثة من الخليفتين العباسي والفاطمي وملك الروم البيزنطي قد حضروا الى عاصمة ملكه مرةً واحدةً “وبعث له القائم بأمر الله الخلع السنية، وفيها الطوق والسواران ما عدا التاج، وكان فيها فرش بمركب ذهب من مراكب الخليفة، وجاءه من مصر هدايا وتحف وخلع واجتمع ولقبه صاحب مصر عن الدولة، وجاءه رسول ملك الروم بالهدايا والتحف، واجتمع الكل عنده، فأحضرهم وجلس في قصره، وأجلس رُسُل الخليفة عن يمينه، ورسل صاحب مصر عن شماله والرومي بين يديه، ولبس خلعة الخليفة، وأعطى الرسل عطاءً عظيماً، ومالاً كثيراً، وخلعاً سنية، فانصرفوا شاكرين، وأوقف الأوقاف على أبواب البر والصدقات وأدار رسوم ميافارقين، وقصده الشعراء، وامتدحه التهامي بقصائد.( سبط ابن الجوزي، 2013، 19/125 – 126).

 

ومن جانبه يذكر السبط بأنه قد اطلع على تاريخ ميافارقين بقوله:” ورأيتُ في تاريخ ميافارقين أن الملك العزيز بن بويه وفد عليه، وقدَّمَ له الحبل الأحمر الياقوت، ومصحفاً بخط علي عليه السلام، وقال له: قد حملت إليك الدنيا والآخرة. فقبل الجميع، وقدم له أموالاً كثيرة، وتحفاً عظيمة، وأنزله بأسعرد، فأقام بها إلى أن توفي مُكرَّماً، وحمل تابوته إلى الكوفة، فدفن عند أهله، وكان أبو نصر مع لذاته واشتغاله بما كان فيه لم تفته صلاة الفجر في وقتها طول عمره، ولا ظلم أحداً من خلق الله تعالى ولا تعدى على أحد، ولا مد عينيه إلى حريم أحد، ولا خلا بامرأة ليست له بمحرم. وقيل لبعض أصحابه : قد قيل: إن أيام نصر الدولة كانت ثلاثاً وخمسين سنة. فقال : لا، بل مئة وست سنين. قيل : وكيف؟ قال: لأن لياليه كانت أحسن من أيامها. ( سبط ابن الجوزي، 2013، 19/126).

 

وبمقارنة ما ذكره السبط حول تاريخ ميافارقين لتاريخ الفارقي، يمكن القول بأنه بعد أن استقر الوضع للأمير أبي  نصر، وسيطر على مقاطعة ديار بكر ما عدا مدينة آمد، وصل في شهر ذي الحجة سنة 403هـ/1013م قبل عيد الأضحى بثلاثة أيام رسول من قبل الخليفة العباسي القادر بالله، ومعه حاجب الملك البويهي سلطان الدولة بن عضد الدولة أبو الفرج محمد بن أحمد بن مزيد، حاملين معهما الخلع والتشريف والمنشور بإمارة مقاطعة ديار بكر بأجمعها من الخليفة والسلطان معاً (الفارقي، 1974، 108؛ ابن شداد، 1981،ج3، ق1، ص351)، فضلاً عن منحه لقب (نصر الدولة وعمادها ذي الصرامتين) ( الفارقي، 1974، 108).

ومن لطائف القدر أن رسول الخليفة الفاطمي الحاكم بأمره، قد وصل في عشية ذلك اليوم ومعه الخلع والتحف والهدايا، كما لقب الأمير نصر الدولة بن مروان من قبله أيضاً (بعز الدولة ومجدها ذي الصرامتين).( الفارقي، 1974، 109)، وفي صباح اليوم التالي وصل رسول من الملك البيزنطي  بسيلوس الثاني ومعه القود([26]) والجنائب([27] ) والتحف ما لا يوصف على حد وصف ابن الأزرق الفارقي( الفارقي، 1974، 109 – 110)، وفي اليوم الرابع أهل هلال عيد الأضحى المبارك، فجلس نصر الدولة على السرير الملكي لتقبل تهاني الناس له، وجلس على يمينه رسول الخليفة العباسي والسلطان البويهي، فيما جلس رسولا ملك مصر وملك الروم على يساره وقُرأت المناشير التي أرسلها الخليفة والملوك بحضور الأمراء والقادة، ولبس الأمير الخلع، وخلع الأمير على الرسل من الخلع الثمينة ما لا تقدر بثمن( الفارقي، 1974، 110). وهذا ما جعل الفارقي يمدح نصر  الدولة ويثني على تقدير الدول الثلاث الكبرى له واعترافها به قائلاً: “وحصل له الاسم عند الخلفاء وغيرهم من الملوك، ولم يكن أسعد منه غيره…”( الفارقي، 1974، 176 – 177).

 

وفي السياق نفسه يذكر السبط رواية لا تجدها في المصادر الاخرى، وهي أن منجماً جاء من بلاد الهند، فأكرمه الامير وقال له يوماً:” أيها الأمير يخرج على دولتك بعدك رجل قد أحسنت إليه وأكرمته، فيأخذ الملك من ولدك، ويقلع البيت، ولا يلبث إلا مدةً يسيرةً ويؤخذ، وكان الوزير ابن جهير واقفاً على رأسه، فرفع رأسه إلى الوزير وقال: إن كان هذا صحيحاً فهو هذا الشيخ، فقبل ابنُ جَهير الأرض وقال الله الله يا مولانا، ومن أنا؟ قال: بلى، إن ملكت فأحسن إلى ولدي. وكان ابن جهير قد اطلع على الخزائن والذخائر وارتفاع البلاد، فقال ابن جهير لبعض أصحابه من يوم ما قال المنجم ما قال: وقع في قلبي صحة كلامه فكان كما قال…”. (سبط ابن الجوزي، 2013، 19/126).

فلما مات الأمير في التاسع والعشرين من شهر شوال سنة 453هـ/  المصادف 6 تشرين الاول1061م دفن بجامع المحدثة([28]) بميافارقين، ثم بنت له ابنته ست الملك  قُبةً بجانب الجامع، ونُقل إليها، وكان قد عهد إلى ولده نظام الدين أبي القاسم نصر بن أحمد بدلاً من أخيه الاكبر أبو الحسن سعيد، وكان ابن جهير المذكور آنفاً في نبؤة المنجم الهندي هو الوزير، فبايع ابن جهير والناسُ أبا القاسم نصر بن أحمد، واستقر الأمر له، ولم ينازعه أحدٌ من بني أعمامه وإخوته، ثم نازعه أخوه سعيد، فلم يقدر عليه فسار إلى باب السلطان السلجوقي طُغْرُلْبَك طالباً الدعم منه ، للحلول محل أخيه في دِفة الحكم، فأرسل معه جيشاً  يقدر بخمسة آلاف فارس، فنزلوا على باب ميافارقين، فخرج الوزير ابن جهير إلى الامير سعيد بن أحمد بن مروان فتمكن من عقد الصلح بين الاخوين بعد أن منح بعض المال والاقطاعات للأخير،  وتمكن من صرف جيش السلطان طغرلبك عن ميافارقين، وأقام سعيد عند أخيه مُكرَّماً .( سبط ابن الجوزي، 2013، 19/127).

وفي سنة455هـ /1063م بعث الخليفة العباسي القائم بأمر الله رسولاً الى الامير نظام الدين يطلب منه ارسال الوزير ابن جهير إليه، فجهزه في أحسن زي وأجمل جهاز، وبعث معه بالتحف والهدايا والأموال، فاستوزره الخليفة، فكان بنو مروان يفتخرون ويقولون: وَزَر لنا ابنُ المغربي وزير الحاكم خليفة مصر، ووزر وزيرنا للخليفة. ثم كان زوال أمر بني مروان على يد ابن جهير سنة 477هـ/1084م”. (سبط ابن الجوزي، 2013، 19/127).

وفي شهرمحرم سنة 477هـ/1085م تُوفِّي سعيد بن مروان صاحب آمد، وكان أخوه نصر بميافارقين، ويقال: إن  الامير نصر إتفق مع أبي الفرج الخازن على أن يُسقي سعيداً السُّم، فسقاه، فلما شربه أحس به، فقال لأصحابه: إقتلوا هذا الكلب، فقد سقاني السم، فقتلوه، ولم يظفر نصر من آمد بطائل وكان لسعيد ولد صغير اسمه مسكويه، فأجلسوه مكان أبيه، وإنحرف أهل البلاد على نصر وسبوه، ونفروا منه.( سبط ابن الجوزي، 2013، 19/257).

 

لما مات سعيد أخو نصر مسموماً أقام أهل آمد ابنه مكانه، وكان صغيراً، وقام بأمره أبو علي بن البغل القاضي، وخطب له واستدنى أميراً من الغُز – كان بتلك الديار ومعه جماعة – إلى آمد، وتقوى بهم خوفاً من نصر فراسل نصر زوجة أخيه والدة الصبي المتآمر، وأطمعها في تزويجه بها، وبذل لها مالاً، فأجابته وتوافقا على القبض على القاضي، فدخل القاضي يوماً على ولدها على عادته فقبضت عليه، ووثب أهل البلد إلى دار القاضي ونهبوها، وكان فيها شيء كثير للتجار في الأمصار وودائع، وبعثت إلى نصر، فجاء وقرب من آمد، وعلم بَرَّجان أميرُ الغُزّ، فهرب، فوقع به قوم من بني تميم، فأسروه، وجاء نصر إلى باب الهُوَّة ففتحت له، ودخل القصر، وأحضر وجوه البلد وطيب قلوبهم، وقرر على القاضي خمسة ويثلاثين ألف دينار، واعتقله على أدائها، وجاء بنو تميم ببرجان، فابتاعه منهم، وبعث به إلى ماردين فرمي من أعلى سورها فمات.

ولما اجتاز نظام الملك وزير السلطان السلجوقي ملكشاه مدينة ميافارقين، قام باعتقال شقيق الامير نظام الدين (سعيد) وبعث به إلى الهياج لأن نظام الملك منحه هدايا وأموالاً حتى يستميل إليه دون أخيه سعيد،

وبخصوص مرور السلطان السلجوقي (ألب أرسلان) في منطقة ديار بكر، قاصداً ملاذكرد لقتال ملك الروم البيزطي (رومانوس الرابع) خرج إليه أبو الحسن سعيد بن مروان وخدمه، وكان مستوحشاً من أخيه نظام الدين، فلما وصل السلطان إلى ميافارقين خاف منه نظام الدين، فدخل إليه نظام الملك إلى القصر، فسأله عن أخيه سعيد، فأخبره أنه قد التجأ إلى السلطان، وكان في نية السلطان أن ينصره، وقدَّم لنظام الملك من الجواهر والأموال والتحف شيئاً كثيراً، وخرج أخوات نظام الدين وبناته وزوجته، فمسكوا بذيل نظام الملك وقالوا: قد استجرنا بالله وبك. فقال: والله لأخرجَنَّه من عندكم أميراً، ولأعيدنه سلطاناً. ثم خرج نظام الدين مع نظام الملك إلى السلطان الب ارسلان، وقدَّم له من الأموال والجواهر ما ملأ عينه، فقال له نظام الملك: إن الحريم قد تمسَّكن بي في عوده إليهم كما تريد، فقال السلطان: قد حلفتُ لأخيه سعيد، فقال: دعني وإيَّاه وركب السلطان إلى الصيد، وبعث نظام الملك إلى سعيد فقيده وحمله على بغل إلى الهياج، فاعتقل فيه، وعاد السلطان من الصيد، فخلع على نظام الدين خلع السلطنة، وردَّه إلى ميافارقين، وقال له نظام الملك: ضمنتُ لأهلك أني أعيدك إليهم  سلطاناً، وما لنا غير سلطان واحد، ولكن أنت سلطان الأمراء ولقبه بذلك، وعاد إلى ميافارقين، وغادر السلطان وطالت مدة سعيد في الحبس، فكتب سعيد إلى أخيه يستعطفه ويُرقِّقه ويحلف له، فاستدعاه إلى ميافارقين، وأحسن إليه  وأطلقه، وكان ينادمه ويشربان وينادمان معاً، فجاء خادم له يدعى (فروخ)  في إحدى الليالي فقال: قد جاءتك الفرصة للتخلص من أخيك الأمير نظام الدين، هو نائم سكران، قُم فاقتُلْهُ، وتحكم بالبلاد، فقال له: ويلك يكون أخي ابن عجب، وأنا ابن الفضلونية([29]) وأغدر به، لا والله لا يكون هذا الامر أبداً،  ثم انتبه نظام الدين وتحادثا، معاً وسلمه مدينة آمد، فأخرج وأقام بها، وندم نظام الدين على تسليم آمد إليه. ( سبط ابن الجوزي، 2013، 19/255 – 256).

ففي الوقت الذي كان بامكان سعيد (ابن الحرة)أن يقتل أخاه الأمير نظام الدين، غير أنه أخوه الامير نظام الدين( ابن الجارية) كان على العكس منه، فقد ندم على تسليم مدينة آمد الى أخيه سعيد، فاستدعى جارية حسناء ودفع إليها منديلاً وقال: إذا كان أخي معك في ذلك الوقت فادفعي إليه هذا المنديل، ووعدها أن يتزوجها، وبعث بها إلى سعيد، فشغف بها شغفاً عظيماً، فلما كان معها في بعض الليالي ناولته المنديل، فمسح به مذاکیره، فسقطت ومات وعادت آمد إلى سيطرة نظام الدين من جديد، ولم يبق له منازع، وبالتالي أصبح أخوته وبنو عمه رهن إشارته و تحت حكمه.( سبط ابن الجوزي، 2013، 19/256 – 257).

و مما تجدر الإشارة إليه، أنه كان لفرسان الدولة المروانية، دور كبير في انتصار المسلمين بقيادة السلطان السلجوقي ألب أرسلان على الروم البيزنطيين بقيادة الامبراطور رومانوس الرابع في معركة ملاذكرد عام 463هـ/1071م

وكان السلطان السلجوقي ألب أرسلان قد تولى الحكم بعد وفاة عمه طغرل بك، وقد حاول احتلال الجزيرة الفراتية وبضمنها مدينة حلب كتمهيد للتقدم نحو الجهات الجنوبية من بلاد الشام، ولكنه أخفق في مهمته أمام أسوار حلب المنيعة بالرغم من ضخامة جيشه، ولكنه مع هذا تمكن من إرغام سيد حلب محمود بن نصير، زعيم قبيلة كلاب العربية على تقديم الطاعة له (ابن الاثير، 1983، 6/245)، وبعدما عبر أرسلان نهر الفرات ووصل إلى مدينة خوي([30])، تلقى معلومات تفيد بتحرك جيش بيزنطي عملاق، يقوده الملك رومانوس الرابع ديوجينيس 1067-1071م شخصياً.

وكان السلطان ألب أرسلان قد غيرَّ إتجاهه بالحال، وسيرَّ أثقال الجيش مع زوجته ووزيره نظام الملك إلى همدان، أما هو فقد قاد ما تبقى من جيشه ووصل إلى منطقة ديار بكر، والتحق به الأمير سعيد بن نصر الدولة حاكم آمد ونزلا معا على الحرشفية([31])، على شاطئ نهر دجلة( الفارقي، 1974، 187).

أما ملك الروم فقد وصلت مقدمة جيشه الضخم، الذي بلغ عدده حوالي مائتي ألف رجل على خلاف بين المؤرخين إلى مدينة (خلاط)، وقد طلب السلطان ألب أرسلان من ملك الروم المهادنة، فقال: لا هدنة إلا في الري(ابن الاثير، 1983، 6/246) يقصد بها عاصمة السلاجقة، وهنا لم يبق أمام السلطان من مفر إلا أن يقاتل الروم، رغم قلة عدد جيشه وعدم إستطاعته طلب النجدة لبعده عن الري، ولكن يظهر أن الأمير نظام الدين بن نصر الدولة المرواني قد أنجده بقوة كبيرة من المقاتلين الكرد، لإنقاذه من هذا المأزق الخطير حيث يقول سبط ابن الجوزي بهذا الصدد: “وكان قد اجتمع عليه عشرة آلاف من الأكراد، وإنما اعتماده بعد الله تعالى على الأربعة ألف الذين كانوا معه”(سبط ابن الجوزي، 2013، 19/236)، بينما ذكر ابن أبي الهيجاء أن السلطان ألب أرسلان عندما سمع بحشود الروم البيزنطيين لم يتمكن من جمع العساكر لضيق الوقت وقرب العدو، فسار بمن معه من العساكر وهم خمسة عشر ألفاً فقط، منهم عشرة آلاف من الأكراد( ابن أبي الهيجاء، 1993، 118 – 119)؛ وهذا دليل  على المشاركة الكردية الكبيرة في هذه المعركة الفاصلة التي كانت أحد أسباب الغزو الصليبي للمشرق  الإسلامي فيما بعد.

ومهما يكن من أمر فقد إصطدم الجيشان في معركة فاصلة، في موضع يعرف بالرهو بين مدينتي خلاط ومناذكرد، في شهر ذي القعدة سنة 463هـ/1071م وأسفرت نتيجتها عن هزيمة ساحقة للبيزنطيين، وتم أسر ملكهم رومانوس الرابع، فضلاً عن وقوع آلاف القتلى البيزنطيين. (ابن الجوزي، 1992، 16/125؛ ابن الاثير، 1983، 6/247).

ويذكر الفارقي بأن السلطان ألب أرسلان بعد انتصاره في المعركة، عاد إلى أذربيجان وجعل مدينتي خلاط ومناذكرد تحت حكمه المباشر من خلال تعيين واليين من قبله على هاتين المدينتين؛ وهكذا خرجت هاتان المدينتان عن حكم الإمارة المروانية ( الفارقي، 1974،  190).

ففي الوقت الذي كان على السلطان ألب أرسلان، أن يكافئ الإمارة أو الدولة المروانية ممثلة بأميرها نظام الدين، التي ساندته في هذه اللحظة الحرجة من التاريخ الإسلامي، قام بالسيطرة على مدينتين وعين عليها واليين من قبله، ولعله بهذا الإجراء حاول تشديد قبضته على هذه المنطقة الحيوية لما تشكله من مفتاح للتقدم داخل الأراضي البيزنطية في مرحلة لاحقة.

 

ولما مات نظام الدولة سنة 472هـ/1079م  ولي بعده ناصر الدولة منصور، ودفن عند أبيه نصر الدولة، وخلف ثلاثة أولاد: منصور وبهرام وأحمد، وكان وزيره أبو طاهر ابن الأنباري فدبر الملك، وكان قد تقدم عند الأمير طبيب يقال له: أبو سالم، وكان عطاراً بسوق العطارين بميافارقين، فتقدم عليه، حتى أشار عليه بالقبض على ابن الأنباري، وولى منصور الطبيب فاستبد بالأمور، وكتب أبو نصر بن محمد بن جهير إلى السلطان السلجوقي ملكشاه، يخبر بما في الخزائن والقلاع التابعة للدولة المروانية من الأموال والجواهر، ويقول: أنا خدمتُ فيها مدةً وأعرفها، فجهَّز إليه العساكر ومضى فحصر ميافارقين وآمد، وقصد منصور باب ملكشاه وبعث ملكشاه إلى أرتُق بك، فساعد ابن جهير، وضايقوا ميافارقين، وقطعوا أشجارها وشفع الأمراء في منصور، فقالوا للسلطان: بأنه أي الامير منصور بن نظام الدين سوف يقنع بمدينة بميافارقين، وتكون آمد وباقي البلاد لنا. ولكن وزير المنصور الطبيب النصراني (أبو سالم الطبيب) في ميافارقين وجماعة من الأمراء، كتبوا إلى  الامير منصور، وقالوا له: لا تنزل عن ملكك، فلو أقاموا عشر سنين ما قدروا علينا. فرجع عن ذلك الرأي، وطالبه السلطان بتسليم آمد، فامتنع.( سبط ابن الجوزي،2013، 19/349).

ويبدو للباحث أن توقعات المنجم الهندي قد جاءت في محلها رغم أنَّ المنجمين كذابين وإن صدقوا، عندما ذكر بأن أحد الاشخاص المقربين من الأمير المرواني سوف يقوم بإسقاط الامارة وتسليمها الى آخرين، وبالفعل يذكر سبط ابن الجوزي أن الوزير (محمد بن محمد بن جهير) هو الذي أطمع السلطان ملكشاه في مملكة بني مروان على حد تعبير سبط ابن الجوزي،” وتحدث على بني مروان، وأطمعه في مملكتهم، فأزالها، وفتح ميافارقين وآمد وديار بكر، وخطب له على المنابر بها، وكان يبعث بالأموال إلى ولده عميد الدولة من ميافارقين، وعميد الدولة عند السلطان. وكان مما أنفذ له مائدة بلور، دورها خمسة ،أشبار، وقوائمها منها، وأقداح بلور ليس لها قيمة، وبعث إليه خُفاً من ذهب فيه الشبحة التي كانت لنصير الدولة، وكانت مئة وأربعين حبة لؤلؤ، وزن كل حبة مثقال وزيادة، وفي وسطها الحبل الياقوت، وقطع بلخش(نوع من الجوهر يُؤتى به من بَلْخَشان الواقعة في بلاد التُّرك في آسيا الوسطى)، قيمة الجميع ثلاث مئة ألف دينار.( سبط ابن الجوزي، 2013، 19/427).

واستولى  الوزير المرواني السابق ابن جهير على أموال  ديار بكر، وأخذ من الوزير المسيحي أبي سالم الطيب ألفي ألف دینار( مليونا دينار) سوى الجواهر واليواقيت، ولما بلغ السلطان ملكشاه هذا الأمر إستدعاه إلى بابه، ففكر بعصيان الأوامر، ثم فكر، فعلم أنه لا يقدر على ذلك وابنه (عميد الدولة) موجود عند السلطان، فجاء إليه وقد رجع من مدينة حلب الى العاصمة، حيث ولى السلطان  ديار بكر للعميد (قوام الدين أبي علي البلخي)، فسار إليها، وكان فقيهاً عفيفاً، فكان يجلس للدرس من بكرة إلى قريب الظهر، ثم يمضي إلى الديوان فيقضي أشغال الناس إلى العصر، وأظهر العدل والإحسان.( سبط ابن الجوزي، 2013، 19/427

 

ويستطرد سبط ابن الجوزي بالحديث عن نهاية الدولة المروانية، ومحاولة الأمير منصور بن نظام الدولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه عندما يقول:” وذكرنا قصد صاحب ميافارقين (الامير الاخير منصور) باب السلطان( ملكشاه) وأنه لم يلتفت عليه لخسة نفسه، فلما فتحت بلاده قال السلطان قولوا له: إيش يريد؟ فجاءه الرسول فقال: إيش تريد حتى يعوضك السلطان؟ فقال: نريد حربة تقع في صدره تخرج من ظهره، فقيل للسلطان: قد طلب حربى (قرية تقع قرب بغداد) ارتفاعها ثلاثون ألف دينار، فأقطعه إياها، فأقام بها حتى مات ملكشاه.

وكان أبو سالم الطبيب قد حبس الوزير أبا طاهر بن الأنباري بميافارقين، فأطلقه ابن جهير، وبعث به إلى حصن كيفا وبها خادم يقال له: ياقوت، وناظر يقال له : الحسن علي بن الأزرق، فقيل لفخر الدولة: إن ابن الأنباري قد عرف أموال بني مروان وذخائرهم، فإن أطلقته ربما مضى إلى السلطان وأخبره بما وصل إليك، فبعث إلى ياقوت الخادم وابن الأزرق يأمرهما بقتله، فقال ابن الأزرق للخادم: هذا رجل كبير القدر، وربما عزل ابن جهير من البلاد فلا تقتله، قال: وكيف أعمل؟ قال: أظهر موته وأخفه فقال الخادم لابن الأنباري: تمارض أياماً. ففعل وعاده الناس والأطباء، ثم أظهر موته، وأخرج جنازة وصلى عليها الناس، وكتب إلى ابن جهير بذلك، وأثبت موته على القاضي، ثم ظهر ابن الأنباري بعد مفارقة ابن جهير البلاد، ولم يأخذ أحد من الوزراء من الأموال والجواهر ما رأى ابن جهير من بلاد بني مروان، ولم تزل الأقدار تتقلب به حتى عاد إلى الموصل فمات بها.( سبط ابن الجوزي، 2013، 427 – 428).

وكان قد سأل السلطان لما رأى تغيره عليه، أن يأذن له في المقام بالموصل، فأذن له، فمرض في رجب، وتُولّي، فحمل أمراء بني عقيل جنازته إلى تل التوبة شرقي الموصل، فدفن به.

وهكذا سقطت الدولة المروانية بعد أن حكمت  أكثر من قرن بسبب فساد وزراء الدولة، والصراع الذي كان يجري بين أمراء البيت المرواني.

 

[1] . سجستان: ناحية كبيرة وولاية واسعة واسم مدينتها  زرنج، والمسافة بينها وبين هرات 80 فرسخاً (480كم) وأرضها كلها رملة سبخة، وقال الاصطخري: أرض سجستان سبخة ورمال حارة بها نخيل ولا يقع بها الثلج، وقال حمزة في اشتقاقها واشتقاق أصفهان: إن إسباه وسك اسم للجند والكلب مشترك وكل واحد منها اسم للشيئين فسميت أصبهان والأصل أسباهان وسجستان والأصل سكان وسكستان لأنهما كانتا  بلدتي  الجند. أنظر: (ياقوت، 1979، 3/190)؛ وحالياً تطلق  على سجستان اسم بلوشستان وتقع أراضيها  في إيران وباكستان وأفغانستان.

[2] . خراسان: تطلق كلمة خراسان في اللغة الفارسية القديمة على البلاد الشرقية واستمرت هذه التسمية حتى أوائل القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، أما البلدانيون المسلمون فقد أطلقوا خراسان بوجه عام  على جميع الأقاليم الإسلامية في شرق المفازة والصحراء حتى حد جبال الهند. ينظر: (هوتسما، خراسان، 8/ 282)؛ أما حافظ أبرو فقد ذكر في تاريخه أن خورسان يعني  آفتاب مانند ومعناه بالعربية شبيه الشمس. ينظر: حافظ أبرو: تاريخ حافظ أبرو، 1982، 2/ ص12؛ فيما أورد محمد معين في مادة خراسان من معجمه كلمتين (خورآستان مشرق) وتعني بلاد الشمس المشرقة. ينظر: (محمد معين ، تهران، 1363 شمسي ، 5/ 486)؛ وخراسان مقسمة حالياً بين ثلاث دول هي افغانستان وإيران وتركمنستان، ينظر:( دائرة المعارف الإسلامية، ج8، ص282.

[3] . ابن طولون: هو أبو العباس، الأمير، صاحب الديار المصرية والشامية والثغور، تركي مستعرب، كان شجاعاً جواداً حسن السيرة، يباشر الأمور بنفسه موصوفاً بالشدة على خصومه وكثرة الإثخان والفتك فيمن عصاه، بنى الجامع المنسوب إليه في القاهرة، ومن آثاره قلعة يافا في فلسطين. ينظر:( الزركلي، 1993، 1/137.

[4] . الزنج: جماعة من الرقيق السود، تواجدت في العراق بالمنطقة الممتدة ما بين البصرة وبحر فارس (الخليج العربي) في النصف الأول من القرن الثالث الهجري، عمل أفرادها في الزراعة وأعمال السخرة، ارتبطت باسمهم صورة تعرف باسم ثورة الزنوج قادها رجل من أهل فارس اسمه علي بن محمد، ادعى أنه من سلالة زين العابدين بن الحسين وأعلن إمامته في البحرين ثم انتقل  إلى منطقة البصرة، وثار على الخلافة العباسية سنة 255هـ/869م في خلافة المهتدي محمد واستطاع أن يلحق الهزائم بجيوش الخلافة عدة مرات، وقام أتباعه بأعمال شنيعة في البصرة وضواحيها  كالقتل والتخريب، حتى تراوح عدد القتلى إلى أكثر من مليون، انتهت هذه الحركة بمقتل المدعي علي بن محمد وعدد من قادته سنة 370هـ/883م من قبل أحمد الموفق  شقيق الخليفة العباسي. ينظر: (الطبري، د،ت، 9/470 وما بعدها).

[5].  القرامطة: فرقة من غلاة الشيعة الإسماعيلية نشأت في الكوفة بالعراق، تنسب إلى حمدان بن قرمط، لقب بذلك     لقرمطة في خطه أو في خطوه، وكان في ابتداء أمره أكاراً من أكرة سواد الكوفة، تميزت حركتهم بالتنظيم الدقيق، تمكنوا من إنشاء دولة لهم في البحرين بقيادة أبو سعيد الجنابي، وامتد نفوذهم ليشمل الأحساء والشام وشكلوا خطورة على الخلافة العباسية. أنظر: (الأشعري، 1958، 98)؛ (البغدادي، 1990، 282، 283).

[6] . أمير الأمراء: القائد العام للجيش، منصب استحدثه الخليفة العباسي الراضي بالله سنة 324هـ لما أخذ صغار قادة الجند يتدخلون في شؤون الخلافة، حيث فوض الخليفة الأمر إلى محمد بن رائق شريطة أن يقوم بتوفير الأموال التي تحتاجها الخلافة. ينظر: (الموسوعة العربية الميسرة بإشراف محمد شفيق غربال، ، 1965، 1/229؛ (السامرائي،  1988، ص77؛ ابن الأثير،1983، 5/185؛ ابن تغري بردي، د،ت، 3/258؛ ابن خلدون، د،ت، 3/411).

[7] . ابن رائق: صاحب  واسط والبصرة، طلبه الخليفة العباسي الراضي ليقلده منصب أمير الأمراء سنة 324هـ، قتله ناصر الدين الحمداني سنة 330هـ. ينظر: (ابن خلدون،د،ت، 3/402، 403، 411؛ المنجد في الأعلام، 1992، 8).

[8] . الديلم: جزء جبلي من إقليم الجيلان، يحده من الشمال بحر الخزر (قزوين) ومن الجنوب نواحي قزوين وجزء من الري، ويحده من الشرق طبرستان ومن الغرب أذربيجان وبلاد الران، تسكنه قبيلة تعرف بالديلم، وكان ملوك الديلم ينتمون إلى أسرة جستان ويقيمون في الطرم، وكان الديلم وثنيين إلى أن أسلموا في أيام الحسن بن زيد العلوي سنة 250هـ، ولغتهم تختلف عن اللغات الفارسية والأرمنية والرانية. ينظر: ابن حوقل، ، 318-320؛ ابن رسته، 1897، 151؛ إيوار، 1990، 9/367).

[9] . بويه: أسرة ديلمية ذكروا لأول مرة أيام الداعي الزيدي الناصر الأطروش، ومن بعده  أيام ولديه أحمد وجعفر، وكان من الذين خرجوا مع الناصر من وجوه الديلم على بن بويه، وعندما قاتل أولاد الناصر أحمد وجعفر السامانيين برز من بينهم أبو شجاع بويه بن فناخسرو. أنظر الزبيدي: محمد حسن: المنتزع من كتاب التاجي لأبي إسحاق الصابي، بغداد، 1977، ص54؛ وقد اختلف في نسبهم فقال ابن خلكان نقلاً  عن الصابي إنهم يرجعون في نسبهم إلى بهرام جور بن يزدجر الملك الساساني. أنظر (ابن خلكان: وفيات الأعيان، 1/35)، فيما ادعى البعض نسبتهم إلى العرب. أنظر (البيروني: الآثار الباقية، 38)؛ وقد حسم ابن خلدون الأمر ذاكراً بأن هذه الأنساب موضوعة، وضعها من لا يعرف طبائع الأنساب في الوجود، واستبعد أن يكونوا من غير الديلم ثم تكون لهم رياسة الديلم لأن الرئاسة على قوم لا تكون في غير أهل بلدهم. أنظر ابن خلدون: العبر، 3/826؛ أما الأصفهاني وهو من أكثر المؤرخين معرفة بأصول ملوك الفرس، فرغم أنه يجعل للبويهيين أصلاً يرجع إلى الملك الساساني بهزام جور، إلا أنه يتراجع في موضع آخر ذاكراً أن علي بن بويه كان زعيماً لإحدى قبائل الديلم تسمى شيرذيل أوندان، تقيم في قرية كياس كاليش في ديلمان. ينظر (الأصفهاني، د، ت، 241-243).

[10] . ثلاثة إخوة أولاد بويه بن خسرو قامت الدولة الدولة البويهية على أيديهم، وقد لقبوا من قبل الخليفة العباسي  المستكفي (ت 338هـ/949م) بألقاب عماد الدولة لعلي بن بويه، وركن الدولة للحسن بن بويه، ومعز الدولة لأحمد بن بويه. ينظر: (مسكويه،، 2/85؛ ابن الأثير،1983، 6/314؛ ابن خلدون، د، ت، 3/420).

[11] . زعيم القبيلة الكردية يقابل الشيخ في القبيلة العربية، علماً ً بأن زعيم القبيلة الكردية الآن يسمى آغا وهي لفظة مغولية تعني االاخ الكبير دخلت الى اللغة الكرية من الفارسية التي تعني السيد. ينظر: (مرعي،2022، 166).

[12]. حيزان: بلد من دياربكر فيه شجر وبساتين ومياه غزيرة. (ياقوت الحموي، 1955م، 2/331).

[13]. المعدن: بلد من دياربكر ينظر: (ابن شداد، 1997م، 1/139).

.[14] الفارقي: هو أحمد بن يوسف بن علي بن الأزرق ولد بمدينه ميافارقين في شهر شوال سنة 510هـ/116م، تولى عدة مناصب في مدينته وفي مناطق أخرى، ألف كتاباً تحت عنوان: تاريخ ميافارقين، توفي بعد عام 577هـ/1181م.( الفارقي ، 1974، ص31-35).

[15]. صمصام الدولة: أبو كاليجار المرزبان بن عضد الدولة بن ركن الدولة، ولى المملكة بعد موت أبيه عضد الدولة، فلم ينجح أمره، وغلب عليه أخوه شرف الدولة وقهره وحبسه وسمل عينيه، فاستمر محبوساً إلى أن مات أخوه شرف الدولة، فنـزل من الحبس وهو أعمى، وانضم إليه أناس وسار إلى فارس وملك شيراز، ولكن خرج عليه ابن عمه أبو نصر بن بختيار وقتلوه يعد ذلك وكان ذلك سنة 388هـ، وكان عمره يوم قتل خمساً وثلاثين سنة، ومدة حكمه تسع سنين وأشهر. ينظر: (ابن الأثير،1983، 5/532؛ ابن كثير، ، 11/325؛ ابن تغري بردي، د، ت، 4/198، 199).

[16] . بهاء الدولة: أبو نصر ، أحمد بن عضد الدولة ابن بويه ، ملك العراق .مات في جمادى الآخرة ، سنة ثلاث وأربعمائة بعلة الصرع المتتابع كأبيه ، توفي بأرجان في سن اثنتين وأربعين سنة وتسعة أشهر .وكانت أيامه أربعا وعشرين سنة ، وتملك ابنه سلطان الدولة أبو شجاع .وكان بهاء الدولة خاضعا للسلطان محمود بن سبكتكين ، مداريا له. وقام ابنه بعده اثنتي عشرة سنة ، وأخذت الدولة البويهية تتناقص .وقيل : بل كان ملك بهاء الدولة اثنتين وعشرين سنة ويومين . (الذهبي، 1981، 17/186).

[17] . طور عبدين: طور بلدة  في أعمال نصيبين في بطن الجبل المشرف عليها المتصل بجبل  الجودي، ينظر: (أبو شامة، 1997، ۱۸).

[18]. إسعرد: بلدة تابعة الى دياربكر تقع شرقيها. ينظر: (أبو شامة، 1997، 1/138).

[19]. حصن كيفا: بلدة عظيمة مشرفة نهر دجلة، من ديار بكر. (ياقوت الحموي، 1979، 2/265).

[20]. الجنائب: جمع جُنَيبة، وهي الدابةُ التي تقاد، ينظر: (ابن منظور، 1979، 1/234).

[21] . مم: حاجب الأمير علي، ويبدو أن اسمه تصغير  للفظة محمد في اللغة الكردية، ومع هذا فإن المصادر لم تترجم لحياته. ينظر (الفارقي: 1974 ، 66).

[22] . أرزن: مدينة مشهورة قرب خلاط، ولها قلعة منيعة، ينظر: (ياقوت، 1979، 1/35).

[23] .النثار: نثر الشيء ينثره نثراً نثاراً، رماه متفرقاً، ينظر: (الفيروزآبادي، 1996، 616).

[24]. العاقوفة: وهي القفافة (كرمانة) خشبة في رأسها حجنة يحد بها الشيء كالمحجن. أنظر (الفارقي، 1974، 77 هامش 1).

[25]. أبو القاسم المغربي: صاحب أرزن: شيخ العشائر الكردية ومدبرها، كان مقدماً في الأكراد وموسوماً في الشجاعة، مهد للأمير نصر الدولة في امتلاك آمد سنة 415هـ/1024م وأخلص له وكان وزيره ومدبر الدولة، وصاحب سياستها توفي سنة 415هـ/1024م. ينظر (الفارقي، 1974، 93، 94، 104؛ ابن شداد، 1981، ج3، ق1، ص341، 342).

[26]. القود: بضم القاف وسكون الواو، جمع الأقود وهو من الخيل الطويل العنق؛ والقود بفتح القاف وسكون الواو: الخيل الذي تقاد بمقاودها ولا تركب، وتكون مودعة معدة لوقت الحاجة إليها. ينظر (الفارقي، 1974، 110، هامش 1).

[27]. الجنائب:  جمع جنيبة، وهي الناقة، ينظر (الفارقي، 1974، 110، هامش 2).

[28]. المحدثة: رباط بظاهر ميافارقين. ينظر:(ابن خلكان، د،ت، 1/178).

[29].  والفضلونية بنت فضلون بن منوجهر صاحب آران وأرمينية إحدى زوجات الامير نصر الدولة، وعجب إحدى جواريه. (سبط بان الجوزي، 2013، 19/256).

[30] . خوي: بلد مشهور من أعمال أذربيجان، ينسب إليها الثياب الخوئية، ينظر (ياقوت، 1979، 2/408).

[31]. الحرشفية: قرية تقع في ربض ديار بكر على شاطئ نهر دجلة، ينظر (الفارقي، 1974، 187).

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً