البحوث

قصة النبي نوح في القرآن الكريم والكتاب المقدس دراسة تحليلية مقارنة في المصادر الإسلامية واليهودية والمسيحية

أ.د. فرست مرعي اسماعيل

عضو الهيئة العامة لمركز الزهاوي

المبحث الثالث

قصة النبي نوح وموقع ضريحه في المصادر المسيحية

 

قليلة هي المراجع المسيحية التي تشير الى مكان استقرار سفينة نبي الله نوح ( عليه السلام) أو الى موضع ضريحه، ولكن مع ذلك يذكر أحد الباحثين الكنسيين المختص بالأديرة المسيحية في شمال العراق ( كردستان العراق) جان موريس فييه الدومنيكي الفرنسي (المتوفى سنة1995م) بخصوص ديرآبون (ديربون في المصادر العراقية والكردية) بقوله:” نعثر على دير بهذا الاسم في نصوص المؤلفين العرب. فياقوت، من القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، يحدثنا عن دير أبونا” أو بالأحرى أبيون، الذي يجعل موقعه في قردو بين جزيرة إبن عمر وقرية ثمانين قرب باسورين. ثم يضيف: هو دير جليل عند المسيحيين، فيه الكثير من الرهبان. يزعمون أن فيه قبر نوح المنقور في الصخور تضلله قبة فخمة تشهد لنفسها بالقدم. أقوال(ياقوت) الحموي تأخذنا إلى فضاءات أخرى مغايرة لفضاءات أوكين وجماعة الرهبان. هنا نحن الآن في خضم نصوص لروايات باللغتين العربية والسريانية تتعلق بقبر نوح الموجود في جبل جودي. إلى هذا الموقع ينسب الدير المعروف بدير الفلك” الواقع في باكيويلا والمبني على قمة نفس الجبل (= الجودي)، هذا المكان يشير إلى الموقع الذي فيه وقف فلك نوح. إحدى ألواح الفلك كانت محفوظة في هذا الدير، وينسب اكتشافه إلى مار أفرام أو مار يعقوب النصيبيني، الظاهر أنه حتى أيامنا هذه لا زال الزوار للموقع يعثرون على مسامير وبعض القير حول المكان (؟)[1].

ويذكر الجغرافيون العرب (= المسلمون) دير الفلك” تحت اسم دير الجودي”. ووصفته السياسية البريطانية غير ترود بیل (المتوفية سنة 1926م) في كتابها (من آموراث الى آموراث). تم تدمير هذا الدير بفعل صاعقة أصابته في عام 765 – 766م، وكان ذلك في نفس اليوم الذي كان يحتفل فيه بعيد الفلك.

ويجادل الدومنيكي الفرنسي (فييه) بالقول:” يبادل المؤرخون العرب الدير بقرية ثمانين، وهي بليدة عند ياقوت الحموي[2]، وثمانين اشارة لعدد النفوس الناجية من الطوفان والذين ماتوا جميعًا بالطاعون ما عدا نوح، بينما تذكر المصادر السريانية. تتحدث فقط عن ثمانية (= هيسثانا بالسريانية- هشتيان الكردية). وهنا يظهر التباين في أقوال المؤرخين المسلمين سواء كان ذلك بالنسبة إلى الموقع أو إلى عدد نفوس الأشخاص[3].

وأغلب أسماء المواقع في سهل الجودي معان لها صلة مع نوح وفلكه الشهير. فقبيسين هي (بيثسبينتا) أي مكان وقوف الفلك، وجمعاً مكان اجتماع نوح وعائلته، ودادار المحل الذي تدفقت منه مياه الطوفان أو حسب ادعاءات أخرى المكان الذي فيه خرج نوح من الفلك، وشیرناخ ” تعني نوح الرئيس”، ودورناخ تعني مكان بيت نوح وخاصة کرمه. في هذا الموقع كانت تجتمع الجماهير كل عام في اليوم الرابع عشر من شهر أيلول/ سبتمبر (= 27 من شهر أيار/ مايو) للاحتفال بعيد هذا الموقع الكبير، الجماهير على مختلف دياناتها وتعدد مذاهبها كانت تأتي إلى هذا المزار للاحتفال بالعيد. إنه أمر ليس بالغريب إذا ما علمنا أن المنطقة تضم أيضا قبر نوح. المصادر التقليدية تخبرنا أن القبر موجود في تخيتشيفان الواقعة في أرمينيا، التابعة ل كاراك من أعمال البعلبيك “. وأخرى تخبرنا أن القبر موجود في مدينة الخليل المعروفة أيضا حبرون(= فلسطين) إلى جانب قبر آدم وسام وإبرامیم[4].

ويستطرد فييه بالقول:” بعد زيارة الحاج لموقع دير أبون يكون قد كمل زيارة كل المواقع المفروضة، ذات العلاقة بنوح، والموجودة في منطقة جبل الجودي، والتي يرغب الحجاج تأديتها، طالما القبر موجود في المنطقة ومن السهل زيارته. لكن، هل يا ترى، في استطاعتنا أن نقول: “أن نوح الذي له قبر هنا، هو الشخص المشار إليه ب “اون” أي “أبونا”، والمساوي لصاحب الدير ذي نفس الاسم والمتمتع بالإعفاء منذ القرن السادس الميلادي؟ لم يكن من عادة الكلدان( تسمية الكلدان هنا لم تكن تطلق على المسيحيين في بلاد ما بين النهرين حينذاك – المترجم )إطلاق تسمية أبونا على هكذا تسمية أطلقوها فقط على آدم وأيضا على إبراهيم. إذن هذا الواقع الفعلي نوح. يجعلنا في مواجهة استعمال تسمية خاصة وفي منطقة محدودة له مبرراته المعتمدة على حقيقة أن نوح هو الأب التالي للجنس البشري، أليس هو هذا الواقع بعينه؟ ألا يمكن أن يكون احتمال أن هناك راهب هو الربان موضوع دراستنا هذه المترجم (وصف ب آوون – أبونا استخدم شهرة نوح الذي هو النبي الوحيد المدفون في أحد أديرة الكلدان في هذه الربوع، وهذا هو سبب استحقاق الموقع الأخير الذي التجأ إليه، التمتع بامتياز الإعفاء.

ما نعلمه هو أن التقليد في كنيسة المشرق، كان يلغي دوما سلطة مطران الأبرشية على الأديرة الموجودة ضمن حدود أبرشيته الجغرافية، والتي سبق أن دفن فيها جاثليق أو بطريرك. مرجع السلطة على هكذا أديرة كان البطريرك المقيم في الغرب المقصود (= مدينة أنطاكية) أو الجاثليق المقيم في الشرق (قطیسفون – طيسفون – المدائن – جنوب شرق بغداد). إذن، قد نستطيع الآن أن نقول: إن إقحام نوح في الموضوع كان سبب منح الإعفاء للدير الذي فيه قبره. بقي دير “ادير آبون أو دیر آو ون”، أي دير أبونا نوح؟ مستمرا يعيش حياة رخية مع توالي الأجيال والقرون. كان عدد الرهبان العاملين تحت ظل رئاسته خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر، عدداً كبيراً وذا شأن. لكن هناك نقطة تبعث على الأسف، تلك هي ملاحظتنا وجود تفاصيل جغرافية أوردها المؤلفون العرب (= المسلمون) تخص موضوع تحديد موقع الدير،[5] بعض نقاط تلك التفاصيل قد تتوافق عند اقتضاء الحاجة مع مواقع قرية ديرابون الحديثة وديرها، بينما تفاصيل أخرى لا تتفق قطا مع ذلك. سبق أن رأينا، المؤرخ والرحالة ياقوت يجعل موقع دير دير أبون في منطقة قردو”، بين جزيرة إبن عمر وقرية ثمانين قرب باسورين[6]. بعض من هذه المعطيات قابلة التوافق، عند قبولها، ستكون في مواجهة مانع هو نهر الخابور الفاصل بين الاثنين، من الممكن القول إن قرية دير أبون الحديثة تقع قرب باسورين. التي لم تكن تبعد عنها سوى 10 كم. وفي الاتجاه الشمالي الغربي. على نفس الوتيرة يمكننا قبول الرأي القائل باحتمال وقوع قرية ديرأبون الحديثة ضمن منطقة قردو التي حددها الجغرافيون العرب من أبناء القرن الثالث عشر، فقالوا عنها “أنها كانت (باسورين)، مركزا لمحافظة قردو”[7]. من هذا القول، قد نستنتج أن هذه المحافظة (= الاصح الولاية) ضمت، قسما كبيرا من إقليم نوهدرا المسيحي الواقع في الجهة الجنوبية من نهر الخابور، واقعيا، نشاهد على الضفة الأخرى من نهر دجلة قرية زمار الواقعة في مكان أدني كثيراً في اتجاه الجنوب، والتي كانت حسب قول ياقوت هي أيضا جزء من محافظة قردو”[8].

لكن، النقاط التي لا تتفق مع وضعية موقع الدير القديم وموقع القرية الحديثة أكثر عددا وأكبر أهمية، حيث لا يمكننا بالتأكيد القول إن موقع القرية الحالي يقع بين جزيرة إبن عمر وقرية الثمانين. لأن هذا القول سيعني ضرورة وقوعها في السهل الجنوبي الواقع جنوب جبل الجودي، وشمالي نهر الخابور، بينما نجدها واقعيا في الجهة الجنوبية منه كذلك سيكون من الصعب التوفيق بين معلومة البلداني فضل الله العمري (المتوفى سنة 749هـ/1348م) المتعلقة بديره في القرن الرابع عشر[9]. المعلومة تفيد أن كان في هذا الدير خزان ماء، مصدر مياهه، كان حسب الادعاء، جبل الجودي. ثم يضيف الادعاء أن تلك المياه كانت تجلب بأنابيب نحاسية صفراء اللون، هذا في الوقت الذي نجد فيه أن “دير ابون” الحالية تقع على بعد قد يجاوز العشرين كيلومتر، عن أقرب خاصرة من جبل الجودي والتي يجري نهر الخابور عند أقدامها، هذا من جهة، أما من الجهة الثانية فلدير أبون الحالية عين ماء خاصة بها تقع قربها، إضافة إلى ما جاء أعلاه نقول: ” تقليد قرية دير أبون” المحلي المتصل بدير آباني ديري” لم يحتفظ بأي ذكرى لنوح ولا لقبره، علما أن المعلومات تفيد أن القبر موجود عند أقدام جبل الجودي، قرب قرية حساني” الواقعة في الجهة الغربية من أكيولا، وان موقع الدير لم يعد يسمى “ديرآبون[10]!.

بعدها يحاول السيد فييه الدومنيكي التنصل من محاولة ربط قبر نبي الله نوح بقرية ديرآبون الواقعة في الجانب العراقي من الحدود غربي مدينة زاخو قرب قرية فيشخابور المطلة على نهر دجلة، بعد أن لم تسعفه المصادر، لا سيما ياقوت الحموي في التعريف بدير أبون، فيقرر الآتي:” لا زال لدينا الكثير من الأسرار الغامضة التي يجب علينا أن نجد لها تفسيرا منطقيا ومقنعا. هذا ما سبق لنا أن بيناه، لما قلنا: ” إن الدير الموجود إلى جانب قرية دیرآبون” الحالية ليس هو: دیرآبون كما قد يظن، وذلك لأن هذا الدير يقع فعليا على الضفة الأخرى من نهر الخابور، وفي ناحية أبعد شمالا، عن أقدام جبل الجودي. الديران لا معلومات لدينا حوله”. الواقع قرب قرية دير أبون الحالية هو بكل تأكيد دير مار ساوا” الذي علينا أن نقول عنه الآن سيكون السؤال: لماذا نسمى القرية الحالية دير أبون. حملت هذه القرية اسمها منذ أن سكنها اليزيديون[11]، الذين خلفوا المسيحيين، عندما كان موقع بناء بيوتها في جهات أبعد شرقا من موقع البيوت الحالية. بالتأكيد، لم يكن اليزيديون هم من اخترع هذا الاسم للقرية. إنما قد ورثوه من سكانها المسيحيين القدماء الذين سبق لهم أن قدموا من قرية ديرآبون الأصلية حاملين اسمها معهم ليطلقونه على القرية الحديثة. ما يؤسف له، أن النسيان آفة تلازم الناس في كل مكان وزمان. غالبا ما يكون هذا النسيان، البؤس الذي عاشه المسيحيون بعد طردهم من موطنهم الأصلي”[12].

أما المستشرقان الاسكتلنديان (دبليو. أي. ويغرام وإدغار. تي. أي ويغرام)، فيشيران الى موضوع نبي الله نوح ومكان استقرار سفينته من وجهة نظر أخرى”… بأن الشعب الأرمني هو الوحيد الذي يعتبر قمة ((أرارات)) (تعرف محلياً باسم أكري داغ) هي الموضع الذي أرسى عليه (فلك نوح)، وقد وردت في التوراة بتعبير (جبال أرارات) أو (أورارتو). واللفظة تطلق على كل سلسلة جبال حكاري، وفيها هضبة ذات أهمية ثانوية تعرف باسم جبل جودي (جودي داغ). والهضبة تعد بقعة الرسو الحقيقية عند كل الاقوام التي تسكن تلك البقاع”[13].

 

 

 

 

المبحث الرابع

تحليل قصة النبي نوح ومقارنتها في المصادر الإسلامية والمسيحية

 

مما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى يقرر في كتابه الكريم، تقريراً واضحاً جازماً، – أن آدم (عليه السلام) – وهو أول البشر – عرف حقيقة التوحيد كاملة، وعرف نزاهة التوحيد غير مشوبة بشائبة من التعدد والتثنية، وعرف الدينونة وحده باتباع ما يتلقى منه وحده. وأنه عرف بنيه بهذه العقيدة، فكانت هنالك أجيال في أقدم تاريخ البشرية لا تعرف إلا الإسلام ديناً، وإلا التوحيد عقيدة. وأنه لما طال الأمد على الأجيال المتتابعة من ذرية آدم انحرفت عن التوحيد.. ربما إلى التثنية وربما إلى التعدد.. ودانت لشتى الأرباب الزائفة.. حتى جاءها نوح (عليه السلام) بالتوحيد من جديد. وأن الذين بقوا على الجاهلية أغرقهم الطوفان جميعاً، ولم ينج إلا المسلمون الموحدون الذين يعرفون (نزاهة التوحيد) وينكرون التعدد والتثنية وسائر لأرباب والعبادات الجاهلية. ولنا أن نجزم أن أجيالاً من ذراري هؤلاء الناجين عاشت كذلك بالإسلام القائم على التوحيد المطلق. قبل أن يطول عليهم الأمد، ويعودوا إلى الانحراف عن التوحيد من جديد. وأنه هكذا كان شأن كل رسول. {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}.  والذي لا شك فيه أن هذا شيء، والذي يقرره علماء الأديان المقارنة ويتابعهم فيه مؤلف كتاب (الله) شيء آخر. وبينهما تقابل تام في منهج النظر والنتائج التي ينتهي إليها. وآراء الباحثين في تاريخ الأديان ليست سوى نظريات يعارض بعضها بعضا فهي ليست الكلمة النهاية حتى في مباحث البشر الفانين:

 

وما من شك أنه حين يقرر الله – سبحانه – آمراً نبيه في كتابه الكريم هذا البيان القاطع، ويقرر غيره أمراً آخر مغايراً له تمام المغايرة، فإن قول الله يكون أولى بالاتباع وبخاصة ممن يدافعون عن الإسلام، ويكتبون ما يكتبون بقصد دفع الشبهات عنه وعن أصل الدين جملة.. وأن هذا الدين لا يخدم بنقض قاعدته الاعتقادية في أن الدين جاء وحياً من عند الله، ولم يبتدعه البشر من عند أنفسهم، وأنه جاء بالتوحيد منذ أقدم العصور ولم يجيء بغير التوحيد في أية فترة من فترات التاريخ، ولا في أية رسالة. كما أنه لا يخدم بترك تقريراته إلى تقريرات علماء الأديان المقارنة وبخاصة حين يعلم أن هؤلاء إنما يعملون وفق منهج موجه لتدمير القاعدة الأساسية لدين الله كله أنه وحي من ا الله وليس من وحي الفكر البشري المترقي المتطور. وليس وقفاً على ترقي العقل البشري في العلم المادي والخبرة التجريبية

 

وبعد.. أكان الطوفان عاماً في الأرض؟ أم إنه كان في تخوم الأرض التي بعث فيها نوح؟ وأين كانت هذه الأرض؟ وأين تخومها في العالم القديم وفي العالم الحديث؟ أسئلة لا جواب عليها إلا الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، إلا الإسرائيليات التي لا تستند إلى دليل صحيح.. وليس لها بعد ذلك قيمة في تحقيق أهداف القصص القرآني في كثير ولا قليل.

ولكن هذا لا يمنع من القول بأن ظاهر النصوص القرآنية يلهم أن قوم نوح كانوا هم مجموع البشرية في ذلك الزمان. وأن الأرض التي يسكنونها كانت هي الأرض المعمورة في ذلك الحين. وأن الطوفان قد عم هذه الرقعة وقضى على جميع الخلائق التي تقطنها – فيما عدا ركب السفينة الناجين.

وهذا حسبنا في إدراك طبيعة ذلك الحادث الكوني الذي جاءنا خبره من المصدر الوحيد الوثيق عن ذلك العهد السحيق الذي لا يعرف (التاريخ) عنه شيئاً وإلا فيومها أين كان (التاريخ)؟! إن التاريخ مولود حدث لم يسجل من أحداث البشرية إلا القليل! وكل ما سجله قابل للخطأ والصواب والصدق والكذب والتجريح والتعديل! وما ينبغي قط أن يستفتى ذات يوم في شأن جاءنا به الخبر الصادق ومجرد استفتائه في مثل هذا الشأن قلب للأوضاع، وانتكاسة لا تصيب عقلاً قد استقرت فيه.

ولقد حفلت أساطير شتى الشعوب وذكرياتها الغامضة بذكر طوفان أصاب أرضها في تاريخ قديم مجهول، بسبب معصية ذلك الجيل الذي شهد ذلك الحادث الكبير وأساطير بني إسرائيل المدونة فيما يسمونه (العهد القديم) تحوي كذلك ذكرى طوفان نوح ولكن هذا كله شيء لا ينبغي أن يذكر في معرض الحديث القرآني الطوفان، ولا ينبغي أن يخلط الخبر الصادق الوثيق بمثل هذه الروايات الغامضة وهذه الأساطير المجهولة المصدر والأسانيد. وإن كان لوجود هذه الأخبار الغامضة الطوفان عند شعوب شتى دلالته في أن الطوفان قد كان في أرض هذه الأقوام؛ أو على الأقل قد رحلت ذكرياته مع ذراري الناجين حين تفرقوا في الأرض بعد ذلك وعمروا الأرض من جديد.

وينبغي أن نذكر أن ما یسمی عند الله (بالكتاب المقدس) سواء في ذلك (العهد القديم) المحتوي على كتب اليهود أو (العهد الجديد) المحتوي على أناجيل النصارى – ليس هو الذي نزل. فالتوراة التي أنزلها الله على موسى قد حرفت نسخها الأصلية على يد البابليين عند اليهود. ولم تعد كتابتها إلا بعد قرون عديدة – قبيل ميلاد المسيح بنحو خمسة قرون – وقد كتبها عزرا – وقد يكون هو عزير[14] – وجمع فيها بقايا من التوراة. أما سائرها فهو مجرد تأليف. وكذلك الأناجيل فهي جميعاً لا تحوي إلا ما حفظته ذاكرة تلامذة المسيح وتلامذتهم بعد نحو قرن من وفاة المسيح – عليه السلام – ثم خلطت حكايات كثيرة وأساطير… ومن ثم لا يجوز أن يطلب عند تلك الكتب جميعها يقين في أمر من الأمور.

وفي السياق نفسه فإن سفر التكوين، وهو أحد الاسفار الخمسة التي تشكل التوراة الحالية، ويسمونها أسفار موسى الخمسة، وقد ذكرنا في سورة الأعراف أن هذه الأسفار الخمسة لا يمكن أن تكون هي التوراة، وقد نقل مالك بن نبي في كتاب ( الظاهرة القرآنية ) عن النقاد الغربيين أنه لم يثبت سفر من أسفار العهد القديم للنقد إلا سفر أرميا، ومن قرأ الإصحاحات: الخامس، والسادس، والسابع، والثامن، والتاسع، من سفر التكوين وهي التي تحدثت عن قصة نوح عرف من خلال قراءته ومطالعته المجردة سخف كثير من الكلام الموجود فيها، مما يدل على أنه موضوع مكذوب، لا يليق أن يذكر في كتاب، من ذلك مثلاً في الكلام عن الله: “فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسف في قلبه”، وأبرز ما يدلنا على الكذب في هذه الأسفار أن هذه الإصحاحات تذكر رقم (٩٥٠) سنة وتجعلها عمر نوح كله فتجعل بقاء نوح في قومه قبل الطوفان (600) سنة وتجعل (350) سنة بعد الطوفان؛ مع أن النص القرآني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يذكر: {فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون}[15].

والغريب أن بعض البلدانيين المسلمين يشير الى هذا العدد، فيذكر ياقوت الحموي:”… وجاء الطوفان في سنة الستمائة من عمر نوح، عليه السلام، في الشهر الثاني في اليوم السابع عشر منه، وأقام المطر أربعين يوماً وأربعين ليلة، وأقام الماء على الأرض مائة وخمسين يوماً، واستقرت السفينة على الجودي في الشهر السابع في اليوم السابع عشر منه، ولما كان في سنة إحدى وستمائة من عمر نوح في اليوم الأول من الشهر الأول خف الماء من الأرض…”[16].

فإذا وضح هذا الذي ذكرناه في معرفتنا لقيمة الروايات المذكورة في كتب العهد القديم، فلننقل من هذه الإصحاحات بعض المعاني، مادام علماؤنا قد نقلوا عمن نقل عنها، فالنقل منها مباشرة أولى: ففي الإصحاح السادس من سفر التكوين من العهد القديم: ” فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي. لأن الأرض امتلأت ظلماً منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض. اصنع لنفسك فلكاً. من خشب جفر. تجعل الفلك مساكن. وتطليه من داخل ومن خارج بالقار. وهكذا تصنعه ثلاث مئة ذراع يكون طول الفلك. وخمسين ذراعاً عرضه. وثلاثين ذراعاً ارتفاعه. وتصنع كوى للفلك وتكمله إلى حد ذراع من فوق. وتضع باب الفلك في جانبه. مساكن سفلية ومتوسطة وعلوية تجعله، فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روج حياة من تحت السماء. كل ما في الأرض يموت. ولكن أقيم عهدي معك. فتدخل الفلك أنت وبنوك وامرأتك ونساء بنيك معك. ومن كل حي من كل ذي جسد اثنين من كل تدخل إلى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكراً وأنثى من الطيور كأجناسها ومن البهائم كأجناسها. ومن كل دبابات الأرض كأجناسها. اثنين من كل تدخل إليك لاستبقائها وأنت فخذ لنفسك من كل طعام يؤكل واجمعه عندك. فيكون لك ولها طعاماً. ففعل نوح حسب كل ما أمره به الله. هكذا فعل”.

وفي الإصحاح السابع: “وكان الطوفان أربعين يوماً على الأرض. وتكاثرت المياه ورفعت الفلك. فارتفع عن الأرض. وتعاظمت المياه. وتكاثرت جداً على الأرض فتعطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كل السماء. خمسة عشر ذراعاً في الارتفاع تعاظمت المياه. فتغطت الجبال، فمات كل ذي جسد كان يدب على الأرض، من الطيور والبهائم والوحوش وكل الزحافات التي كانت تزحف على الأرض وجميع الناس. كل ما في أنفه نسمة روح حياة من كل ما في اليابسة مات فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض. من الناس والبهائم والدبابات وطيور السماء. وانمحت من وتبقى نوح والذين معه في الفلك فقط. وتعاظمت على الأرض مئة وخمسين يوماً”.

وفي الإصحاح الثامن: “وأجاز الله ريحاً على الأرض فهدأت المياه. وانسدت ينابيع الغمر وطاقات السماء. فامتنع المطر من السماء. ورجعت المياه عن الأرض رجوعاً. وبعد مئة وخمسين يوماً نقصت المياه. واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط (= آرارات). وكانت المياه تنقص نقصاً متوالياً إلى الشهر العاشر. وفي العاشر في أول الشهر ظهرت رؤوس الجبال متوالياً. وحدث بد أربعين يوماً أن نوحاً فتح طاقة الفلك التي كان قد عملها. وأرسل الغراب. فخرج متردداً الأرض. ثم أرسل الحمامة ليرى هل قلت المياه عن وجه الأرض فلم تجد الحمامة مقراً لرجلها. فرجعت إليه إلى الفلك. فلبث أيضا سبعة أيام أخر وعاد فأرسل الفلك، فأتت إليه الحمامة عند المساء وإذا ورقة زيتون خضراء في فمها. فعلم نوح أن المياه قد قلت عن الأرض بعد حتى انشقت المياه عمن عنده الحمامة فلبث أيضاً سبع أيام أخر وأرسل الحمامة فلم تعد ترجع إليه أيضاً”.

وفي الإصحاح التاسع: “وبارك الله نوحاً وبنيه وقال لهم أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض”.

والشيء الهام الذي لابد من عرضه هو التناقض الموجود في الرواية التوراتية للطوفان؛ ففي سفر التكوين 7: 23: “خذ معك من كل نوع من الحيوانات الطاهرة سبعة ذكور وسبع إناث وزوجين ذكرا وأنثى من كل نوع من الحيوانات النجسة”. أما التكوين 6 / 19: “تأخذ معك في الفلك زوجين ذكرا وانثى من كل كائن حي ذي جسد واثنين من كل صنف من أصناف الطيور والبهائم والزواحف على الأرض”. أما عن ارتفاع الماء ففي رواية استمر الماء أربعين يوما كما سلف ذكره “ودام الطوفان أربعين يوما على الأرض… وأعرفن جميع الجبال العالية التي تحت السماء كلها” ( سفر التكوين: 19) بينما في رواية أخرى استمر 150 يوما: “ولم يبق سوی نوح ومن معه على الملك، وظلت المياه طافية على الأرض مدة مائة وخمسين يوما”، ومن هنا نجد تناقضات واضحة، فإذا كانت التوراة مقدسة لأنها كلام موسي وحيا من الله تعالى فهل لا يستطيع الله في التوراة إعطاء معلومات محددة عن أزواج الحيوانات أو عن مدة دوام الطوفان على الأرض؟ حاشي وكلا، فالله تعالى عليم بكل شيء.

وعنده مقادير كل شيء مهما صغر أو كبر ولكن هي تحريفات أدخلها كتاب التوراة لأنهم كتبوا التوراة بعد نزولها بقرون طويلة. كذلك نجد أن سبب العقاب بالطوفان طبقا للتوراة أن الله ندم لأنه صنع الإنسان: “ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الذي خلقته الإنسان مع البهائم والدبابات وطيور الأرض لأني حزنت أني عملتهم” وجاء كذلك: “رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، فحزن أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه، وعزم على أن يمحو الإنسان والبهائم والدواب والطيور عن وجه الأرض”.

وهذا الكلام الذي تذكره التوراة يتنافى مع حكمة رب العزة وعلمه المطلق بما سيئول إليه حال الإنسان: فكيف لرب العزة أن يندم على فعل فعله وهذا يتنافى مع علمه وحكمته تعالى، فلا يعقل أن الله تعالى وحاشاه أنه لم يكن يعلم ما سيصنعه الإنسان كما أن استئصال قوم نوح كان استئصالاً مستحقاً بسبب كفرهم وعنادهم وإصرارهم على هذا الكفر، رغم ما بذله نوج معهم طيلة قرون يعظهم ويرشدهم وهم يستكبرون، ويضعون أصابعهم في ادائهم كما سلف القول، وحيث أن البشرية كانت في بدايتها أثناء عهد نوح فكان يجب ترسيخ مفهوم التوحيد واستئصال الكفرة المستكبرين كي يكونوا عبرة. ومن ذلك فإن أي قاري للتوراة يلاحظ أن التوراة تتحدث بأسلوب بشري بل بأسلوب إنسان ساذج وليس حصيف، ولیست بأسلوب إله خالق قاهر قادر حكيم عليم له مشيئة مطلقة، بل هي تتحدث بأسلوب اليهود وندمهم على كل شيء وتحسرهم في سنوات الضياع والتيه، وبالتالي فهذه التوراة التي بين أيدينا ليست هي كما أنزلها الله على موسى وإنما هي بعد تحريفها تحريفا كبيرا وذلك بسبب كتابتها بعد مئات من السنين من نزولها. ولأن التوراة الحالية صياغة بشرية فإنها تذكر أن الله حاشاه تعالی فقد الاتصال مع سفينة نوح فأرسل ريحا على الأرض لتجفف المياه وتسد مزاريب السماء كي بتراجع الطوفان

“ثم افتقد الله نوحا وما معه في الفلك من وحوش وبهائم فأرسل ريحا على الأرض فتقلصت المياه وانسدت ينابيع اللجج ومزاريب السماء واحتبس المطر وتراجعت المياه عن الأرض تدريجيا” (سفرالتكوين 3. 8 / 1).

ولكي لا ينسى الله فيعذب الأرض مرة ثانية فقد ذكرت التوراة أن الله وضع علامة تذكره عندما يراها كي لا يهلك الأرض ثانية بالطوفان، لذلك فهو يرسم قوس قزح على صفحة السماء كي لا تتحول الأمطار إلى فيضان مدمر مرة أخرى: “وقال الرب: وهذه علامة الميثاق الأبدي الذي أقيمه بيني وبينكم وبين المخلوقات الحية التي معكم أضع قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض فيكون عندما أخيم بالسحاب فوق الأرض وتظهر القوس أني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل المخلوقات الحية من ذوات الجسد فلا تتحول المياه إلى طوفان يبيد كل حياة وتكون القوس في السحاب فأبصرها وأذكر الميثاق الأبدي المبرم بيني وبين جميع المخلوقات الحية على الأرض. ( سفرالتكوين 8 / 12. 16. 66).”

هل هذا تدبير خالق عظيم عليم حكيم يضع كالبشر رسماً مرئيا يذكره كي لا ينسى؟! كل هذا يوضح أن التوراة كتبت بأسلوب بشری مبتدئ في ممارسة شؤون الدنيا ومعرفة قوانين الطبيعة. بينما كما رأينا نجد القرآن الكريم يقدم لنا قصة الطوفان بكل جلال وجمال وبلاغة، وبأسلوب إلهي بأحد العقول والإحساس: فليس الإهلاك بالطوفان في القرآن إهلاكا عشوائيا ولكن هو إهلاك بحق وفي موضعه كما سلف القول

 

الخاتمة والاستنتاجات

مما تقدم يدل على أن سفينة نوح رست على جبل الجودي وفق ما يلي:

1- قوله تعالى:” يا نوحٌ اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك”(هود: 48)، فإذا علمنا أن جبل الجودي يتبع بلاد الشام تضاريسيا قبل أن يتم ضمه للجمهورية التركية كحدود سياسية بموجب اتفاقية لوزان، وأن الله تعالى قد جعل بلاد الشام بلاد مباركة في القرآن الكريم “سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله” (الإسراء: 1). وبناء عليه يكون الجودي مرشحا قويا لرسو سفينة نوح[17].

2- أن القرآن الكريم يقول عن سفينة نوح أنها رست على الجودي: “واستوت على الجودي”(هود: 44) ونفهم من هذا أن هذا الجبل له قمة مستطيلة وانحدار لطيف يجمل السفينة الضخمة مستوية على سطحه وموازية، وليس جبلا بقعة ضيقة وانحدار شديد يجعل السفينة تميل ولا تستوي. وبالفعل فإن جيل الجودي له قمة مستطيلة ومن هنا فهو مرشح جغرافيا وبشكل قوي.

3- وجد بالقرب من جبل الجودي عدد من مراسي السفينة وهي مراسي كبيره جدا تناسب سفينة ضخمة تحمل حمولة كبيرة. مثلما جاء في القرآن الكريم والتي وصفها ب “الفلك المشحون”.

4 – كما أن العلماء قالوا بأنهم قاموا بتحليل ما رأوه أنه مادة من هيكل السفينة على الجودي بالكربون المشع وقالوا إن النتائج اعطتهم زمن السفينة متقاربا من الزمن الذي عاش فيه نوح عليه السلام.

5- إشارات العديد من الباحثين الغربيين تشير الى أن جبل الجودي هو مرسى سفينة نوح، فالجودي هو أول جبل يرتفع فوق مستوى السهل العظيم (= سهل شنعار)، فإذا كانت كل أرض ما بين النهرين قد غمرت بالمياه (وهي كل العالم المعمور في نظر السكان، وإذا كان الطوفان العظيم قد شملها، فإن هذا الجبل (= الجودي) هو النقطة الأولى التي قد تجنح إليها أية سفينة جرفها التيار[18].

6- انكار بعض الباحثين المسيحيين فرضية رسو سفينة نوح على جبل آرارات، بحجة أنها منطقة مكسوة بالثلوج، ومن المحال بقاء خشب السفينة على حاله بعد آلاف السنين[19].

وذكرت التوراة “سفر التكوين 8 / 4 ” أن سفينة نوح رست على (أراراط): “واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبل أراراط”، وقد قال بعض الباحثين أن أراراط هي كلمة عبرية توراتية تعني “أرمينية” نفسها (أراراط في المعجم العبري “هملون هخداش لتناخ”)، وبالتالي حسب هذا الرأي فإن سفر التكوين لم يسم جبلا بعينه لمرسى سفينة نوح وإنما قال أنها رست على “جبال أرمينية”، ولكن الناس تناسوا هذا أو نسوه فتوهموا أن هناك جيلا بعينه اسمه (آراراط) قد رست عليه السفينة، وأن رحالة عثروا في قمته على حطام رجحوا أنه حطام سفينة نوح. ولكن التسمية ثبتت منذ ذلك. وأصبحنا نجدها في المعاجم الأوروبية علما على جبل بعينه في أرمينية شرقي تركيا قرب حدود ارمينية المشتركة مع إيران، ويبلغ ارتفاع إحدى قمتيه حوالي 5128 مترا. ومن هنا قال بعض المستشرقين بدون علم دقيق أن القرآن قال (الجودي). وقالت التوراة (أراراط)، ولكن التوراة لم تقل (أراراط) كما ذكرنا وإنما قالت (جبل من جبال أراراط) أي جبل من جبال أرمينية ولم تذكر له اسما ولكن سماه القرآن، وعلى ذلك ومن وجهة نظر هذا الرأي لا خلاف بين التوراة والقرآن في تسمية مرسى نوح لا لأنهما تطابقا، وإنما لأن التوراة عممت وخصص القرآن الجودي[20].

وقد حدث ولع وشغف لبعض أصحاب الديانات السماوية في البحث عن سفينة نوح حيث تجد أن بعض البروتستانت المسيحيين منذ أواخر القرن التاسع عشر الذين كانوا أكثر شغفا في إثبات حرفية القصة المذكورة في التوراة، فزعم بعضهم العثور عليها في تركيا على جبل آرارات وهو أعلى قمة جبلية بتركيا. وفي القرن الواحد والعشرين استمر الشغف القديم بموقع سفينة نوح وخاصة بعد انتشار صور تم التقاطها عبر الأقمار الصناعية لنتوء في قمة جبل آرارات حيث بدأ الولع القديم بأخذ اتجاها حديدا بعد أن أعلن رجل أعمال ثري اسمه دانيال مك كيفرن Dimiel McGrvern عن منحة مبلغ مالي قدره 900000 دولار لأي فريق علمي يقوم بالبحث عن السفينة ولكن مجلة ناشيونال جغرافيك استبعدت أن تكون الصورة الجديدة صورة حقيقية. وفي الثمانينيات قام رائد الفضاء السابق جيمس ایرون[21].

James Irwin بحملة جديدة لكنه لم يعثر على شيء. وفي 17 يونيو/ حزيران عام 2004 أعلنت إحدى البعثات أنهم اكتشفوا السفينة وقدمت المجموعة صوراً ومخططات عن بعثتهم، إلا أن نتائج هذه البعثة لا تزال مرفوضة من قبل المجتمع العلمي. وهناك من يحاول أن يثبت بالأدلة التاريخية وجود سفينة نوح (عليه السلام) في مدينة مكة المكرمة على جبل الجودي (جودا). وقالوا بأن الجودي في مكة وليس في شمال الموصل قرب الحدود التركية – العراقية. وهذا الرأي ينفي نفيا قاطعا أن السفينة رست على جبل أراراط. لأنه جبل السخط واللعنة باللغة الآرامية، وباللغة الأرمينية جبل النار، ويرون أن هذا يتعارض مع طلب نوح عليه السلام من رب العزة “وقل رب أنزلني منزلاً مباركا وأنت خير المنزلين”(المؤمنون: 29). وهكذا فإننا مازلنا نحتاج لاكتشافات أثرية أخرى تنير لنا أكثر طريق البحث عن الطوفان وسفينة نوح.

[22]

[1] – جان فييه الدومنيكي، آشور المسيحية إسهام في دراسة التاريخ والجغرافية الكنسية والرهبانية في شمال العراق، ترجمة: نافع توسا، مراجعة وتدقيق: يوسف توما، ((بغداد – العراق: (د، م، 2013م)، ج2، ص782.

[2]– معجم البلدان، ج2، ص84.

[3] – جان فييه الدومنيكي، آشور المسيحية إسهام في دراسة التاريخ والجغرافية الكنسية والرهبانية في شمال العراق، ج2، ص782، هامش (1391).

[4] – الهروي، الإشارات الى معرفة الزيارات، تحقيق: علي عمر، (القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية،1423هـ – 2002م)، ص35.

[5]– هناك دير قريب من موقع الحث يقع شرقه يسمى ( دير الزعفران) وفق التقليد الشعبي، وهو غير الدير المشهور الواقع بالقرب من مدينة ماردين في تركيا والتابع للكنيسة السريانية الارثوذكسية غير الخلقدونية، ويقع في سفح جبل بيخير غرب مضيق كلي زاخو المطل على دشت السليفاني، لا يشير إليه ( فييه) لا من قريب ولا من بعيد، يبدو بسبب الخلاف المذهبي لان موريس يتبع الطقس الكاثوليكي. ومؤسس هذا الدير هو الراهب افنيمارن من كرخ سلوخ، ولد في نهاية القرن السادس الميلادي. عاش راهبا في “دير  عابي” تم غادر هذا الدير واختار سفح جبل بيخير وبنى فيه ديرا واسعا وجميلا فاجتمع حوله عدد كبير من الرهبان التابعين لكنيسة المشرق. وسطع بريق نجم الدير بحيث نزل فيه الخليفة العباسي المعتضد بالله  (279-289هــ/892-901م ) عام 282هـ/895 م حينما كان يمرّ بهذه المنطقة. وبعد وفاة افنيمارن جاء بعده رؤساء بارزون اغنوا الدير بالإنتاج الروحي والديني، ويذكر ياقوت الحموي بان الدير كان عامرا وثريا برهبانه وأراضيه.

[6]–  معجم البلدان، ج2، ص496؛ وباسورين: قرية تقع ضمن أعمال الموصل تقع شرقي دجلة، ج2، ص322؛ وهي الان  تقع ضمن الاراضي التركية، وهي في الوقت عينه (برز مهران القديمة). ينظر: جان فييه الدومنيكي، آشور المسيحية إسهام في دراسة التاريخ والجغرافية الكنسية والرهبانية في شمال العراق، ج2، ص783، هامش (1397).

[7] – يقصد فييه الدومنيكي، البلداني العربي ياقوت الحموي، حيث يعرف دير أبونَّ بقوله:” ويقال ابيون وهو الصحيح: بقَردَى بين جزيرة ابن عمر ( = جزيرة بوتان) وقرية ثمانين( = هشتيان – شرق مدينة شرنخ) قرب باسُورين، وهو دير جليل عندهم فيه رهبان كثيرة، ويزعمون أن به قبر نوح، عليه السلام، تحت أزج عظيم لاطىءٍ بالأرض يشهد لنفسه بالقِدَم، وفي جوفه قبر عظيم في صخر زعموا أنه لنوح، عليه السلام…”. معجم البلدان، ج2، ص496.

[8] – جان فييه الدومنيكي، آشور المسيحية إسهام في دراسة التاريخ والجغرافية الكنسية والرهبانية في شمال العراق، ج2، ص782 – 783؛ يبدو أن قرية – ناحية زمار هي بعيدة نوعاً ما عن موضوع الحدث، لآنها قريبة من أسكي الموصل – مدينة بلد التاريخية الواقعة شمال الموصل.

[9]– صاحب كتاب مسالك الابصار في ممالك الامصار

[10]–  جان فييه الدومنيكي، آشور المسيحية، ج2، ص784.

[11]– لم يحدد الباحث الدومنيكي ( جان موريس فييه) من هم هؤلاء اليزيديون الذين حلوا محل المسيحيين في السكنى في قرية ديرأبون – ديربون، ومن أين جاؤوا، ويعتقد الباحث أن هؤلاء اليزيدية ربما كانوا من عشيرة الهويريين الضاربة التي كانت ديارها تقع في الجانب الآخر من الحدود العراقية التركية، وأنهم نزحوا من منطقة سلوبي الواقعة حذاء جبل الجودي، أي أسفل الجبل من الجهة الجنوبية ولا زالوا مستقرين حتى الوقت الحاضر.

[12]– جان فييه الدومنيكي، المرجع السابق، ج2، ص781 – 782.

[13] – دبليو ويغرام وإدغار ويغرام، مهد البشرية الحياة في شرق كردستان، ترجمة: جرجيس فتح الله، (أربيل – بغداد: دار آراس – منشورات الجمل، 2012م)، ص347.

[14]– هناك في التقليد البشعبي يعتقد أن قبر العزير موجود في منطقة العمارة جنوب شرق العراق.

[15] – المرجع نفسه، مج5، ص2561 – 2562.

[16]– ياقوت الحموي، معجم البلدان، المصدر السابق، ج2، ص179.

[17] – محمود رفاعي النخيلي، بحث كامل عن سفينة وطوفان نوح، سيفجردز للتاريخ والآثار، https://www.civgrds.com/archaeology/15/story-of-flood-of-noah

[18] – ويغرام، مهد البشرية، ص347.

[19]– بولس الفغالي، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم، (بيروت: المكتبة البولسية، ط2، 2009م)، ص657.

[20] – محمود رفاعي النخيلي، بحث كامل عن سفينة وطوفان نوح،  موقع سيفجردز للتاريخ والآثار، المرجع السابق.

[21]–  محمود رفاعي النخيلي، بحث كامل عن سفينة وطوفان نوح،  موقع سيفجردز للتاريخ والآثار، المرجع السابق.

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

‎ٲ.د. فَرسَت مرعي

د.فرست مرعي اسماعيل مواليد ۱۹٥٦ دهوك ٲستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة دهوك له ۲۱ كتابا مؤلفا باللغتين العربية والكردية ، و٤۰ بحثا ٲكاديميا في مجال تخصصه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً