المقالات

أطفال وحيدون وتفاعلاتهم سطحية.. كيف نتعامل مع “الجيل ألفا”؟

آبة ممدوح

الأطفال الذين وُلدوا بعد عام 2011، وأطفالك الذين لم يُولدوا بعد، سيُعرفون بالجيل ألفا، إنهم الأطفال الذين فتحوا أعينهم على الشاشات، وتعلموا مبكرا جدا استخدامها، قبل أن يتعلموا القراءة. يُنسب مصطلح الجيل ألفا إلى الباحث الاجتماعي الأسترالي مارك ماكرندل، ويشير إلى الجيل الذي وُلد بعد الجيل Z، وهم مواليد ما بعد عام 2000، ما يعني أن مواليد ما بعد عام 2010 وحتى عام 2025 هم المقصودون بالجيل ألفا.(1)

يقول مارك إن الديموغرافيين التقليديين كانوا يفرّقون بين الأجيال وفقا لمتوسط ​​الفترة الزمنية بين ولادة الوالدين وولادة أبنائهم، أي نحو 20-25 عاما. لكن التكنولوجيا أسهمت في التحول السريع للقيم الاجتماعية بحيث أصبح من المنطقي تقليص الحدود بين الأجيال إلى 15 عاما.(2) هناك الكثيرون ممن يودون التعرف على سمات هذا الجيل؛ آباؤهم والشركات التجارية أيضا، فقد أصبح أطفال هذا الجيل مستهلكين للتكنولوجيا مبكرا جدا، فما أبرز سمات الجيل ألفا، وكيف نتعامل معهم؟

التعايش مع التكنولوجيا

تقول إيما هازان من وكالة “Hotwire” للاتصالات: “يمكنك معرفة الكثير من خلال الطريقة التي يستهلك بها أي جيل أي شيء سواء كان يتعلق بالتعليم أو الطعام أو التكنولوجيا، ولدى هذا الجيل فهي عادات وسمات تم تطويرها في سن مبكرة، وهو أمر مخيف للغاية”، وهي تؤكد أن أغلبهم من صانعي القرارات أو من المؤثرين فيه بشكل كبير. وحول هذه السمة يقول جيف فروم مؤلف كتاب “التسويق للجيل Z“: “حين كنت طفلا كنت أشكو من وفرة السكاكر، أما هم فيشكون من وفرة التكنولوجيا”.(3)

يعود الفضل لتطور العقل البشري منذ آلاف السنوات إلى التحديات التي يواجهه العالم بها، والتجارب التي يصقله بها، هذا هو ما يسمى بلدونة الدماغ، وما يقوله مايكل مرزينيتش أستاذ علم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا إن الكيفية التي تؤثر بها التكنولوجيا في عقولنا لا تزال غير محددة، رغم العناوين المثيرة التي نقرأها؛ كيف يجعلنا غوغل أغبياء، والهواتف الذكية تحوّلنا إلى زومبي، وفيسبوك يجعلنا نرجسيين، لكنه يؤكد وجود أبعاد أخرى لم تتضح بعد، فالتكنولوجيا تصقل بالتأكيد مهارات أخرى لدينا، إذ تحرر عقولنا من المهام الصغيرة والبسيطة وتتيح لنا التركيز على مهام أكثر عمقا.(4)

ليسوا مدمنين

سيتخطى الجيل ألفا مشكلة الإدمان للجيل الحالي وسيطور قدرته على توظيف التكنولوجيا باعتبارها جزءا اعتياديا من حياته اليومية

مواقع التواصل 

سيتخطى المواطنون الرقميون -وهم جيل ألفا مستقبلا- ما نعتبره اليوم إدمانا للتكنولوجيا، وسيطورون استخدامها لصالحهم، تماما مثلما نستخدم الآلات الموسيقية وأدوات الترفيه الأخرى الآن كما يقول كريستوفر ج. فيرجسون أستاذ علم النفس بجامعة ستيتسون، وهكذا لن يعود هناك خلط بين إدمان المخدرات أو غيرها واستخدام التكنولوجيا، التي ستُسخر فقط لجعل حياتنا أفضل.

وعليه فسيكون دور الآباء فقط التأكد من وجود توازن بين الوقت الذي يقضيه الطفل مع التكنولوجيا والأنشطة الأخرى مثل قضاء الوقت في الهواء الطلق، وحمايتهم من الأخطار.(5)


التفاعل السطحي

يؤكد فروم أن عوالم الصغار ستندمج بكل بساطة مع المادية والرقمية بحيث سيكون جيل ألفا عرضة لنفاد الصبر حين لا تُلبي احتياجاتهم بالسرعة التي يتوقعونها، وستنخفض قدرتهم على التركيز، ويواصل متهكما: “إذا اضطُررت إلى تقديم شارع سمسم من جديد لهم، فسأقدم لهم مقاطع مدتها خمس دقائق فقط”.

يقول فروم إن أبناء هذا الجيل قد يصبحون مؤثرين بشكل سطحي فقط عبر زر “أعجبني”، أو قد يتخذون- على العكس- خطوة للتمرد على تأثير الإنترنت والوقت الكبير الذي نستغرقه أمام الشاشات، خاصة وأنهم نشأوا في كنف آباء ينفقون كثيرا من الوقت أمام شبكات التواصل بحيث لم يتعرفوا على أهمية التفاعل الاجتماعي بعيدا عنها.

يتوقف ذلك في رأي الخبراء على الطريقة التي يُسمح بها لأبناء هذا الجيل باستخدام التكنولوجيا، مع ذلك تقول هازان إن إقبال أبناء الجيل ألفا على استخدام التكنولوجيا كما لو كانت مخدرا لا يعني دائما أمرا سلبيا، فكما يستخدمونها في استهلاك المعلومات والترفيه، فإنهم يكتسبون مهارات أخرى بسرعة غير مسبوقة، أبرزها القدرة على حل المشكلات، وتعدد المهام، والتفكير السريع. ويتوقع جو نيليس أستاذ الاقتصاد العالمي بكلية كرانفيلد للإدارة أن ألفا سيكونون أكثر جيل تعليمي وستكون الدراسة حتى الماجستير هي القاعدة للكثيرين منهم.(6)

أطفال وحيدون

ونظرا لأن أطفال الجيل ألفا وُلدوا لآباء أكبر سنا يميلون لإنجاب عدد أقل من الأبناء، فمن المحتمل أن يكون أغلب أبناء الجيل ألفا أطفالا وحيدين، وستنعكس عليهم بشكل كبير سمات آبائهم -جيل الألفية-، فبينما تربّت أجيال عديدة بالطريقة التقليدية “افعل ما أقوله لك”، فإن أبناء جيل الألفية أكثر ليبرالية ورغبة في مناقشة الأمور، ولهذا يخبرون أطفالهم بالأسباب ما يجعلهم أكثر استعدادا للاستجابة.

يعتقد دان -وهو أحد أبناء جيل الألفية- أن لدى جيله تعاطفا أكبر وفهما أعمق للعالم، ولهذا سيمنحون أطفالهم -جيل ألفا- مساحة ليحققوا ما يريدون. ويقول دان أيضا إن الآباء من جيل الألفية لا يميّزون في حوارهم مع أطفالهم من الجيل ألفا في النوع، يؤكد دان: “لم يستقر في ذهن الأطفال -مثلنا- أن هناك فرقا بين الفتيات والفتيان، ولم يسمعوا مثلنا جملا مثل أن الفتيات جميلات والفتيان أقوياء، وهذا فارق مهم جدا”.(7)

 

طفولة قصيرة

مع ارتفاع متوسط العمر إلى 100 عام، ستزيد السنوات التي يكون فيها البشر بالغين ويمكنهم الاستمرار في العمل، وهو ما يعني أن سنوات الطفولة ستكون قصيرة وأكثر أهمية، ومع ذلك يتعجل الآباء الألفيين أن يصبح أطفالهم بالغين، فيُثقلون الأطفال مبكرا بتعلم مهارات مثل السباحة والموسيقى وكرة القدم، فضلا عن التعليم الدراسية الأساسي الذي صار يبدأ من سن مبكرة تصل إلى ثلاثة سنوات في بعض الدول، ويمتد اليوم الدراسي ساعات طويلة خلال اليوم، والنتيجة أن تُسرق سنوات الطفولة ويصل هؤلاء الأطفال إلى سن البلوغ دون استمتاع حقيقي بالمرحلة السابقة ما قد يعرضهم لخطر الاكتئاب والتوتر. (8)

ربما يكونون أكثر قلقا

طبقا لدراسة بعنوان “فهم الجيل ألفا” أُجريت على ثمانية آلاف من الآباء لأطفال تتراوح أعمارهم بين 4 و9 سنوات، فإن نحو 31% من هؤلاء الآباء يعتقدون أن التكنولوجيا أكثر أهمية لأطفالهم من الألعاب والعطلات أو مصاحبة الحيوانات الأليفة، وقال نحو 27% منهم إنهم طلبوا آراء أطفالهم قبل شراء جهاز تلفاز أو حاسوب محمول أو جهاز لوحي أو هاتف جديد.(9)

بينما يرى بعض المتخصصين في علم النفس علاقة طردية بين استخدام شبكات التواصل والشعور بالقلق والاكتئاب والتوتر، إلا أنهم لا يتفقون جميعا في ذلك الأثر، فبعض الدراسات تكشف عن تأثير إيجابي لاستخدام وسائل التواصل مثل تعزيز الثقة بالنفس وبناء علاقات صداقة قوية، وعموما لا يزال قياس التأثير بشكل دقيق صعبا، إذ يتطلب إيجاد مجموعة ضابطة لا تستخدم التكنولوجيا ليمكن معرفة مدى اختلافها عن المجموعة التي تستخدم التكنولوجيا، وهو أمر يكاد يكون مستحيلا.(10)

الأكثر ثراء

وفقا لمارك مكريندل، فهناك 2.5  مليون طفل من جيل ألفا يولدون كل أسبوع في جميع أنحاء العالم. وبناء عليه يقول دان شوبل مدير الأبحاث في شركة “Future Workplace” إنه في يوليو/تموز 2014 كان هناك ما يقرب من 21 مليون طفل من أبناء هذا الجيل دون سن الرابعة في الولايات المتحدة. وفي عام 2050 حين يكون أكبرهم قد بلغ الأربعين، يُتوقع أن يبلغ عددهم نحو ملياري شخص، بينما سيبلغ عدد أبناء الجيل Z (الذين ولدوا بين عامي 1995 و2009) 1.8 مليار على مستوى العالم، والمتوقع وفقا لشركة المحاسبة “Grant Thornton” أن يكون الجيل ألفا هو الأطول عمرا والأكثر ثراء.(11)

ينفقون المليارات

يشارك أبناء الجيل ألفا بالفعل في توجيه العديد من قرارات الشراء في أسرهم، ويؤكد العديد من المحللين أهمية الجيل ألفا في التأثير في قرارات الشراء لدى آبائهم من جيل الألفية بسبب وجود علاقة عاطفية تصل حد الهوس بأطفالهم، فضلا عن أن أغلب جيل الألفية يرى النجاح في أبوته لأطفاله أكثر أهمية من النجاح في العمل، ومع ذلك فعدد من يرون أنفسهم آباء ناجحين من هذا الجيل لا يتجاوز 40%.

كما يؤكد فروم فقد أصبحت الأسرة أكثر ديمقراطية من أي وقت مضى، ويميل أغلب شباب جيل الألفية -لظروف مختلفة- لأن يكون أبا -أو أما- لطفل واحد، وهو ما يجعل أطفال الجيل ألفا أكثر عرضة لأن يكونوا أنانيين ولأن يتوقعوا الإشباع الفوري لاحتياجاتهم، وهي السمات التي تميز جيل الألفية أيضا.

تستفيد الشركات التجارية من هذه العلاقة المميزة بين الجيلين لتسوّق لمنتجاتها، خاصة وقد كشف حجم مبيعاتها أن هؤلاء الأطفال حين يكونون بصحبة آبائهم لا يقومون فقط بشراء الألعاب لأنفسهم، “ينفق” الجيل ألفا نحو 18 مليار دولار سنويا على مشتريات لهم ولإخوانهم وآبائهم وأصدقائهم وغيرهم من أفراد الأسرة. وهكذا تستهدف بعض الشركات الرائدة الجيل ألفا من البداية لأن هذا يعني الوصول لجيل الألفية. أبناء الجيل ألفا هم العنصر الوحيد المبهج في حياة والديهم القلِقة ذات المهام المتعددة، لذا يمكن الوثوق بتوصياتهم والنظر باعتبار لطلباتهم أيضا. لذا يُتوقع أن يكونوا مدللين، وأن يكونوا أيضا أكثر معرفة بالتكنولوجيا من الأجيال الأخرى. (12)

كيف يمكن التعامل مع الجيل ألفا؟

تخلّ تماما عن الأبوة المستبدة: ليس لدرجة الخوف منهم، لا بأس من قول “لا” بحزم بين الحين والحين ولكن لا تُكثر من قولها.

اجعلهم يشاركون في الأنشطة الاجتماعية: كالاشتراك في الأندية الرياضية والأنشطة الثقافية، فالتقنية يمكن أن تعزلهم عن اكتساب المهارات الاجتماعية الناتجة عن الاحتكاك مع الأقران في الفضاء العام.

عزّز التواصل العائلي المُباشر خارج حدود التقنية: وأشركهم في اتخاذ القرارات العائلية.

احذر مواقع التواصل: قبل أن تمنحهم تصريح الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، من المهم أن تكون على دراية تامة بمزاياها وسلبياتها وأن يكون أطفالك على دراية بها.

أن توضع قواعد للتعامل مع الشاشات: أو الأجهزة قبل أن توفرها أو تسمح لهم بالتعامل معها.

كن مطّلعا: من الآن فصاعدا سيكون أغلب ما يتاح للأطفال من معلومات متوفرا عبر الإنترنت، لذا من المهم أن يكون الآباء على وعي بما يستهلكه أطفالهم من معلومات وما يطلعون عليه من محتوى.

لا تهمل قلوبهم: في أماكن كثيرة ستكون التكنولوجيا متاحة أمام أطفالك، تدعم تفكيرهم وتثري عقولهم، لذا ركز في المنزل على العمل على قلوبهم.

التعاطف: معظم علاقات أطفالك ستكون عبر الإنترنت لذا حاول مساعدتهم ليكونوا أكثر مرونة ووعيا، وتطوير قدرتهم على التعاطف مع الآخرين.

حافظ دوما على التواصل الشخصي بينكما: إنها الطريقة التي لا تبلى أبدا لتكوين علاقة جيدة معهم.

وأخيرا، مثل كل جيل؛ حاول أن تكون قدوة حسنة لهم.(13)

سەنتەری زەھاوی

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً